< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/08/11

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: جلسه 072 - الأمر السابع علامات الحقيقة والمجاز

 

الأمر السابع علامات الحقيقة والمجاز

قد ذكروا ثلاث علامات للحقيقة وهي التبادر وصحة الحمل والإطراد.

العلامة الأولى التبارد

وقد نصّ عليها كثيرٌ من الأصوليين، وتراجع الكتب[1] .

وقد ذكروا في تقريب كون التبادر علامة على الحقيقة، ما حاصله: إن الانتقال إلى معنى معين ومخصوص عند سماع لفظٍ مخصوص لا بدّ أن ينشأ من أحد سببين:

السبب الأول أن يكون موضوعاً لخصوص ذلك المعنى.

السبب الثاني أن توجد قرينة خاصة أو عامة تدل على ذلك المعنى، فإذا لم توجد قرينة تدل على ذلك المعنى الخاص فلا معنى لانسباق المعنى إلى الذهن إلا أن هذا اللفظ قد وضع لخصوص ذلك المعنى، لأن دلالة الألفاظ على المعاني ليست دلالة ذاتية وإنما هي دلالة وضعية، فإذا عدمت القرينة الخاصة أو العامة على معنى مخصوص ومعين وقد تبادر إلى الذهن وانسبق إليه ذلك المعنى المخصوص والمعين كشف ذلك بنحو الإن عن الوضع، فالبرهان الإني مفادة: (إن المعلول يكشف عن العلة) والانسباق معلولٌ والعلة هي العلم بالوضع.

إذاً إذا حصل تبادر معنى وانسباق معنى مخصوص كـمعنى الحيوان المفترس الذي هو أسد الغابة من لفظٍ مخصوص كـلفظ الأسد ولم توجد قرينة خاصة أو عامة تدل على الحيوان المفترس الذي هو أسد الغابة أو ملك الغابة فحينئذٍ نستكشف أن وصف الأسد قد وضع لملك الغابة الذي هو أشرس الحيوانات المفترسة، وبذلك يتضح أن التبادر علامة الحقيقة.

الإشكال على علامية التبادر بلزوم الدور، وفي المقام إشكالٌ معروف قد تطرق له الأصولييون في مختلف كتبهم[2] .

ومفاد هذا الإشكال الذي تعرض له صاحب الكفاية[3] وأجاب عليه، مفاد هذا الإشكال هو لزوم الدور، لأن التبارد علامة الحقيقة فالتبادر لا يحصل إلا إذا علم بالوضع فمن دون العلم بالوضع لا يحصل التبادر، والتبادر أصبح علامة على العلم بالوضع، فالعلم بالوضع يتوقف على التبادر ومن دون تبادر لا نعلم بالوضع، والتبادر يتوقف على العلم بالوضع، فيتوقف العلم بالوضع على العلم بالوضع، وهذا دورٌ واضح.

لأن العلم بذي العلامة يتوقف على حصول العلامة وهو التبادر، وما لم تحصل العلامة فلا علم بذي العلامة، والتبادر متوقف على العلم بالوضع لأن من كان جاهلاً بالألفاظ ومعانيها لا يتبادر ذهنه إلى معنى معين.

إذاً عندنا علمٌ بالوضع في رتبة السبب للتبادر فمن دون علم المتبادر إلى ذهنه بأن لفظ الأسد قد وضع لملك الغابة لا يتبادر إلى ذهنه معنى ملك الغابة، فالعلم بالوضع في مرتبة العلة والتبادر في مرتبة المعلول، وكذلك أصبح التبادر علامة على العلم بالوضع، والعلامة رتبتها متقدمة على ذي العلامة.

فصار العلم بالوضع يتوقف على التبادر، والتبادر يتوقف على العلم بالوضع، فيلزم أن يتوقف العلم بالوضع على العلم بالوضع، وهذا دورٌ واضح.

وقد أجاب على هذا الإشكال المحقق الخراساني[4] وارتضى جوابه جمعٌ من المتأخرين عنه كالمحقق العراقي[5] والمحقق المشكيني[6] والمحقق البجنوردي[7] والمحقق الخوئي[8] .

وخلاصة هذا الجواب هو التميز بين العلم المتوقف وبين العلم المتوقف عليه، فعندنا علمٌ بالوضع إجمالي ارتكازي، وعندنا علمٌ بالوضع تفصيلي، وليس المراد بالعلم الإجمالي هنا هو العلم الإجمالي الذي ندرسه في الأصول العملية جامع وله أطراف، بل المراد بالعلم الإجمالي العلم الارتكازي.

فقد يكون الإنسان عالماً ويغفل عن علمه، فالعلم مركوزٌ في نفسيته لكنه غافلٌ عن هذا العلم، فنقول: هذا علم إجمالي فالمراد بالعلم الإجمالي بلحاظ نفسية المتبادر إليه يعني العلم المركوز، العلم المغفول عنه، العلم الذي لم يلتفت إليه.

فنقول هكذا: التبادر يتوقف على العلم الإجمالي يعني التبادر يتوقف على العلم المركوز في نفسية المتبارد إليه والذي قد يغفل عنه، والعلم الإجمالي يتوقف على التبادر والتبادر يكشف عن العلم بالوضع، يعني التبادر يكشف عن العلم بالوضع تفصيلاً يعني التبادر علامة تفصل المعنى الذي وضع له اللفظ.

إذاً ليس المراد بالعلم الإجمالي العلم الإجمالي المصطلح بمعنى أن لفظ الأسد موضوعٌ إما لكذا وإما لكذا لوضوح أن مثل هذا العلم لا يكفي لتحقيق التبادر ما يحصل تبادر من مثل هكذا علم إجمالي، لماذا لا يحصل تبادر؟

لأن نسبة العلم إلى المعنى الأول والمعنى الثاني على حدٍّ واحد وعلى قد المساواة فلا يحصل تبادر، لا يعقل أن يحصل تبادر إلى معنى بعينه يعني إلى أحد العدلين يتبادر ذهنك ما يصير.

إذاً العلم المتبادر إليه دائماً تفصيلي، في العلم المركوز الذي هو علم إجمالي هذا العلم تفصيلي، وكذلك في العلم التفصيلي الملتفت إليه هذا العلم أيضاً تفصيلي.

إذاً المعنى المتبادر إليه دائماً يكون تفصيلياً، فالعلم الذي يتوقف عليه التبادر والعلم الذي توقف التبادر عليه كلاهما علمٌ تفصيلي وليس علماً إجمالياً.

نعم، للعلم بالوضع نحوان من الوجود في عالم النفس:

النحو الأول يكون موجوداً في النفس بنحوٍ مغفولٍ عنه وغير ملتفتٍ إليه فهو علمٌ مركوز ونعبر عنه بالعلم الإجمالي، فهو عالمٌ بالوضع ولكنه ليس عالم بأنه عالم بالوضع لأنه غير ملتفت إلى أنه عالم بالوضع، وبمجرد الالتفات يرتفع هذا العلم الارتكازي أو هذا العلم الإجمالي ويصبح علماً تفصيلياً.

وأخرى الناحية الثانية النحو الثاني يوجد هذا العلم في النفس بنحوٍ تفصيلي يعني بحيث يبرز إلى ظاهر عالم النفس فيقترن بالالتفات التفصيلي بحيث يكون عالماً بالوضع وعالماً بأنه عالم بالوضع، فيكون الجواب هكذا:

إن المتوقف على التبادر هو العلم التفصيلي بالوضع، وأما التبادر فلا يتوقف على العلم التفصيلي بالوضع، بل يكفي فيه العلم بالوضع بوجوده الارتكازي.

هذا تمام الكلام في العلامة الأولى التبادر، والإشكال عليه بإشكال الدور ورفع صاحب الكفاية لإشكال الدور وقبول من تأخر عنه لجواب صاحب الكفاية.

إلا أن الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ قال: إن جواب صاحب الكفاية ومن تأخر عنه ليس بتامٍ بناءً على مسلك المشهور وهو مسلك الاعتبار.

فإشكال الدور مستحكمٌ عند الشهيد الصدر بناءً على مسلك الاعتبار، لكنه ليس بمستحكمٍ بناءً على نظرية القرن الأكيد التي ذهب إليها الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ .

وبما أن بيان ذلك وتفصيله وتحقيقه يحتاج إلى مزيد بيان، إن شاء الله تراجعون كلمات صاحب الكفاية والسيد الخوئي وتراجعون كلمات الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ لنرى الصحيح في المسألة.

عدم وفاء جواب المشهور في رفع إشكال الدور يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

 


[1] مبادئ الوصول إلى علم الأصول، ص80.مفاتيح الأصول، ص68.هداية المسترشدين، ص44، السطر 49 من النسخة الحجرية.القوانين المحكمة، ج1، ص56.الفصول الغروية، ص33، السطر 22 من النسخة الحجرية.تقريرات المجدد الشيرازي، ج1، ص69.كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص18، الأمر السابع علائم الحقيقة والمجاز.
[2] الفصول الغروية، ص33، للشيخ محمد حسين الأصفهاني.كتاب هداية المسترشدين، ص44، السطر 49، لأخيه الشيخ محمد تقي الأصفهاني.تقريرات المجدد الشيرازي، ج1، ص69.بدائع الأفكار، المحقق الرشتي، ص70 و 71.مقالات الأصول، المحقق آقا ضياء الدين العراقي، ج1، ص111.
[3] كفاية الأصول، ص18، الأمر السابع الحقيقة والمجاز.
[4] الكفاية، ص18.
[5] مقالات الأصول، ج1، ص113.
[6] في حواشي المشكيني على الكفاية، ج1، ص125.
[7] منتهى الأصول، ج1، ص40.
[8] محاضرات في أصول الفقه، ج1، ص14.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo