< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/07/16

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: جلسة66.المقدمة-الوضع-المقام الثاني تحقيق الكلام في الحيثيات الثلاثة

 

الدلالة الوضعية

تحقيق الكلام في الحيثية الأولى هل أن الدلالة الوضعية دلالة تصورية أو دلالة تصديقية؟

والصحيح أنها دلالة تصورية، وليست دلالة تصديقية.

 

وتحقيق ذلك ببيان مقدمتين:

المقدمة الأولى أن الوضع هو الاعتبار وليس التعهد، فالواضع حينما يضع اللفظ يعتبر ويقرن صورة شيء مع صورة شيء آخر، فهو يعتبر اللفظ دالاً على المعنى فيوجب انتقال الذهن من صورة اللفظ إلى صورة المعنى.

المقدمة الثانية إن تصوير كون الدلالة الوضعية تصديقية معقول بناءً على مسلك التعهد وليس بناءً على مسلك الاعتبار.

أما كون ذلك معقولاً بناء على مسلك التعهد فهذا واضح لأن المتعهد يوجد ملازمة بين اللفظ والإرادة والقصد، وينشأ بذلك الانتقال التصديقي من أحدهما إلى الآخر.

وأما عدم معقوليته بناء على مسلك الاعتبار فهذا أيضاً واضح لأن الاعتبار هو عبارة عن قرن اللفظ بالمعنى واعتبار اللفظ دالاً على المعنى، فإذا تصور السامع اللفظ انتقل إلى تصور المعنى، وهذا القرن بين الصورتين (صورة اللفظ وصورة المعنى) يوجب يوجب تلازماً بين تصور اللفظ وتصور المعنى فينتقل السامع من تصور اللفظ إلى تصور المعنى.

معني دلالة التصورية

وهذا الانتقال تصوري لا محالة وليس تصديقياً، فمعنى الدلالة التصورية هو أنك إذا تصورت شيئاً تصورت شيئا آخر، فإذا تصورت اللفظ المعتبر تصورت المعنى الذي قد وضع اللفظ للدلالة عليه، ولا يفرق فيه بناءً على مسلك الاعتبار بين أخذ الإرادة قيداً في المعنى الموضوع له اللفظ أو عدم أخذ الإرادة قيداً في المعنى الموضوع له اللفظ.

فإذا كانت الإرادة والقصد ليست مأخوذة في المعنى الموضوع له بأن قلنا إن لفظ الأسد موضوع لمعنى الحيوان المفترس وليس موضوعاً لمعنى الحيوان المفترس المراد والمقصود، فقيد الإرادة والقصد لم يؤخذ كقيد في ذات المعنى.

فاللفظ هو البحر والمعنى هو السائل غزير المالح وليس السائل الغزير المالح المراد والمقصود، فإذا لم تؤخذ الإرادة والقصد كقيد في المعنى الموضوع له اللفظ من الواضح أن الدلالة وضعية.

فالواضع والمعتبر يقرن بين تصور اللفظ مثل: (أسد وبحر) وبين تصور المعنى (الحيوان المفترس ـ السائل الغزير المالح).

ومن الواضح أن الانتقال حينئذ انتقال تصوري ولا دخل للإرادة والقصد فيه لأن المبنى هو أن الإرادة والقصد لم تؤخذ كقيد في المعنى الذي وضع له اللفظ.

هذا الاحتمال الأول أن لا توضع ولا تجعل الإرادة كقيد في المعنى الموضوع له اللفظ هذا الشق الأول.

الدلالة تصورية ولو كانت الإرادة قيدا

الشق الثاني إذا كانت الإرادة قد أخذت كقيد في المعنى الذي وضع له اللفظ بأن يقال أن لفظ الأسد وضع للحيوان المفترس المراد ولفظ البحر أخذ للسائل الغزير مالح المراد، فقد يتوهم أن تتقييد المعنى بقييد الإرادة والقصد يجعل الدلالة تصديقية.

أخذ القيد في المعنى على أحد حالات الثلاثة

ولكن هذا غير صحيح وتفصيل القول في ذلك:

أن الإرادة المأخوذة في المعنى لا تخلو من ثلاثة احتمالات، وجوه تصوير الإرادة المأخوذة في المعنى، إن الإرادة التي أخذت كقيدٍ في المعنى الذي وضع له اللفظ لا تخلو من ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول أن يكون المأخوذ هو مفهوم الإرادة الكلية فالموضوع له لفظ الماء هو السائل المراد.

الاحتمال الثاني أن يكون المأخوذ هو مفهوم الإرادة على وجه جزئي أي مفهوم إرادة هذا الإنسان بالخصوص، فإذا قال زيدٌ: (أريد ماء) فلفظ الماء لم يوضع لمفهوم الماء المراد مطلقاً كما عليه الاحتمال الأول بل موضوع لمفهوم الماء الذي أراده زيدٌ بالخصوص، وفرق بين مفهوم الماء المراد وبين مفهوم الماء المراد لزيدٍ.

وكلا هذين الاحتمالين الأول والثاني ممكن ومعقولٌ.

الاحتمال الثالث أن يكون المأخوذ قيداً في المعنى هو واقع الإرادة ومصادقها لا مفهومها كما عليه الاحتمال الأول والثاني، يعني القيد هو وجود الإرادة والقصد في نفس المتكلم.

فإذا قال: (زيدٌ أريد ماءً) يكون لفظ الماء دال والمدلول هو الماء ولا تقل مفهوم الماء بل قل واقع الماء الذي قصده زيد أي حقيقة الماء الذي أراده وقصده زيدٌ.

ما هو الفرق بين الأخير و الأوليين؟

وفرق الاحتمال الثالث عن الاحتمال الأول والثاني أن قيد في الاحتمال الأول والثاني هو المفهوم بينما القيد في الاحتمال الثالث هو المصداق.

وبعبارة أخرى:

إن القيد في الاحتمال الثالث هو وجود الإرادة والقصد أي واقع الإرادة والقصد في نفس زيد وقلب زيد.

ففي الاحتمال الأول وهو أن يكون القيد مفهوماً كلياً، وفي احتمال الثاني وهو المفهوم الجزئي أخذ مفهوم الماء خالياً من الوجود والعدم يعني من دون قصد وجوده أو قصد عدمه بخلاف الوجه الثالث والاحتمال الثالث فقد أخذ واقع الإرادة قيداً أي وجودها الخارجي بحيث لو لم تكن الإرادة موجودة خارجاً فالمعنى غير تامٍ في نفسه.

مثال للتطبيق الإحتمالات

ولنضرب مثالاً نطبق عليه الاحتمالات الثلاثة:

لو دخل أحدهم مطعماً أو مطبخاً، وقال: أريد سمكاً مشوياً فـ على الاحتمال الأول يكون القيد هو السمك المشوي المراد مطلقاً، وعلى الاحتمال الثاني يكون القيد هو مفهوم السمك المشوي المراد لخصوص المتكلم، وعلى الاحتمال الثالث يكون القيد هو قصد المتكلم للسمك المشوي في قرارة نفسه كما لو أراد السمك المشوي في قرارت نفسه كما لو أراد السمك الشعري أو الهاموم.

أي الإحتمالات معقولة؟

هذه احتمالات ثلاثة، ولنبحث هذه الاحتمالات الثلاثة من جهة معقوليتها:

أما الاحتمال الأول وهو أن يكون المأخوذ مفهوم الإرادة الكلية فهذا أمر معقول فغاية ما يوجبه أخذ الإرادة المفهومية الكلية قيداً في المعنى فيكون المدلول التصوري عبارة عن المعنى زائد مفهوم الإرادة العام وبذلك لا تخرج الدلالة عن كونها دلالة تصورية وإنما طعمنا المدلول بقيد زائد وهو مفهوم الإرادة الكلية، فكما لا يكشف لفظ الماء عن وجود الماء في الخارج كذلك لا يكشف لفظ الماء عن إرادة الماء خارجاً.

إذا بناءً على الاحتمال الأول ما هو اللفظ؟ الماء، ما هو المعنى الموضوع له اللفظ؟ هو معنى الماء المراد يعني مفهوم الماء المقيد بمفهوم الإرادة الكلي.

فلا تقل إن معنى لفظ الماء هو السائل المخصوص بل قل السائل المخصوص المقيد بالإرادة أي بمفهوم الإرادة الكلي.

وهذا التصور الأول معقول في حدّ نفسه ولو قيدنا المعنى بالإرادة بشكل عام وكلي لا يلزم أن تكون دلالة اللفظ على المعنى والدلالة الوضعية لا يلزم أن تكون دلالة تصديقية بل تبقى دلالة تصورية.

الاحتمال الثاني وهو أن يكون مأخوذ في المعنى هو قيد مفهوم الإرادة الجزئية، فتقول: الدال هو لفظ الماء، والمدل معنى الماء المقيد بإرادة زيدٍ كما لو كان المتكلم هو زيد.

والكلام في الاحتمال الثاني هو الكلام في الاحتمال الأول، فإن إرادة زيد مفهوم من المفاهيم القابلة للتصور كمطلق الإرادة، مفهوم الإرادة الجزئية مفهومٌ كما أن مفهوم الإرادة الكلية مفهومٌ.

فإذا أصبحت الإرادة الجزئية قيداً في المعنى المراد فهذا لا يخرج الدلالة الوضعية عن كونها دلالة تصورية ولا تكون الدلال تصديقي.

إذاً الاحتمال الثاني معقولٌ كما أن الاحتمال الأول معقولٌ أيضاً وكل من الاحتمال الأول والثاني أي قيد الإرادة الكلية أو قيد الإرادة الجزئية يبقي الدلالة الوضعية دلالة تصورية ولا ينقلها إلى الدلالة التصديقية.

الاحتمال الثالث أن يكون المأخوذ هو واقع الإرادة ومصداق الإرادة، فقد يقال: بأن هذا يوجب تطعم الدلالة التصورية بالدلالة التصديقية، لأن اللفظ يوجب الانتقال إلى صورة المعنى وصورة الإرادة المشروطة بأن يكون لها مطابق في الخارج، وهذا هو معنى التصديق.

أي أنه في الاحتمال الثالث يكون المراد هو مفهوم الإرادة ولكن لا بما هو هو بالمفهوم الإرادة على أن يكون لهذا المفهوم مصداق في الواقع وفي الخارج.

أي الشيء المراد والمقصود والثابت في واقع نفس المتكلم.

إذاً المعنى الموضوع له اللفظ كمعنى الماء والسمك قد أخذ فيه قيد قصده المتكلم إرادة المتكلم فالقيد أمر تصديق وهو القصد والإرادة وإن كان المقيد وهو المعنى مفهومٌ، فصار الدال لفظ والمدلول مؤلف من جزئين:

الجزء ذات المعنى المقيد وهو مفهوم.

والجزء الثاني القيد الذي هو إرادة وقصد وهذا مدلول تصديقي.

فتنقلب الدلالة الوضعية من دلالة تصورية إلى دلالة تصديقية لأنها قد طعمت وزرقت بقيد تصديق قصدي.

الإحتمال الثالث غير معقول

إلا أن الاحتمال الثالث غير معقولٍ في نفسه بناء على مسلك الاعتبار بخلاف الاحتمال الأول والثاني معقولٌ في حدّ نفسه يعقل تقييد المعنى بمفهوم الإرادة الكلي أو مفهوم الإرادة الجزئية، ولكن لا يعقل تقييد المعنى الموضوع له اللفظ بواقع ومصداق الإرادة.

بيان ذلك:

الإقتران له صورتان

إن القرن بين شيئين توجد له صورتان:

الصورة الأولى أن يكون قرناً للوجود الخارجي، فأحد الوجودين الخارجيين يقرن بالوجود الخارجي الآخر كـ اقتران النار الخارجية بالحرارة الخارجية.

الصورة الثانية أن يكون القرن لوجودين تصوريين كـ قرن تصور لفظ الأسد بتصور معنى الحيوان المفترس، فهنا اقتران بين صورتين بين تصورين وليس بين وجودين خارجيين كـ اقتران النار بالحرارة.

فإن كان قرن أحدهما بالآخر بلحاظ وجوديهما الخارجيين كـ قرن النار بالحرارة وقرن الثلج بالبرودة، فمثل هذا الاقتران يوجب الانتقال التصديقي من أحدهما إلى الآخر، فإذا رأينا النار صدقنا بوجود الحرارة وإذا رأينا الثلج صدقنا بوجود البرودة.

وأما في الحالة الثانية وهو أن يكون الاقتران حاصلاً بين الوجودين الذهنيين وليس بين الوجودين الخارجيين فغاية ما يقتضيه الملازمة هي الملازمة بين التصورين الذهنيين بحيث ينتقل الذهن من صورة إلى صورة، من تصور اللفظ إلى تصور المعنى.

ولا يعقل إلا أن يكون هذا الانتقال تصورياً وليس انتقالاً تصديقياً لأن الانتقال فرع الملازمة والملازمة ثابتة بين التصورين لا بين الوجودين الخارجيين، هذا كـ كبرى.

الآن نأتي إلى الصغرى موطن بحثنا، ما هو موطن بحثنا؟

هو الاحتمال الثالث أن يكون موضوع للمعنى المقيد بمصداق الإرادة لا بمفهوم الإرادة، هذا الكلام يوجد فيه احتمالان وفرضان:

احتمال الأول إن فرض أن الوضع قد قرن بين وجود اللفظ الخارجي وبين وجود الإرادة الخارجية هذا عبارة عن التعهد فيكون الانتقال تصديقياً، وهذا خلاف مسلك الاعتبار هذا مسلك السيد الخوئي والشيخ عبد الكريم الحائري مسلك التعهد، أن الواضع يقرن بين وجودين خارجيين بين وجود اللفظ في الخارج وبين إرادته للمعنى في الخارج هذا معناه مسلك التعهد القرن بين وجودين خارجيين يعني ايجاد ملازمة خارجية، هذا يتم على مسلك التعهد ولا يتم على مسلك الاعتبار.

الاحتمال الثاني أن يقرن بينهما بلحاظ الصورتين ذهنيتين.

يعني يقرن بين صورة اللفظ وبين صورة المعنى المقيد بمصداق الإرادة، هذا القرن موطنه عالم الذهن والتصور وليس موطنه عالم الخارج، وبالتالي لا يوجب إلا الانتقال التصوري، ولا يوجب الدلالة التصديقية.

يبقى الكلام هذا الذي تصورته موجود أو لا؟ هذا خارج عن عهدة القرن والاعتبار، وخارج عن عهدة الواضع.

وبالتالي الاحتمال الثالث غير معقول بناءً على مسلك الاعتبار لكنه معقول بناءً على مسلك التعهد، نعم بناء على مسلك الاعتبار يعقل الاحتمال الأول التقييد بمفهوم الإرادة الكلي أو الاحتمال الثاني التقييد بمفهوم الإرادة الجزئي.

وبناءً على الاحتمال الأول والثاني تبقى الدلالة الوضعية دلالة تصورية، ولا يوجب التقييد بالإرادة أن تصبح الدلالة الوضعية دلال تصديقية.

إذاً لا يعقل على مسلك الاعتبار أن تكون الدلالة تصديقية بل الدلالة الوضعية دلالة تصورية بناء على مسلك الاعتبار، نعم على مسلك التعهد تكون الدلالة تصديقية.

نعم هناك دلالة تصديقية أخرى ليست في نظر الواضع فهي لا تنشأ من الوضع بل من أمارات كأمارة الغلبة، ففي الغالب العاقل إذا تكلم بكلامٍ فهو يقصد تفهيم المعنى، هذه الغلبة أمارة نوعية وعلامة عرفية تكشف عن إرادة وقصد المتكلم.

وهذه الغلبة أمر ارتكازي في الأذهان العرفية، وبالتالي تحسب هذه الغلبة من القرائن المتصلة، يعني من القرائن اللبية العرفية المتصلة باللفظ بحيث ينعقد للكلام ظهور سياقي تصديقي كاشف عن وجود هذه الإرادة.

إلا أن هذه الدلالة ليست دلالة وضعية بل هي دلالة ثابتة بعد الوضع وفي يطول الوضع فالدلالة الوضعية هي دلالة تصورية بناءً على مسلكنا وهو مسلك الاعتبار وليس الدلالة تصديق، نعم تكون الدلالة الوضعية تصديقية بناء على مسلك التعهد للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ولا نلتزم بهذا المسلك.

هذا تمام الكلام في تحقيق الحيثية الأولى

واتضح أن الدلالة الوضعية دلالة تصورية وليست دلالة تصديقية.

تحقيق الكلام في الحيثية الثانية تبعية الدلالة للإرادة يأتي عليها الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo