< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدرس الثمانون: المقام الثالث تصوير ثمرة بحث الحقيقة الشرعية

 

إذا ورد لفظٌ في القرآن الكريم أو السنة الشريفة ولم يعرف المراد منه فهل يراد المعنى اللغوي أو المعنى الشرعي؟

فإما أن نبني على الحقيقة الشرعية وإما أن ننكر الحقيقة الشرعية، احتمالان لا ثالث لهما.

أما الاحتمال الأول وهو القول بالحقيقة الشرعية وأن اللفظ موضوع للمعنى الشرعي إما بالوضع كما إذا حصل التصريح به أو الاستعمال لمرة واحدة، وإما بالوضع التعيني كما لو حصل من كثرة الاستعمال.

وهنا توجد صورتان:

الصورة الأولى إذا قلنا بأن هذا الوضع أوجب النقل فهذا الوضع نقل اللفظ من المعنى الأول إلى المعنى الثاني بحيث يكون الوضع ناسخاً للمعنى الأول ومثبتان للمعنى الثاني.

إما بتقريب أن المخترع إذا أراد يضع لفظاً لمعنى فإنه يخصص اللفظ بالمعنى وينقل هذا اللفظ عن معناه السابق إلى معناه اللاحق فهذا وضع تعييني.

وإما بلحاظ الوضع التعيني وهو أن الوضع بعد أن وضع اللفظ للمعنى الثاني كثر الاستعمال في المعنى الثاني وهجر استعمال المعنى الأول وحصل قرن أكيد بين اللفظ والمعنى الثاني وهجر المعنى الأول ففي هذه الصورة يتعين الحمل على المعنى الثاني وهو المعنى الشرعي دون المعنى الأول وهو المعنى اللغوي المهجور.

الصورة الثانية إذا لم يثبت النقل فالواضع قد وضع اللفظ للمعنى الثاني لكنه لم يهجر المعنى الأول فأصبح اللفظ مشتركاً بين المعنى الأول والمعنى الثاني.

وقلنا إن ظاهر حال المخترع أنه يضع اللفظ للمعنى الذي يخترعه لا أنه ينتزع المعنى الأول من اللفظ الذي يضعه للمعنى الثاني كما أن كثرة الاستعمال للفظ في المعنى الثاني لم توجب هجران استعمال اللفظ في المعنى الأول فلم يحصل قرن أكيد بين اللفظ والمعنى الثاني هجران استعمال اللفظ في المعنى الأول فحينئذ لابدّ من التوقف إذ أن اللفظ أصبح له معنيان: الأول لغوي والثاني شرعي.

إذا الاحتمال الأول وهو القول بثبوت الحقيقة الشرعية فيه صورتان:

الصورة الأولى هجران المعنى الأول، فنحمل اللفظ على الحقيقة الشرعية.

الصورة الثانية عدم هجران المعنى الأول فنلتزم بالتوقف لأن اللفظ أصبح مشتركاً.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول بناءً على ثبوت الحقيقة الشرعية.

الاحتمال الثاني إذا أنكرنا ثبوت الحقيقة الشرعية فلابدّ من الحمل على المعنى اللغوي فمع الشك يحمل اللفظ على المعنى اللغوي لا على المعنى الاصطلاحي.

لكن سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي قد أنكر وجود ثمرة للحقيقة الشرعية تابعاً لأستاذه الميرزا النائيني[1] هذه تقريرات أربعة للسيد الخوئي فيها إنكار للثمرة[2] .

إذا أنكر السيد الخوئي تبعاً للميرزا النائيني وجود ثمرة لبحث الحقيقة الشرعية، بيان ذلك:

إن الثمرة إنما تظهر إذا كان عندنا استعمال ورد في الكتاب أو السنة النبوية وكنا نشكّ في المراد منه أما في كلمات الأئمة ـ عليهم السلام ـ جميعاً فلا إشكال في ثبوت الحقيقة الشرعية في أيام زمانهم فلا معنى لتأثير البحث في أيامهم ـ عليهم السلام ـ .

ونحن قد تلقينا ما صدر في زمن الرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ من نصوص دينية كتاباً وسنة عن طريق الأئمة ـ عليهم السلام ـ الذين نقلوا لنا أحاديث النبي فلابدّ من النظر إلى ما هو الحقيقة في زمان الإمام الناقل، وهنا لا إشكال في أنه في زمن الأئمة الذين نقلوا هذه المصطلحات والألفاظ كان اللفظ في زمانهم حقيقة شرعية في المعنى الشرعي، وبهذا تنتفي الثمرة في المقام.

إلا أن السيد الشهيد في تقريراته الأربعة استغرب هذا البيان من السيد الخوئي[3] .

فقد أشكل السيد الشهيد الصدر على أستاذه السيد الخوئي بأنه لو فرضنا تمامية ما ذكره السيد الخوئي بالنسبة إلى السنة النبوية، فكيف نفرض ذلك بالنسبة إلى القرآن الكريم؟

فإننا لم نتلقه عن طريق الأئمة ـ عليهم السلام ـ بل تلقيناه بالتواتر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بلفظه لا بمضمونه ومحتواه، بمعنى أن تمام المسلمين بعد جيل بمن فيهم الأئمة ـ عليهم السلام ـ قد رووا القرآن الكريم روايةً لفظية لا بالمضمون فلا بدّ أن يكون الميزان في معرفة المراد من لفظ الصلاة الوارد في القرآن الكريم هو الظهور في زمان نزول الآية ومائز القرآن الكريم عن الحديث أنه يجوز نقل الأخير بالمضمون فحين يروي الإمام ـ عليه السلام ـ حديثاً لابدّ أن نفهم معناه في عصره ـ عليه السلام ـ القرآن الكريم فالإمام ـ عليه السلام ـ ينقله بألفاظه فيكون البحث عما تدل عليه تلك الألفاظ خارجاً عن عهدته ـ عليه السلام ـ فالميزان فيما ينقل باللفظ هو الظهور في عصر صدور النصّ سواءً أكان كتاباً أم سنةً، والميزان فيما ينقل بالمعنى هو الظهور في عصر النقل.

وعليه فإنكار الثمرة بهذا البيان لا يمكن المساعدة عليه.

نعم، قد يقال كما في كلمات الميرزا[4] ـ قدس سره ـ قد يقال: بعدم وجود موردٍ مشكوك فيه بل يوجد مع كل موردٍ قرائن متصلة ومنفصلة، وهذا بحثٌ آخر عهدته على مدعيه.

هذا تمام كلام السيد الشهيد ونصّه في محاضرات في علم أصول الفقه[5] .

ومن الواضح أن السيد الشهيد الصدر ينكر على أستاذه السيد الخوئي إنكاره لوجود ثمرة في بحث الحقيقة الشرعية.

وزبدة وعصارة مناقشته في تقريراته الأربعة ـ وقد راجعتها بأكمل ـ :

أن القرآن لا يجوز نقله بالمضمون فلا بدّ من نقله بالنصّ فالعبرة بظهور اللفظة أيام صدور النصّ أي أيام رسول الله بخلاف السنة فإن السنة والروايات يجوز نقلها بالمضمون، فإذا نقل الإمام الصادق أو الإمام العسكري رواية عن رسول الله كانت العبرة بالظهور في أيام الإمام الصادق أو الإمام العسكري وفي أيامهما صلوات الله عليهما لا شكّ في ثبوت الحقيقة الشرعية.

إذاً تبقى ثمرة لبحث الحقيقة الشرعية في أيام رسول الله بالنسبة إلى القرآن الكريم، وإن لم نلتزم بوجود ثمرة شرعية بالنسبة إلى قول رسول الله الذي نقل عن طريق الأئمة ـ عليهم السلام ـ .

والصحيح ما ذهب إليه السيد أبو القاسم الخوئي والسيد الإمام الخميني ـ أعلى الله في الخلد مقامهما ـ من عدم وجود ثمرة لبحث الحقيقة الشرعية فسواء التزمنا بثبوت الحقيقة كما عليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أو لم نلتزم بثبوت الحقيقة الشرعية كما نميل إليه لا توجد ثمرة لبحث الحقيقة الشرعية.

إذ أن الثمرة تكمن فيما لو جاءنا لفظٌ في القرآن الكريم أو السنة المطهرة وشككنا أنه قد استعمل في المعنى اللغوي أو في الاصطلاح الشرعي.

فإذا التزمنا بثبوت الحقيقة الشرعية تمسكنا بأصالة الحقيقة الشرعية والأصل أن القرآن الكريم أو السنة المطهرة قد استعملت اللفظ في معناه الشرعي لا معناه الحقيقي.

وأما إذا أنكرنا ثبوت الحقيقة الشرعية فعند الشكّ نحمل اللفظ على معناه اللغوي لا معناه الشرعي ومورد وظرف جريان أصالة الحقيقة هو مورد الشكّ، والحال أنه لا توجد عندنا لفظة واحدة في القرآن الكريم فضلاً عن السنة الشريفة نشكّ أنها استعملت في المعنى اللغوي أو المعنى الاصطلاحي.

فإذا جزمنا بمعنى ألفاظ القرآن الكريم والسنة المطهرة لا تصل النوبة إلى بحث الحقيقة الشرعية والتمسك بأصالة الحقيقة.

وهذا الذي أشار إليه السيد الشهيد الصدر في تقريراته الأربعة وأنه بحث آخر هو الذي قال به السيد الخوئي والميرزا النائيني، إذ قال هكذا السيد الشهيد ما نصّه[6] :

<نعم، قد يقال كما في كلمات الميرزا ـ قدس سره ـ بعدم وجود مورد مشكوكٌ فيه بل يوجد مع كل قرائن متصلة ومنفصلة وهذا بحث آخر عهدته على مدعيه ـ كلام السيد الخوئي والميرزا النائيني والسيد الإمام الخميني وفي هذا المورد الآخر ـ أن جميع الألفاظ معلوم معناها ولا يوجد شكّ حتى تصل النوبة إلى التمسك بأصالة الحقيقة>.

إذاً لا توجد ثمرة لبحث الحقيقة الشرعية.

ولننقل لكم كلام السيد أبو القاسم الخوئي أولاً ثم كلمات السيد الإمام الخميني ثانياً، ولنعمة ما قال الإمام الخميني.

قال السيد الخوئي[7] قال ما نصّه:

<فقد أصبحت النتيجة لحدّ الآن في أمور:

الأول أن الصحيح ثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني المتحقق بنفس الاستعمال ـ يعني مبنى صاحب الكفاية ـ .

الثاني إن قلنا بعدم الوضع التعييني فلا شبهة في ثبوت الوضع التعيني في زمن الأئمة الأطهار ـ عليهم السلام ـ من جهة كثرة استعمالات المتشرعة تلك الألفاظ في المعاني الجديدة ـ يعني هذا كلام في الحقيقة المتشرعية لا الحقيقة الشرعية ـ .

الثالث أنه لا ثمرة للبحث في هذه المسألة أصلاً فإن ألفاظ الكتاب والسنة الواصل إلينا يداً بيد معلومتان من حيث المراد فلا نشكّ في المراد الاستعمالي منهما، ولا يتوقف في حملهما على المعاني الشرعية.

ومن هنا لا يهمنا إطالة البحث عن أن الحقيقة الشرعية ثابتة أو غير ثابتة، فإن الثمرة المذكورة غير مبتنية على ثبوت الحقيقة الشرعية>.

إذا واضح كلام السيد الخوئي أن المراد من ألفاظ القرآن والسنة واضحة ولا شكّ فيها فلا حاجة إلى التمسك بأصالة الحقيقة.

هذا تمام كلام السيد الخوئي.

وأما أبو الفتوح السيد روح الله الموسوي الخميني فلقد أجاد وأفاد وبحث الحقيقة الشرعية في صفحة وربع[8] :

<الأمر العاشر في ثبوت الحقيقة الشرعية في ألفاظ العبادات والمعاملات في لسان الشارع تعييناً أو تعيناً وعدمه يرى الواقف على كتب القوم حديثها وقديمها أن الاستدلالات الواقعة في نقضها وإثباتها جلها تخرصات على الغيب، إذ التاريخ الموجود بين أيدينا الحافظ لسيرة النبي الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ وحياته وأفعاله حتى العادي منها فضلاً عما له ربطٌ بالتشريع لم يحفظ ذكراً عن الوضع التعييني، مع أنه لو كان هناك شيء لنقل إلينا لتوفر الدواعي على نقله>.

إذا الوضع تعييني بالتصريح لم ينقل التاريخ أن النبي صرح وضعت اللفظة الفلانية للمعنى الفلاني كما أن الآيات القرآنية مكيتها ومدنيتها قريبتها عن البعثة وبعيدتها تعطي الطمأنينة بأن هذه الألفاظ من لدن نزول الذكر الحكيم استعملت في تلك المعاني من غير احتفافها بالقرينة لا مقالية كما هو واضح ولا حالية، ودعوى وجود الحالية كما ترى، ووجودها في حديث واحد في قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : <صلوا كما رأيتموني اصلي لا يدل على وجودها في غيره>>.

إلى أن يقول في نهاية المطاف:

<وعلى كل حال الثمرة المعروفة أو الفرضية النادرة الفائدة مما لا طائل تحتها عند التأمل حيث إنا نقطع بأن الواردة في مدارك فقهنا إنما يراد منها هذه المعاني التي عندنا فراجع وتدبر>.

والخلاصة:

إن المعاني واضحة وقد استعملت في المعاني الشرعية فإذا جزمنا بالمعاني لا تصل النوبة إلى الشكّ حتى نتمسك بأصالة الحقيقة الشرعية.

هذا تمام في بحث الحقيقة الشرعية وينتهي تقرير الصدر الأول في بحث الحقيقة الشرعية، الجزء الأول، الجزء الثاني لم يطبع لحدّ الآن ومن غير المعلوم أن يطبع، ولربما يطبع من غير تحقيق.

جاء في محاضرات في أصول علم الفقه، الجزء الأول، صفحة أربعمئة وسبعة، حاشية اثنين، تاريخ الانتهاء من هذه الأبحاث يوم الثلاثاء، المصادف خمسة صفر، ألف وثلاثمئة واثنين وتسعين، النجف الأشرف.

يعني المطبوع الآن من تقرير الشهيد الصدر الثاني الجزء الأول وقد انتهى، وبحث الحقيقة الشرعية هو أيضاً نهاية الجزء الثاني من تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، فيبدأ الجزء الثالث من المجلد الأول من تقرير الشيخ حسن عبد الساتر ببحث الصحيح والأعم.

وهذا أيضاً بحث الصحيح والأعم موجود في الجزء الأول تقرير السيد كاظم الحائري والجزء الأول تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي.

بحث الصحيح والأعم يأتي عليه الكلام.


[1] محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص126 و 132 و 134، تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض.دراسات في علم الأصول، تقرير السيد علي الشاهرودي الهاشمي، ج1، ص66.الهداية في الأصول، تقرير الشيخ حسن الصافي، ج1، ص75.غاية المأمول من علم الأصول، تقرير الشيخ محمد تقي الجواهري، بحث السيد الخوئي، ج1، ص148.
[2] أجود التقريرات، تقرير السيد الخوئي لبحث الميرزا النائيني، ج1، 33.هداية المسترشدين في شرح معالم الدين، الشيخ محمد تقي الأصفهاني، ج1، ص416 و 417، بحث الحقيقة الشرعية.
[3] محاضرات في علم أصول الفقه، ج1، ص406، تقرير الشهيد الصدر الثاني لبحث السيد الشهيد محمد باقر الصدر.تقرير السيد كاظم الحائري، ج1، مباحث الأصول.تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج1، بحوث في علم الأصول.تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، بحوث في علم الأصول، ج2 من المجلد الأول.
[4] أجود التقريرات، ج1، ص33.
[5] ج1، ص406 و 407.
[6] محاضرات في علم أصول الفقه، ج1، ص407.
[7] محاضرات في أصول الفقه، تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض، ج43 من موسوعة الإمام الخوئي، ص151.
[8] تهذيب الأصول، السيد الإمام الخميني، الطبعة 1، تقرير الشيخ جعفر السبحاني، ج1، ص43 و 44.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo