< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع:الجمل التامة الإنشائية

الجمل التامة الإنشائية

انتهينا بحمد الله عزّ وجل في بحث الهيئات من بيان ثلاث هيئات:

الأولى هيئة الجمل الناقصة.

الثانية هيئة الجملة التامة الاسمية.

الثالثة هيئة الجملة التامة الفعلية.

اليوم إن شاء الله نأتي إلى بيان هيئة الجملة التامة الإنشائية يوجد مسلكان:

المسلك الأول للسيد الخوئي.

المسلك الثاني للمشهور.

أما المسلك الأول فقد ذهب السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ إلى أن حال الجمل الإنشائية حال الجمل الخبرية من حيث أنها موضوعة لإبراز أمر النفساني وتكون دلالتها على مدلولها دلالة تصديقية لا تصورية.

غاية ما في الأمر أن هذا الأمر النفساني في الجمل الخبرية يختلف عن الأمر النفساني في الجمل الإنشائية فالأمر النفساني في الجمل الخبرية هو عبارة عن قصد الحكاية والأمر النفساني في الجمل الإنشائية هي عبارة عن قصد إيراد الشيء وطلب إيراد الشيء.

فمثلاً في الجملة الخبرية الجملة تكشف عن وجود فرد جزئي من قصد الحكاية في نفس المتكلم وفي الجملة الإنشائية الاستفهامية تكشف الجملة الاستفهامية عن أمر نفساني ليس هو عبارة عن طلب الحكاية بل هو عبارة عن طلب الفهم وتكون دلالة الجملة الاستفهامية على طلب الفهم دلالة تصديقية بمعنى أن الجملة الاستفهامية والإنشائية تكشف عن وجود فردٍ جزئي من طلب الفهم قائم في نفس المتكلم.

يراجع ما أفاده السيد الخوئي، رحمه الله، في المصادر التالية:

محاضرات في أصول الفقه تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض الجزء الأول صفحة ثمانية وثمانين.

الهداية في الأصول تقرير الشيخ حسن الصافي الأصفهاني الجزء الأول صفحة تسعة وخمسين.

دراسات في علم الأصول الجزء الأول صفحة أربعة وخمسين تقرير السيد علي الهاشمي الشاهرودي.

غاية المأمول من علم الأصول الجزء الأول صفحة مئة وسبعة وثلاثين تقرير الشيخ محمد تقي البروجردي.

إذاً الجمل سواء كانت إنشائية أو خبرية فهي موضوعةٌ لإبراز أمرٍ نفساني وهذا الأمر النفساني إما هو قصد الحكاية كما في الجمل الخبرية وإما هو قصد طلب الفهم كما في الجملة الاستفهامية الإنشائية.

وقد اتضح في الدرس السابق أن هذا غير صحيح فإن الدلالات التي يذكرها السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من قصد الحكاية أو قصد طلب الفهم أو قصد طلب الترجي أو قصد طلب التمني كلها صحيحة وهي تامة عند المشهور ولكنها ليست دلالات وضعية بل دلالات ثانوية ناشئة من القرائن الحالية والسياقية، فهي في طول الدلالة الوضعية وليست هي نفس الدلالة الوضعية.

إذا لابد من البحث في المرتبة السابقة على هذه الدلالات ولابد من تصور دلالات تصورية للجمل الإنشائية محفوظة فيها حتى لو سمعنا الجمل الإنشائية من اصطكاك حجرين أو ناطق لا شعور له فيتعين المصير إلى قول المشهور الذي ذهب إلى أن مداليل الألفاظ من حروف وهيئات جمل سواء كانت خبرية أو إنشائية إنما هي مداليل تصورية ليست مداليل تصديقية.

هذا تمام الكلام في المسلك الأول مسلك السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ .

وخلاصته إن الجملة موضوعة لإبراز أمر نفساني مصداق الأمر النفساني في الجملة الخبرية هو قصد الحكاية وفي الجملة الإنشائية هو طلب إيراد الشيء طلب التمني طلب الاستفهام طلب الترجي.

المسلك الثاني مسلك المشهور قسم المشهور الجمل الإنشائية إلى قسمين:

القسم الأول الجمل الإنشائيات التي تستعمل تارة في الإخبار وتارة في الإنشاء بنفس اللفظ وبلا زيادة من قبيل (أنتِ طالق) فهذه جملة اسمية خبرية تستخدم لإنشاء الطلاق وتستخدم لإخبار المطلقة أنها طلقت، وكقوله (بعت الكتاب بدينار) فإنها جملة فعلية قد تستخدم في مقام الإنشاء كما لو قال البائع (بعت الكتاب بدينار) وقد تستخدم في مقام إخبار كما لو ذهبت إلى صاحب المكتبة (أين الكتاب الذي كان في الرف؟ أريد أن اشتريه، فقال بعت الكتاب بدينار ما لك نصيب بعناه بالأمس).

إذا القسم الأول من الجمل الإنشائية ما يكون لفظه واحداً في الإنشاء والإخبار معاً وهذا القسم ليس فيه مطلب جديد لأن مدلوله التصوري الوضعي هو عين ما ذكرناه وشخصناه سابقاً ولا فرق في المدلول التصوري عند المشهور بين أن تستعمل الجملة إنشاء أو إخباراً والمدلول التصوري هو عبارة عن النسبة التامة التصادقية تقول (زيدٌ عالمٌ) ففي الخارج وأيضاً في الذهن صدق زيد على العالم وعالم على زيد هناك نسبة تصادقية.

إذا الإنشاءات والألفاظ التي تستخدم في الإنشاء والإخبار معاً هي موضوعة للنسبة التامة التصادقية.

إذا الجملة الخبرية التامة والجملة الإنشائية التامة ـ فقد يكون جملة إنشائية ناقصة ـ الجملتان التامتان من إخبار وإنشاء إذا كانت اللفظة تستخدم في الإنشاء تارة أو في الإخبار مرة أخرى من دون زيادة فهي موضوعة للنسبة التصادقية.

القسم الثاني قال الألفاظ التي تختص بخصوص الإنشاء ولا تستخدم في الإخبار، مثل: (هل) في الاستفهام؟ و(ليت) في التمني و(لعل) في الترجي فهذه أدوات تستخدم في الجمل المتمحضة في الإنشاء فهي خاصة بالإنشاء ولا تستخدم في الإخبار.

فمثلاً لو قيل (هل زيدٌ عالمٌ؟) ـ الآن من ندخل في المغزى دققواً جيداً درجة درجة ـ (هل زيدٌ عالمٌ؟) فهذه الجملة فيها شيئان:

الأول لفظ (هل).

الثاني لفظ (زيد عالم).

أما مدلول القسم الثاني (زيد عالم) فهو مدلول تصوري قد وضع للنسبة التامة التصادقية بين زيد وعالم لكن ما هو معنى ومدلول لفظ (هل).

مثال آخر: السماء ممطرةٌ هذه جملة خبرية تامة وأحياناً تقول (هل السماء ممطرة؟) فمن الواضح أن معنى القسم الثاني (السماء ممطرة) هو ثبوت نسبة تصادقية بين السماء والمطر يصدق على السماء أنها ممطرة فجملة (السماء ممطرة) موضوعة للنسبة التصادقية ولكن لفظ (هل) موضوع لماذا؟ ما هو مدلوله التصوري؟ يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول مفهوم الاستفهام وهو معنى اسمي.

الاحتمال الثاني واقع الاستفهام.

إن قلت لفظة (هل) موضوعة لمفهوم استفهام قلنا هذا لا يصح لأن لفظ (هل) حرف ومفهوم الاستفهام اسمٌ معنى استقلالي فلا يمكن أن يقال أن مدلول لفظ (هل) هو ماذا؟ مفهوم الاستفهام.

لكن من الواضح أن الاستفهام يفهم من لفظ (هل) وإن لم توضع لفظة (هل) لمفهوم الاستفهام.

إذا كيف دلت لفظة (هل) على الاستفهام؟

منها يقع الكلام في كيفية تصوير دلالة لفظة (هل) على الاستفهام ولابد إشارة إلى مطلب وهو أن الاستفهام أمر قائم بين المستفهِم والمستفهَم عنه وهي النسبة التامة بين زيد والعالم في المثال وبين السماء وممطرة في المثال.

إذا هناك نسبة بين (المستفهِم) وهو السائل وبين (المستفهَم) وهو ثبوت العلم لـ زيد وثبوت المطر للسماء.

إذا يا أخي يا أخي توجد نسبتان:

النسبة الأولى هي النسبة التصادقية في الجملة والكلمة الثانية وهي (زيدٌ عالمٌ) (السماء ممطرة) وهذه النسبة هي النسبة التامة التصادقية.

وهناك نسبة أخرى وهي النسبة بين لفظ (هل) وبين (السماء ممطرة) بين لفظ (هل) وبين (زيد عالم).

إذا توجد نسبتان نسبة بين (زيد وعالم) نسبة تامة تصادقية ونسبة بين لفظ (هل) وبين لفظ (زيد عالم) وكلامنا في أي نسبة؟ النسبة الأولى أم الثانية؟ كلامنا في النسبة الأولى بين (هل) و(زيد قائم) أو كلامنا في النسبة التامة التصادقية بين (زيد عالم)؟

كلامنا في النسبة الأولى لا النسبة الثانية النسبة الثانية النسبة بين زيد وعالم بين السماء ممطرة هذا أخذناها في بحث الجملة الخبرية سواء كانت اسمية أو فعلية أخذناه في الجملة التامة الخبرية بحثنا الآن الجملة التامة الإنشائية يعني العلاقة بين لفظ الإنشاء (هل) وبين الجملة التامة الخبرية (زيدٌ قائمٌ) واضح إن شاء الله؟!

وقد ذكر الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ثلاثة وجوه يمكن تصويرها على مسلك المشهور:

الوجه الأول للمحقق العراقي.

الوجه الثاني للمحقق الاصفهاني.

الوجه الثالث للشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ .

الوجه الأول نقول:

إن لفظة (هل) تدل على النسبة التي تقع بين النسبة التصادقية وبين الاستفهام فعندنا نسبة وعندنا طرفان:

الطرف الأول لفظ (هل).

الطرف الثاني لفظ (زيد عالم).

وبينهما نسبة استفهامية أي توجد نسبة استفهامية بين لفظ (هل) وبين لفظ (زيدٌ عالمٌ) بحيث يكون الاستفهام بما هو مفهوم اسمي قد أخذ قيداً في نفس مدلول (هل) المطابقي بحيث تدل (هل) على نسبة الاستفهام.

ومعنى هذا أن هل تدل على شيئين:

الأول تدل على الاستفهام الذي هو الطرف الأول في الجملة.

والشيء الثاني هو النسبة بين الاستفهام وبين الجملة الخبرية (زيد قائم) (زيد عالم).

يراجع مقالات الأصول للمحقق العراقي الجزء الأول صفحة تسعة وتسعين إلى مئة.

ويراجع تقرير بحثه نهاية الأفكار تقرير الشيخ محمد تقي البروجردي الجزء الأول صفحة ستة وخمسين إلى ثمانية وخمسين.

ويراجع تقريره الثاني بدائع الأفكار للميرزا هاشم الآملي الجزء الأول صفحة ثلاثة وستين إلى خمسة وستين.

ويراجع منهاج الأصول الجزء الأول صفحة ثمانية وأربعين وتسعة وأربعين.

وخلاصة ما ذهب إليه المحقق العراقي هو أن جملة (هل زيدٌ عالمٌ؟) فيها أطراف ثلاثة:

الأول لفظ (هل).

الثاني لفظ (زيدٌ عالمٌ).

الثالث النسبة بين لفظة (هل) وبين لفظة (زيد عالم).

ولفظة (هل) تدل على أمرين:

الأول تدل على الاستفهام الذي هو الطرف الأول والجملة الخبرية (زيدٌ عالمٌ) هي الطرف الثاني وأيضاً لفظة (هل) تدل على النسبة وهذه النسبة معنى حرفي أو اسمين؟ معنى حرفي لكنها مقيدةٌ بمفهومٍ اسمي في مدلولها المطابقي وهو مفهوم الاستفهام.

حالها حال النسبة الصدورية في قولنا (ضرب) ـ يلا لاحظ معي المحقق العراقي ـ في قولنا (ضرب ـ قتل ـ شرب) توجد هيئة الفعل (فَعَلَ) وهي نسبة هذه النسبة مقيدة بذات وهي ذات الضارب ذات القاتل ذات الشارب ومفهوم القاتل والشارب والسارق والأكل مفهوم اسمي أو مفهوم حرفي؟ جاوبني!!

مفهوم اسمي.

إذا الذات المبهمة معنى اسمي لكنه أخذ في المدلول المطابقي لهيئة (ضرب) فتقول (ضرب) فيها نسبة صدور الضرب من ضارب ما (قتل) فيها نسبة صدور القتل من قاتل مبهم، (أكل) فيها نسبة صدور الأكل من أكل ما هذا أكل ما الأكل المبهم الضارب المبهم القاتل المبهم هذا معنى اسمي أو معنى حرفي؟

معنى اسمي، هذا المعنى الاسمي أخذ كـقيدٍ في نفس المدلول المطابق لهيئة وصيغة (ضـرب ـ قـتل ـ شـرب) فكما قلناه في الجملة الفعلية في الجملة التامة الخبرية الفعلية:

أن المفهوم الاسمي للذات يقيد النسبة التي هي معنى حرفي فيكون المعنى الاسمي للضارب الذي هو ذات مبهمة قيداً في هيئة الفعل (ضرب).

كذلك الكلام هو الكلام والجواب هو الجواب في الجملة الإنشائية فنقول:

لفظة هل تدل على نسبة استفهامية هذه النسبة قد أخذ في مدلولها المطابقي قيدٌ هذا القيد هو مفهوم الاستفهام.

إذاً مفهوم الاستفهام معنى اسمي وليس معنى حرفي لكن هذا الاسم ليس هو مدلول لفظة (هل) وإنما أخذ كـقيد في مدلول لفظة (هل)، مدلول لفظة (هل) النسبة الاستفهامية وهذه النسبة الاستفهامية أخذ فيها وفي مدلولها المطابقي قيدٌ اسمي وهو مفهوم الاستفهام.

إذا لاحظ معي الزبدة جملة (هل زيدٌ عالمٌ؟) فيها الطرف الأول لفظ (هل) الطرف الثاني (زيدٌ عالم) هذا الطرف الثاني (زيدٌ عالمٌ) فيه نسبة تصادقية تامة وتوجد نسبة ثانية هي النسبة بين لفظة (هل) وبين جملة (زيدٌ عالم) ولفظة (هل) تقوم بدورين وتحدث شيئين:

لفظة (هل) هي الطرف الأول في مقابل الطرف الثاني (زيدٌ قائمٌ) يعني الاستفهام وأيضا لفظة (هل) تقوم بالنسبة إيجاد نسبة وعلاقة بين لفظة (هل) وبين جملة (زيدٌ عالمٌ) هذه النسبة معنى اسمي أو حرفي؟

معنى حرفي لكن أخذ فيها قيد وهو الاستفهام أي مفهوم الاستفهام الذي هو معنى اسمي.

النتيجة النهائية الاستفهام مدلول مطابقي للفظة أو مدلول التزامي؟

الجواب مدلول مطابقي لأن الاستفهام أخذ كـقيد في المدلول المطابق للفظة (هل).

النتيجة النهائية لفظة (هل) دلت على شيئين:

الأول الاستفهام.

الثاني النسبة بين لفظة (هل) وبين لفظة (زيدٌ عالمٌ).

هذا تمام الكلام في بيان ما نسبه الشهيد الصدر إلى المحقق العراقي لأن السيد كاظم الحائري في تقرير بحثه يقول:

إذاً راجع مقالات الأصول للمحقق العراقي ونراجع أيضاً تقرير البروجردي نهاية الأفكار لا نجد لا نفهم هذا من كلام المحقق العراقي يقول لعل الشهيد الصدر اعتمد على تقرير الميرزا هاشم الآملي بدائع الافكار السيد كاظم في الحاشية يقول ما موجود عندي الكتاب تراجعون هذا. الوجه الثاني للمحقق الأصفهاني يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo