< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/ الوضع/ جلسة 36 - الجهة الرابعة الواقع من أقسام الوضع الممكنة

 

الجهة الرابعة الواقع من أقسام الوضع الممكنة.

انتهينا بحمد الله عز وجل من الجهة الثالثة وهي بيان أقسام الوضع الممكنة، ذكرنا أربعة أقسام واتفق مشهور الأصوليين على القسم الأول وهو الوضع العام والموضوع له عام وإمكان القسم الثاني وهو الوضع الخاص والموضوع له الخاص.

واختلفوا في إمكان القسم الثالث وهو الوضع العام والموضوع له الخاص وإمكان القسم الرابع وهو الوضع الخاص والموضوع له العام.

تطرقنا في نهاية الدرس إلى رأي السيد الإمام رح الله الموسوي الخميني ـ قدس الله نفسه الزكية ـ وقد اتضح أنه في تقرير تهذيب الأصول[1] للشيخ جعفر السبحاني وتقرير تنقيح الأصول للاشتهاردي[2] يميل إلى الجواز فيهما بينما في تقرير جواهر الأصول للنكرودي[3] يميل إلى الاستحالة فيهما.

وتقرير الجواهر هو تقرير الدورة الثالثة والتنقيح تقرير الدورة الثانية والتهذيب وهو المعتمد للشيخ السبحاني تلفيق بين الدورة الأولى والثانية.

كتاب تحرير الأصول

لكنني عثرت في الأمس على تقرير تحرير الأصول للشيخ عبد الله جوادي آملي ـ أيده الله ـ هذا المرجع الكبير فقد طبع مؤخراً تقرير بحثه الإمام الخميني في أربعة أجزاء الشيخ جواد آملي حضر عند السيد الإمام بحث الخارج وعمره اثنين وعشرين سنة حضر في نهاية الدورة الثانية من الاستصحاب وتعارض الأدلة والاجتهاد والتقليد ثم أكمل مع السيد الإمام الدورة الثالثة من بداية تعريف علم الأصول إلى نصف مبحث الاشتغال.

إذا كتاب تحرير الأصول من البداية إلى الاستصحاب هو تقرير الدورة الثالثة ومن الاستصحاب إلى الأخير هذا تقرير الدورة الثانية.

مثل الشهيد الصدر الثاني الشهيد الصدر الثاني حضر بين المفاهيم في محاضرات في علم أصول الفقه، فحضر المفاهيم من الدورة الأولى الشهيد ثم أكمل الدورة الثالثة فمن تعريف علم الأصول إلى المفاهيم هذي الدورة الثانية للشهيد الصدر أما من المفاهيم إلى الأخير الدورة الأولى.

إذا تقرير الشيخ جواد آملي لسيد الإمام هذا تقرير الدورة الرابعة نحن إن شاء الله هؤلاء الأعلام الثلاثة كل واحد سنتخذ أربعة تقريرات الشهيد الصدر تقريري السيد كاظم الحائري الدورة الأولى السيد محمود الهاشمي الدورة الثانية الشيخ حسن عبد الساتر الدورة الثالثة والشهيد الصدر الثاني تلفيق بين الدولتين.

السيد الإمام تقرير الشيخ السبحاني تلفيق بين الدورة الأولى والثانية، تنقيح الأصول الأشتهاردي تقرير الدورة الثانية، جواهر الأصول الثالثة للنكرودي، وتحرير الأصول للشيخ جواد آملي هذا تقرير الدورة تلفيق بين الثالثة والثاني.

السيد الخوئي أيضاً سنعتمد أربعة تقريرات العمدة ومحاضرات في أصول الفقه للشيخ محمد إسحاق الهيئة وسنعتمد أيضاً دراسات في علم أصول الفقه إلى السيد علي الحسيني الشاهرودي والد السيد محمود الهاشمي أربعة مجلدات هذا كان التقرير المعتمد أول تقرير طبع للسيد الخوئي ونضيف إليه تقريرين غاية المأمول مجلدين للشيخ محمد تقي الجواهري وتقرير الرابع الهداية في علم الأصول تقرير الشيخ حسن الصافي أربعة تقريرات للسيدي الخوئي.

المهم في هذا التقرير تحرير الأصول السيد الإمام يصرح في موضعين بالاستحالة أصرح من جواهر الأصول:

الموضع الأول قال ـ قدس سره ـ صفحة مئة وتسعة عشر:

وأنت بعد التأمل في قول المحقق العراقي وما أوردنا عليه علمت أن الإشكال بعد باق على حاله من عدم التفاوت فيما هو المهم بين الوضع العام والموضوع له الخاص وبين عكسه من حيث الاستحالة.

الموضع الثاني قال ـ قدس سره ـ صفحة مئة وعشرين:

وبالجملة لا ميز بين القسم الثالث والرابع من حيث الاستحالة.

في ختام آخر كلمة من هذه من الفقرة الأخيرة قال:

فالإشكال بعده في محله.

إذا السيد الإمام ذهب في دورته الأخيرة إلى استحالة القسم الثالث والرابع.

الرجوع إلى موطن البحث

انتهينا من الجهة الثالثة بيان الأقسام الأربعة واتضح أن الأول والثاني والثالث ممكن دون الرابع.

إذا اتضح هذا نقول لا إشكال في أن الوضع العام والموضوع له عام واقع خارجاً وهذا ما وقع في أسماء الأجناس حيوان حجر تمر الوضع عام والموضوع له عام كذلك الحال بالنسبة إلى الوضع الخاص والموضوع له خاص مثل أسماء الأعلام وعبيد وكاظم وكنعان وقحطان وإنما وقع الكلام في وقوع الوضع العام والموضوع له خاص فلو التزمنا بإمكانه كما ذهب إليه المشهور والسيد الخوئي والشهيد الصدر فهل هو واقع أو لا؟

ومثلوا لذلك بالحروف والهيئات، ومن هنا يقع الكلام في مقامين:

الأول حقيقة وحقيقة الهيئة.

الثاني البحث في أن الموضوع له في الحروف والهيئات، هل هو عام أم خاص؟ هل هي من قبيل الوضع العام والموضوع له عام كما في القسم الأول أم من قبيل القسم الثالث الموضوع عام والموضوع له خاص؟

إذاً الجهة الرابعة معقودة أصلاً لخصوص القسم الثالث لو التزمنا بأنه ممكن فهل هو واقع في الحروف والهيئات أو لا؟

من هنا يقع الكلام في المقام الأول في تحديد معنى الحرف وبيان حقيقته.

معنى الحرف وبيان حقيقته

توجد ثلاثة مسالك في تحقيق معنى الحرف طبعا يراجع محاضرات في علم أصول الفقه تقرير الشهيد الصدر الثاني الجزء الأول صفحة مئتين وأربعة عشر ويراجع أيضاً تقرير السيد كاظم الحائري مباحث الأصول صفحة مئة وواحد وعشرين وكذلك تقرير الشيخ حسن عبد الساتر بحوث في علم الأصول الجزء الثاني صفحة خمسة وثمانين وأما محمود الهاشمي الشاهرودي فترتيبه يختلف عنهما يعني كان بحث الجهة الثالثة صفحة تسعة وثمانين تسعين ثم بحث بعد ذلك الاستعمال الحقيقي والاستعمال المجازي ودخل في مباحث الألفاظ بحث الحروف والمعاني بعد صفحة مئتين.

المقام الأول في تحقيق معنى الحرف توجد ثلاثة مسالك:

المسلك الأول إنكار وجود معانٍ للحروف أصلاً.

المسلك الثاني اتحاد معاني الحروف مع معاني الأسماء ذاتاً مع كون الفارق بينهما عرضياً وليس ذاتياً.

المسلك الثالث تباين معاني الحروف مع معاني الأسماء ذاتاً.

المسلك الأول إنكار وجود معان للحروف أصلاً وهو مبنى علامية الحروف نسب هذا المسلك إلى المحقق النهاوندي في تشريح الأصول صفحة أربعين وواحد وأربعين من الطبعة الحجرية[4] في المعنى الحرفي وبيان أن الحرف لا يدل على معنى في نفسه

ونسب المسلك الثاني إلى صاحب الكافية في شرح النحو شرح الكافي في النحو الجزء الأول من صفحة خمسة ثلاثين إلى اثنين وأربعين تحت عنوان استطراد إلى تعريف كل من الفعل والحرف في معاني الحروف. [5]

والسر في اختلاف النسبة اختلاف فهم كلمات العلماء لكلام المحقق الرضي الآستر آبادي في شرح الكافية يقول السيد كاظم الحائري في مباحث الأصول صفحة مئة واثنين وعشرين[6] هذان القولان منسوبان إلى المحقق الرضي الآستر آبادي وكان النسبتين نشأتا من الاختلافات من الاختلاف في فهم عبارته وعبارته كما ورد في شرح الكافية الجزء الأول صفحة عشرة بحسب طبعة منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية للشيخ عبد الكريم التبريزي هذا نص عبارة نقرأها يفهم منها المسلك الأول والثاني أو الثاني قال ما نصه:

ثم نقول إن معنى من الابتداء فمعنى من ومعنى لفظ الابتداء سواء إلا أن الفرق بينهما أن لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة ومعنى من مضمون لفظ آخر ينضاف ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي فلهذا جاز الإخبار عن لفظ نحو الابتداء خير من الانتهاء ولم يجز الإخبار عن من؟ لأن الابتداء الذي هو مذلولها في لفظ آخر فكيف يخبر عن لفظ ليس معناه فيه؟ بل في لفظ غيره وإنما يخبر عن الشيء باعتبار المعنى الذي في نفسه مطابقتان فالحرف وحده لا معنى له أصلاً إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدل على أن في ذلك الشيء فائدة ما فإذا أفرد عن ذلك الشيء بقي غير دال على معنى أصلاً. [7]

وكلامه صريح في المعنى واستفادة المعنى الثاني تحتاج إلى ماذا؟ إلى مؤونة وعناية.

عموماً المسلك الأول إنكار وجود معنى للحروف يمكن أيضاً مراجعة ما ذكر في هذا المصدر الأول فوائد الأصول تقرير الكاظمي للمحقق النائيلي صفحة اثنا عشر وبدائع الأفكار تقرير الميرزا هاشم الآملي لتقرير المحقق العراقي الجزء الأول صفحة واحد وأربعين.

تقريبه:

أن حال الحروف حال العلامات الإعرابية من قبل الضمة والفتحة فهي لا تدل على شيء وإنما هي علامة على أنه قد أريد من الاسم تلك الخصوصية المعينة فكما أن الضمة علامة الفاعلية والفتحة علامة المفعولية الضمة علامة الرفع والفتحة علامة النصب والسكون علامة الجزم فكذلك الحروف حيث وضعت لمجرد العلامة على ما أريد من مدخولها.

مثلاً لفظ لفظ (إلى) يدل على الانتهاء ولفظ (على) يدل على الاستعلاء ولفظ (من) يدل على الابتداء، ولذا لو أخذ الحرف لوحده (من إلى لا عن على هكذا سلمك الله قل الشعر لتبقى سالما هكذا لن تبرح الأرض ولن تهوى السماء) ليس الكلام في هوي السماء الكلام في هذه الحروف لوحدها لا تدل على معنى.

الإشكال على المسلك الأول يمكن مراجعة محاضرات في أصول الفقه السيد الخوئي الجزء الأول صفحة تسعة وخمسين مفاد الإشكال إن مبنى علامية الحروف من قبيل اجتماع النقيضين ففي قولنا السير من البصرة إلى الكوفة يوجد فيه احتمالان:

الاحتمال الأول أنه على حد جملة السير البصرة الكوفة وإن الحرفين الواردين من وإلى عبارة عن حشو زائد وهذا بديهي البطلان إذ أن عبارة السير من البصرة إلى الكوفة وليست نفس عبارة السير البصرة الكوفة.

الاحتمال الثاني أن يلتزم بأن للحروف دخالة في فهم المعاني وأن في الجملة خصوصيات زائدة وأن هذه الخصوصيات عرفت من حرف من وإلى ولا نفهم هذه الخصوصية بدونهما، فحينئذ نتساءل هل هذه الخصوصية خصوصية الابتداء والانتهاء مدلولة للاسم الواقع في الجملة أو للحرف؟ بمعنى أن كلمة السير هل استعملت في السير بحال مخصوص؟ وهو خصوص السير المبدوء من البصرة والمختوم بالكوفة أو استخدمت في مطلق السير؟

ومن الواضح أن لفظ السير قد استخدم في طبيعة السير لا في السير المقيد من البصرة إلى الكوفة وليس في الجملة إلا الاسم أو الحرف فإذا الاسم كلفظ السير لم يدل على خصوصية الابتداء أو الانتهاء إذا يتعين أن يكون الدال على خصوصية الابتداء أو الانتهاء هو الحرف واضح إن شاء الله؟

إمكان ودفع هذا الإشكال بأن نقوم إننا نسلم وجود خصوصية في قولنا السير من البصرة إلى الكوفة وهذه الخصوصية توجب عدم التناقض إذا لا يوجد تناقض بين قولنا السير من البصرة إلى الكوفة والسير البصرة الكوفة إذا يوجد امتياز توجد خصوصية.

وهذه الخصوصية لم نستفدها من لفظ من ومن لفظ.. لم نستفدها من الاسم من لفظ من وإلى يعني من الحرف بل استفدناها من الاسم من لفظ السير، وذلك بأن نقول إن الاسم له وضعان: وضع مطلق ووضع مقيد، فإذا أطلق لفظ السير دلّ على طبيعة السير وإذا أطلق مقيداً السير من إلى فلا يقصد طبيعة السير ومطلق السير بل المقصود خصوص السير المقيد بالابتداء بالبصرة وخصوص السير المقيد بالانتهاء إلى الكوفة.

إذا من قال بالمسلك الأول أن الحروف لا معنى لها وإنما هي مجرد علامة يمكنه دفع إشكال التناقض بأن يسلم بوجود خصوصية وأن هذه الخصوصية لم تستفد من الحرف وإنما استفيدت من الأسماء الواقعة في الكلام بأن يدعى أن الاسم موضوع مرتين مرة بقيد الإطلاق فيكون اللفظ وضع لذات المعنى وطبيعة المعنى ومر بقيد انضمام قيد إليه بقيد انضمام شيء إليه كالسير المبدوء أو السير المختوم.

وبالتالي يكون الحرف عندئذ فاقد لكل خصوصية وكل دلالة.

وبالتالي نستفيد خصوصية تقييد المعاني الاسمية فنقول المعاني الاسمية على نحوين:

معاني مطلقة ومعاني مقيدة.

فيترتب أثر فني وهو أن المعاني الحرفية غير قابلة للتقييد لأنه لا معنى لها بينما المعاني الاسمية قابلة للتقييد، يقول الشهيد الصدر في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر جزء اثنين صفحة تسعة وثمانين[8] يقول:

ويكون الأثر الفني لهذا الطراز من الدلالة عدم صحة تسليط التقييد والإطلاق إلى الحروف ومعانيها لأنها ليست دالة على معنى كي يبحث عن إمكان تقييده وعدمه بل لا بد وأن ترجع القيود إلى الأسماء والمعاني الاسمية دائماً وهذا مما يترتب عليه من نتائج على ما يظهر في الأبحاث المقبلة من مسائل الأصول.

هذا مبنى الشيخ الأعظم الأنصاري أن المعاني الحرفية غير قابلة للتقييد دائماً مطلقة إذا لا تناقض ثم يقول الشهيد الصدر يصرح في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر صفحة تسعة وثمانين يقول:

والواقع أن هذا الطراز من التصور في دلالة الحروف لا برهان تام على بطلانه وإن كان الوجدان على خلاف بالبداهة اللغوية على ما سوف يتضح فيما يأتي. [9]

إذا الشهيد الصدر لا يرى دليلاً على بطلان المسلك الأول لكنه مخالف لوجدانه، وهذا أيضاً ورد التصريح به في تقرير السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ يقول هكذا أسفل صفحة مئة وثلاثة وعشرين يقول:

فمثلاً كلمة السير حينما لا تكون مكتنفة بحرفٍ تكون موضوعة لطبيعي السير وحينما تكون مكتنفة بـ من وإلى تكون موضوعة لحصة خاصة من السير وهي السير من كذا إلى كذا فنفس من وإلى لا تدلان على معنى وإنما الخصوصية تستفاد من نفس السير لأنها موضوعة بوضع آخر حينما تكون مكتنفة مكتنفة بـ من وإلى فلا يكون هذا مستوطناً لتناقض أو استحالة.

نعم قد يقال أنه خلاف الوجدان.

يعني لا دليل يعني لا برهان على بطلانه ولكنه خلاف الوجدان هذا تمام الكلام في بيان المسلك الأول المسلك الثاني يأتي عليه الكلام وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo