< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الجهة الثانية الموضوع له في الحروف والهيئات موضوعٌ بالوضع العام والموضوع له خاص

الجهة الثانية الموضوع له في الحروف والهيئات موضوعٌ بالوضع العام والموضوع له خاص

انتهينا بحمد الله عز وجل من بيان الجهة الأولى التي تطرق لها صاحب الكفاية ـ رحمه الله ـ وهو أن الحروف والهيئات موضوعة لأي شيء، وقد اتضح أنها موضوعة للنسبة فكلٌ من الحروف والهيئات موضوعٌ للنسبة.

لكن في بعض الموارد موضوعة للنسبة الواقعية التصادقية كما في الجملة الخبرية التامة، وفي بعض الموارد موضوعٌ للنسبة التحليلية كما في الجمل الناقصة.

من هنا في هذه الجهة الثانية في بيان أن الحروف والهيئة هل موضوعة بنحو الوضع العام والموضوع له خاص أو بنحو الموضوع خاص والموضوع له خاص أو غير ذلك؟ فلا بد من تنقيح الموضوع والموضوع له.

من هنا نتكلم في نقطتين:

النقطة الأولى في الموضوع له النسب الواقعية.

النقطة الثانية في الموضوع له النسب التحليلية.

لنرى أن النسب الواقعية في النقطة الأولى والنسب التحليلية في النقطة الثانية هل وضعها الواضع بنحو الوضع العام والموضوع له خاص أو غير ذلك؟

وسيتضح إن شاء الله الصحيح أن كلتا النسبتين الواقعية والتحليلية في الحروف والهيئات قد وضعت بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص، وقبل بيان كلتا النقطتين لابدّ من تقديم مقدمة في بيان معنى العام والخاص.

إذا البحث في معنى العموم والخصوص، ويمكن أن نذكر ثلاث معانٍ للعموم والخصوص:

المعنى الأول الصدق على كثيرين في الخارج وعدمه، فالمراد بالوضع العام أن وضع الحروف للعام يعني أن مدلول الحرف يصدق على كثيرين في الخارج، ومعنى كون وضع الحرف خاصاً أن مدلول الحرف لا يصدق على كثيرين في الخارج.

ومن الواضح أن هذا المعنى للعموم والخصوص وهو الصدق على كثير في الخارج أو عدم الصدق على كثيرين في الخارج ليس مورد بحثنا لأننا نبحث النسب الواقعية التي موطنها الأصلي هو الذهن لا الصدق على الخارج وليست منطبقة على الخارج أصلاً ففي قولنا (النار في الموقد ـ زيد عالم) فإن هذه النسبة وهي نسبة العالمية إلى زيد ونسبة الظرفية وأن النار موجودة في الموقد هذا يعني وجود مفهوم للنار ووجود مفهوم للموقد ووجود ظرفية بين النار والموقد مع أنه في الخارج يوجد شيء واحد كما أنه في قولنا (زيد عالمٌ) الذهن عنده اثنينيه بين مفهوم زيد ومفهوم عالم لكن في الخارج يوجد شيء واحد فقط وهو (زيد) الذي هو عالم والعالم الذي هو زيد.

إذا بعض النسب موجودة في الذهن فقط دون الخارج مثل ماذا؟ مثل النسبة الإضرابية (قام زيدٌ بل عمرو) في الخارج لا يوجد إلا قيام (عمرو) لكن الإضراب عن زيد المضرب عنه والمصير إلى عمر المضرب إليه هذه نسبة موجودة في الذهن لا الخارج.

وهكذا النسبة التوكيدية والنسبة التصادقية فإنه في الخارج موجود زيد الذي هو عالم والعالم الذي هو زيد شيء واحد موجود في الخارج ولا يوجد مفهومان تصادقا وهما مفهوم زيد ومفهوم العالم.

إذا لا معنى للصدق على الخارج أو عدم الصدق على الخارج فمثل النسبة الإضرابية أو النسبة التوكيدية أو النسبة التصادقية هي نسبة في عالم الذهن لا في عالم الخارج ففي الخارج لا توجد نسبة بين زيد و عالم بل يوجد في الخارج زيد الذي هو عين العالم والعالم الذي هو عين زيد في الخارج ففي الخارج يوجد عين الوحدة لا الاثنينه، والمعنى الأول للعموم والخصوص يلحظ الصدق والانطباق على الخارج وعدمه.

إذا المعنى للعموم والخصوص لا يمكن المساعدة عليه فلا نحمل العموم والخصوص بمعنى الصدق على كثيرين وعدم الصدق على كثيرين هذا العموم والخصوص الذي يفهم من علم المنطق.

المعنى الثاني معنى العام أن الموضوع له في الحروف هو كون الطرفين خارجان قيداً وتقيداً ومعنى الخصوص أن الطرفين داخلان تقيداً خارجان قيداً.

وهذا ما ورد في كلام المحقق النائيني يراجع فوائد الأصول الجزء الأول صفحة أربعة وأربعين خمسة وأربعين المبحث الأول في الوضع البحث في الحروف، ويراجع أيضاً أجود التقريرات للسيد الخوئي الجزء الأول صفحة ثمانية وعشرين إلى ثلاثين.

بيان ذلك:

إن مدلول الحرف كما في قولنا (زيد عالم) فتوجد هيئة الجملة يوجد طرفان لا محالة وهما زيد وعالم كما في قولنا (النار في الموقد) يوجد طرفان وهما النار والموقد، ولا شك ولا ريب إن الطرفين خارجان عن حريم مدلول المعنى الحرفي فالنار مفهوم اسمي والموقد مفهوم اسمي وزيد مفهوم اسمي وعالم مفهوم اسمي.

إذاً (زيد عالم والنار في الموقد) لا يدخل الطرفان في حريم المعنى الحرفي.

لكن يقع الكلام في أن المعنى الحرفي (في) مثلاً أو هيئة الجملة هذا المعنى الحرفي كـ لفظ (في) قد تقيد بالكلمتين تقيد بكلمة (النار) وكلمات (الموقد).

سؤال هذا التقيد هل هو داخل في معنى الحرف أو لا؟

إذا عندنا قيدٌ وعندنا تقيدٌ ومن الواضح أن لفظ زيد وعالم ليس قيداً بل مقيدٌ كما أن لفظ النار والموقد ليس قيداً وإنما مقيدٌ قيدنا النار بأنها في الموقد قيدنا زيد بأنه في الموقد.

إذا الطرفان النار والموقد خارجان قيداً، إذا المعنى الحرفي لا يكون الطرفان قيداً فيه.

الشيء الثاني هل التقيد يدخل في المعنى الحرفي أو لا؟ يعني يوجد تقيد زيد بالعلم وتقيد النار بالموقد هذا التقيد لحاظ ذهني ليس خارجي.

إذا عندنا طرفان النار والموقد وعندنا حيثيتان حيثية القيد وحيثية التقيد، أما الحيثية الأولى حيثية القيد فمن الواضح أن الطرفين النار والموقد ليسا قيدين في مدلول المعنى الحرفين لكن هل هما تقيد في المعنى الحرفي أو لا؟

الميرزا النائيني يقول هكذا:

إذا قلنا إن الموضوع له في الحروف عام فهذا يعني أن الطرفين خارجان عن مدلول الحرف قيداً وتقيداً، يعني الطرفين لم يؤخذا كـقيدٍ في مدلول المعنى الحرفي ولا يحصل تقيد المعنى الحرفي بالطرفين، هذا إذا المدلول عام، واذا المدلول خاص فهذا يعني أن الطرفين لكن خارجان قيداً لكن داخلان تقيداً.

النتيجة النهائية ما هو الفارق بين العموم والخصوص؟

الجواب في دخول التقيد وعدمه، إذا دخل تقيد الطرفين في المعنى الحرفي فهذا معنى خاص وإذا خرج تقيد الطرفين في المعنى الحرفي فهذا معنى عام، وأما القيد فهو خارج في المعنى العام والخاص لأن الطرفين النار والموقد وزيد والعالم ليس قيدين لا في المعنى العام ولا في المعنى خاص.

إنما الكلام في دخول التقيد في دخول التقيد فإن قلنا أن الحرف موضوع بالوضع العام فهذا يعني أن الطرفين خارجان قيداً وتقيداً عن مدلول المعنى الحرفي، وإذا قلنا إن الموضوع له خاص فهذا يعني أن الطرفين خارجان قيداً لكنهما داخلان تقيداً وأخذ وقيد المدلول الحرفي بهما.

الشهيد الصدر يعلق.

طبعاً قبل هذا يقول:

فالعمومية والخصوصية وإن لم تكونا بلحاظ عالم الخارج المعنى الأول يلحظ العموم والخصوص بلحاظ الخارج أما المعنى الثاني للميرزا النائيني يلحظ العمومية والخصوصية بلحاظ عالم الذهن لأن التقيد لحاظ ذهني.

فالعمومية والخصوصية وإن لم يلحظا عالم الخارج ـ وهذا صحيح ـ لا بل هما عالم الذهن.

ثم يعلق الشهيد الصدر وهذا الطرز من التعبير ليس صحيحاً، لماذا؟

لأنه يوهم بوجود طرفين ومعنى حرفي ويوجد تقيد لهذا الطرف وتقيد لذاك الطرف وهذا غير صحيح.

يعني عندنا ثلاثة أمور نوقع النسبة بينها كما في قولنا (النار في الموقد):

الطرف الأول النار الذي هو مفهوم اسمي.

الطرف الثاني لفظه (في) الذي هو معنى حرفي.

الطرف الثالث لفظ الموقد الذي هو معنى اسمي.

ونقيد هذه المفاهيم يعني يوجد تقيد إلى النار ويوجد تقيد إلى الموقد، والحال أن معنى الحرف هو الرابط فكيف تقيد الربط الجملة فيها طرفان فقط النار والموقد وجاء حرف في لإيجاد الربط بينهما لا أن الجملة فيها ثلاثة أطراف ومنها الحرف (في) ونأتي بالتقيد ونربط بين (في) التي معناها ربطي وبين الطرف الأول النار والطرف الثاني الموقد.

إذا المعنى الحرفي بذاته ربطٌ بين الطرفين وشدهما فلا يوجد بين المعنى الحرفي وبين طرفيه رابطٌ آخر وتقيدٌ آخر هذا يلزم منه التسلسل.

فإذا قلنا يوجد بين الطرفين والمعنى الحرفي تقيدٌ وربطٌ.

قلنا وهذا التقيد حصل نتيجة تقيد آخر وربط آخر ثم نأتي إلى هذا الربط وهذا الربط نشأ من ربط آخر وتقيد آخر فيلزم التسلسل، إذا ليس لدينا معنى حرفي وقيد وتقيد ليصح ما قيل من أن العمومية عبارة عن خروج التقيد والقيد معاً وأن الخصوصية عبارة عن دخول التقيد وخروج القيد فهذا مبني على تعقل ثلاثة أمور وهذا غير متعقل فإن تقيد المعنى الحرفي إنما يكون بذاته لا بأمر زائد عليه.

إذا المعنى الثاني للعموم والخصوص للميرزا النائيني لا يمكن المساعدة عليه.

المعنى الثالث للشهيد الصدر وهو أن المراد بالعموم وجود جامع ذاتي انتزاعي والخصوص عدم وجود جامع ذاتي انتزاعي بينها.

ومن هنا نقول هل يتصور بين النسب الواقعية التصادقية وجود جامع مع إلغاء الطرفين أو لا؟

من هنا الآن نبحث النقطة الأولى والنقطة الثانية.

النقطة الأولى الموضوع له في النسب الواقعية.

النقطة الثانية الموضوع له في النسب التحليلية.

النسب الواقعية مثل ماذا؟ النسبة الإضرابية النسبة التوكيدية، يعني هل يوجد جامع انتزاعي في النسب الإضرابية التي هي نسب واقعية؟ وهل يوجد جامع انتزاعي في النسب الظرفية التي هي نسب تحليلية أو لا؟

الجواب أولاً النقطة الأولى نتكلم عن النسب الواقعية، يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول إمكان إيجاد جامع انتزاعي بين النسب التصادقية والنسب الإضرابية والنسب التوكيدية وغيرها من النسب الواقعية، فإذا أمكن تصور ذلك يكون الموضوع له عاماً وتكون جامعيته باعتبار الصدق على كثيرين في وعاء الذهن لا الخارج.

الاحتمال الثاني أن لا نتعقل وجود جامع بين النسب الواقعية فلا يكون له أفراد كثيرون في الذهن.

إذا إذا أمكن القول بوجود جامع ذاتي انتزاعي بين النسب الحقيقية التصادقية صار الحرف موضوع بالوضع العام وإن لم يمكن صار الحرف موضوع بالوضع الخاص.

والصحيح إن هذا الجامع مستحيل لأن النسبة التصادقية أو الإضرابية متقومة بشخص طرفيها لا بنوع الطرفين فإذا أريد انتزاع جامع حقيقي بين نسبتين تصادقيتين فإما أن تلغى خصوصيات الأطراف وإما أن يتم التحفظ عليها.

الاحتمال الأول إذا تحفظنا على خصوصيات الأطراف استحال أخذ جامع مع تباين الأطراف وتقوم الأطراف بهذه الخصوصيات والتباينات.

الاحتمال الثاني إذا ألغينا الطرفين أو الأطراف في هذه الحالة أمكن انتزاع الجامع لكن بإلغاء الأطراف نكون قد ألغينا نفس النسبة وشخص النسبة لأن النسبة متقومة بالأطراف، وبالتالي يستحيل انتزاع جامع انتزاعي لأن الجامع يتحصل عليه بإلغاء الأطراف وبإلغاء الأطراف تلغى النسبة.

إذا لا يعقل تصور جامع انتزاعي بين النسب الواقعية فيتعين في النقطة الأولى وهي الموضوع له في النسب الواقعية أن يكون موضوعاً بالوضع العام والموضوع له خاص، كيف يكون وضع عام؟ أن يتصور معنى إجمالي.

فالواضع حينما يضع النسب التصادقية أو الإضرابية أو التوكيدية فإنه يتصور معنى عام إجمالي لكنه يضع اللفظ لشخص هذه النسبة وشخص تلك النسبة فيكون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً، الوضع عام لأنه يتصور معنى إجمالي الموضوع له خاص لأنه يضع اللفظ لخصوص هذه النسبة وشخص هذه النسبة.

هذا تمام الكلام في النقطة الأولى واتضح أن الموضوع في النسب الواقعية قد وضع بالوضع العام والموضوع له خاص.

النقطة الثانية في الموضوع له في النسب التحليلية من قبيل (في وعن وعلى وإلى وغيره) مما يكون موطنه الأصلي في الخارج لكن الذهن يأتي بنسبة تحليلية ومعنى كون النسبة تحليلية أن الموجود الذهني في قولنا (النار في الموقد) موجود واحد لا أنه توجد اثنينيه في الذهن تأتي النار أولاً ثم الموقد ثانياً وننسب النار إلى الموقف ثالثاً بل الموجود في الذهن صورة وحدانية.

فيقع الكلام هل الموضوع له موضوع بالوضع العام والموضوع له الخاص أو لا؟

والصحيح أنه في الذهن توجد صورة ذهنية واحدة فقط لكن الذهن يقوم بتحليلها يعني يرد إلى الذهن صورة (النار في الموقد) الذهن يحللها إلى ثلاثة أمور: (صورة للنار وصورة للموقد وصورة للنسبة النار إلى الموقد) يعني يوجد انتقال ذهني واحد ولا توجد ثلاثة انتقالات يعني توجد دلالة تصور واحدة ولا توجد ثلاث دلالات تصورية.

نعم كل واحد منها موضوع لمعنى خاص به لفظ النار موضوع لمعنى خاص ولفظ الموقد موضوع لمعنى خاص لكن كلمة (في) ليست موضوعة لمعنى وإنما هي موضوعة في ضمن تلك الجملة الوحدانية.

النتيجة الحروف في النسب التحليلية موضوعةٌ بالوضع العام والموضوع له الخاص، كيف تكون موضوعة بالوضع العام؟

لأن الوضع يتصور معنى إجمالي كمعنى الظرفية أو معنى الاستعلاء أو معنى الابتداء أو معنى انتهاء فهو حينما يريد أن يضع يتصور معنى إجمالي فيصير الوضع عاماً ولكن حينما يضع اللفظ كـ لفظ (في أو عن أو على أو لا أو إنما) حينما يضع هذه الحروف فإنه يضع اللفظ لشخص هذه النسبة فحينئذ فيكون الوضع خاصاً فتكون النتيجة النسب التحليلية موضوعة بالوضع العام والموضوع له خاص يعني الواضع حينما يضع يتصور معنى إجمالي عام كمعنى الظرفية معنى الابتداء معنى الانتهاء ثم بعد ذلك يضع اللفظ لنسبة خاصة ولشخص نسبة معينة فيصير الموضوع له خاص.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية إلى هنا تكلمنا في الجهة الأولى أو الأمر الأول معنى الحروف والهيئات واتضح أنها النسب، الجهة الثانية أو المعنى الثاني اتضح أنها موضوعة بالوضع العام والموضوع له، الأمر الثالث أو الجهة الثالثة الدلالة على المعنى المجازي يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo