< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: جلسه 069 - الأمر السادس المركبات وكيفية وضعها

 

الأمر السادس المركبات وكيفية وضعها

إن الجملة التركيبية التامة سواءٌ كانت جملة اسمية كـزيدٍ عالم أو فعلية كـضربَ زيدٌ لها ثلاثة أنواع من الأجزاء:

النوع الأول موادر المفردات، كـلفظ زيد وعلم، في قولنا: «زيدٌ عالم» فهنا مادة الزاء والياء والدال في زيد ومادة العين واللام والميم في عالم.

النوع الثاني هيئات المفردات كـالهيئة الاشتقاقيه لعَالِم على وزن «فَاعِل»، أو هيئة الفعل الماضي ضَرَبَ على وزن «فَعَلَ».

النوع الثالث الهيئة التركيبية القائمة بمجموع الكلمتين كـتقديم لفظ زيد على عالم، وتأخير لفظ قائم عن عمرو.

والجملة: عبارة عن المجموع المركب من هذه الأنواع الثلاثة: مادة المفردة، وهيئة المفردة، ومجموع المفردات أي الهيئة التي تركب منها هذا المجموع من المفردات.

ولا شكّ ولا ريب أن المواد موضوعةٌ لمعنى والهيئات أيضاً موضوعة لمعنى ووقع الكلام في هيئة المركبات، فهل الجملة التركيبية لها وضعٌ زائد على وضع مواد وهيئات المفردات أو لا؟

المراد من المركب في المقام:

قد يراد من المركب أحد احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يراد من المركب خصوص النوع الثالث في مقابل النوع الأول والثاني، فالنوع الأول هو وضع المواد مواد المفردات والنوع الثاني وضع هيئات المفردات والنوع الثالث وضع هيئة تركيبية للجملة، فهل الهيئة التركيبية موضوعة بوضعٍ خاصٍ مستقلٍ عن النوع الأول والثاني أو لا؟

وقد سميت الهيئة التركيبية مركباً لأن الهيئة التركيبية الجزء الصوري للمركب، فالمركب له صورة وهيئة وشكل يطلق عليه الهيئة التركيبية، فهل العنصر الثالث وهو الهيئة التركيبية الدالة على معنى يفيد التركيب قد وضعت بوضعٍ مستقل أو لا؟ فيراد بوضع المركبات وضع خصوص العنصر الثالث.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول لمعنى المركب.

الاحتمال الثاني أن يراد من المركب المجموع المركب من العناصر والأنواع الثلاثة: فالنوع الأول وضع مواد المفردات، والنوع الثاني وضع هيئات المفردات، والنوع الثالث وضع الهيئة التركيبية، هذه الأنواع الثلاثة بعد الفراغ عن وضعها لمعانيها الخاصة، نقول: هل المجموع المركب من هذه الثلاثة وضع لمعنى أم لا؟

إذاً الاحتمال الأول ناظرٌ إلى وضع خصوص النوع الثالث أي خصوص الهيئة التركيبية، والاحتمال الثاني ناظرٌ إلى وضعٍ خاص يضم ويشمل الأنواع الثلاثة، فبعد الفراغ عن وضع الأنواع الثلاثة لمعانيها، نقول: يوجد وضع رابع لمجموعها.

هذا هو مفاد الاحتمال الثاني.

على هذا الأساس يقع كلامنا في كلا هذين الاحتمالين، ونشرع اليوم في بيان الاحتمال الأول، الاحتمال الأول في وضع النوع الثالث أي أن الهيئة التركيبية قد وضعت بوضعٍ خاص يدل على معنى المركب، فالهيئة التركيبية موضوعةٌ لمعنى خاص كما أن مواد المفردات قد وضعت لوضعٍ خاص كما في النوع الأول، وكما أن هيئات المفردات وضعت لمعنى خاص كما في النوع الثاني فكذلك النوع الثالث وهو الهيئة التركيبية للجملة فإنها قد وضعت لمعنى خاص يفيد معنى المركب.

وعلى ضوء الاحتمال الأول وهو أن الهيئة التركيبية قد وضعت لمعنى معين مستقلٍ عن النوع الأول والنوع الثاني، توجد ثلاث دعاوى:

الدعوى الأول وهي دعوى المشهور، وهي أن الهيئة التركيبية موضوعة بوضعٍ زائد وهي النسبة والربط، فهيئة الجملة التركيبية وضعت لإفادة معنى النسبة والربط بين المبتدأ والخبر في الجملة الاسمية وكذلك النسبة والربط بين الفعل والفاعل في الجملة الفعلية[1] .

ودعوى المشهور هي القول المنصور، وقد رجحه سيد أساتذتنا السيد الخوئي والشهيد السيد محمد باقر الصدر وهو الصحيح.

فالهيئة التركيبية قد وضعت لمعنى لم توضع له المفردات لا بموادها ولا بهيئاتها، وهي النسبة التصادقية التامة، فالنسبة التصادقية يعني الشدية، شدّ وربط المبتدأ بالخبر في الجملة الاسمية بحيث يحسن السكوت على ذلك، وكذلك شدّ وربط الفعل بالفاعل في الجملة الفعلية بحيث يحسن السكوت على ذلك.

إذاً الدعوى الأولى للمشهور وهو أن الهيئة التركيبية وضعت للنسبة والربط بين المفردات مطلقاً، سواءً كانت الجملة اسمية وسواءً كانت الجملة فعلية، وستتضح صحة هذه الدعوى بعد إبطال الدعوى الثانية والدعوى الثالثة.

الدعوى الثانية ما ذهب إليه المحقق النائيني[2] ـ ره ـ فقد فصل المحقق النائيني بين الهيئة التركيبية في الجملة الاسمية والجملة الفعلية، فقال ـ قده ـ :

«إن الهيئة التركيبية في الجملة الاسمية موضوعةٌ للربط بين الجزئين أي بين المبتدأ والخبر بينما الجملة الفعلية ليس موضوعةً لربطٍ خاص وليس لها وضعٌ خاص».

إذاً فصل المحقق النائيني بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية، فقال: بوجود وضعٍ خاص للجملة التركيبية في خصوص الجملة الاسمية دون الجملة الفعلية.

والسرّ في ذلك:

أنه كي يتحصل معنى الجملة فإننا بحاجة إلى ما يدل على النسبة والربط والشدّ بين الأطراف، فإذا رجعنا إلى الجملة الاسمية، كـقولنا: «زيدٌ عالمٌ» فإننا سنجد أن مفردات الجملة الاسمية من مبتدأ وخبر ليس فيها ما يدل على الربط والشدّ بين الطرفين، وليس فيها ما يدل على النسبة، إذاً لا بدّ من وجود شيء يدل على النسبة، ومن هنا نشأت الحاجة إلى وضع الهيئة والصيغة التركيبية للجملة الاسمية التي تدل على النسبة والربط والشدّ في الجملة الاسمية.

وهذا بخلاف الجملة الفعلية، مثل قولنا: «ضربَ زيدٌ» فالهيئة الأفرادية للفعل «ضَرَبَ» وهي هيئة الفعل الماضي بنفسها تدل على الربط والنسبة فالفعل ينسب إلى فاعلٍ فنفس المفردة وهي الفعل الماضي «ضَرَبَ»، ونفس هيئة ومفردة الفعل الماضي تدل على الحاجة إلى فاعلٍ من دون حاجة إلى وضع خاص يدل على الربط والنسبة والشدّ.

إذاً في الجملة الفعلية نفس الفعل يدل على وجود فاعل من دون حاجة إلى صيغة وهيئة تدل على النسبة والشدّ والربط.

إذاً نحن لا نحتاج إلى وضعٍ خاص في الجملة الفعلية، لكننا نحتاج إلى وضع خاص في الجملة الاسمية.

هذا تمام ما أفادة المحقق النائيني ـ قده ـ .

وقد اعترض عليه المحقق العراقي ـ قده ـ باعتراضين أحدهما نقضي والآخر حلي وكلاهما ليس بتام كما أن كلام المحقق النائيني ليس بتام، فتبطل الدعوى الثانية ومناقشتها من قبل المحقق العراقي ـ أعلى الله مقامهما الشريف ـ .

الاعتراض الأول للمحقق العراقي على المحقق النائيني، وهو اعتراضٌ نقضي[3] ، وقد يتصيد من كلمات المحقق العراقي في مقالات الأصول[4] ، ومفاد الاعتراض النقضي:

أن مقتضى ما ذكره المحقق النائيني ـ ره ـ في وجه عدم احتياج الجملة الفعلية إلى وضعٍ زائد هو أن الجملة الاسمية في بعض الموارد لا تحتاج إلى وضع، فملاك ما ذكره المحقق النائيني ـ ره ـ من عدم احتياج الجملة الفعلية إلى وضعٍ خاص هو وجود ما يدل على الشدّ وهو أن نفس الفعل يدل على الربط والنسبة من دون حاجةٍ إلى وضعٍ خاصٍ.

هنا نقض عليه المحقق العراقي قائلاً:

إن الجملة الاسمية قد يكون خبرها فعلٌ من الأفعال، كما لو قلت: «زيدٌ ضربَ» فهل تلتزم أيها الميرزا النائيني أن في هذه الجملة الاسمية التي مبتدأها زيد وخبرها ضَربَ لا نحتاج إلى وضعٍ خاص لأن الخبر عبارة عن فعلٍ من الأفعال وهذا الفعل ضرب يدل على النسبة بين الفعل والفاعل من دون حاجة إلى وضعٍ خاص يدل على النسبة والربط والشدّ بين الفعل والفاعل، فهل تلتزم أيها النائيني بأننا لا نحتاج إلى وضعٍ خاص للجملة التركيبية في الجملة الاسمية إذا كان خبرها فعل من الأفعال؟!

وفيه:

الجملة الاسمية إذا كان خبرها فعلاً من الأفعال فيها نسبتان:

النسبة الأولى نسبة الفعل إلى فاعله المتمثل في الضمير المستتر، تقول: «زيدٌ ضربَ هو» فالخبر وهو ضرب يوجد شدّ وربطٌ بينه ضرب وبين الضمير المستتر هو، فالخبر عبارة عن جملة فعلية مؤلفة من الفعل وهو ضرب ومن الفاعل الذي هو ضمير مستتر تقديره هو.

وفي مثل هذه النسبة الأولى النسبة بين الفعل والفاعل يلتزم الميرزا النائيني أنه لا نحتاج إلى وضعٍ خاص فالفعل يدل على الربط بينه وبين فاعله هذا في خصوص النسبة الموجودة في الخبر الذي هو جملة فعلية ضرب.

النسبة الثانية النسبة بين زيد الذي هو مبتدأ وبين هو الذي هو ضمير وهو فاعلٌ للخبر ضربَ، فعندنا نسبة بين المبتدأ والخبر، المبتدأ زيدٌ والخبر ضربَ والذي يربط بينهما هو، زيدٌ ضربَ هو.

إذاً توجد عندنا نسبتان:

النسبة الأولى بين فعل ضرب والفاعل ضمير هو.

والنسبة الثانية بين المبتدأ زيد وبين ضمير هو الذي هو فاعلٌ لـ الفعل ضرب الذي هو خبر.

ومدعى الميرزا النائيني أنه في النسبة الثانية بين المبتدأ زيد وبين الجملة الخبرية ضرب هو لا يوجد ما يدل على الشدّ والربط فنحن نحتاج إلى وضعٍ خاص للشدّ والربط، وليس دعوى النائيني أنه في خصوص الخبر الذي هو الجملة الفعلية ضربَ نحن نحتاج إلى صيغة نحتاج إلى ما يدل على الشدّ، يقول: لا نحتاج في خصوص الخبر لأن الخبر فعل ضربَ يدل على الشدّ والربط بين الفعل ضرب وبين الضمير المستتر هو.

إذاً النسبة التي ذكرها الميرزا النائيني يكفي في إفادتها هيئة الفعل ولا تحتاج إلى وضع الهيئة التركيبة هذا بالنسبة إلى النسبة الأولى، وأما الهيئة التركيبية بالنسبة إلى النسبة الثانية يعني بالنسبة إلى زيد الذي هو مبتدأ وبين ضرب الذي هو خبر، فلا بدّ أن تكون موضوعة لإفادة النسبة الثانية القائمة بين زيد وهو.

إذاً الاعتراض النقضي للمحقق العراقي على الميرزا النائيني ليس بتام، فالجملة الاسمية سواءً كان الخبر اسماً كـقولنا: «زيدٌ عالم»، وسواء كان الخبر فعل كـقولنا: «زيدٌ يعلم» لا يوجد ما يدل على الشدّ والربط بين المبتدأ والخبر، ففي الجملة الثانية التي يكون الخبر جملة فعلية «زيدٌ يعلم هو» توجد نسبتان:

النسبة بين يعلم والفاعل هو، هذه لا تحتاج إلى ما يوجد الربط فلفظ يعلم يقتضي الشدّ والربط مع فاعله هو، ولكن لا يوجد ما يدل على الشدّ والربط بين لفظ زيد الذي هو مبتدأ وبين لفظ يعلم الذي هو خبر فنحتاج إلى ما يدل على الشدّ والربط بين الكلمتين وبين المفردتين.

إنصافاً جواب الشهيد الصدر على نقض المحقق العراقي تامٌ، وهذا ما ذكرناه من أن ما يدل على الشدّ في الجملة الاسمية قد يظهر لفظاً في بعض اللغات: ففي اللغة العربية، نقول: «زيدٌ عالمٌ» الذي يربط بينهما التنوين، في الفارسية: «زيدٌ عالم است»، في الأورد هـ : «زيدٌ عالم هـ»، وفي الإنكليزي لفظ is : «this is.. » فلفظ is في الانكليزيه و است في الفارسية و هـ في الأورد يدل على الشدّ والربط بين المبتدأ والخبر في الجملة الاسمية، إذاً لا بدّ من وجود وضعٍ خاص يدل على الشدّ والربط.

هذا تمام الكلام في بيان الاعتراض النقضي للمحقق العراقي على الميرزا وردّه.

الاعتراض الثاني وهو حلي، يأتي عليه الكلام.

وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين

 


[1] يراجع نهاية الدراية، المحقق الأصفهاني، ج1، ص41. ويراجع مقالات الأصول، المحقق العراقي، ج1، ص1099، المقالة الخامسة. ويراجع دراسات في علم الأصول، تقرير السيد علي الهاشمي لبحث السيد الخوئي، ج1، ص63، وضع المركبات.
[2] يراجع أجود التقريرات، السيد الخوئي، ج، ص.
[3] يراجع منهاج الأصول، الشيخ محمد إبراهيم الكرباسي، ج1، ص75، الأمر السادس في وضع المركبات.
[4] مقالات الأصول، المحقق العراقي، ج1، ص110، المقالة الخامسة وضع المركبات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo