< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/07/06

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع:الإطلاق الإيجادي

الأمر الرابع الإطلاق الإيجادي

انتهينا بحمد الله عز وجل من الاستعمال المجازي فقد تناولنا في الجهة الثالثة أو الأمر الثالث الاستعمال المجازي والاستعمال يجعل ذهن السامع منتقلاً من اللفظ الحاكي إلى صورة المعنى المحكي، إذاً الاستعمال معنى حكائي يستعمل لفظاً حاكياً للدلالة على معنى محكي.

ويوجد إطلاق في مقابل هذا الإطلاق الاستعمالي وهو الإطلاق الإيجادي فالإطلاق الاستعمالي يطلق اللفظ الحاكي للدلالة والحكاية عن المعنى المحكي لكن الإطلاق الإيجادي ينقل الذهن مباشرةً إلى ذات المحكي من دون توسيط صورة منه.

فتارة تقول الكتاب مفيدٌ فتستخدم لفظة الكتاب كحاكم لكي تحضر معنى الكتاب المحكي عنه بلفظة الكتاب، وتارةً ترفع نفس الكتاب تكويناً وتقول مفيدٌ فالموضوع هو الكتاب ولكن ليس الكتاب الذي هو عبارة عن اللفظ الحاكي بل أوجدت المحكي وهو الكتاب من دون إيراد الحاكي وهو لا لفظ الكتاب.

ومن هنا والكلام في مقامين:

المقام الأول كبرى الإطلاق الإيجادي.

المقام الثاني صغرى الإطلاق الإيجادي.

المقام الأول كبرى الإطلاق الإيجادي لا شكّ ولا ريب إن إحضار الشيء في ذهت الشخص له وسيلتان:

الوسيلة الأولى الوسيلة الحكائية بأن يؤتى بحاكي فينتقل ذهن السامع من الحاكي إلى المحكي فبواسطة اللفظ الحاكي تنتقل إلى الصورة الذهنية للمحكي كما لو كانت في يمينك سبحة وقلت لك: وما تلك بيمينك؟ فاجابت: السبحة، فينتقل الذهن من لفظ السبحة الحاكي إلى معنى السبحة المحكي.

الوسيلة الثانية الوسيلة الإيجادية وهي عبارة عن إيجاد المحكي خارجاً بحيث يكون في معرض الإحساس والشعور، وهذا الإحساس والشعور يوجب انتقاش صورة المحكي في الذهن رأساً، كما لو سألتك وما تلك بيمينك؟! ففتحت يدك لكي أرى السبحة فإراءة السبحة إطلاق إيجادي أوجب إدراك معنى السبحة من خلال الإحساس بها.

ومن الواضح أن إحضار المعنى بوسيلة حكائية والذي هو الاستعمال يكون بحاجة إلى مصحح إذ لا معنى لحكاية شيء عن شيء في نفسه، وهذا المصحح إما أن يكون هو الوضع كما في الاستعمال الحقيقي وإما أن يكون هو الطابع كما في الاستعمال المجازي بناءً على مبنى الشهيد الصادر، وقد يكون هو الوضع بعناية على مسلك المشهور في الاستعمال المجازي.

إذاً في الاستعمال الحكائي لكي يحكي الحاكي عن المحكي لابدّ من وجود عناية ولابدّ من وجود مصحح هذا المصحح قد يكون من الوضع وقد يكون من الطبع وأما الوسيلة الثانية غير الحكائية وهي الوسيلة الإيجادية فلا تحتاج إلى مصحح ولا تحتاج إلى وضع ولا تحتاج إلى طبع لأن هناك ملازمة تكوينية بين الإحساس بالشيء وانتقاش صورته في الذهن، فالوسيلة الإيجادية هي الوسيلة التي يتاح للإنسان التفهيم بها بقطع النظر عن أي عناية.

إذاً الوسيلة الإيجادية وسيلة أولية والوسيلة الحكائية وسيلة ثانوية تحتاج إلى عناية ووضع أو طبع فالإنسان البدائي لكي يحضر صور الأشياء كان يأتي بنفس الأشياء نفس القنينة من الماء يرفعها حتى تفهم أنه يريد ماء ثم جاء بوسيلة أخرى ووضع لفظ الماء الحاكي عن معنى الماء المحكي.

إلى هنا عرفنا عندنا وسيلتنا:

الوسيلة الأولى الوسيلة الإيجادية وهي وسيلة أولية لا تحتاج إلى عناية من وضعٍ أو طبعٍ.

الوسيلة الثانية الوسيلة الحكائية كاستعمال اللفظ في المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي فإنها تحتاج إلى عناية من طبعٍ أو وضعٍ.

سؤال ما الفرق بين الوسيلتين الإيجادية والحكائية؟

الجواب لابد من الالتفات إلى وجود فرقين أساسين بين الوسيلة الحكاية والوسيلة الإيجادية، قبل أن نتكلم في المقام الثاني عن صغريات الإطلاق الإيجادي.

الفارق الأول إن الوسيلة الإيجادية لا تفيد إلا في إحضار المعاني الجزئية فقط دون المعاني الكلية والعامة بخلاف الوسيلة الحكائية فإنها كما تصح في إحضار المعاني الجزئية يصح أيضاً أن تحضر المعاني الكلية فاللفظ إما أن يدل على معنى جزئي كـ لفظ زيد الدال على زيد المشخص وإما يدل على معنى كلي وعام كـ لفظ إنسان وحيوان الدال على المعنى العام للإنسان وهو الحيوان الناطق بخلاف الوسيلة الإيجادية فإنها لا تدل إلا على معنى جزئي وخاص ولا تدل على معنى كلي.

فالوسيلة الحكائية قائمة على أساس إيجاد العلاقة بين الحاكي والمحكي وهذه العلاقة بين الحاكي والمحكي يمكن أن تكون معنى خاص كـ زيد ويمكن أن تكون معنى عام كإنسان وحيوان في حين إن الوسيلة الإيجادية قائمة على أساس إيجاد الشيء فقط وإيجاد الشيء لا يكون إلا في المعنى الخاص والجزئي ولا يكون في الكلي لأن الكلي على سعته وقابليته للصدق على كثيرين لا يعقل إيجاده في الخارج.

إشكال ودفع

أما الإشكال أو التوهم فمفاده أننا إذا أوجدنا الفرد في الخارج فإن قد أوجدنا الكلي في الخارج أيضاً لأن الكلي موجودٌ في الخارج بوجود أفراده فإذا أوجدنا الشيء في الخارج كهذه القنينة من الماء نكون قد أوجدنا المفهوم الكلي لقنينة الماء.

فإذا أوجدنا الفرد والمصداق في الخارج فلماذا لا نحصل على صورة ذهنية كلية للفرد والمصداق في ذهن السامع؟

إذاً بإيجاد الخاص خارجاً يحصل الكلي في ذهن السامع، إذ أن المفهوم الكلي في ذهن السامع موجودٌ بإيجاد فرده ومصداقه خارجاً.

إذا يا أخي يا أخي المعنى الإيجادي كما يوجد الفرد والخاص والمصداق خارجاً يوجد المعنى الكلي في ذهن السامع إذ أن المعنى الكلي لمفهوم قنينة الماء موجودٌ في الخارج بوجود قنينة الماء الخاصة والشخصية.

والجواب إننا نسلم بإيجاد المعنى الكلي في ذهن السامع بإيجاد الحصة الخاصة خارجاً لكننا أوجدنا المعنى الكلي في ذهن السامع بوجودٍ تحليلي وضمني وبشرط شيء، ففي الخارج يوجد زيد الذي هو جزئي وفي الذهن يوجد مفهوم الإنسان بشرط حصة زيد يعني مفهوم الإنسان المنتزع والمقيد والمشروط بزيدٍ.

إذاً ما هو موجود في ذهن السامع ليس مطلق مفهوم الإنسان يعني ليس الكلي لا بشرط بل الموجود في ذهن السامع الكلي بشرط شيء يعني مفهوم الإنسان بشرط زيدٍ الذي هو حصة خاصة.

إذا المعنى الكلي الذي يحصل في ذهن السامع يوجد بوجودٍ تحليلي وبحده الخاص المتمثل في الحصة الخاصة خارجاً وهي زيد الخارجي، ولا يوجد الكلي بحده وسعته بشكل عام وفرقٌ بين مفهوم الإنسان بشرط شيء وهو زيد وبين مفهوم الإنسان بشكل مطلق لا بشرط زيدٍ.

ومن المعلوم أن الصورة الذهنية للكلي بشرط شيءٍ وبحدّ جزئي خاصٍ مباين لصورة الكلي لا بشرط وبحدّ السعي.

نعم يمكن جعل هذه الصورة من الكلي يعني الكلي بشرط شيء مفهوم الإنسان بشرط حصة زيد يعني جعل صورة الفرد مقدمة إعدادية لانتقال الذهن إلى الكلي لا بشرط.

يعني يا أخي يا أخي التفت إلي جيداً هذا أصعب شيء في درس اليوم الآن نخلصه لا تضوج ولا تتعب.

أولاً أوجدنا هذا الكتاب خارجاً احضرنا هذا الكتاب هذا إيجاد خارجي إيجاد للفرد خارجي.

ثانياً انتزعنا كلي الكتاب بشرط شيء يعني المقيد بهذه الحصة من الكتاب مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري ثم انتزعنا مفهوم الكتاب لا بشرط، لا بشرط كتاب مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري فعندنا ثلاث مراحل.

المرحلة الأولى إيجاد زيد إيجاد الكتاب خارجاً.

المرحلة الثانية انتزاع المفهوم الكلي الضمني وهو مفهوم الكتاب الموجود ضمن هذا الكتاب، مفهوم الإنسان الموجود ضمن مفهوم زيد الشخصي.

هذا الكلي بشرط شيء المقيد بالجزئي الخاص مقدمة إعدادية لانتزاع الكلي بحده الوسيع، الكلي لا بشرط.

فهنا يا أخي يا أخي الكلي بشرط شيء حاكي والكلي لا بشرط محكي لأن الذهن انتقل من صورة إلى صورة، والذهن انتقل من الحاكي وهو الكلي بشرط شيء الإنسان المقيد بزيد إلى الكلي المحكي يعني الكلي لا بشرط، هذه صارت وسيلة حكائية وليست وسيلة إيجادية.

إذا خلاصة الفارق الأول إن الإطلاق الإيجادي لا يكون إلا في المعنى الجزئي والخاص ولا يكون في المعنى الكلي.

لكن الإطلاق الحكائي والوسيلة الحكائية كما تكون في المعاني الخاصة تكون في المعاني العامة وكما تكون في المعاني الجزئية تكون أيضاً في المعاني الكلية هذا الفارق الأول.

الفارق الثاني صحة الحكاية في الوسيلة الإيجادية تحتاج إلى عناية زائدة عن حكاية في الوسيلة الحكائية.

بيان ذلك:

حينما نقصد الحكاية في قضية من قبيل (زيد إنسان) ما هي مقومات هذه القضية؟

الموضوع زيد، والمحمول إنسان، والنسبة بين زيد والإنسان الشدّ بين زيد وإنسان.

يلا لاحظ معي يا أخي يا أخي حلل معي يا أخي يا أخي أولاً سنتكلم في الوسيلة الحائية:

الركن الأول الموضوع لفظ زيد لفظ زيد هذا وسيلة حكائية أو إيجابية؟ هذا وسيلة حكائية لفظ زيد يحكي عن معنى زيد.

الركن الثاني إنسان لفظ إنسان الذي هو محمول وسيلة حكائية أو وسيلة إيجادية؟ وسيلة حكاية.

إذاً الركنان الأولان حكائيان الموضوع وسيلة حكائية والمحمول وسيلة حكائية.

فلنأتي إلى الركن الثالث وهو النسبة والشد بين إنسان وزيد، هذه النسبة أيضاً هذه الهيئة لمجموع الموضوع والمحمول ليست ذات النسبة فإيجاد النسبة للنسبة في ذهن السامع إنما هو على أساس الوسيلة الحكائية.

إذا عندنا ثلاثة أركان حكائية:

واحد الموضوع وهو لفظ زيد وهو يحكي عن معنى زيد.

اثنين المحمول وهو لفظ إنسان وهو يحكي عن معنى إنسان.

ثلاثة هيئة النسبة وهي تحكي عن الشدّ بين معنيين حكائيين بين الموضوع الحكائي و المحمول الحكائي.

إذاً نحن لا نحتاج إلى مؤونة زائدة في الوسيلة الحكائية لأن الأركان الثلاثة حكائية: الموضوع حكائي والمحمول حكائي وهيئة النسبة حكائية هذا تمام الكلام في الوسيلة الحكائية.

وأما الوسيلة الإيجادية بأن تحضر زيد وتقول إنسان تصدق الجملة زيد إنسان لكن الموضوع وهو ذات زيد الموجود خارجاً معنى إيجادي والمحمول وهو لفظ إنسان هذا معنى حكاية والنسبة وهيئة النسبة بين إنسان الذي هو محمول وبين زيد الخارجي هذا أيضاً معنى حكاية.

وهكذا لو حصل ضربٌ شديد أحيانا تقول (هذا ضرب شديد) فعلاً هذه جملة ماذا هذه وسيلة؟ حكائية، هذا موضوع، ضرب شديد محمول، والنسبة بينهم ثلاثة الأمور حكائية.

ولكن أحياناً أنت ترى الضرب الشديد في الخارج وتقول (ضرب شديد) فالموضوع هو الضرب الشديد الموجود في الخارج والمحمول لفظه ضرب شديد.

إذا الموضوع معنى إيجاد خارجي الضرب الذي وقع في الخارج والمحمول معنى حكائي وهو لفظ ضرب شديد وبعد توجد نسبة بينهما.

سؤال النسبة الحكائية هل تختص بالربط والشدّ بين معنيين حكائيين بين موضوع حكائي ومحمول حكائي أما إذا استخدمتها بين محمول وموضوع إيجابي فهذه النسبة غلط وخطأ أو أن النسبة التي هي معنى حكائي هيئة النسبة تحكي عن الشدّ وضعت للأعم بين معنيين حكائيين كما في قولنا (زيد إنسان) أو بين معنيين أحدهما إيجادي وهو زيد الخارجي والآخر حكائي وهو لفظ إنسان.

إذا النسبة حكائي لو التزمنا بأن النسبة الحكائية وضعت في اللغة لخصوص المعنيين الحكائيين دون ما إذا كان أحدهما إيجادياً فيصير استعمال النسبة بين المعنى الإيجادي والمعنى الحكائي غلط وخطأ.

وأحيانا نلتزم بالأعم ونقول: إن النسبة الحكائية وضعت للأعم بين معنيين حكائيين أو معنيين أحدهما إيجادي والآخر حكائي فلو التزمنا بالأعم فلابد أن نلتزم بوجود عناية إضافية وعناية زائدة عند استخدام النسبة في الحكاية بين المعنى الإيجادي والمعنى الحكائي.

إذا هذا هو الفارق الثاني خلاصة الفارق الثاني زبدته صحة القضية الحكائية في الوسيلة الحكائية لا تحتاج إلى مؤونة زائدة لأن الموضوع حكائي والمحمول وهيئة النسبة حكائية.

بينما صحة القضية الإيجادية تحتاج إلى عناية زائدة في تصحيح الوسيلة الإيجادية لأن الموضوع إيجادي والمحمول حكائي ولكي يصح أن تحكي النسبة عن الشدّ بين المعنى إيجادي الذي هو موضوع وبين المعنى الحكائي الذي هو محمول لابدّ من التوسعة ونلتزم أن النسبة موضوعة للأعم من المعنيين الحكائيين أو المعنيين الذين أحدهما حكاية والآخر إيجادي.

خلاصة الفارقين ونختم:

الفارق الأول الوسيلة الإيجادية تكون في الخاص فقط والجزئي دون الكلي بينما الوسيلة الحكائية كما تكون في الجزئي أيضاً تكون في الكلي.

الفارق الثاني حكاية النسبة في الوسيلة الحكائية لا تحتاج إلى عناية لأنها تحكي لأنها تشد بين معنيين حكائيين لكن حكاية النسبة بين المعنى الإيجادي والمعنى الحكائي تحتاج إلى عناية إضافية وهي توسعة موضوع النسبة أنها وضعت للأعم من المعنيين الحكائيين أو المعنيين الذين أحدهما حكائي والآخر إيجادي.

هذا تمام الكلام في المقام الأول كبرى الإطلاق الإيجادي، المقام الثاني صغرى الإطلاق الإيجادي يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo