< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/ الوضع/ جلسه 40 - الاعتراض الثالث على المسلك الثاني وهو للسيد الخوئي

 

الاعتراض الثالث

وهو لسيدي أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ .

فقد أشكل على المحقق الخراساني صاحب الكفاية ثم أشكل الشهيد الصدر الأول السيد محمد باقر الصدر على أستاذه السيد الخوئي ووصل في النتيجة إلى أن الإشكال الثالث للسيد الخوئي ليس بواردٍ على صاحب الكفاية.

وسيتضح إن شاء الله من خلال التحقيق أن فهم الشهيد الصدر لكلمات أستاذه السيد الخوئي لم يكن دقيق وبالتالي إشكال الشهيد الصدر على السيد الخوئي ليس بوارد إلا أن إشكال السيد الخوئي على صاحب الكفاية أيضاً ليس بوارد.

والصحيح ما ذكره سيدنا الأستاذ آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري ـ حفظه الله وأعزه ـ في حاشيته الأولى من كتابه مباحث الأصول الجزء الأول صفحة مئة وتسعة وعشرين. [1]

هذه خلاصة البحث وبالتالي النتيجة النهائية الإشكال الثالث ليس بواردٍ على صاحب الكفاية وإن كنا لا نقبل المسلك الثاني لصاحب الكفاية بل نلتزم بالمسلك الثالث الذي يلتزم به الميرزا النائيني والمحقق للأصفهاني والمحقق العراقي والسيد الخوئي والسيد الإمام الخميني والشهيد الصدر ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ .

تقريب الإشكال الثالث أو الاعتراض الثالث وهو ما ذكره السيد الخوئي في تعليقته على بحث أستاذه في أجود التقريرات الجزء الأول صفحة خمسة عشر من النسخة القديمة والجزء الأول صفحة أربعة وعشرين من النسخة الحديثة[2] تحقيق مؤسسة صاحب الأمر للشيخ حسن الصافي صاحب تقرير الهداية في الأصول تقرير بحث السيد الخوئي، وكذلك ذكرها السيد الخوئي في محاضرات في أصول الفقه الشيخ الفياضي الجزء الأول صفحة ثمانية وخمسين[3] من النسخة القديمة وأما وفق نسخة موسوعة السيد الخوئي يصير الجزء ثلاثة وأربعين صفحة ثلاثة وستين.

تقرير إشكال السيد الخوئي وفقاً لفهم الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ :

إنه لو كان امتياز المعنى الحرفي عن المعنى الاسمي إنما هو بخصوص اللحاظ الآلي وفناء الشيء في غيره فإنه يلزم بناءً على هذا الضابط وهذا الملاك أن تكون الأسماء حينما تقع في قضايا ناظرة إلى الخارج تكون حروفاً.

فلو التزمنا بأن ضابطة المعنى الحرفي هو ما أخذ باللحاظ الآلي فإنه يلزم أن بعض الأسماء تصبح حروفاً مع أنه من الواضح أنها أسماء وليست حروفاً، مثال ذلك:

مفهوم النار في قولنا (النار محرقة) فمن الواضح أن مفهوم النار مفهوم اسمي وليس مفهوماً حرفياً مع أن النار لم تلحظ إلا آلة وفانية في واقع النار الخارجية، فإن مفهوم النار الموجود في الذهن ليس محرقاً وإلا لاحترق الذهن، فمفهوم النار في الذهن قد أخذ آلة لمصداق وواقع النار الخارجية.

إذا لو قلناه إن المعنى الحرفي هو المعنى الذي يلحظ كآلة وفانٍ في الغير لصدق هذا الضابط والمعيار على مفهوم النار الذي هو من المسلم أنه مفهوم اسمي لكن من الواضح أن مفهوم النار محرقة لم يؤخذ مفهوم النار بما هو مفهوم قابع في الذهن فقط بل لوحظ مفهوم النار كآلة ومرآة للنار الخارجية فمفهوم النار في الذهن مندكٌ في النار الخارجية.

وبالتالي هل يلتزم صاحب الكفاية أن مفهوم النار مفهوم حرفي، نظراً لانطباق ضابط المعنى الحرفي على هذا الاسم؟! إذاً هذا شاهد على وجود مغايرة بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي وأن الضابط الذي ذكره صاحب الكفاية للمعنى الحرفي لا نفرق فيه بين الحرف والاسم واضح الاعتراض الثالث أو لا؟! هذا إلى هنا نتدرج درجة درجة.

وأشكل عليه الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ وقال هذا الإشكال في غير محله يراجع مباحث الأصول للسيد كاظم الحائري الجزء الأول صفحة مئة وثلاثين وأيضاً تقرير الشيخ حسن عبد الساتر كتب خمس صفحات وتقرير السيد محمود الهاشمي كتب نصف صفحة وتقرير الشهيد الصدر الثاني، يقول الشهيد الصدر:

إشكال السيد الخوئي في غير محله لأن الفناء له معنيان:

المعنى الأول فناء العنوان في المعنون وفناء المفهوم في المصداق.

المعنى الثاني فناء المفهوم في المفهوم.

وما يريده صاحب الكفاية هو الثاني أي فناء المفهوم في المفهوم، والإشكال الذي أشكل به السيد الخوئي هو الأول أي فناء العنوان في المعنون أو فناء المفهوم في المصداق هذه خلاصة وزبدة إشكال الشهيد الصدر.

توضيحه:

المعنى الأول فناء العنوان في المعنوان أو فناء المفهوم في الواقع والمصداق من قبيل فناء مفهوم النار الموجود في الزهن في واقع النار الموجودة في الخارج.

فحينما تقول (النار حارة) يفنى مفهوم النار الموجود في ذهن الإنسان وهذا عنوان يفنى في المعنون الخارجي والمصداق الخارجي والواقع الخارجي أي النار الموجودة في الخارج.

ثم يعقب الشهيد الصهد يقول:

لو دققنا لا يوجد فناء واندكاك لو يوجد فناء واندكاك لاحترق الذهن لا يوجد أصلاً فناء واندكارك هذا التعبير في هذا المثال أنه فناء لعنوان في المعنون أو فناء المفهوم في الواقع والمصداق هذا تعبير فيه تسامح وإنما في الواقع لم يبق في الذهن شيء ونظرنا إلى الخارج.

فمعنى الفناء هو النظر إلى مفهوم النار بالنظر التصوري ولذا حكمنا عليه بالحرارة ولم ينظر إلى مفهوم النار بالنظر التصديق إذاً هنا لا يوجد فناء المفهوم في المصداق بل يوجد تبديل نظرة يعني تبديل نظرة إلى مفهوم بنظرة إلى مفهوم آخر يعني لا يوجد هناك اندكاك بين المفهوم والمصداق ولا يوجد اندكاك بين العنوان والمعنون بل يوجد نظر إلى مفهوم النار بالنظر التصوري لا النظر إلى مفهوم النار بالنظر التصديق.

هذا تمام الكلام في المعنى الأول فناء مفهوم في المصداق فناء العنوان في المعنون.

المعنى الثاني للفناء فناء مفهوم في مفهوم هذا من قبيل سرت من البصرة إلى الكوفة فالفناء بمعنى اندكاك معنى في معنى.

ومراد صاحب الكفاية من اللحاظ الآلي أي اللحاظ الاندكاكي بين مفهومين فليس مراد صاحب الكفاية اندكاك المفهوم في المصداق أو اندكاك العنوان في المعنون فليس مراده الفناء المعنى الأول الذي ذكره السيد الخوئي بفهم الشهيد الصدر بل المراد هو الفناء من المعنى الثاني فناء مفهوم في مفهوم اندكاك مفهوم في مفهوم.

وبالتالي إشكال السيد الخوئي النار محرقة اندكاك مفهوم وعنوان النار في مصداق وواقع النار ومعنون النار هذا من قبيل القسم الأول المعنى الأول وهو أجنبي عن الفناء والنظر الآلي الذي أراده صاحب الكفاية بل صاحب الكفاية قصد المعنى الثاني للفناء وهو فناء المفهوم في المفهوم مثل فناء البياض في الجدار أي اندكاك العرض في الجوهر اندكاك مفهوم في مفهوم.

ثم يأتي الشهيد الصدر بشواهد يقول والمحقق الخراساني ـ رحمه الله ـ إنما يقصد بالفناء هذا المعنى الثاني حيث يقول المعنى الحرفي حالة في غيره ويقصد بذلك أنه حالة في معنى اسمي لا أنه فانٍ في المعنوان ولذا يشبهه بالعرض مع موضوعه.

بعد يا أخي يا أخي الشهيد الصدر يقول يوجد مؤيد آخر وهو أن صاحب الكفاية بناء على مبناه في المعنى الحرفي ذهب إلى عدم إمكان التقييد والإطلاق لأن المعنى الحرفي آلي ومغفول عنه.

يعني كيف مغفول عنه؟

لأن عندنا مفهوم يندك في مفهوم آخر فالمفهوم المنداك يغفل عنه الإنسان ولا يلتفت إليه والإطلاق والتقييد فرع إلتفات فهذا يؤيد أن صاحب الكفاية يرى أن الفناء عبارة عن فناء مفهوم في مفهوم فقد ذهب إلى عدم إمكان الإطلاق والتقييد في المعنى الحرفي لأن المعنى الحرفي معنى اندكاكي أي يندك المفهوم في مفهوم آخر فيصير المفهوم المندك مغفول عنه وغير ملتفت إليه فلا يعقل الإطلاق والتقييد فيه واضح إن شاء الله.

يقول الشهيد الصدر:

نحن لا نقول إننا نلتزم بمبناه في المعنى الحرفي ولكن نقول هذا شاهد على أن صاحب الكفاية يريد من المعنى الآلي الفناء بالمعنى الثاني فناء المفهوم في المفهوم لا الفناء بالمعنى الأول فناء العنوان في المعنون أو المفهوم في المصداق.

إذا الشهيد الصدر يقول ما ذهب إليه السيد الأستاذ السيد الخوئي أستاذه ليس بتام اعتراض السيد الخوئي ليس بتام.

والصحيح أن اعتراض الشهيد الصدر ليس بتام وكذلك اعتراض السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ليس بتام فإذا رجعنا إلى كلمات السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ في أجود التقريرات وخصوصاً في المحاضرات نجد أنه لم يضرب مثال (النار محرقة) التي فهم منها الشهيد الصدر أن الفناء عبارة عن اندكاك العنوان في المعنون أو المفهوم في مصداق بل ضرب مثالاً آخر يفهم منه أنه يريد من الفناء اندكاك المفهوم في المفهوم.

فقد تمسك السيد الخوئي في المحاضرات تراجعون محاضرات جزء ثلاثة وأربعين من موسوعة السيد الخوئي صفحة ثلاثة وستين تمسك بقوله تعالى (وكلوا واشرب حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل).

ثم قال (فتبينوا) التبين مفهوم اسمي أو مفهوم حرفي؟ أفتونا مأجورين! التبين مفهوم اسمي يدرك بالاستقلال.

هل أخذ التباين بما هو هو أو أخذ التبين باعتباره طريقاً للكشف عن طلوع الفجر؟

طريقاً، إذا فني التبين في طلوع الفجر حصل اندكاك بين التبين وطلوع الفجر أخذ التبين كآلة وطريق إلى طلوع الفجر.

سؤال اندكاك التبين في طلوع الفجر هو من باب اندكاك مفهوم النار في واقع النار أو هو من باب اندكاك مفهوم التبين مع مفهوم الطلوع؟

هذا من قبيل الثاني اندكاك مفهوم في مفهوم وليس من قبيل الأول اندكاك العنوان في المعنون وفناء المفهوم في المصداق.

فإن تراجعون تعليقك السيد كاظم الحائري الجزء الأول صفحة مئة وتسعة وعشرين تعليقة عميقة ورشيقة يقول السيد كاظم الحائري يقول هكذا ففي المحاضرات:

قد نقض بمثل مرآة التبين في الآية الشريفة لحلول الفجر فليس التبين ملحوظاً بذاته وموضوعاً لحرمة الأكل والشرب وإنما أخذ مرآة وطريقاً إلى طلوع الفجر فلو كانت ميزة المعنى الحرفي أنه لوحظ آلة لغيره وفانياً فيه لزم أن يكون معنى التبين هنا معنى حرفياً.

ثم يقول:

وهذا البيان لا يرد عليه إشكال أستاذنا الشهيد ـ رحمه الله ـ فإن فناء معنى التبين في معنى طلوع الفجر إنما هو فناء مفهوم في مفهوم كما هو الحال في المعاني الحرفية لا فناء المفهوم في المصداق أو العنوان في المعنون واضح إلى هنا.

ثم يناقش السيد الخوئي يقول:

إلا أن هذا البيان أيضاً غريب يعني الآن السيد كاظم الحائري خالف أستاذه الشهيد الصدر في أن إشكال السيد الخوئي هو من باب فناء المفهوم في المفهوم لا من باب فناء المفهوم في المصداق لكن ناقش السيد الخوئي قال:

فناء المفهوم في المفهوم أيضاً على أنواع تارة نبحث فناء المفهوم في المفهوم على مستوى الدلالة اللغوية التصورية وهذا هو مراد صاحب الكفاية فناء المفهوم في المفهوم في باب الدلالة اللغوية التصورية وليس عبارة عن فناء المفهوم في المفهوم في أبواب ثلاثة أُخر:

منها مستوى الأهداف، مستوى الدلالة الجدية، مستوى الملاكات.

أنت أحياناً تنظر فناء في مفهوم في مفهوم على مستوى الملاك، فناء مفهوم فيه مفهوم على مستوى الدلالة الجدية، فناء مفهوم فيه مفهوم على مستوى الهدف والنتيجة.

فما ذكره السيد من مثال اندكاك مفهوم التبين مع مفهوم طلوع الفجر هذا مثال فناء مفهوم في مفهوم بالنسبة إلى النتيجة والهدف أو بالنسبة إلى الميل أو بالنسبة إلى الدلالة الجدية لا بالنسبة إلى الدلالة الوضعية اللفظية التصورية وصاحب الكفاية يبحث المعنى الحرف في عالم مباحث الألفاظ والدلالة التصورية.

إذا لاحظ معي النتيجة النهائية أنا أضطريت اختصر كثير لأن ضيق الوقت اليوم الخلاصة هي هكذا:

كلام صاحب الكفاية بالنسبة إلى المعنى الحرف الآلي الذي يدل على فناء شيء في شيء إنما يراد منه فناء مفهوم في مفهوم آخر في عالم الدلالة اللفظية التصورية ولا يراد منه فناء مفهوم في مفهوم آخر في عالم الملاكات أو الأهداف أو الإرادة الجدية كما نقض به السيد الخوئي.

ولا يراد به فناء المفهوم في المصداق أو فناء العنوان في المعنون كما نقض به الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ .

النتيجة النهائية الاعتراض الثالث للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ليس بتام لا من جهة إشكال الشهيد الصدر الذي حمل كلام السيد الخوئي على أنه من باب فناء مفهوم في مصداق وليس من باب فناء مفهوم في مفهوم بل إن كلام السيد الخوئي موافق لكلام الشهيد الصدر من أن الفناء هو عبارة عن فناء مفهوم في مفهوم وليس فناء مفهوم في مصداق أو عنوان في معنون.

لكن فناء المفهوم في مفهوم إما أن يكون في عالم الدلالة اللفظية التصورية كما هو مراد صاحب الكفاية وإما أن يكون فناء مفهوم في مفهوم في عالم الملاكات أو الأهداف أو الإرادة الجدية كالمثال الذي نقض به السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ .

النتيجة النهائية الاعتراض الأول للمحقق الأصفهاني تام، الاعتراض الثاني للميرزا النائيني تام، الاعتراض الثالث لسيد أساتذتنا السيد أبو القاسم الخوئي ليس بتام، الاعتراض الرابع أيضاً للسيد الخوئي يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo