< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/الوضع/جلسه33- تعميق جواب الاعتراضين على القسم الثالث من الوضع

 

تعميق جواب الاعتراضين على القسم الثالث من الوضع.

كان الكلام في إمكان القسم الثالث وهو أن يكون الوضع عام والموضوع له خاص وقد اعترض باعتراضين:

الاعتراض الأول العام والجامع لا يصلح لإراءة الخاص إلا إذا جرد من خصوصيات الخاص وإذا جرد من الخصوصية فلن يصلح للإراءة.

الاعتراض الثاني العام مباين للخاص مفهوماً، فكيف يري المباين المباين؟

وقد أجبنا على كلا الاعتراضين

نوعين من الجامع

فقد أجاب المحقق العراقي ـ رحمه الله ـ عن الاعتراض الأول بالتفرقة بين نوعين من الجامع وهما:

القسم الأول الجامع الأخذي التقشيري الانتزاعي وبين الجامع الإعطائي الإلباسي فتارة نستخرج مفهوم الإنسان ونأخذه من زيد وعبيد وخالد وعمر فهذا جامع تقشيري أخذي نأخذه من إلغاء خصوصيات زيد وعبيد وخالد من طول وعرض ووزن ولون.

ففي مثل هذا الجامع يكون الإشكال صحيحة فهذا الجامع يكون الإشكال صحيحاً فهذا الجامع لا يري الخاص لأنه قد جرد من العوارض أي الجامع أي الفرد المقيد بالعوارض والطوارئ.

القسم الثاني وهو الجامع الإنشائي الإعطائي أي أن الذهن الإنساني يعطي جامعاً ويؤسس وينشئ جامعاً ثم يلبسه على الأفراد كمفهوم الحصة ومفهوم الفرد فالذهن ابتداء ينشئ مفهوم الفرد والحصة والمصداق ثم يلبسه ويخيطه على زيد وعبيد وعمرو وخالد، فمثل هذا الجامع الأخذي يمكن أن يري الفرد.

اليوم إن شاء الله نعمق جواب المحقق العراقي للاعتراض الأول ونعمق جواب الشهيد الصدر عليه.

لو تأملنا في جواب المحقق العراقي على الاعتراض الأول لاتضح لنا وجود جهتين بين المحقق العراقي والقائلين بالاعتراض الأول جهة افتراق وجهة اتفاق.

أولاً جهة الافتراق بين المحقق العراقي وأصحاب الاعتراض الأول وهي معقولية الوضع من القسم الثالث هي الوضع والموضوع له خاص لكن في خصوص الجوامع الإنشائية الإعطائية الإلباسية التي تخاط على الأفراد.

فالمحقق العراقي ـ رحمه الله ـ يدعي أن الجوامع الإنشائية إعطائية الإلباسية تنطبق على الأفراد بخصوصياتها وحاكية عنها.

وقد ناقش في الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ وقال هذا القسم الثاني وهو الجوامع الإنشائية الإعطائيات ليست جوامع إنشائية وإلباسية من قبل الذهن بشكل خالص حتى ندعي أنها تنطبق على جميع الأفراد.

والسر في ذلك:

أن هذا الجامع لو كان انتزاعياً إنشائياً أو قل خياليا أي أنشئ من مخيلة الذهن الإنساني كعنوان بحر من زئبق فلا يوجد في الواقع بحر من الزئبق وإنما الذهن أنشئ عنوان بحر من زئبق فلو أن بحر الزئبق الذي هو أمر خيالي على شيء من الأشياء كالبحر العادي أو الماء العادي فحينئذ سيكون هذا الحمل حملاً مجازياً لأن أصل تصوير بحر الزئبق من نتاج الخيال لا الواقع بينما نحن لا نلحظ المجازية في حمل الفرد على الإنسان وعلى أفراده فتقول زيد فرد زيد مصداق وملاك الحمل هو الاتحاد في الوجود.

إذا يرد على كلام المحقق العراقي ـ قدس الله نفسه الزكية ـ أن هذا الجامع جامع إعطائي تبرعي لهذا نحن لا نتعقل لا نتعقل أن يكون هذا الجامع الإعطائي التبرعي من قبل النفس ولا نتعقل أنه إلباسي محض اذ لو كان إلباسيا محضاً لما صح حمله على الأفراد الخارجية بالاستعمال الحقيقي إلا بالعناية والمجاز والاعتبار لأن ملاك الحمل هو الاتحاد.

ولا اتحاد بعد اعتبار كونه إنشائيا من قبل النفس فتكون صحة الحمل نفسها دليلاً على أن هذه الجوامع ليست إلباسية وتبرعية من قبل النفس بل لها واقع محفوظ بقطع النظر عن النفس فتكون بالتالي أموراً أخذية لا إعطائية فيعود الإشكال فيها.

هذا نصّ تقرير المرحوم السيد عبد الغني الأردبيلي دفتر ستة وستين صفحة مئة وستة وثمانين ومئة وسبعة وثمانين وقد ورد في الحاشية رقم واحد من تقرير الشهيد الصدر الثاني محاضرات في علم أصول الفقه الجزء الأول صفحة مئتين وخمسة.

طبعاً السيد عبد الغني الأردبيلي هو الذي طلب من السيد الشهيد أن يكتب الحلقات وكتب الشهيد الحلقات لكن السيد عبد الغني توفي قبل إتمام كتاب الحلقات وذهب إلى أردبيل وأسس حوزة وطلب منهج دراسة من السيد الشهيد وكتب للسيد الشهيد المنهج ولكنه توفي قبله.

وقد ذكرناه في الدرس السابق مناقشة الحائري ـ حفظه الله ـ لمبنى أستاذه، ماذا تقصد من الجامع الإنشائي الأخذي؟ هل تقصد الجامع التخييلي؟ أو الجامع العرضي؟

إذا تقصد الجامع التخييلي يعني ما ينسج في الذهن من خيال كبحر من زئبق صحيح يكون الحمل بالمجاز والعناية وأما إذا قصدت بالجامع الإنشائي الجامع العرضي ليس الجامع الذاتي الجامع العرضي لا الخيالي فهذا ممكن.

ونفس السيد الشهيد الصدر في بحث منجزية العلم الإجمالي قد قبل الجامع الإنشائي الإلباسي الإعطائي الذي ناقشه هنا هذا تمام الكلام في الجهة الأولى جهة الاختلاف بين المحقق العراقي والمعترضين فأصحاب الاعتراض يرون أن الجامع لا يري الفرد مطلقاً فلا يصح الحمل بينما المحقق العراقي يرى أن خصوص الجامع الإعطائي الإلباسي يري الفرد بخلاف الجامع الأخذي الذي نأخذه من الأفراد التقشيري الذي نأخذه من تقشير الماهية هذه جهة الاختلاف.

الجهة الثانية جهة الاتفاق وهي عدم معقولية الوضع العام والموضوع له الخاص في الجوامع الانتزاعية الأخذية من الخارج لأن الجامع الأخذي التقشيري الانتزاعي لا ينطبق على الأفراد بخصوصياتها ولا يحكي عنها لأن الجامع اخذين إنما يؤخذ ويتصور بعد تجريد الأفراد من خصوصياتها فكيف يتصوره الواقع ويضعه للأفراد؟

وبالتالي المحقق العراقي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ يتفق مع أصحاب الاعتراض الأول ويسلموا باعتراضهم في خصوص القسم الأول من الجامع وهو الجامع الأخذي التقشيري دون القسم الثاني من الجوامع وهو الجامع الإعطائي الإلباسي.

السيد الشهيد الصدر يجيب على الإشكال الأول وجواب المحقق العراقي الذي سلم بالإشكال في خصوص القسم الأول من الجامع ويقول إن الوضع العام والموضوع له الخاص ممكن في كلا الجامعين.

وذلك ببيان أن مصطلح الفرد له اصطلاحان عنوان الفرد والخاص له اصطلاحان:

المصطلح الأول أن يراد بالفرد الفرد المقيد بالعوارض والطوارئ فتقول زيد فرد من الإنسان مقيد بطول كذا ووزن كذا ولون كذا وشكل كذا فمن الواضح هنا في المصطلح الأول أن الإنسان عام وزيد خاص ومن الواضح أن زيد فرد من أفراد الإنسان لكن العام وهو الإنسان لا يري الفرد وهو زيد بخصوصياته.

إذا بناء على المصطلح الأول العام لا يري الخاص لأن العام كالإنسان ليس فيه العوارض والطوارئ التي تقيد الخاص وهو زيد وعبيد واضح إن شاء الله المصطلح الأول.

المصطلح الثاني أن يكون الفرد بمعنى الحصة أي شخص الإنسانية الموجودة في هذا وذاك فعندنا عام وهو الإنسان وعندنا خاص وهو شخص الإنسانية الموجودة في زيد وشخص الإنسانية الموجودة عبيد وخالد وكاظم وجعفر وكنعان، ومن الواضح جداً أن العام وهو الإنسان منطبقٌ على حصة الإنسانية الموجودة في زيد وعبيد وكاظم وكنعان ولا نحتاج إلى تجريد حصة الإنسانية من شيئين إذ أنها غير مقيدة بالعوارض والطوارئ.

ومن الواضح جداً وجود التمايز الخارجي بين الحصص فحصة الإنسانية في زيد غير حصة الإنسانية في عبيد وحصة الإنسانية في عبيد غير حصة الإنسانية في خالد وكاظم كنعان.

إذا هذه الحصة من الإنسانية متميزة عن الحصص الأخرى حتى لو غضضنا النظر عن العوارض والطوارئ كالبياض والسواد والطول والعرض والوزن يوجد تغاير بين حصص الإنسانية مع غض النظر عن العوارض والطوارئ.

إذا لاحظ الفرق إذا عندنا فردان من الإنسان حصتان من الإنسان مصطلحان:

المصطلح الأول الحصة المقيدة بالعوارض والطوارئ زيد المقيد هذا الدبدوب المتين والطويل والأبيض والأسود هنا واضح أن العام الإنسان لا يري الخاص لا يري حصة الإنسانية الخاصة بزيد المقيدة بالطوارئ والعوارض.

المصطلح الثاني وأما عن المصطلح الثاني هناك تمايز بين الحصص حصة الإنسانية في زيد وفرد الإنسانية في زيد غير حصة وفرد الإنسانية ومصداق الإنسانية في عبيد لكن العام وهو الإنسان ينطبق على جميع هذه الحصص والأفراد من الإنسانية حتى لو غضبنا النظر عن الخصوصيات والأعراض.

الآن نأتي إلى جواب الاعتراض الأول ماذا الاعتراض الأول يقول؟

الجامع كالإنسان لا يري الفرد والحصة إلا إذا جرد الجامع عن الخصوصيات الآن نأتي إلى الجواب سؤال ماذا تقصدون بالحصة والفرد والمصداق الذي لا يريه العام والجامع؟

يوجد احتمالان:

الاحتمال الأول أن يكون المراد من الفرد هو الفرد بالمصطلح الأول أي الحصة المقيدة بالعوارض والطوارئ فحينئذ نقول جوابكم صحيح واعتراضكم تام فالجامع لا يمكن أن يري الفرد المقيد بالعوارض والطوارئ لأن الجامعة لا يكون جامعاً إلا إذا جرد الفرد كزيد من العوارض والطوارئ كطول كذا ووزن كذا.

لكن لا ينحصر الفرد والحصة بخصوص المصطلح الأول بل يوجد فرق بالمصطلح الثاني ومن هنا نشرع في بيان الاحتمال الثاني.

الإحتمال الثاني وإن كان مرادكم من الفرد الفرد بالمصطلح الثاني أي الحصة والشخص من معنى الإنسانية عندنا معنى عام الإنسان وله حصص إنسانية وأفراد إنسانية فإن قلتم أن معنى الإنسان وهو الجامع لا يحصل إلا إذا جردت الحصة من خصوصياتها فهذا يعني أن الحصة مركبة من أمرين:

الأمر الأول خصوصية.

الأمر الثاني حيثية مشتركة.

فنزيل الخصوصية ونبقي الحيثية المشتركة وهذا غير صحيح إذ أن الحصة ليست من قبيل المعاني المركبة من أمرين حيثية خاصة وحيثية مشتركة فإن الحصة هي عين الإنسانية غاية ما في الأمر أنها حصة خاصة من الإنسانية فرد من الإنسانية.

وبالتالي نحن نقول يوجد عندنا عام وهو جامع الإنسان قمنا بتأسيسه وله أفراد هذه الأفراد عبارة عن الحصص المختلفة للإنسانية فليس المراد أن الإنسان أخذ من تجريد الأفراد من عوارضها وطوارئها هذا هو المصطلح الأول للحصة المراد بالفرد الفرد المقيد بالعوارض والطوارئ فإذا أزلنا العوارض والطوارئ بقي الإنسان.

وهذا ينسجم مع مصطلح المحقق العراقي الجامعي الأخذي التقشيري يعني أزلنا القشور أزلنا الخصوصيات ألغينا ما به الامتياز وأبقينا ما به الاشتراك واضح إن شاء الله لكننا نقول بالمصطلح الثاني أي العام الذي لديه حصص وأفراد وهذه الحصص والأفراد ليست مقيدة بالعوارض والطوارئ.

يعني يا أخي هذي الحصة عبارة عن صرف الإنسانية الإنسانية البحتة الإنسانية الخالصة ومن الواضح أن الجامع ينطبق على جميع الحصص والأفراد بنحو متساوٍ لا بنحو متفاوت فالجامع وهو الإنسان ينطبق على جميع الحصص وعلى جميع أفراد الإنسانية.

وبالتالي يعقل ويمكن الوضع العام والموضوع له الخاص فيقول الواضع أنا أتصور معنى ومفهوم الإنسان العام لكني أضع لفظة إنسان لخصوص حصة الإنسانية في زيد أو لخصوص حصة الإنسانية في عبيد هنا لا يوجد أي إشكال.

والكلام في الإمكان لا في الوقوع هذا وقع أو لم يقع هذا سيأتي في الجهة الرابعة كلامنا في الإمكان والمعقولية واتضح أنه يعقل الوضع العام يعني الوضع يتصور معنى عام جامع وهو معنى الإنسان والموضوع له خاص يعني يوضع اللفظ لحصة خاصة من الإنسانية لا لمطلق مفهوم الإنسانية.

فاتضح أن الاعتراض الأول ليس بتام لأنه ناظر إلى خصوص المصطلح الأول للفرد والحصة وهو خصوص الحصة المقيدة بالعوارض والطوارئ وليس ناظراً إلى الحصة بالمصطلح الثاني وهي الحصة غير المقيدة بالعوارض والطوارئ.

إذا اتضح أن الاعتراض الأول ليس بتام وإننا نقول بالمصطلح الثاني للحصة الذي لبه أن إحدى الحصتين هي عين الأخرى مفهوماً لكنها غيرها مصداقاً فحصة الإنسانية في زيد هي عين مفهوم حصة الإنسانية في عبيد هي عين مفهوم حصة الإنسانية في كاظم وكنعان وجعفر وقحطان فهذه الحصص من ناحية المفهوم متحدة لكنها من ناحية المصداق والخارج مختلفة فيكون ما به الاشتراك عين ما به امتياز يشتركان في الحصة ويختلفان أيضاً في الحصة.

يشتركان في مفهوم الحصة يختلفان في مصداق الحصة هذا تمام الكلام في تعميق جواب الاعتراض الأول يبقى الكلام في تعميق جواب الاعتراض الثاني يأتي عليه الكلام صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo