< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: الجهة الثالثة الدلالة على المعنى المجازي

الجهة الثالثة الدلالة على المعنى المجازي

ويوجد مسلكان:

المسلك الأول يرى لزوم وجود عناية إضافية في الدلالة على المعنى المجازي.

المسلك الثاني يرى عدم لزوم عناية إضافية في الدلالة على المعنى المجازي.

لا شكّ ولا ريب أن للفظ دلالتين اقتضائيتين:

دلالة اقتضائية على المعنى الحقيقي ودلالة اقتضائية على المعنى المجازي هذا أولاً.

وثانياً لا إشكال في وقوع الدلالة الثانية على المعنى المجازي في طول وفرع الدلالة الأولى على المعنى الحقيقي بمعنى توقف فعلية الدلالة على المعنى المجازي على وجود مانعٍ عن فعلية دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي فلو عدم المانع لكانت دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي فعلية ولا تصل النوبة إلى المعنى المجازي.

وثالثاً لا إشكال في حاجة الدلالة على المعنى الحقيقي إلى العناية الوضعية بمعنى إنه لا بدّ من وجود واضعٍ يضع لفظ الأسد مثلاً لمعنى الحيوان المفترس وإلا لم يكن لفظ الأسد له شأنية الدلالة على الحيوان المفترس وإنما الكلام في الدلالة الشأنية الثانية فهل لفظ الأسد كما من شأنه أن يدل على معنى الحيوان المفترس أولاً أيضاً من شأنه أن يدل لفظ الأسد على معنى الرجل الشجاع ثانياً.

ودلالة لفظ الأسد على الرجل الشجاع هل تحتاج إلى عناية إضافية غير وضع لفظ الأسد للمعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس أم لا يحتاج إلى عناية إضافية بل يكفي لدلالة لفظ الأسد على المعنى المجازي وهو الرجل الشجاع نفس وضع لفظ الأسد للمعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس.

هذا مسلكان في المعنى المجازي.

وينبغي أن نوضح أن الخلاف بين المسلكين إنما هو في مجاز الكلمة لا المجاز العقلي المنسوب إلى السكاكي وهو يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي.

إذاً يوجد تجوزان والمجاز على قسمين:

مجاز الكلمة والمجاز في التطبيق.

القسم الأول المجاز في الكلمة بحيث يؤتى بلفظ أسد الموضوع حقيقة للحيوان المفترس ويستعمل ويستخدم في غير معناه الذي وضع له وهو معنى الرجل الشجاع فالتجوز في مرحلة الاستعمال فالمجاز في مرحلة استعمال لفظ الأسد في غير الحيوان المفترس وهو الرجل الشجاع.

القسم الثاني التجوز في مرحلة التطبيق والإدعاء فمستخدم اللفظ يستخدم لفظ الأسد في الحيوان المفترس ومن الواضح أن لفظ الأسد يدل على الحيوان المفترس الذي هو أسد الغابة بسبب الدلالة الوضعية لا الدلالة العقلية لكن يأتي العقل ويقول الحيوان المفترس له مصداقان: المصداق الأول وهو المعروف وهو الحيوان المفترس أسد الغابة وملك الغابة، المصداق الثاني الرجل الشجاع فالتوسع في معنى الرجل الشجاع هذا من إعمال العقل فالعقل هو الذي يوجد فرداً إدعائياً فهناك فردٌ حقيقي للحيوان المفترس وهو الحيوان الذي هو أسد الغابة وهناك فرد إدعائي وهو الرجل الشجاع.

فإذا استخدم المتلفظ لفظ الأسد في الرجل الشجاع لا يكون المجاز في نفس الاستعمال والاستخدام إذ أن مستعمل لفظ الأسد قد استخدم لفظ الأسد في المعنى الذي وضع له حقيقة في اللفظ واللغة وهو الحيوان المفترس.

إلا أن المجاز حصل في التطبيق فما هي تطبيقات ومصاديق الأسد؟

الجواب المصداق الأول الأسد الحقيقي وهو أسد الغابة ملك الغاية، والمصداق الثاني إدعائي وهو الرجل الشجاع الذي إدعاه العقل العقل جاء ووسع مفهوم الحيوان المفترس وقال له مصداقان: المصداق الأول ملك الغابة والمصداق الثاني الرجل الشجاع لاشتراكه مع أسد الغابة في الشجاعة فهنا المجاز في التطبيق وليس المجاز في استعمال اللفظ وبما أننا ندرس مباحث الألفاظ لا المباحث العقلية فإن مجاز السكاكي العقلي الإدعائي خارجٌ تخصصاً عن موطن بحثنا لأنه غير مرتبطٍ باللفظ وإنما يرتبط بتطبيقات ومصاديق اللفظ.

إنما الكلام في استعمال اللفظ مجازاً فلو استعملت لفظة الأسد الموضوعة حقيقة للحيوان المفترس ولكنك استعملتها في الرجل الشجاع فهل يحتاج هذا الاستعمال إلى عناية إضافية زائدة على وضع لفظ الأسد حقيقة للحيوان المفترس أو لا يحتاج إلى عناية إضافية، وإذا احتاج إلى عناية إضافية فما هي هذه العناية؟ مسلكان:

المسلك الأول لزوم العناية الإضافية في الاستعمال المجازي.

المسلك الثاني عدم لزوم العناية الإضافية في الاستعمال المجازي.

ونشرع في المسلك الأول:

يلزم أن تكون هناك عناية إضافية في استعمال اللفظ في معناه المجازي ويمكن تقريب هذه العناية الإضافية بخمسة تقريبات نذكرها تباعاً.

التقريب الأول الوضع للمعنى المجازي بالوضع المشروط بالقرينة.

وقد ذكر هذا التقريب سيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي يراجع محاضرات في أصول الفقه الجزء الأول صفحة أربعة وتسعين وخمسة وتسعين، مقدمة علم الأصول، الأمر الخامس استعمال اللفظ في المعنى المجازي.

وحاصله:

دعوى وجود عناية إضافية زائدة هي المصححة لاستعمال اللفظ في المعنى المجازي، وهي: إن اللفظ كـ لفظ الأسد كما هو موضوعٌ للمعنى الحقيقي وهو لفظ الأسد وهو معنى الحيوان المفترس كذلك لفظ الأسد موضوع للمعنى المجازي وهو الرجل الشجاع لكن بشرط فاللفظ له وضعان:

وضعٌ مطلق ووضعٌ مشروط.

المعنى الحقيقي وضع له اللفظ بشكلٍ مطلق يعني من دون إيراد قرينة.

والمعنى المجازي وضع له اللفظ بشكلٍ مشروط يعني بشرط إيراد قرينة ترد عليه.

فإذا قلت (رأيت أسداً) ولم تأتي بقرينة يرمي يخطب يصرخ فحينئذٍ يحمل لفظ الأسد على الحيوان المفترس لأن المعنى الحقيقي وهو الحيوان المفترس موضوعٌ للفظ الأسد عند الإطلاق وأما إذا قلت (رأيت أسداً يرمي ـ رأيت أسداً يخطب) فقد استعملت لفظ الأسد في المعنى المشروط أي استعملت لفظ الأسد في معنى الرجل الشجاع الذي هو مشروط بإيراد القرينة الدالة عليه.

وهذا التقريب ينسجم مع مسلكا السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ القائل بالتعهد فيقول الواضع والمتكلم أتعهد إذا أتيت بفردٍ من اللفظ كـ لفظ الأسد أن أقصد المعنى الحقيقي عند الإطلاق فأقصد الحيوان المفترس عند إطلاق لفظة الأسد وأتعهد أن أقصد المعنى المجازي وهو الرجل الشجاع عند التقييد وعند إيراد الشرط وهو قيد يرمي أو يخطب.

إذاً المتكلم أو الواضع يتعهد أنه متى ما قصد معنى الرجل الشجاع جاء بكلمة الأسد غاية الأمر أن وضع لفظ الأسد للحيوان المفترس مطلق ووضع لفظ الأسد للرجل الشجاع مقيد بالقرينة ومشروط بالقرينة، ومن أجل ذلك لو فرض أنه لم يأتي بالقرينة فإنه يحمل على المعنى الحقيقي لا على المعنى المجازي.

وقد أشكل الشهيد الصدر، أعلى الله في الخلد مقامه ـ على أستاذه السيد الخوئي بإشكالين مهمين:

الإشكال الأول ما هو المقصود من هذا الوضع ومن هذا التعهد؟ يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول إن كان المقصود هو انتقال ذهن السامع إلى مراد المتكلم في فرض وجود القرينة فهذا الوضع لغوٌ وعبث لأن القرينة بنفسها تكفي لتعيين مراد المتكلم من دون حاجة إلى وضعٍ وتعهد فإن كان المراد من إيراد القرينة أنها للدلالة على المعنى المجازي فإن القرينة تدل على المعنى المجازي من دون حاجة إلى وضع وتعهد فيكون الوضع والتعهد لغو زائد لا حاجة إليه.

وإن كان الغرض هو انتقال ذهن السامع إلى مراد المتكلم في فرض عدم وجود القرينة فهذا الوضع لا يكفي لذلك لأنه مشروطٌ بالقرينة فمع عدم وجود هذه القرينة لا يكون الوضع موجباً للانتقال.

إذاً هذا الوضع لغوٌ.

الإشكال الثاني تترتب نتيجة على ما ذهب إليه السيد الخوئي لا يمكن الالتزام بها، فمن نتائج هذا الوضع المشروط بوجود القرينة صحة استعمال اللفظ في المعنى المجازي فلا يصح الاستعمال إلا مع وجود الشرط فصحة الاستعمال موقوفة على وجود القرينة مع أنه من الواضح إن المتكلم حتى لو لم يورد قرينة على المعنى المجازي فإن استعماله صحيح.

فمثلاً المتكلم الذي تعمد الإجمال وقال (رأيت أسداً) ولربما يقصد الرجل الشجاع إلا أنه لم يورد القرينة فهذا الاستعمال يدل على المعنى الحقيقي وهو (الحيوان المفترس) لا على المعنى المجازي وهو الرجل الشجاع ولكن هذا الاستعمال صحيح من قال أن هذا الاستعمال غير صحيح؟!

إذاً استعمال اللفظ في المعنى المجازي صحيح في نفسه حتى لو لم تورد قرينة صارفه إلى المعنى المجازي غاية ما في الأمر أنه يحصل الإجمال فيما إذا كان المتكلم أراد أن يخفي مقصوده ولم يوضح مراده فيمكن أن يستعمل اللفظ في المعنى المجازي بلا قرينة.

مثال ذلك حتى نرفع الاستنكار البادي على بعض الوجوه:

لو كنت في مجلس وأردت أن تشير إلى رجل شجاع من دون أن يلتفت إليه القوم ولكن أحد أصحابك الذي يأنس بك يعرف أنك تقصد الفرد الفلاني فتقول (ما شاء الله على الأسد أنا أحب الأسد) فإن الحاضرين سوف يفهمون الحيوان المفترس لأنك لم تورد قرينة وقد تعمدت الإجمال ولكن صاحبك المرافق لك سبتسم ابتسامتين أولاً لإدارك أنك تقصد الرجل الفلاني الشجاع والابتسامة الثاني لأن الحاضرين لم يفهموا ما تعمدت إجماله.

إذاً يصح الاستعمال المجازي بلا قرينة غاية ما في الأمر يحصل الإجمال إلى من لم يلتفت إلى قرينة بل يا أخي يا أخي إذاً يمكن أن يستعمل اللفظ في المعنى المجازي بلا قرينة وهذا يكشف عن أن صحة استعمال اللفظ في المعنى المجازي لها معنى ومنشأ أوسع من هذا الوضع المشروط الذي ذكره السيد الخوئي إذ لو كان منشأها هذا الوضع المشروط لاختصت صحة الاستعمال فيما إذا وجد الشرط إذ أن المشروط عدمٌ عند عدم شرطه.

هذا تمام الكلام في التقريب الأول.

التقريب الثاني الوضع للمعنى المجازي بملاك المشاكلة وهذا يستفاد من حواشي الميرزا المشكيني على الكفاية الجزء الأول صفحة تسعة وثمانين إلى تسعة وتسعين، مقدمة علم الأصول، الثالث بحث المجاز.

الثالث تقريب ذلك:

بأن يقال بوجود وضعٍ مطلقٍ وضعي بأن يلتزم بأن لفظ الأسد موضوعٌ لكلا المعنيين من دون قرينة ومن دون تقييد بالقرينة، فلفظ الأسد موضوعٌ للحيوان المفترس حتى مع عدم إيراد قرينة ولفظ الأسد أيضاً موضوعٌ للرجل الشجاع حتى مع عدم إيراد قرينة فنتخلص من الإشكال الوارد على السيد الخوئي.

فإذا استعملت لفظ الأسد في الرجل الشجاع من دون قرينة صح الاستعمال غاية الأمر إن لفظ الأسد موضوع للحيوان المفترس بعنوانه الأصلي ووموضوعٌ للرجل الشجاع لا بما هو رجل شجاع بل بما هو مشاكلٌ ومماثلٌ للحيوان المفترس ومن هنا كان وضعاً نوعياً لأن الواضع لم يلحظ كل الاستعمالات المجازية بل وضع كل لفظ لما يشاكل معناه.

فالواضع يقول وضعت لفظ البحر للسائل الغزير المالح وما يشاكله كالعالم الغزير العلم فهنا وضعان عرضيان فلفظ البحر وضع للسائل الغزير المالح في عرض العالم الغزير العلم لا أن العالم في طول وفرع السائل الغزير المالح وهكذا لا يكون الرجل الشجاع قد وضع في طول وفرع الحيوان المفترس بل في عرض الحيوان المفترس.

إذاً التقريب الثاني مفاده إن لفظ الأسد قد للمعنى الحقيقي كمعنى أصلي وقد وضع للمعنى المجازي كمعنى مشاكل للمعنى الأصلي ولا تقل قد وضع للمشاكل لأنه فرع الأصلي في هذه الحالة تثبت الطولية بل وضع لفظ الأسد لمعنيين في عرض واحد الأول المعنى الأصلي وهو الحيوان المفترس والثاني لا تقل المعنى الفرعي بل قل المعنى المشاكل وهو الرجل الشجاع.

وبالتالي لا يرد الإشكالان الذي أوردهما الشهيد الصدر على السيد الخوئي من إشكال اللغوية ومن إشكال أنه يلزم عدم صحة الاستعمال فهنا لا توجد لغوية توجد ثمرة وإذا استعملت لفظ الأسد في الرجل الشجاع لا توجد لغوية.

لكن يلزم من هذا المعنى ثبوت العرضية بين الدلالتين بين دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي ودلالة اللفظ على المعنى المجازي ولا يمكن تصوير الطولية بينهما لأن حال اللفظ حينئذٍ له معنيان في عرض واحد وليست إحدى الدلالتين مشروطة بعدم الأخرى لا أن المعنى المجازي مشروط بعدم الدلالة على المعنى الحقيقي بل بناءً على هذا التصوري لا يمكن تصوير الطولية بين نفس المعاني المجازي فإنه يوجد معنى مجازي قريب ومعنى مجازي بعيد ولا تصل النوبة إلى المعنى المجازي البعيد إلا إذا عدمت القرينة على المعنى المجازي القريب.

إذاً بناءً على الوضع العرضي أولاً تنتفي الطولية بين المعنى المجازي والمعنى الحقيقي وثانياً تنتفي الطولية بين نفس المعاني المجازية القريبة والبعيدة فلا نقول إنه لا تصل النوبة إلى المجاز البعيد إلا إذا انتفت الدلالة على المجاز القريب بل نقول إن اللفظ موضوع لجميع المعاني المجازية في عرض واحد القريبة والبعيدة معاً، فلا نتصور أن أحدهما أقرب والآخر أبعد ما دام ميزان الدلالة هو الوضع وقد وضع اللفظ لجميع المعاني على حدّ واحد وهذا لا يمكن الالتزام به من عدم وجود طولية بين المعاني المجازية والحقيقية وبين نفس المعاني المجازية.

إذاً التقريب الثاني كالتقريب الأول لا يمكن المساعدة عليه.

التقريب الثالث الوضع للمعنى المجازي بملاك استعمال العرب الأوائل وهو المنسوب إلى المحقق العراقي يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo