< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: المقام الثاني في تحديد معنى الهيئات

المقام الثاني في تحديد معنى الهيئات

انتهينا بحمد الله عزّ وجل من المقام الأول في تحديد المعنى الحرفي وذكرنا ثلاثة مسالك وفي المسلك الثالث ذكرنا ستة وجوه أو ستة اتجاهات وقد ذكر الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ في المسلك الثالث ثلاثة وجوه وأدعى أن الفارق بينها في مجرد الصياغة لكن الصحيح بنظرنا أنه يوجد فارقٌ بين هذه الوجوه الثلاثة بل الوجوه الستة التي ذكرناها فهي تشترك في أصل المسلك الثالث وهو التغاير الذاتي بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي فيكون المسلك الثالث في مقابل المسلك الثاني لصاحب الكفاية الذي يرى الوحدة الذاتي بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي وأن التغاير في مجرد اللحاظ وفي مقابل القول الأول لصاحب شرح الكافية الذي يرى أن الحرف مجرد علامة ولا معنى له فتكون المسالك ثلاثة:

مسلك العلامية لصاحب الكافية، ومسلك الآلية لصاحب الكفاية، ومسلك النسبية مسلك المشهور وفي مسلك المشهور ثلاثة اتجاهات والفارق بينها حقيقي وليس مجرد صياغة إذ أن المحقق النائيني يرى أن جميع الحروف إيجادية في مقابل المحقق العراقي الذي يرى أن جميع الحروف إخطارية وليست إيجادية إذا الفارق بينها ليست بمجرد الصياغة وإنما في هوية المعنى الموضوع له المعنى الحرفي.

انتهينا من المقام الأول تحديد المعنى الحرفي واتضح أن الصحيح هو الوجه السادس الذي ذهب إليه الإمام الخميني من أن المعنى الحرفي سنخ معنى آلي ويستخدم في عدة معاني قد يستخدم في الإخطار ويستخدم في الإيجاد وقد يستخدم في غير ذلك.

اليوم إن شاء الله نشرع في بيان المقام الثاني تحديد معنى الهيئات فيقع الكلام في تشخيص مفاد الجملة التامة والجملة الناقصة.

مفاد الجملة التامة كـ قولنا (زيدٌ عالمٌ) الجملة الخبرية والجملة الناقصة كـ قولنا (زيدٌ العالم) الجملة الوصفية.

المسالك المطروحة في مفاد الجمل

يوجد مسلكان:

المسلك الأول المسلك المنسوب إلى المشهور وهو إن مفاد الجملة التامة هو النسبة بين الطرفين الموضوع والمحمول ومفاد الجملة الناقصة عبارة عن النسبة بين الوصف والموصوف.

فالمشهور يقول على ما نسب إليهم إن الجملة التامة موضوعة للنسبة التامة والجملة الناقصة موضوعة للنسبة الناقصة فكأن المشهور يتصورون سنخين من النسبة يمكن تصويرهما بين زيد وعمر.

النسبة الأولى نسبة تامة بين الموضوع والمحمول وبين المبتدأ والخبر كـ قولنا (زيدٌ عالمٌ) فهذه الجملة التامة موضوعة للنسبة التامة.

النسبة الثانية النسبة الناقصة وهي مفاد قولنا (زيدٌ العالم) أي الجملة الوصفية النسبة بين الصفة والموصوف لذلك قالوا يصح السكوت في الجملة التامة (زيدٌ عالمٌ) لأن النسبة تامة بين الموضوع زيد وبين المحمول عالم بخلاف الجملة الناقصة (زيدٌ العالم) فإنه لا يحسن السكوت عليها لأن النسبة غير تامة بين الموصوف زيد وبين الصفة العالم.

يمكن مراجعة مسلك المشهور والنسبة إليه في تقريرات السيد الخوئي محاضرات في أصول الفقه الجزء الأول صفحة أربعة وثمانين تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض وكذلك كتاب دراسات في علم الأصول تقرير السيد علي الهاشمي الجزء الأول صفحة ستة وأربعين.

فهذان التقريران ذكرا رأي المشهور.

المسلك الثاني مسلك السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ فقد ذهب السيد الخوئي ـ قدس الله نفسه الزكية ـ إلى أن الجملة التامة موضوعةٌ لقصد الحكاية والجملة الناقصة موضوعةٌ لتخصيص والتحصيص فالجملة الناقصة مفادها نفس مفاد المعنى الحرفي عند السيد الخوئي فحينما تقول (زيدٌ العالم) فإنك قد خصصت العالمية بـ زيد فمرجع الجملة الناقصة إلى قصد التخصيص وقصد التحصيص ومرجع الجملة التامة إلى قصد الحكاية فحينما تقول (زيدٌ عالمٌ) فإنك تحكي عن عالمية زيد وتخبر عن أن زيد عالم.

فادعى السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ أنه لا يعقل أن تكون الجمل موضوعه للنسب حتى يدعي المشهور أن الجملة التامة موضوعه للنسبة التامة والجملة الناقصة موضوعة للنسبة الناقصة إذاً لا يعقل أن تكون الجمل موضوعه للنسب ولا تتعقل التمامية والنقصان في النسب.

وقد اعترض السيد الخوئي رحمه الله على مسلك المشهور بعدة اعتراضات وجعلها برهاناً على المسلك الآخر الذي التزم به ومفاد ما ذهب إليه أن الجملة الخبرية التامة موضوعة لأمر نفاسي هو عبارة عن قصد الحكاية عن ثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه كما أن الجمل الناقصة موضوعه لعين ما اختاره في المعنى الحرفي وهو قصد التخصيص والتحصيص فالحروف موضوعة لتخصيص وتحصيص المعاني الاسمي كذلك الأمر بالنسبة إلى قولنا (زيدٌ العالم) فإنها موضوعة لتحصيص زيد بالعلمية.

يمكن مراجعة مسلك السيد الخوئي في تقرير بحثه محاضرات في أصول الفقه تقرير الفياض الجزء الأول صفحة خمسة وثمانين باب الإنشاء والإخبار.

ويمكن أيضاً مراجعة تقرير السيد الخوئي لبحث أستاذه النائيني في الحاشية أجود التقريرات من صفحة أربعة وعشرين إلى صفحة سبعة وعشرين.

طبعاً المحاضرات في الطبعة القديمة الجزء الأول صفحة خمسة وثمانين، الطبعة الجديدة ضمن موسوعة الإمام الخوئي الجزء ثلاثة وأربعين صفحة أربعة وتسعين إلى صفحة تسعة وتسعين.

وقد اعترض السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ على مسلك المشهور بأربعة اعتراضات:

الاعتراض الأول ويمكن مراجعته في أجود التقريرات الجزء الأول صفحة أربعة وعشرين، وأيضاً يمكن مراجعته في محاضرات في أصول الفقه الجزء الأول صفحة خمسة وثمانين في الطبعة القديمة والجزء ثلاثة وأربعين صفحة أربعة وتسعين في طبعة موسوعة الإمام الخميني.

ويمكن أيضاً مراجعته في دراسات في علم الأصول تقرير السيد علي الشاهرودي الجزء الأول صفحة ستة وأربعين.

الاعتراض الأول مفاده كيف تقولون أن الجملة موضوعه للنسب مع النسبة لا تتصور أصلاً في بعض موارد الجمل وذكر جملتين:

الجملة الأولى شريك الباري ممتنعٌ.

فإنه لا يتعقل نسبة خارجية بين شريك الباري والامتناع لأن شريك الباري ليس موجوداً في الخارج والامتناع ليس موجوداً في الخارج ومن الواضح أن وجود النسبة فرع وجود وتحقق طرفيها في الخارج.

المثال الثاني قولنا (العنقاء ممكنة) والحال أن العنقاء ليست موجودة في الخارج ومن الواضح أن النسبة فرع وجود طرفيها في الخارج مع أن هاتين الجملتين (شريك الباري ممتنع) و (العنقاء ممكنة) هاتان الجملتان صحيحتان من الناحية اللغوية والنحوية.

وفي أجود التقريرات الجزء الأول صفحة أربعة وعشرين مثل السيد الخوئي بدل العنقاء أو غير موجود ورد التمثيل بالإنسان ممكن أو موجود.

ويعلق سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري في كتاب مباحث الأصول الجزء الأول صفحة مئة وثمانية وستين يقول:

وبعض هذه الأمثلة يشتمل عن الغفلة عن لوح الواقع الذي هو أوسع من لوح الخارج.

إذاً هذا دليلٌ على أن مفاد الجملة ليس النسبة ولو كان مفاد الجملة هو النسبة لأمكن تعقل مثل هذه الجمل التي يكون وجود الطرفين فيها مستحيلاً في الخارج.

الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ يناقش السيد الخوئي يقول:

التحقيق في المقام أنه ما المراد بالنسبة التي ذكرها المشهور هل المراد النسبة الخارجية كما يفهم من اعتراض السيد الخوئي أو المراد النسبة الذهنية لا النسبة الخارجية؟

إذاً يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول إن كان يريد السيد الخوئي من اعتراضه النسبة الخارجية كما هو صريح كلامه حيث ذكر أن المشهور يقولون بوضع الجمل للنسب الخارجية.

فيرد عليه أولاً إن المشهور لا يريدون بالنسبة النسبة الخارجية، وكلام السيد الخوئي هذا شبيه بما صدر منه تجاه أستاذه المحقق الأصفهاني ـ رحمه الله ـ حينما فسر كلام المحقق الأصفهاني من الوجود الرابط بالوجود الرابط الخارجي لا الوجود الرابط الذهني مع أن المشهور لم يكونوا يريدون من الرابط هو الرابط الخارجي كما لم يريدون من النسبة النسبة الخارجية أصلاً بل أرادوا معنى أعمق من ذلك كما سيتضح إن شاء الله.

يراجع كلام السيد الخوئي على حمل كلام المحقق الأصفهاني على وجود الرابط الخارجي يراجع دراسات في علم الأصول الجزء الأول صفحة تسعة وثلاثين للسيد علي الهاشمي وكتاب الهداية في علم الأصول الجزء الأول صفحة خمسين للشيخ حسن الصافي وغاية المأمول من علم الأصول الجزء الأول صفحة مئة وواحد وثلاثين إلى مئة واثنين وثلاثين للشيخ محمد تقي الجواهري.

إذاً هذا متكرر في التقارير الأريعة للسيد الخوئي تقرير الفياض والهاشمي والأصفهاني والجواهري.

وثانياً إذا كان السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يلحظ النسبة الخارجية لا النسبة الذهنية فلم الاعتراض بخصوص هاتين الجملتين أو أكثر فإن النسبة الخارجية غير موجودة في القضايا الحملية المبنية على الهوهوية من قبيل قولنا (زيدٌ عالمٌ) يعني هو هو فلا يوجد في الخارج اثنينة فلا يوجد في الخارج زيد وعالم ففي الخارج زيدٌ هو العالم والعالم زيدٌ.

فإذا حملت النسبة في كلام المشهور على النسبة الخارجية لم يقتصر النقض على خصوص العنقاء مستحيلٌ أو ممكن الوجود وشريك الباري مستحيل الوجود بل جميع القضايا الحملية المبنية على الهوهوية، تقول (عمرٌ جميلٌ) (ليثٌ قبيحٌ) (زيدٌ عالمٌ) (خالد جاهلٌ) هنا لا توجد اثنينه زيد هو العالم والعالم هو زيد وليث هو القبيح والقبيح هو ليث لا أنه يوجد في الخارج أمران ليث والقبيح ثم نوجد النسبة بينهما.

وهذا يحصل في الوصف الاشتقاقي والوصف الاشتقاقي الذي يذكر في المحمول هو متحدٌ مع الموضوع إذا لا توجد نسبة خارجية بين زيد والعالم لأن النسبة الخارجية إنما تتعقل إذا كانت هناك اثنينه.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الأول إذا حملنا النسبة على النسبة الخارجية.

الاحتمال الثاني وإن كان السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يريد بالنسبة النسبة بين المفاهيم يعني نسبة ذهنية وليست نسبة خارجية فسيأتي في جواب الاعتراض الرابع أن هذا التصوير ممكنٌ فممكن تصوير شريك الباري ممتنعٌ.

هذا تمام الكلام في الاعتراض الأول.

الاعتراض الثاني يأتي عليه الكلام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo