< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/07/01

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التقريب الثالث الوضع للمعنى المجازي بملاك استعمال العرب الأوائل

التقريب الثالث الوضع للمعنى المجازي بملاك استعمال العرب الأوائل

هذا التقريب للمحقق العراقي ـ رحمه الله ـ يراجع تقرير بدائع الأفكار للميرزا هاشم الآملي الجزء الأول صفحة سبعة وثمانين وثمانية وثمانين، الأمر الخامس بما يصح به الاستعمال.

وقد تبنى هذا المبنى تلميذ المحقق العراقي الوفي الميرزا هاشم الآملي في كتابه مجمع الأفكار، الجزء الأول، صفحة خمسة وأربعين، بحث المجاز، ولا يوجد هذا التقريب في مقالات الأصول للمحقق العراقي ولا في نهاية الأفكار الذي هو تقرير الشيخ محمد تقي البروجردي.

لذلك أستاذنا السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ في تقريره مباحث الأصول جعل هذا التقريب الثالث هو التقريب الأول وذكر في الحاشية أنه لم يجده في المقالات ونهاية الأفكار وأما بدائع الأفكار للآملي فليس موجوداً عنده.

مفاد التقريب الثالث هو أن مؤسسي اللغة وقدمائها قد استعملوا اللفظ في المعاني المجازية فمتى ما استعمل القدماء اللفظ في المعنى المجازي صح لنا استعماله وإذا لم يستعملوه فلا يصح لنا استعماله.

وقد ذكر المحقق العراقي في تقريب هذا الوجه أنه إذا لم يكن هذا الاستعمال قد جرى على لسان العرب القدماء فلا يكون استعمالاً عربياً لأن المراد من الاستعمال العربي ما جرى على لسانهم.

يراجع بدائع الأفكار، الجزء الأول، صفحة سبعة وثمانين.

يقول الشهيد الصدر رحمه الله:

وهذا البيان أضعف من سابقيه

هذه العبارة وردت في تقرير الشهيد الصدر الثاني في صفحة ثلاثمئة وثمانية، الجزء الأول، محاضرات في علم أصول الفقه، وأيضاً وردت في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، الجزء الثاني، صفحة مئة وخمسة وستين، لكنها لم ترد في تقرير السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ مباحث الأصول وأيضاً لم ترد في تقرير السيد محمود الهاشمي الجزء الأول صفحة مئتين وأربع وعشرين الذي أقتضب التقرير الثالث والرابع في نصف صفحة وبقية التقريبات في نصف صفحة آخر.

السيد كاظم الحائري في مباحث الأصول الجزء الأول صفحة مئة وأربعة وعشرين ذكر هذا التقريب الثالث كتقريب أول وذكر التقريب الرابع كتقريب ثاني.

إذا من خلال المقارنة بين التقارير الأربعة لاحظت أن تقرير الشيخ حسن عبد الساتر وتقرير الشهيد الصدر الثاني متقاربان جداً يليهما في التقارب تقرير السيد كاظم الحائري وأما تقريب السيد محمود الهاشمي ففي ترتيبه مختلف جداً عن تقاريبه الثلاثة حتى في العناوين.

يعني الآن مثلاً الأمر الثاني الأمر الرابع هناك مثلاً يذكر الجهة ويذكر.. فمن الواضح أن هذه التقريرات الثلاثة تلحظ قدر الإمكان أن تتمسك بنفس المفردات التي أوردها الشهيد الصدر.

مناقشة الشهيد الصدر لكلام المحقق العراقي: أننا ننقل الكلام إلى نفس أولئك الأولين من العرب الذين استعملوا اللفظ بالمعنى المجازي، نقول هل استعمالهم للفظ بالمعنى المجازي قد استند إلى وضع أم لا؟

فإن كان قد استند إلى الوضع رجع إشكال التقريب الأول وإشكال التقريب الثاني، إشكال التقريب الأول للسيد الخوئي أنه وضع مشروط وإشكال التقريب الثاني الذي هو بمقتضى المشاكلة فالإشكالات التي وردت هناك تأتي هنا إن قلنا أنهم استعملوها عن وضعٍ.

وإن كان استعمال العرب الأوائل للفظ في المعنى المجازي بلا وضعٍ وكان الوضع الحقيقي كافياً لاستعمال المجازي ففي هذه الحالة نقول لا بدّ من بيان النكته المصححة للاستعمال فما هي نكتة استعمال العرب الأوائل لفظ الأسد في معناه المجازي وهو الرجل الشجاع؟

أما دعوى الكلام إن الكلام العربي إنما يكون عربياً إذا كان قد جرى على لسان العرب الأوائل القدماء فهذه دعوة غير صحيحة لأن المراد بالكلام العربي ما يجري على النهج العربي والقواعد العربية فالكلام العربي ما تستمد صحته من أوضاع اللغة العربية وليس الكلام العربي هو شخص ما تلفظ به العرب الأوائل الأقحاح فليس المراد بالكلام العربي هو خصوص وشخص ما جرى من الكلام على لسان العرب الأوائل بل المراد بالكلام العربي الكلام الموافق لأصول قواعد اللغة العربية وأوضاعها.

إذاً التقريب الثالث ليس بتام.

التقريب الرابع الوضع للمعنى المجازي بملاك ترخيص الواضع وهذا التقريب قد يظهر من صاحب الكفاية يراجع كفاية الأصول صفحة ثلاثة عشر وأربعة عشر المقدمة الثالث كيفية استعمال المجازي بالوضع أو الطبع.

وقد نسب المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ هذا الرأي إلى المشهور، يراجع منهاج الأصول الجزء الأول، الصفحة اثنين وستين، المقدمة، الأمر الثالث صحة الاستعمال بالوضع أم بالطبع.

إذاً المحقق العراقي له كتاب قد كتبه وهو مقالات الأصول وله ثلاثة تقريرات:

التقرير الأول وهو المشهور المتداول وهو نهاية الأفكار للشيخ محمد تقي البروجردي.

التقرير الثاني بدائع الأفكار للميرزا هاشم الآملي، طبع قديماً ولم يعاد طبعه.

التقرير الثالث منهاج الأصول للشيخ محمد إبراهيم الكرباسي.

في هذا التقرير الثالث نسب هذا المسلك الرابع التقريب الرابع إلى المشهور.

والشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ نصّ على أن صاحب الكفايةلم يختر هذا الوجه وإن ذكره، تراجع الكفاية وتراجع أيضاً الكفاية بحواشي المشكيني الجزء الأول، صفحة مئة وتسعة وتسعين.

الشهيد الصدر الثاني في الحاشية صفحة ثلاثمئة وتسعة يقول حاشية رقم واحد:

قال السيد إن صاحب الكفاية لم يذكر هذا الوجه وإن ذكره في عبارته.

فما هو هذا الوجه؟

فسر صاحب الكفاية هذه العناية بالترخيص من قبل الواضع فإن الواضع إذا رخص في الاستعمال المجازي صح الاستعمال وإن لم يرخص الواضع الاستعمال في المعنى المجازي لم يصح الاستعمال.

طبعاً في تقرير الشهيد الصدر الثاني عبارة قوية غير موجودة في التقريرات الثلاثة، يقول الجزء الأول، محاضرات في علم أصول الفقه، صفحة ثلاثمئة وتسعة:

وهذا الوجه أسخف من الوجوه السابقة جميعاً.

ولكن هذه العبارة غير موجودة في التقريرات الثلاثة راجعتها ودققت فيها.

عموماً هذا الوجه لا يمكن المساعدة عليه لأننا نسأل عن المراد من الترخيص، هل المراد الترخيص التكليفي أم المراد الترخيص الوضعي؟ هل المراد الجواز التكليفي أم المراد الجواز الوضعي؟

الاحتمال الأول أن يراد من الترخيص هو الترخيص التكليفي وفيه أن الترخيص التكليفي من شأن المولى الذي تجب إطاعته وليس من شأن واضع اللغة الذي هو ليس بمولى لا تجب إطاعته، إذا الاحتمال الأول لا يمكن المساعدة عليه.

الاحتمال الثاني أن يراد بترخيص واضع اللغة هو الترخيص الوضعي بمعنى صحة الاستعمال، ومن الواضح أن الصحة من الأحكام الوضعية لا من الأحكام التكليفية فصحة الصلاة وصحة الصوم أحكامٌ شرعية وضعية وليست أحكاماً تكليفية فكذلك يقال بالنسبة المعنى المجازي.

إن رخص الواضع يعني إن جعل هذا الاستعمال صحيحاً فهو، وإن لم يرخص يعني لم يجعله صحيحاً.

وفيه إن صحة الاستعمال غير موضوعة بالاستقلال وإنما توضع وتجعل بالتبع فجعل صحة الصلاة والصوم والحج والزكاة سنخ صحة تجعل بالاستقلال وأما صحة الاستعمال فهي فرع الوضع، أي أن صحة الاستعمال أمرٌ منتزعٌ من الوضع اللغوي فالصحة بالمعنى الوضعي الحكم التكليفي الوضعي وهو صحة الاستعمال لا يجعل بالاستقلال وإنما يجعل بالتبع فينبغي أن نرجع إلى المتبوع وهو الوضع الذي ترتبت عليه صحة الاستعمال فيرجع الكلام إلى أصل المطلب ما هي النكتة الملحوظة في الوضع؟!

إذاً التقريب الرابع لا يمكن المساعدة عليه.

التقريب الخامس والأخير للنكتة المصححة للاستعمال المجازي، وحاصله: الالتزام بوجود وضعين: وضع اللفظ للمعنى الحقيقي ووضع اللفظ للمعنى المجازي كما هو الحال في الوجه الأول الذي ذهب إليه السيد الخوئي حينما قال (إن الوضع للمعنى الحقيقي مطلق والوضع للمعنى المجازي مشروط) لكن التقريب الخامس يختلف عن تقريب المعنى الأول في نكته، وهي:

إن الوضع المدعى للمعاني المجازية في الوضع الأول كان مشروطاً بالقرينة لكن الوضع في التقريب الخامس للمعاني المجازية مشروط بعدم القرينة وعدم إرادة المعنى الحقيقي سواء نصب قرينة أم لم ينصب قرينة.

إذاً يتفق التقريب الأول للسيد الخوئي والتقريب الخامس الذي هو تعديل على تقريب السيد الخوئي في وجود وضعين، فلفظ الأسد موضوع للمعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس وموضوع للمعنى المجازي وهو الرجل الشجاع لكنهما يختلفان في الشرط فالشرط في المعنى المجازي والاستعمال المجازي عند السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ هو إيراد القرينة تقول (رأيت أسداً يرمي).

ومن هنا أشكلنا عليه أنه لو تعمد المتكلم أن يجمل ولم يورد القرينة لكان استعماله أيضاً صحيحاً، من هنا حاول التقريب الخامس تلافي هذا الإشكال فقال (إن الشرط ليس هو إيراد القرينة بل الشرط عدم إرادة المعنى الحقيقي سواء نصف قرينة أم لم ينصب قرينة).

فمن استعمل لفظة (أسد) في الرجل الشجاع لم يقصد استعمال لفظة (أسد) في المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس سواء نصب قرينة فقال (رأيت أسد يخطب ويرمي) أم لم ينصب قرينة، فلا يرد كلا الاعتراضين الذي وردا على السيد الخوئي.

الاعتراض الأول الاعتراض باللغوية، لأن مجرد عدم إرادة المعنى الحقيقي ليس كافياً لانفهام المعنى المجازي فيكون الوضع هنا ذا أثر في مقام التفهيم، يثبت الأثر يكفي أنه لا يأتي بماذا بالقرينة وأن يقصد عدم إرادة المعنى الحقيقي.

وكذلك لا يرد الاعتراض الثاني وهو أنه عند الإجمال يلزم أن لا يكون الاستعمال صحيحاً على التقريب الأول لأن التقريب الأول يقول لكي يصح الاستعمال في المعنى المجازي يشترط إيراد القرينة الصارفة، فلو تعمد المتكلم الإجمال وقال (رأيت أسداً) ولم يقصد الحيوان المفترس الذي هو معنى حقيقي بل قصد الرجل الشجاع الذي هو معنى مجازي ولم يورد قرينة صارفة وهي (يتكلم أو يخطب).

فبناءً على التقريب الأول يلزم أن يكون هذا الاستعمال المجمل ليس استعمالاً صحيحاً لأنه لم يورد قرينة بينما على التقريب الخامس يكون هذا الاستعمال صحيحاً لأن الشرط قد تحقق وهو عدم قصد المعنى الحقيقي.

إذاً صحة الاستعمال بناءً على التقريب الخامس تكون دائرتها موافقة ومطابقة لهذا الشرط وهو عدم إرادة المعنى الحقيقي.

مداخلة

هذا يعرف يعني إما بكاشفٍ حالي أو مقالي وإما لا يعرف فيصير مجمل ولكن يبقى الاستعمال صحيح، نحن كلامنا في المصحح للاستعمال المجازي وليس في الكاشف عن الاستعمال المجازي، القرينة كاشفة عن المراد المجازي وكلامنا ليس في الكاشف أصل بحثنا دلالة اللفظ على المعنى المجازي وبحثنا في صحة استعمال اللفظ في المجاز.

ونقول يكفي في تصحيح استعمال اللفظ كـ (الأسد) في المجاز كـ (الرجل الشجاع) عدم إرادة المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس.

نحن ليس معناه أنه نقبله أنتم تصوروا الكلام.

ولكن يرد على هذه الصيغة أو هذا الطرز من التعبير كما يقول الشهيد الصدر إن اللفظ موضوع بوضعين لفظ (الأسد) موضوع للحيوان المفترس مطلقاً وموضوع للرجل الشجاع بقيد عدم إرادة المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس فننقض بهذا النقض ما هو قيدكم؟ ما هو الشرط؟

عدم إرادة المعنى الحقيقي.

يا أخي يا أخي يوجد شخص نائم وقال (أسد) أو اصطكاك حجران أو مرة سيارة وطلع صوت (أسد) هنا يتبادر إلى ذهنك الحيوان المفترس أم الرجل الشجاع؟! يتبادر إلى ذهنك بلا شك ولا ريب الحيوان المفترس ولا يتبادر إلى ذهنك الرجل الشجاع مع أن اللافظ لا شعور له كالنائم أو ليس ذا شعور كاصطكاك الحجرين وهذا كاشف عن أن الإرادة أو عدم الإرادة لا دخل لها لأن الإرادة فرع المريد صاحب الشعور.

إذاً إذا صدر اللفظ من النائم أو اصطكاك حجرين يلزم أن يكون هذا اللفظ مورداً لكلا الوضعين لأن لفظ الأسد موضوع للحيوان المفترس بمقتضى الوضع الأول المطلق وموضع للرجل الشجاع بمقتضى الوضع الثاني المشروط بعدم قصد المعنى الحقيقي فهذا اللفظ موضوع لكلا المعنيين في عرض واحد ويلزم أن تكون دلالته على كل منهما دلالة تصورية بمعنى واحد مع أنه لا شكّ ولا ريب أن الدلالة التصورية التي تحصل لكل ذهن هي خصوص المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس دون المعنى المجازي فالدلالة على المعنى الحقيقي أكد على الدلالة للمعنى المجازي.

إذاً هذه الصيغة وهذه الإضافة وهذا الترقيع للوجه الأول من أن الشرط عدم إرادة المعنى الحقيقي لا تصحح المسلك الأول.

إذاً المسلك الأول الذي يقول إن استعمال اللفظ في المعنى المجازي يحتاج إلى عناية إضافية لم ينهض تقريب من التقريبات الخمسة على بيان هذه النكتة، وسيتضح إن شاء الله أن الصحيح هو المسلك الثاني وهو أن استعمال اللفظ في المعنى المجازي لا يحتاج إلى عناية إضافية. المسلك الثاني يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الكرام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo