< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/06/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: مختار الشهيد الصدر في المعنى الحرفي

مختار الشهيد الصدر في المعنى الحرفي

قد اتضح أن الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ رحمه الله ـ يرى أن الحرف قد وضع للنسبة التحليلة لا للنسبة الواقعية الذهنية فضلاً عن النسبة الواقعية الخارجية لكن كلامه هذا ناظرٌ إلى خصوص النسب الأولية دون النسب الثانوية.

وخلاصة ما ذهب إليه الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ هو أن الحرف موضوعٌ للنسبة التحليلة في النسب الأولية كما أن الحرف موضوعٌ للنسبة الواقعية الذهنية في النسب الثانوية.

وتفصيل ذلك في مقامين:

المقام الأول تقسيم المفاهيم الاسميه إلى قسمين:

معقولات أولية ومعقولات ثانوية.

المقام الثاني تقسيم النسب الحرفية إلى قسمين:

نسب أولية ونسب ثانوية.

ويقع الكلام في بيان المقام الأول وهو تقسيم المفاهيم الاسمية إلى قسمين:

القسم الأول المعقولات الأولية وهي المفاهيم الموازية لما في الخارج كمفهوم الإنسان والناطق والحيوان والبياض وما إلى ذلك وسميت معقولات لأن الذهن يتعقلها وسميت أولية لأنها أول ما يتعقلها العقل فالإنسان إذا نظر إلى الأشياء أدرك الحجر والشجر والمدر والسماء والأرض فيقال لمثل هذه المعاني إنها معقولات أولية وهي معاني ومفاهيم اسمية أول ما يتعقلها العقل.

القسم الثاني مفاهيم ومعقولات ثانوية وهي المفاهيم المتحصلة والمتعقلة بحسب الأفق الذهني للمعقولات الأولية وليس لها ما بإزاء خارجي من قبيل مفهوم النوع والجنس والفصل، وقد قسم الفلاسفة المعقولات الثانوية إلى قسمين:

معقولات ثانوية منطقية مثل مفهوم الجنس والفصل والخاصة والعرض العام والنوع.

ومفاهيم ومعقولات ثانوية فلسفية مثل مفهوم العلة والمعلول والإمكان والحدوث والقدم والوجوب.

فالمعقولات الثانية المنطقية ليس لها ما بإزاء ومقابل في الخارج فمفهوم الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام ليس لها ما يقابلها في الخارج.

إذاً موطن المعقولات الثانوية هو الذهن لا الخارج بخلاف المعقولات الأولية فإنها تنتزع من الخارج ولها ما بإزاء في الخارج فمفهوم الإنسان والشجر والأرض والبحر والنهر له ما يقابله في الخارج.

إذاً المعقولات الأولية لها ما بإزاء ومقابل في الخارج بخلاف المعقولات الثانوية فليس لها ما بإزاء في الخارج.

هذا تمام الكلام في المقام الأول تقسيم المعاني الاسميه إلى قسمين:

معقولات أولية لها ما بإزاء في الخارج ومعقولات ثانوية ليس لها ما بإزاء في الخارج وإنما موطنها الذهن.

كذلك يوجد تقسيم شبه لهذا التقسيم بلحاظ مقابلته للخارج وعدم مقابلته فتقسم النسب إلى قسمين:

نسب أولية ونسب ثانوية.

ومن يقع الكلام في المقام الثاني تقسيم النسب إلى قسمين:

القسم الأول النسب الأولية وهي النسب التي توازي ما في الخارج كالنسبة بين مفهوم النار والموقد في الذهن فقولنا (النار في الموقد) هذه القضية الذهنية لها ما بإزاء ومقابل في الخارج وهو النار الخارجية والموقد الخارجي كذلك النسبة والربط بين النار الخارجية والموقد الخارجي لها ما بإزاء ومقابل بين النار والموقد الذهنيين.

إذاً هذه نسبٌ أولوية مثل ماذا؟ مثل النسبة الابتدائية في (من) والنسبة الانتهائية في (إلى) والنسبة الاستعلائية في (على) ونسبة التجاوز في (عن) فهذه نسبٌ ابتدائيه أي يلحظ فيها مقابلتها للخارج.

القسم الثاني النسب الثانوية وهي النسب التي ليس تحصلها وانتزاعها من الخارج بل انتزاعها من نفس أفق عقد القضية في الذهن من قبيل النسبة الإضرابية والنسبة الاستثنائيه والنسبة التوكيدية والنسبة التحقيقية وكثير من النسب.

مثال ذلك:

النسبة الإضرابية في قولنا (جاء زيدٌ بل عمرٌ) فكلمة (بل) تدل على الإضراب ولا نريد بـذلك مفهوم الإضراب فإن مفهوم الإضراب معنى اسمي بل نريد بذلك واقع الإضراب يعني وجود نسبة قائمة بين المضرب عنه وهو زيد والمضرب إليه وهو عمر حينما قلت (جاء زيدٌ بل عمرٌ).

وهذه نسبة ثانوية وليست من قبيل النسبة الظرفية فالنسبة الظرفية منشأها الخارج في الخارج عندنا ظرف وهو الموقد وعندنا مظروف وهو النار في قولنا (النار في الموقد).

عندنا عالي وهو الكتاب وعندنا مستعلى عليه وهو الطاولة في قولك (الكتاب على الطاولة) فالنسبة الاستعلائية والنسبة الظرفية لها ما يقابلها في الخارج.

من هنا قال الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ أن الموجود في الذهن هو نسبة تحليلية وليس نسبة واقعية يعني في الخارج توجد نسبة مكانية نسبة الكتاب إلى الطاولة نسبة النار إلى الموقد لأن منشأ الخارج يقتضي التعدد بينما منشأ الذهن لا يقتضي التعدد ففي الذهن لا يوجد تعدد يعني مفهوم كتاب ومفهوم طاولة ومفهوم نسبة استعلائية ولا يوجد في الذهن مفهوم نار ومفهوم موقد ومفهوم نسبة النار إلى الموقد لأنه لا يوجد ظرف ومظروف في الذهن لأن صورة النار مفهوم النار مفهوم الموقد مفهوم الكتاب مفهوم الطاولة هذه صور ذهنية هذه أعراض هذه الأعراض كيف نفساني يطرأ ويعرض على النفس الإنسانية.

فإذا عرضت هذه الأعراض على النفس الإنسانية فلا توجد ظرفية ومظروفية لا توجد أينية ونسبة مكانية بل توجد صورة وحدانية.

من هنا قال الشهيد الصدر بالنسبة إلى النسب الأولية التي لوحظ فيها المفهوم الذي له ما بإزاء في الخارج يكون الحرف قد وضع للنسبة التحليلية لا النسبة الواقعية الذهنية لأن الصورة الذهنية ترد إلى الذهن وحدانية وإن تعددت الأمور في الخارج.

هذا في أي قسم؟ في القسم الأول النسب الأولية.

وأما القسم الثاني النسب الثانوية فحاق منبتها وحاق ظرفها هو الذهن لا الخارج فموطن النسبة الثانوية الذهن يعني أنت في الذهن حكمت على الإنسان بأنه كلي وحكمت على الحيوان بأنه جنس وحكمت على الناطق بأنه فصل هذا كله في الذهن ليس في الخارج.

فموطن النسبة الثانوية.. لماذا هي ثانوية؟

لأن أولاً وبالذات تنظر إلى الخارج وثانياً تنظر في الذهن واضح أم لا؟!

إذاً النسبة على قسمين:

نسبة أولية لها ما بإزاء في الخارج كـنسبة النار إلى الموقد ونسبة الكتاب على الطاولة النسبة الابتدائية النسبة الانتهائية النسبة الاستعلائية النسبة الظرفية هذه كلها نسب أولية لها ما بإزاء في الخارج منبتها وموطنها وأساسها الخارج والذهن انعكاس لما في الخارج.

القسم الثاني النسب الثانوية التي منبتها الذهن لا الخارج موطنها ومنبتها الذهن لا الخارج.

إذاً القسم الأول من قبيل (في ومن وعلى وإلى وعن) ونحو ذلك من النسب التي أصل موطنها هو الخارج ويكون الذهن فيها طفيلياً على الخارج وأما النسب الثانوية كالنسبة الإضرابية في قولنا (جاء زيدٌ بل عمرٌ) فالموضوع له الحرف هو النسبة الواقعية الذهنية لأنه في الذهن لا يوجد وجود واحد لزيد وعمر معاً أصلاً لا يوجد تحصيص أصلاً.

ومن هنا يمكن حمل كلام السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ حينما ذهب إلى أن الحرف وضع للحصة الحرف وضع لتخصيص المعنى الاسمي الحرف وضع لتخصيص وتحصيص المعنى الاسمي لعله نظر إلى النسبة من القسم الأول النسب الأولية ونظر ورأى أن الصورة لا ترد إلى الذهن متعددة يعني موجود في الخارج ثلاثة: نار وموقد وربط لكنها لا ترد إلى الذهن ثلاثة نار ذهنية وموقد ذهني وربط ونسبة ذهنية من هنا التزم بالحصة فقال يرد إلى الذهن حصة خاصة من النار هي النار التي في الموقد يرد إلى الذهن فرد خاص من النار لكن حمل كلام السيد الخوئي على خصوص النسبة التحليلية التي ذهب إليها السيد الشهيد الصدر خلاف ظاهر عبارة السيد الخوئي وإن كان مذهب السيد الخوئي من أن الحرف موضوع لواقع النسبة وواقع النسبة هو الحصة والتخصيص والتحصيص ينسجم مع مبنى الشهيد الصدر من أن الحرف في النسب الأولية قد وضع للنسبة التحليلية هذا القسم الأول.

القسم الثاني النسب الثانوية في النسب الثانوية في الذهن يوجد أمران وهما زيد وعمر ولا يوجد شيء هو زيد وهو عمر تقول هكذا (جاء القوم إلا زيدٌ) يوجد أمران في الذهن القوم المستثنى منه وزيد المستثنى.

إذاً يوجد في الذهن أمران: المعدول عنه وهو زيد والمعدول إليه وهو عمر يوجد في الذهن أمران المستثنى منه وهو القوم والمستثنى وهو زيد.

إذاً يوجد مفهومان في الذهن في النسب الثانوية ونسبة واقعية ذهنية بين المفهومين الذهنيين توجد نسبة اندكاكيه فنائيه واقعية بين زيد المضروب عنه وزيد المضروب له بين القوم الذين استثني منهم وبين زيد الذي استثني من القوم.

إذاً النسبة الإضرابية يمكن أن توجد بين وجودين ذهنيين لأن موطنها هو الذهن وليست من قبيل النسبة المكانية.

إذاً يتصور التضايف بين زيد المضروب عنه وعمر المضروب إليه والمعدول إليه لأن حاق هذه النسبة أمرٌ ذهني ومع فرض وجود طرفين متغايرين في الذهن يمكن إيقاع النسبة بينهما بين المضروب عنه والمضروب إليه بين المستثنى منه والمستثنى .... لأن حاق هذه النسبة أمر ذهني ومنبتها هو الذهن.

طبعاً لا ندعي أن النسبة تقع بين وجودين ذهنيين بما هو وجودين ذهنيين لا بل تقع بين الوجودين الذهنيين بما هو حاكيان عن الخارج وأما مثل النسبة الظرفية التي هي من النسب الأولية يستحيل وقوعها بين وجودين ذهنيين بما هو وجودان ذهنيان ولا بينهما بما هما حاكيان عن الخارج.

وقد تلخص من كل ما ذكره الشهيد الصدر هذه الخلاصة الزبدة إن الحروف موضوعه لواقع النسب وإنها على قسمين:

القسم الأول الحروف التي وضعت بإزاء النسب التحليلية من قبيل في ومن وإلى وعلى فيكون الحرف قد وضع للنسبة التحليلية.

القسم الثاني الحرف الذي وضع بإزاء النسبة الواقعية الذهنية من قبيل أدوات الإضراب والاستثناء فتكون الحروف قد وضعت للنسبة الواقعية الذهنية.

وميزان القسمين كما يقول شيخنا الأستاذ السيد كاظم الحائري في كتابه مباحث الأصول الجزء الأول صفحة مئة وخمسة وستين.

ميزان القسمين هو أنه متى ما كانت التي بإزائها الحروف موطنها الأصلي هو الخارج والذهن انعكاس لها فالنسب تحليلية لا واقعية فالنسبة الظرفية والابتدائية والانتهائية ونحو ذلك فإنه ينطبق عليها جميع ما تقدم ومتى ما كانت النسب موطنها الأصلي ومحل نشأتها الأصلية هو الذهن فهي مدلولة للحرف بما هي نسب واقعية لا تحليلية من قبيل النسبة الإضرابية.

هذا تمام الكلام فيما أفاده الشهيد الصدر في تقريراته الأربعة السيد كاظم الحائري مباحث الأصول، الشهيد الصدر الثاني محاضرات في علم أصول الفقه، السيد محمود الهاشمي في بحوث في علم الأصول، والشيخ عبد الساتر في بحوث في علم الأصول.

في الأمس أنا ذكرت أن السيد الشهيد كان ينكر مقولة الأين وأنها مجرد وهم وخيال وقلت صفحة مئة وسبعة وعشرين والصحيح صفحة مئة وثمانية وخمسين مباحث الأصول الجزء الأول.

يقول السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ في الحاشية:

كان يرى ـ رحمه الله ـ عن الشهيد الصدر الأول أن هذه الهيئة المسماة بمقولة الأين مجرد وهم وخيال وليست أمر واقعي وأن الظرفية والمظروفية من أمور لوح الواقع لا من موجودات العالم الخارجي.

إلى هنا ذكرنا مبنى الشهيد الصدر.

سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري يخالف الشهيد الصدر في بعض الموارد يخالفه يراجع تعليقة السيد كاظم الحائري صفحة مئة وستة وستين يوافقه في مسألة ويخالفه في مسألة.

المسألة التي يتفق معه يقول النسب إذا كان موطنها الأصلي هو الخارج وكان الذهن فيها طفيلاً على الخارج فهي نسب تحليليه هذا نسلم أنها نسب تحليلية.

القسم الثاني يختلف فيه وهي النسب التي موطنها الذهن من قال أنها دائماً تكون ذهنية واقعية، السيد كاظم الحائري يقول النسب في المعقولات الثانية النسب الثانوية يقول بعضها تحليلي وبعضها واقعي ذهني تراجع لا يوجد داعي للإطالة.

أيضاً تراجعون حاشيتين للشهيد الصدر الثاني:

الحاشية الأولى صفحة مئة واثنين وستين.

والحاشية الثانية صفحة مئة وسبعة وستين.

محاضرات في علم أصول الفقه.

هذا تمام الكلام فيما أفادة الشهيد الصدر الأول في معنى الحرف وهو خلاصته إن الحرف موضوع للنسبة التحليلية في النسب الأولية كما أن الحرف موضوعٌ للنسبة الذهنية الواقعية في النسبة الثانوية.

هذا تمام الكلام في مختار الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo