< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الوجه الثالث للمسلك الثالث ما ذهب إليه السيد الخوئي

الوجه الثالث للمسلك الثالث ما ذهب إليه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن الحرف موضوعٌ لتحصيص المفاهيم الاسميه.

وحاصل ما أفادة ـ قدس الله نفسه الزكية ـ إن المفاهيم الاسمية كـ مفهوم الضرب والأرض قابلةٌ للتقسيم والتحصيص إلى حصص كثيرة بحيث يكون المفهوم قابلاً للانطباق على كل واحدة من هذه الحصص.

وهنا توجد حالتان:

الحالة الأولى أن يتعلق غرض المتكلم بإفادة طبيعي المعنى الاسمي فيورد لفظ الضرب الأرض السماء فهو يقتصر على إفادة طبيعي المعنى الاسمي بحدّ ذاته فيستعمل كلمة ضرب مثلاً من دون ضم حرف إليها فيقول (الضرب موجود) (السماء موجودة) (الأرض موجودة).

الحالة الثانية يتعلق غرض المتكلم بإفادة حصة خاصة من حصص طبيعي المفهوم الاسمي، فالضرب له حصص هناك ضرب في الدار وهناك ضرب في المدرسة وهناك ضرب في الطريق وهناك ضرب في السوق فالإتيان بمفردة لفظ الضرب فقط لا يفي لإفادة مفهوم الحصة لأن حصة الضرب في الدار تنحل إلى ذات مفهوم الضرب والتحصص والتقييد بالدار.

وكلمة الضرب مفهوم اسمي واسع يحتاج إلى تقييد وتضييق لذلك ليكي يقيد مفهوم الضرب الذي هو مفهوم اسمي نحتاج إلى كلمة أخرى تدل على التقييد والتحصيص وهي كلمة (في) في قولنا (الضرب في الدار موجودٌ) فالحصة الخاصة من الضرب وهي الضرب في خصوص الدار مستفادةٌ بنحو تعدد الدال والمدلول.

فلفظ الضرب دال أول ومفهوم الضرب وطبيعي الضرب هذا مدلول أول وحصة الضرب في الدار هذا معنى ثاني ومفهوم ثاني مستفاد من الدال الثاني وهو لفظ في فذات الطبيعة مدلول عليها بالاسم وضيق الطبيعية مدلول عليها بالحرف.

إذا الحرف موضوعٌ لتحصيص المفاهيم وتضيق المفاهيم وتقييد المفاهيم الاسمية بحيث تعدد دائرة انطباق المعاني الاسمية وفقاً لتعدد الحروف وليس المراد من الضيق مفهوم الضيق وعنوان الضيق لأن مفهوم الضيق معنى اسمي وليس معنى حرفي بل المراد واقع الضيق وحقيقة الضيق والمحدودية في المفهوم الاسمي في مقام الانطباق على أفراده هذا هو مدلول الحرف.

وقد حمل السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ الوجه الأول للمسلك الثالث على الربط الكلامي ونسبه لأستاذه الميرزا النائيني كما قد حمل الوجه الثاني على الوجود الرابط الخارجي ونسبه إلى أستاذه المحقق الأصفهاني فحينئذٍ يكون الحرف بمعنى المعنى الموضوع لتحصيص المفاهيم الاسمية معنى ثالث في مقابل المعنى الأول والمعنى الثاني.

صارت ثلاثة معاني متباينة:

المعنى الأول الربط الكلامي للميرزا النائيني.

المعنى الثاني الربط الخارجي للمحقق الأصفهاني.

المعنى الثالث الحرف الموضوع لتحصيص المفاهيم الاسميه هذا يصير معنى ثالث.

يمكن مراجعة كلمات السيد الخوئي في الكتب التالية:

محاضرات في أصول الفقه تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض لبحث السيد الخوئي الجزء الأول صفحة خمسة وسبعين ستة وسبعين.

دراسات في علم الأصول تقرير السيد علي الهاشمي الشاهرودي لبحث السيد الخوئي الجزء الأول صفحة اثنين وأربعين.

الهداية في الأصول تقرير الشيخ حسن الصافي لبحث السيد الخوئي الجزء الأول صفحة ثلاثة وأربعين وأربعة وأربعين.

أجود التقريرات تقرير السيد الخوئي لبحث أستاذ النائيني في الحاشية الجزء الأول صفحة ثماينة عشر.

تحقيق الوجه الثالث للسيد الخوئي وقد تأمل السيد الشهيد الصدر ـ رحمه الله ـ فيما أفاده السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وذكر نقطتين في تحقيق كلام السيد الخوئي يمكن مراجعتها في محاضرات في علم أصول الفقه تقرير الشهيد الثاني الجزء الأول صفحة مئتين وخمسة وخمسين وهذا أيضاً مذكور في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر وتقرير السيد كاظم الحائري والسيد محمود الهاشمي.

النقطة الأولى إننا إذا لاحظنا مفهومين من المفاهيم مثل مفهومي الإنسان والحصان أو مفهومي الضرب والدار فهنا توجد حالتان وصورتان:

الصورة الأولى إمكان انتزاع النسبة.

الصورة الثانية عدم إمكان انتزاع النسبة.

الصورة الأولى إن أمكن انتزاع نسبة قائمة بين هذين المفهومين كما هو الحال بالنسبة إلى مفهوم الضرب ومفهوم الدار وهي نسبة الظرفية نسبة الظرف إلى المظروف المعبر عنها بنسبة الظرفية أي أن الضرب وقع في ظرف الدار فلا محالة يعقل في طول ذلك أن نخصص ونحصص مفهوم الضرب العام ونقسمه إلى قسمين:

القسم الأول ما يكون واجداً للنسبة وظرفاً لها وهو الضرب في الدار.

القسم الثاني ما يكون فاقداً لها عدم الضرب في الدار.

وحينئذٍ يمكن تحصيص مفهوم الضرب بأخذ هذه النسبة وبه ينشأ ضيق مفهوم الضرب وهذا هو معنى تحصيص المعنى الاسمي.

إذاً تحصيص المفهوم الاسمي وتضيق دائرته فرع وجود نسبة إذا لاحظنا وجود نسبة بين الضرب وبين الدار فالتحصيص في طول إمكان انتزاع نسبة بين مفهومين كمفهوم الضرب ومفهوم الدار.

هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

الصورة الثانية عدم تعقل النسبة بين المفهومين فإذا تصورنا مفهومين مثل مفهوم الإنسان ومفهوم الحصان فتارة نلتفت إلى نسبة بينهما نقول (الإنسان على الحصان) فنلتفت إلى النسبة الاستعلائية أو نقول (الإنسان مع الحصان) نلتفت إلى نسبة المعية أو نقول (الإنسان مالكٌ للحصان) فنلتفت إلى نسبة الملكية حينئذٍ يمكن تحصيص الإنسان إلى حصتين الإنسان الواجب للحصة والإنسان غير الواجب للحصة كالإنسان المالك للحصان والإنسان غير المالك للحصان هذا بالنسبة إلى الصورة الأولى الحالة الأولى وهي تعقل النسبة انتزاع النسبة.

الصورة الثانية إذا لم تنتزع أي نسبة بين المفهومين فلا يمكن تحصيص الإنسان بالحصان صار مفهوم الإنسان مباين لمفهوم الحصان ولا نسبة ولا علاقة بينهما فلا يمكن تحصيص الإنسان إلى حصتين بلحاظ الحصان ما لم ننتزع بينهما نسبة معينة.

واضح إن شاء الله هذا تمام الكلام في النقطة الأولى من تحقيق الشهيد الصدر.

النقطة الثانية ما هو مراد السيد الخوئي من قوله إن الحرف موضوعٌ لتضيق المفهوم الاسمي وتحديده؟!

الجواب يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول مراده إن الحرف موضوعٌ لما هو منشأ هذا التقييد ومنشأ هذا التحديد وملاك هذا التقييد والتضييق، ومن الواضح أن منشأ التقييد هو النسبة القائمة بين الضرب والدار وهي النسبة الظرفية التي بها يتضيق طبيعي مفهوم الضرب الاسمي.

فإن كان مراد السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من قوله إن الحرف موضوع لضيق المعنى الاسمي أي منشأ ضيق المعنى الاسمي وهو النسبة فهذا يعني أن قول السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ موافق للمسلك الثالث الذي يرى أن الحرف موضوع لواقع النسبة وأن الحروف موضوعه للنسب.

فبناءً على هذا الاحتمال الأول لا يكون رأي السيد الخوئي في مقابل رأي الميرزا النائيني والأصفهاني بل يكون رأي السيد الخوئي موافقاً لمسلك المشهور وهو المسلك الثالث وهي أن الحروف موضوعه للنسب لكن الميرزا النائيني اختلف معه في الصياغة قال الحروف معناها إيجادي وليس إخطاري والمحقق الأصفهاني شببها بالرابط الخارجي والسيد الخوئي قال دورها دور تقييد المعنى الاسمي ببركة منشأها وهو النسبة.

إذا عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير.

الاحتمال الثاني أن لا يكون مراد السيد الخوئي من أن الحرف يضيق المعنى الاسمي هو منشأ التضييق وهو النسبة بل المراد إن الحرف موضوع للتضييق والتحصيص لا أن الحرف موضوع للنسبة التي تكون منشأ للتقييد والتحصيص بل الحرف بنفسه يقوم بالتقييد والتحصيص فدائرة المعنى الاسمي واسعةٌ وطبيعي المفهوم الاسمي واسعٌ فيأتي نفس الحرف ويقيده.

بناءً على هذا الاحتمال الثاني هذا مطلب جديد هذا يختلف عن مفاد الميرزا النائيني والمحقق الأصفهاني والمسلك الثالث فالمسلك الثالث يرى أن الحرف موضوع للنسبة يصير مسلك السيد الخوئي الحرف موضوعٌ للتقييد المعنى الاسمي وتحديد المعنى الاسمي.

بناءً على هذا الاحتمال الثاني يرد على السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ثلاثة إشكالات أوردها السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ :

الإشكال الأول إن قلت إن الحرف قام بالتحصيص قلنا ما هو منشأ تحصيص الحرف للمعنى الاسمي؟ إن قلت إن الحرف حصص المعنى الاسمي ببركة النسبة السابقة بين المفهومين قلنا أهلاً بناصرنا.

فهذا يعني إن تحصيص الحرف فرع ثبوت نسبة بين المفهومين فمنشأ التحصيص هو النسبة السابقة ونسب التحصيص إلى الحرف مجازاً وتجوزاً وتسامحاً.

وحينئذٍ ننقل الكلام إلى تلك النسبة ونقول إن الحرف إذا كان موضوع للضيق المسبب عن تلك النسبة وغير موضوع للنسبة أصلاً فما هو الدال على تلك النسبة فهنا يوجد احتمالين إما الذي يدل على النسبة فهو الحرف فإذا التزمنا أن الدال على النسبة هو الحرف صار كلام السيد الخوئي مناصراً لكلامنا وإن قلنا إن الحرف لا يدل على تلك النسبة نسأل فما الدال على تلك النسبة؟!

إن قيل يوجد دال على النسبة دال آخر لأن الضيق لا يكون إلا في طول فرض النسبة فهو غير موجود.

إذاً يا أخي إما الدال هو الحرف أو شيء آخر فإذا الحرف هذا معناه أن الحرف موضوع لواقع النسبة وإذا غير الحرف فنحن لا نعرف دال آخر على النسبة غير الحرف فنرجع إلى الاحتمال الأول أن الدال على هذه النسبة هو الحرف فيصير مفاد الاحتمال الثاني إن الحروف موضوعه للنسبة فإن الحروف وإن سببة التحصيص والتضييق إلا أن منشأ هذا التضييق والتحصيص هو النسب.

هذا تمام الكلام في الإشكال الأول.

الإشكال الثاني لا نسلم أن التحصيص في الحروف دائميٌ بل تحصيص الحروف اتفاقيٌ فالحروف قد تخصص وتضيق وتحدد كما في النسبة الاستعلائية والظرفية كحرف في وعلى ومع وأحياناً بعض الحروف لا تحصص ولا تقييد ولا تضيق بل الحرف الواحد في موارد يحصص ويخصص وفي موراد أخرى لا يخصص ولا يحصص.

ولنضرب أربعة أمثلة بأربعة حروف طبعاً هذا أكبر شاهد على أن الحرف ليس موضوعاً للتضييق فقد يضيق وقد لا يضيق.

المثال الأول ..

أربعة أمثلة أربعة حروف..

الحرف الأول حرف العطف الواو تارة تقول (حافظ على إكرام زيد وعلى صحته) أو (جاء الإنسان والحيوان) فهنا يعني جاء حصة من الإنسان وجاءت أيضاً حصة من الحيوان هنا واضح التحصيص، مثال ثاني غير ظاهر بالتحصيص وهو قولنا (الحرارة والبرودة لا يجتمعان) فليس المقصود حصة الحرارة المقترنة بالبرودة بل المراد إن الحرارة يعني أصل الحرارة مع أصل البرودة لا يقترنان أصلاً بقطع النظر عن حصتيهما.

إذاً الحرف العاطف واو لم يكن مؤثر في تحصيص الحرارة والبرودة بحصة خاصة لأن الحرف ليس موضوعاً لتحصيص بل الحرف موضوع للنسبة هنا نسبنا البرودة للحرارة ونقول لا يمكن نسبة البرودة إلى الحرارة.

الحرف الثاني حرف الاستثناء في مثل قولنا (تصدق بالدارهم العشرة إلا واحداً) فالأصل يوجد تحصيص العشرة بالتسعة مع أنه ليس للعشرة في نفسها حصتان حصة عشرة وحصة تسعة حتى يقال إن الاستثناء أوجب تحصيص العشرة بالعشرة ناقص واحد فإن عشرة ناقص واحد ليس حصة من حصص العشرة وإنما هو عدد آخر هو عدد تسعة فالنسبة الاستثنائية لا تقبل التحصيص أصلاً.

الحرف الثالث حروف الإضراب (جاء زيدٌ بل عمرٌ) هنا هل أنت حصصت زيد وبل حرف من الحروف جاء زيد بل عمر أضربت بل لم يأتي زيد بل عمر هذه ليس فيها تحصيص.

الحرف الرابع حروف التفسير تقول (عندي إنسان أي حيوان ناطق) يعني هنا هل أنت حصصت الإنسان بحصة الحيوان الناطق؟! أو شرحت طبيعي المفهوم الإنسان المفهوم الاسمي أن طبيعي الإنسان هو طبيعي الحيوان الناطق.

إذاً التحصيص ليس هو المعنى الحرفي التحصيص ليس هو هو المعنى الحرفي بل المعنى الحرفي هو النسبة والنسبة قد توجب التحصيص وقد لا توجب التحصيص.

إذاً الصحيح إزاء الوجه الذي ذكره السيد الخوئي أنه لا يصح إلا إذا ارجع إلى المسلك الثالث وهو المسلك العام مسلك المشهور وهو الالتزام بأن الحرف موضوعٌ للنسبة والنسبة هي منشأ الضيق والتقييد للمعنى الحرفي فيكون تعبير السيد الخوئي عن الضيق والتضيق تعبيراً مسامحياً.

نعم يوجد توجيه دقيق وعميق لكلام السيد الخوئي ولكن كلام السيد الخوئي لا يفي ببيانه ولا يفي بإثباته وهذا المعنى ذكره السيد الشهيد الصدر بعد تحقيق الحال في المسلك الثالث للمشهور ولذلك الدرس القادم يقع في تحقيق الحال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo