< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:جلسة68.المقدمة-الأمر الخامس-تحقيق الكلام في الحيثية الثالثة:هل الإرادة مأخوذة في المعنى الموضوع له أو ليست مأخوذة؟!

 

هل الإرادة مأخوذة في المعنى الموضوع له؟

توجد ثلاثة افتراضات واحتمالات:

الافتراض الأول: أن يكون المأخوذ في المعنى الموضوع له «مفهوم الإرادة بشكل كلي» بحيث تكون لفظة ماء يراد بها السائل المراد.

الافتراض الثاني: أن يكون المأخوذ فيه «مفهوم الإرادة بشكل جزئي» يعني مفهوم إرادة زيد بالخصوص، يعني حصة الماء التي أرادها زيد وليس مطلق الماء المراد بل خصوص الماء المراد لزيدٍ ولشخصٍ.

الافتراض الثالث: أن يكون المأخوذ فيه «واقع الإرادة ووجود الإرادة الخارجي القائم في نفس المتكلم» فلا يؤخذ في المعنى الموضوع له لا مفهوم الإرادة على وجهٍ كلي كما في الافتراض الأول، ولا مفهوم الإرادة على وجه جزئي كما في الافتراض الثاني.

وسيتضح إن شاء الله من خلال البحث: أن الإرادة ليست مأخوذة في المعنى الموضوع له اللفظ، وأن جميع هذه الاحتمالات باطلة.

النتيجة

أما الافتراض الأول والثاني فهما ممكنان ثبوتاً ولكنهما غير ممكنين إثباتاً، وأما الاحتمال الثالث فإنه غير ممكنٍ ثبوتاً أي أنه غير معقولٍ في حدّ نفسه فلا تصل النوبة إلى مرحلة عالم الإثبات.

 

تفصيل ذلك:

الافتراض
الأول
وهو أن يؤخذ مفهوم الإرادة على وجهٍ كلي في المعنى الموضوع له اللفظ، فإذا فال زيد لخادمه «جئني بماء» فإن لفظ «الماء» قد وضع لمعنى وهو السائل البارد عادة، المقيد بالإرادة بشكلٍ عام، فمفهوم الإرادة بوجهٍ كلي قد أخذ قيداً في معنى الماء، فنقول: لفظ «الماء» قد وضع للسائل البارد المراد، فأخذ مفهوم الإرادة بوجهٍ كلي قيداً في المعنى الذي وضع له اللفظ.

وهنا لا يوجد محذور ثبوتي فيمكن عقلاً تقييد المعنى الذي وضع له اللفظ بقيد مفهوم الإرادة بوجهٍ كلي، بحيث إذا أطلق اللفظ ينسبق إلى الذهن السائل المراد حينما نقول «ماء»، فلا يوجد محذورٌ ثبوتي أي أن هذا ممكنٌ عقلاً.

لكن يوجد محذور إثباتي وهو أن هذا التقييد خلاف الوجدان خارجاً، فإن مفهوم الإرادة يفهم من لفظ الإرادة ولا يفهم من سائر الألفاظ كـ لفظ «ماء، وحجر، وشجر، ومدر، وشاي» فإذا قال المتكلم: «احضر النسكافيه والشاي» فإنه يحضر إلى الذهن مفهوم مشروب «النسكافية والشاي» ولا يحضر مفهوم «الإرادة»، فمفهوم الإرادة بشكلٍ عام وكلي ينسبق إلى الذهن من نفس لفظ الإرادة ولا ينسبق من سائر الألفاظ كـ لفظ «ماء، وشاي، وشجر، وحجر».

إذاً مفهوم «الإرادة» بشكلٍ كلي إنما ينسبق من لفظ «الإرادة» ولا ينسبق من سائر الألفاظ، فلفظ «ماء» حينما نسمعه ينسبق إلى أذهاننا معنى «الماء» ولا ينسبق إلى أذهاننا مفهوم الإرادة بشكلٍ كلي وقد جعل هذا القيد في مفهوم الماء.

إذاً الافتراض الأول ليس بتامٍ إثباتاً وإن أمكن ثبوتاً.

الافتراض الثاني
أن يؤخذ مفهوم الإرادة بوجهٍ جزئي كقيدٍ في المعنى الموضوع له اللفظ، فإذا قال زيد: «أريد شاي، ماء» فلفظ «ماء، وشاي» قد أخذ في معناه قيد الحصة التي أرادها زيد، فزيد لا يشرب إلا الماء المعدني، وزيد لا يشرب إلا شاي بالنعناع، ولا يشرب إلا نسكافيه بالحليب.

فإذا عندنا لفظ وهو «ماء» وعندنا معنى «السائل العذب البارد عادةً الذي يروي الظمأن»، وقد أخذ فيه قيد وهو مفهوم الإرادة بشكلٍ جزئي، أي ليس مطلق الماء المراد بل خصوص حصة الماء التي أرادها زيد، فالافتراض الثاني يفترض أن المعنى الموضوع له اللفظ قد أخذ فيه قيد مفهوم الإرادة بوجهٍ جزئي، يعني خصوص حصة الإرادة التي أرادها زيد، فهو مفهوم جزئي وهنا لا يوجد إشكال ثبوتي فهذا ممكن عقلاً وعرفاً أن نقيد المعنى الموضوع له بخصوص حصة من مفهوم الإرادة.

إشكال إثباتي

نعم، يوجد إشكال إثباتي ففي المحاورات العرفية حينما يطلق زيد لفظ «الماء» لا ينسبق إلى أذهاننا خصوص إرادة الحصة الخاصة التي أرادها زيد، بل نفهم مطلق معنى الماء من دون تقييده بحصة خاصة، إنصافاً هذا خلاف الظاهر.

إشكال آخر

وقد ذكر إشكال آخر وهو أنه إذا أخذ مفهوم الإرادة بوجهٍ جزئي كقيدٍ في المعنى الموضوع له اللفظ يلزم وضع أسماء الأجناس بالوضع العام والموضوع له الخاص لأن الواضع يتصور مفهوم الإرادة فهذا وضعٌ عام ويضع لفظ الماء للخصوص حصة خاصة من الماء التي قصدها المتكلم فيكون الموضوع له خاصاً.

فإذا التزمنا بصحة الافتراض الثاني يلزم أن نلتزم بأن أسماء الأجناس كـ لفظ «الماء، والشجر، والحجر» قد وضعت بالوضع العام والموضوع له خاص، والحال أنها قد وضعت بالوضع العام والموضوع له عام.

وفيه هذا لا يشكل محذوراً فمن قال إننا لا بدّ أن نلتزم أن أسماء الأجناس قد وضعت بالوضع العام والموضوع له عام، بل يمكن أن نلتزم أن أسماء الأجناس قد وضعت بالوضع العام والموضوع له خاص، وقد برهنا على إمكانية هذا القسم الثالث فيما تقدم.

إذاً هذا إشكال جدلي وليس إشكالاً واقعياً وحقيقياً.

إلى هنا اتضح أن الافتراض الأول والثاني ممكنٌ ثبوتاً وغير ممكن إثباتاً ليس تام إثباتاً.

الافتراض الثالث أن نفترض أن مصداق الإرادة وواقع الإرادة الموجود في نفس المتكلم قد أخذ كقيدٍ في المعنى الموضوع له اللفظ.

الإشكال

وهنا نقول: أن هذا غير معقول فهو غير تام ثبوتاً فضلاً عن عالم الإثبات.

بيان ذلك:

إما أن نبني على مسلك التعهد للسيد الخوئي، وإما أن نبني على غيره كمسلك الاعتبار للمشهور أو مسلك القرن الأكيد للشهيد الصدر.

على مسلك التعهد

فلو بنينا على مسلك التعهد للسيد الخوئي فحينئذٍ تكون الإرادة هي تمام مدلول الللفظ لا أن الإرادة أخذت كـقيد في مدلول اللفظ، فهذا الافتراض صحيح ولكن بتحويل القيدية إلى التمامية، بأن يقال: إن الإرادة هي تمام المدلول الوضعي للفظ، لأن الدلالة بناءً على مسلك التعهد دلالة تصديقية وليست دلالة تصورية فاللفظ كاشفٌ والإرادة مكشوفٌ، فاللفظ يكشف عن الإرادة الواقعة والقائمة في نفس المتكلم.

إذاً صارت الإرادة هي تمام المعنى وليست جزء المعنى، هذا بناءً على مسلك التعهد.

على مسلك الاعتبار أو القرن الأكيد

ولو بنينا على مسلك الاعتبار فجعل واقع الإرادة ومصداق الإرادة كـقيدٍ في المعنى الموضوع له اللفظ غير معقول، لأن الانتقال من تصور اللفظ إلى واقع الإرادة غير معقول.

بيان ذلك:

انحاء الملازمة

إن الملازمة إما أن تكون بين وجودين خارجيين، وإما أن تكون بين تصوريين ذهنيين.

النحو الأول:

الملازمة بين الوجوديين الخارجيين، كالملازمة بين النار والحرارة في الخارج فهذا من شؤون عالم التصديق لا من شؤون عالم التصور، وهذا خارج عن محل بحثنا.

النحو الثاني:

الملازمة بين تصوريين ذهنيين، كـتصور التوأم الثاني عند رؤية وتصور التوأم الأول فهنا اقترانٌ بين تصورين، ومثاله في الروايات: النوفلي عن السكوني، أكثر روايات السكوني يرويها النوفلي، فإذا تصورت السكوني تصورت النوفلي.

ولا يوجد نحو ثالث وهو الملازمة بين تصور ووجود خارجي، والافتراض الثالث يفترض هذا النحو الثالث من الملازمة «ملازمة بين تصور اللفظ وبين وجود الإرادة خارجاً»، وهذا الاقتران وهذه الملازمة بين تصور ذهني وبين وجود خارجي غير معقول.

إذاً لا يعقل قيام الملازمة بين تصور ووجود خارجي وهذا هو محل كلامنا، فحينما يوضع اللفظ للمعنى وتؤخذ الإرادة بوجودها الخارجي قيداً في المعنى الموضوع له، فهنا الملازمة لم تجعل بين الإرادة بوجودها الخارجي واللفظ بوجوده الخارجي كما عليه النحو الأول: «الملازمة بين وجود النار ووجود الحرارة».

ومرجع هذا إلى أن الواضع تعهد بأن لا يوجد اللفظ إلا حينما توجد الإرادة وهذا خلف ما افترضناه إلى أن الدلالة تصورية وليست تصديقية فكلامنا بناءً على مسلك الاعتبار.

إذاً هذا غير معقول لأن الملازمة إما بين الوجودين الخارجيين وإما بين الوجودين التصوريين، ولا تعقل الملازمة بين تصور شيءٍ ووجودٍ خارجي لشيء آخر.

إذاً أخذ الإرادة يعني مصداق الإرادة قيداً في المعنى الموضوع له اللفظ يعني أخذ الإرادة بوجودها الخارجي أمرٌ غير معقول بناءً على مسلك الاعتبار.

النتيجة النهائية في تحقيق الحيثية الثالثة:

الإرادة ليست مأخوذة في المعنى الموضوع له اللفظ، فلم يؤخذ مفهوم الإرادة بوجهٍ كلي ولا مفهوم الإرادة بوجهٍ جزئي فهذان وإن كانا ممكنين ثبوتاً لكنهما غير واقعين إثباتاً، كما أنه لا مجال للاحتمال الثالث وهو أخذ مصداق الإرادة كـقيد في المعنى الموضوع له اللفظ، نظراً لوجود محذورٍ ثبوتي وهو عدم وجود ملازمة بين تصورٍ ذهني ووجود خارجي.

في الختام السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ يتطرق إلى وجهين ذكرهما المحقق الخراساني في كفاية الأصول[1] لما يتكلم صاحب الكفاية عن أن اللفظ قد وضع للمعنى من دون أخذ قيد الإرادة.

السيد الشهيد الصدر تطرق إلى الوجه الأول والوجه الثاني، فالسيد الشهيد ناقش صاحب الكفاية بمناقشات دقيقة لكن لا داعي لبحثه، كان البناء أن نشرح ولكن الوقت بعد لا يسع.

هذا تمام الكلام في الأمر الخامس.

الأمر السادس هل أن المركب موضوعٌ بوضع زائد على وضع أجزائه أم لا؟!

يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo