< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/07/29

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: جلسه 070 - الاعتراض الثاني وهو اعتراض حلي للمحقق العراقي على المحقق النائيني

 

الاعتراض الثاني وهو اعتراض حلي للمحقق العراقي على المحقق النائيني

ذكرنا فيما سبق بالنسبة إلى الاحتمال الأول توجد ثلاث دعاوى:

الدعوى الأولى للمشهور، وهو أن الهيئة التركيبية موضوعة بوضع زائد في الجملة الاسمية والفعلية معاً، فالجملة التركيبية موضوعة للنسبة سواء كانت الجملة اسمية أو كانت الجملة فعلية.

الدعوى الثانية للمحقق النائيني الذي فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية، فقال: الجملة الاسمية ليس فيها ما يدل على النسبة، إذاً لابدّ من وضع الهيئة التركيبية في خصوص الجملة الاسمية دون الجملة الفعلية فالجملة الفعلية لا تحتاج إلى وضعٍ خاص.

من هنا أشكل عليه المحقق العراقي بإشكالين:

الإشكال الأول نقضي، وقد أجبنا عنه.

اليوم إن شاء الله نأتي إلى الإشكال الثاني الحلي[1] .

وحاصل الاعتراض الحلي:

إن هيئة ضرب وإن كانت تدل على نسبة الفعل إلى الفاعل لكن لم يؤخذ فيها فاعلٌ مخصوص بل أخذ فيها نسبة الفعل إلى فاعلٍ ما أي إلى فاعل مبهم، أما تعين الفاعل في زيد أو عبيد فلا تدل عليه هيئة الفعل، إذاً لابدّ من وضع الهيئة التركيبية لإفادة تعيين ذلك الفاعل المبهم بهذا الفاعل المعين.

فالمحقق النائيني ـ ره ـ يقول: إن الجملة الاسمية تحتاج إلى وضع الهيئة التركيبية لأنه لا يوجد ما يربط بين المبتدأ والخبر، بخلاف الجملة الفعلية فإن كل فعلٍ يحتاج إلى فاعلٍ فالجملة الفعلية لا نحتاج فيها إلى وضعٍ خاص للجملة التركيبية لأن نفس الفعل يدل على الفاعل من دون حاجة إلى وضعٍ خاص.

وأجاب عنه المحقق العراقي ـ ره ـ :

إن الفعل وإن دلّ على فاعلٍ خاص إلا أن الفعل كـضرب يدل على فاعلٍ ما بشكلٍ مبهم من دون تعيين شخص الفاعل أنه زيد أو عبيد، إذاً لتعيين شخص الفاعل وإزالة الإبهام عنه نحتاج إلى ما يدل عليه، والذي يدل عليه هو الهيئة التركيبية.

إذاً نحن نحتاج إلى وضعٍ خاصٍ للهيئة التركيبية في الجملة الاسمية والفعلية معاً، أما في الجملة الاسمية فمفاد الهيئة التركيبية ربط المبتدأ بالخبر ونسبة الخبر إلى المبتدأ، وأما في الجملة الفعلية فمفاد الهيئة التركيبية نسبة الفعل إلى فاعلٍ معين، وأما ما يفيده نفس الفعل فهو نسبة الفعل إلى فاعلٍ ما على سبيل الإبهام لا على سبيل التعيين.

إذاً نحن نحتاج إلى الهيئة التركيبية في الجملة الفعلية والاسمية معاً وفاقاً للمشهور.

وحال هذا الاعتراض الحلي من المحقق العراقي من حيث عدم الصحة، حال أصل دعوى المحقق النائيني من عدم الصحة، ويظهر بطلان كلا الأمرين باعتبار أن هذين العلميين متفقان على تحقق نسبة الفعل إلى الفاعل، غاية ما في الأمر أن الخلاف بينهما أن الميرزا النائيني يرى أن الجملة الفعلية تدل على نسبة الفعل إلى شخص الفاعل وهو زيد في مثالنا بينما المحقق العراقي ـ ره ـ يرى أن الجملة الفعلية تدل على نسبة الفعل إلى فاعلٍ مبهم لا إلى فاعلٍ معين.

والفارق بين الدعويين:

الأول إن دعوى المحقق النائيني ترى أنه لم يبقى شيءٌ آخر توضع له الهيئة التركيبية لأن الجملة الفعلية يدل فيها الفعل على فاعلٍ معين ومشخص ومحدد فلا حاجة إلى الهيئة التركيبية في الجملة الفعلية.

الثاني وهي دعوى المحقق العراقي، ترى وجود حاجة إلى الهيئة التركيبية وهي تعيين شخص الفاعل، إذ أن الجملة الفعلية تدل على نسبة الفعل إلى فاعلٍ ما أي إلى فاعل مبهم من دون تعيين شخص الفاعل، فنحتاج إلى وضع الهيئة التركيبية لتشخيص شخص الفاعل.

إذاً اتفق العلمان العراقي والنائيني على أن الجملة الفعلية تدل على نسبة تامة بين الفعل والفاعل، واختلفا في أن الفاعل هل هو مبهم؟! كما يقول المحقق العراقي، أو مشخص ومحدد، كما يقول المحقق النائيني.

وهذا أساساً غير صحيح فمن قال: إن نسبة الفعل إلى الفاعل نسبة تامة، هذا أول الكلام، إذ أن نسبة الفعل إلى الفاعل نسبة أولية وليست نسبة ثانوية، والمراد بالنسبة الأولية ما يكون موطنها الأصلي هو الخارج لا الذهن، فإن الضرب إنما ينتسب إلى الضارب في الخارج لا في عالم التصور والذهن، وقد ذكرنا مسبقاً أن النسب الأولية التي موطنها الخارج لا الذهن مدلولة للحرف بنحو النسب الناقصة ويستحيل أن تكون تامة والنسبة التامة إنما تكون في النسب الثانوية التي عالمها عالم الذهن والتصور وليس عالمها عالم الخارج.

إذا قلنا: إن نسبة ضرب إلى الفاعل هي نسبة أولية يعني تلحظ في الخارج، هي نسبة ناقصة وليست نسبة تامة، إذا هذا خارج عن موطن بحثنا، موطن اتفاق المحقق النائيني والعراقي أن النسبة تامة لكن هل هي النسبة التامة نسبة الفعل إلى فاعل مبهم كما يقول المحقق العراقي، أم نسبة الفعل إلى فاعلٍ معين ومشخص كما يقول الميرزا النائيني.

إذاً هذه النسبة الأولية نسبةٌ ناقصة وحيث إن نسبة الفعل إلى الفاعل نسبة أولية فينبغي أن تكون نسبة ناقصة لا تامة بمعنى أنه يوجد مفهوم واحد لا عدة مفاهيم، مفهوم واحد ينحل إلى ضرب وإلى ذاتٍ وإلى نسبة بين الضرب والذات، وبالتالي يتضح أننا بحاجة في قولنا: <ضرب زيدٌ> إلى نسبة أخرى غير نسبة الفعل إلى الفاعل لأن نسبة الفعل إلى الفاعل نسبة ناقصة وليست نسبة تامة، فلكي تكون النسبة تامة فنحن نحتاج بالإضافة إلى نسبة الفعل إلى الفاعل التي هي ناقصة نحتاج إلى نسبة أخرى لكي تكون الجملة تامة، وهي <النسبة التركيبية>، فيتعين أن تكون الهيئة التركيبية في الجملة الفعلية موضوعةً للنسبة التصادقية.

فعندنا دالان:

الدال الأول هيئة الفعل، وهي تدل على نسبة الفعل إلى الفاعل بنحو النسبة الناقصة.

الدال الثاني الهيئة التركيبية، وهي تدل على النسبة التصادقية بين الفعل مادة وهيئة وبين زيد.

ولنضرب مثالاً وجدانياً، حتى لا تسرح أذهان الطلبة ويصبح المطلب غامضاً، فهل يوجد فرق بين قولنا: <ضرب>، وبين قولنا: <ضرب شخصٌ>.

ففي المثال الأول: <ضرب> هل هذه الجملة تامة أم ناقصة؟! ناقصة لا يحسن السكوت عليها، مع أن كل فعلٍ يستلزم وجود فاعل مبهم كما يقول المحقق العراقي، فإذا نسبة الفعل إلى الفاعل نسبة ناقصة وليست نسبة تامة.

ولكن الجملة الثانية <ضرب شخصٌ> <ضرب فردٌ> هل هي جملة تامة أم جملة ناقصة؟! يحسن السكوت عليها أم لا يحسن السكوت عليها؟! جملة تامة يحسن السكوت عليها، مع أن الفاعل في هذه الجملة غير مشخص، وغير محدد، إذ تقول: <ضرب فردٌ، ضرب شخصٌ، ضرب ضاربٌ> فهنا توجد نسبة الفعل إلى فاعله، وهذا الفاعل أيضاً مبهم غير مشخص، وعلى الرغم من ذلك يحسن السكوت عليه.

سؤال: من أين جاءت التمامية في الجملة الثانية <ضرب شخصٌ>، ومن أين جاء النقصان في الجملة الأولى <ضرب>؟

الجواب: في الجملة الأولى <ضرب> توجد نسبة ناقصة لأنها ناظرة إلى النسبة الأولية وقوع الضرب في الخارج، ففيها نسبة الفعل إلى الفاعل خارجاً، وهي <نسبة أولية> والنسبة الأولية التي تلحظ الخارج هي نسبة ناقصة لا يحسن السكوت عليها.

بخلاف الجملة الثانية <ضرب شخصٌ> هذه ناظرة إلى عالم الذهن، ففي العبارة <ضرب شخصٌ> توجد نستبتان:

النسبة الأولى نسبة الضرب إلى ضارب، نسبة الضرب إلى الفاعل، وهي نسبة ناقصة، استفدناها من هيئة <ضرب>.

النسبة الثانية <ضرب شخصٌ> أي نسبة الضرب إلى شخصٍ مبهم، وهذه الجملة تامة، من أين استفدنا التمامية؟ من دلالة الهيئة التركيبية على النسبة.

إذاً الهيئة التركيبية كما نحتاجها في الجملة الاسمية لربط المبتدأ بالخبر، أيضاً نحتاجها في الجملة الفعلية، لكن نحتاجها في الجملة الفعلية لإثبات التمامية والترقي من النسبة الناقصة إلى النسبة التامة كما يقول الشهيد الصدر، لا أننا نحتاج إلى الهيئة التركيبة في الجملة الفعلية من أجل تعيين شخص الفاعل كما يقول المحقق العراقي، إذ ننقض عليه بهذه المفردة <ضرب شخصٌ، ضرب فردٌ> فإن الجملة تامة، وإن لم يتعين شخص الفاعل.

إذاً الملاك كل الملاك أيها المحقق العراقي ليس في إبهام الفاعل أو تعيينه حينما اعترضت بالحلي على الميرزا النائيني بل الملاك كل الملاك في كون النسبة تامة أو ناقصة.

إذاً الصحيح مذهب المشهور المنصور وهو أنه كما نحتاج إلى الهيئة التركيبية في الجملة الاسمية نحتاج إليها في الجملة الفعلية.

هذا تمام الكلام في الدعوى الثانية.

إذاً الدعوى الأولى للمشهور نحتاج إلى الجملة التركيبية في الجملة الاسمية والفعلية، الدعوة الثانية للميرزا النائيني نحتاج إلى الهيئة التركيبية في الجملة الاسمية دون الجملة الفعلية، الدعوى الثالثة عكس الدعوة الثانية نحتاج إلى الهيئة التركيبية في الجملة الفعلية دون الجملة الاسمية، فالدعوة الثالثة معاكسة للدعوة الثانية.

حاصل الدعوة الثالثة إن هيئة الجملة الفعلية موضوعةٌ للنسبة أما هيئة الجملة الاسمية فليست موضوعة للنسبة، فالنسبة في قولنا: <زيدٌ قائمٌ> هذه جملة اسمية لا نحتاج فيها إلى الهيئة التركيبية بل الذي يربط بين المبتدأ زيد وبين الخبر قائم هو ضمير <هو>، فالجملة هكذا: <زيدٌ قائمٌ هو>.

ففي الجملة الاسمية لا نحتاج لوضع خاص للهيئة التركيبية لكي نربط بين المبتدأ والخبر لأنه يوجد ما يربط بين المبتدأ والخبر في الجملة الاسمية وهو الضمير المستتر المقدر بلفظ <هو>، فقولنا: <زيدٌ قائمٌ> كـقولنا: <زيدٌ هو قائمٌ> لأن مرجع قولنا: <زيدٌ قائمٌ> إلى قولنا: <زيدٌ قائمٌ هو>، والضمير <هو> هو الذي ربط بين زيد وبين الخبر قائم.

فإذا وجد ما يدل على النسبة وهي نسبة الخبر إلى الفعل وهو الضمير <هو> فلا نحتاج حينئذٍ إلى وضعٍ خاص للجملة التركيبية.

وفيه: إن الضمير المستتر هو الذي يدعى تقديره لا يمكن أن يُحصَل به ربطٌ ونسبةٌ بين المبتدأ زيد والخبر قائم، والسبب أن كلمة <هو> ليست حرفاً، كلمة <هو> ضمير ولكي نفهمها لابدّ نرجع إلى مرجع الضمير، ومرجع الضمير اسم وليس حرفاً، <زيدٌ قائمٌ هو> لفظ هو يرجع إلى مرجع الضمير هو، وما هو مرجعه؟! زيد، يعني <زيدٌ قائمٌ زيدٌ>.

إذاً لفظ <هو> ليس حرفاً وإنما هو من أسماء الإشارة فنرجع إلى مرجع الضمير، مرجع الضمير اسم، وهو زيد، الاسم بنفسه لا يقوم بالنسبة والربط يحتاج إلى ما يوجد الربط.

يعني لاحظ معي <زيدٌ قائمٌ> نحتاج إلى رابط بين لفظ زيد وبين قائم، وبعد ونحتاج إلى ربط بين لفظ قائم وبين لفظ هو، لا أن لفظ هو، هو الذي يوجد النسبة ويقوم بالربط بين لفظ زيد ولفظ قائم.

فإذا قلنا: إن الهيئة التركيبية هي التي تدل على النسبة وهي التي تدل على الربط والشدّ بين المبتدأ والخبر فلا حاجة إلى إطالة الطريق والموضوع، ونقول: إن لفظ <هو> هو الذي يدل على الربط مع أنه مرتبط برابط آخر يحتاج إلى رابط يربط بين المفردتين.

إذاً لفظ <هو> لا يمكن أن يقوم بالنسبة والربط، فيتعين المسلك الأول للمشهور وهو أن الهيئة التركيبية موضوعة للنسبة والربط في كلتا الجملتين الاسمية والفعلية معاً.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول.

الاحتمال الثاني يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين

 


[1] مقالات الأصول، المحقق العراقي، ج1، ص110، المقالة الخامسة وضع المركبات.منهاج الأصول، تقرير الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي لبحث المحقق العراقي، ج1، ص75، الأمر السادس في وضع المركبات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo