< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/الوضع/التحقيق في تصور القسم الثالث الوضع العام والموضوع له الخاص

 

التحقيق في تصوير القسم الثالث الوضع العام والموضوع له الخاص

ذهب مشهور الأصوليين إلى إمكان وقوعه وذهب البعض الآخر إلى الامتناع، حجة من قال بالإمكان أن الوضع للمعنى يحتاج إلى تصور المعنى، ولا يشترط في تصور المعنى التصور التفصيلي بل يكفي التصور الإجمالي.

ومن الواضح أن تصور العام تصور إجمالي للخاص وهذا يكفي لوضع اللفظ للأفراد فيمكن أن نتصور الإنسان ونضع لفظ زيد لحصة خاصة من الإنسان ويكفي أن نتصور الأسد ونضع لفظة سبعبع لخصوص فرد خاص من الأسد لا لمطلق الحيوان المفترس فهنا الوضع عام أي أن الواضع تصور المعنى العام للإنسان والمعنى العام للأسد ولكن حينما أراد أن يضع اللفظ وضع اللفظ لحصة خاصة من المعنى العام وهي خصوص فرد زيد من عنوان الإنسان وهي خصوص مصداق سبعبع لمعنى الأسد الذي هو الحيوان المفترس.

إذاً من قال بأن القسم الثالث ممكنٌ قال أن الواضع يتصور المعنى الكلي والعام لكن بنحوٍ إجمالي لا بنحوٍ تفصيلي فهو يتصور معنى الإنسان والأسد بشكلٍ كلي إجمالي عام لا بشكل تفصيلي، ولكن حينما يضع اللفظ لا يضع اللفظ للمعنى الكلي فيضع لفظ إنسان أو أسد وإنما يضع اللفظ لفردٍ خاص مصداقٍ خاص عنوانٍ خاص.

ومن هنا قالوا وذهب المشهور إلى إمكان الوضع العام والموضوع له الخاص، إذ أن الوضع العام يري الخاص فيمكن إراءة الخاص من خلال تصور العام ولو بشكل إجمالي ولا نشترط قراءة التفصيلية هذا البيان توجه له اعتراضان:

الاعتراض الأول

إن الوضع العام والموضوع له الخاص أمر غير معقول لأن معنى أن الوضع يتصور الجامع ثم يضع اللفظ لأفراد ذلك الجامع ومصاديقه ومن الواضح أن الجامع لا يحصل إلا بالتقشير وإلغاء الخصوصيات إذ أن الجامع هو عبارة إلغاء ما به الامتياز وإبقاء ما به اشتراك.

فأنت تلغي خصوصيات زيد وعبيد وعامر وخالد من طول وعرض ولون ووزن وتبقي العنوان المشترك وهو الحيوانية الناطقية والإنسانية فجامع الإنسانية بين زيد وعبيد وعمرو وخالد هو عبارة عن تجريد الأفراد من خصوصياتها فإذا جردنا زيداً وعمراً عن الخصوصيات سيبقى العنوان الجامع وهو الإنسانية، وبالتالي جامع الإنسانية مجرد عن الخصوصيات ولا يري الخصوصيات فكيف تقول في الوضع العام والموضوع له الخاص أن تصور العام والجامع يري ويعكس الأفرار والمصاديق والحال أن الجامعة لا يكون جامعاً إلا إذا جردته من الخصوصية؟!

إذا أنت مسبية على أي حال..

إن قلت أن الجامع لن نجرده من الخصوصيات، قلنا أنه ليس بجامع.

وإن قلت أننا جردنا الجامع من الخصوصيات والمشخصات للأفراد، قلنا هذا جامع إلا أنه لا يري أفراد بخصوصياتها ومشخصاتها.

إذا لا يمكن ولا يعقل أن يكون لحاظ الجامع لحاظاً للأفراد.

راجع حواشي المشكيني على الكفاية الجزء الأول صفحة ثمانين المقدمة الأمر الثاني في الوضع. [1]

إذا الوضع يضع اللفظ حينما يتصور الجامع فإذا تصور الجامع ووضع اللفظ للجامع صار من باب الوضع العام والموضع له عام، أتصور معنى الإنسان ووضع لفظ الإنسان أتصور معنى الحيوان ووضع معنى ووضع لفظ الحيوان هذا وضع عام والموضوع له عام هذا القسم الأول.

إن قلت وأما إذا قلت أن الوضع يتصور المعنى العام ويضع اللفظ لأفراد ومصاديق وحصص خاصة من ذلك المعنى العام ومن ذلك الجامع.

قلنا أن الجامع لا يكون جامعاً إلا إذا تجرد من تلك الخصوصيات، فتحق الجامع فرع التقشير أو لم تسمع بالماهية المقشرة كالبرتقالة المقشرة فإلغاء ما به الامتياز وإبقاء ما به الاشتراك واضح إن شاء الله.

وقد أجاب المحقق العراقي الشيخ آقا ضياء الدين العراقي عن الاعتراض الأول ببيان رشيق يمكن مراجعة ما كتبه في مقالات الأصول الجزء الأول من صفحة ثلاثة وسبعين إلى صفحة وسبعة وسبعين[2] ومراجعة تقرير الميرزا هاشم الآملي لبحثه بدائع الأفكار الجزء الأول صفحة تسعة وثلاثين،[3] ومناقشة تقرير الشيخ المنتظري لبحث السيد البروجردي نهاية الأفكار الجزء الأول صفحة سبعة وثلاثين نهاية الأفكار[4] نهاية الأفكار للبروجردي مو تقرير البحث المنتظر إلى السيد البروجردي ذاك نهاية الأصول هذا نهاية الأفكار الشيخ محمد تقي البروجردي الجزء الأول صفحة سبعة وثلاثين.

أجاب المحقق العراقي على الاعتراض الأول بما حاصله أنه يوجد فرق بين سنخيين من الجامع:

القسم الأول الجامع الانتزاعي التقشيري وهو جامع يأخذه العقل من نفس الأشياء لكن بعد تجريدها وتقشيرها من الخصوصيات ولا يمكن الحصول على هذا الجامع إلا بعد إلغاء الخصوصيات والمشخصات والمميزات وبالتالي لا يمكن الوضع الخاص في مثل هذا الجامع لأنه قد جرد من خصوصيات الأفراد فكأنما المحقق العراقي قد سلم بالاعتراض الأول في خصوص القسم الأول.

فهو يقول إن الاعتراض الأول وارد على القسم الأول من الجامع وهو الجامع لانتزاع التقشيري فالماهية المقشرة في الجامع الانتزاع التقشيري لا تعكس خصوصيات الأفراد فلا يعقل الوضع العام والموضوع له خاص في خصوص الجامع التقشيري.

القسم الثاني الجامع الإنشائي الإلباسي وهو جامع ينشئه العقل ابتداء ثم يعكسه على الأفراد ويلبسها إياه فالعقل في البداية ينشأ عنواناً ثم يلبس الأفراد ذلك العنوان لا أن العاقل يأخذ هذا العنوان من الأشياء وهذا من قبيل العناوين الانتزاعية كعنوان الخاص عنوان الفرد عنوان المصداق فالعقل ابتداء يؤسس مفهوم وعنوان الفرد الخاص المصداق ثم يسقطه على زيد وعبيد من مصاديق الإنسان.

ومن الواضح أن الاعتراض الأول لا يرد على القسم الثاني فإن الجامع الإنشائي الإلباسي يعكس جميع خصوصيات الأفراد فيكون الجامع الإنشائي الإلباسي منطبقاً على كل فرد بخصوصياته يصدق على زيد وعبيد وعمار وكنعان وقحطان وعطية أنه فردٌ ومصداقٌ.

إذا الوضع العام والموضوع له الخاص يعقل في خصوص الجامع الإنشائي الإلباسي ولا يعقل في الجامع التقشيري لأن الجامع التقشيري لا يري خصوصيات الأفراد والمصادي بينما الجامع الإنشائي الإلباسي يري خصوصيات الأفراد والمصاديق.

الله يذكره بالخير أستاذنا الشيخ حسين الوحيد الخراساني إذا جاء مطلب للمحقق العراقي وأشكل الطالب بسرعة يقول اصبر هذا آقا ضياء اصبر اين آقا ضيا عجله نكنيد لا تستعجل معروف المحقق العراقي المباني العلمية الدقيقة.

ـ رحمة الله ـ على المرجع السيد عباس المدرسي اليزيدي كنا في مباحثات علمية معهم وأهداني دورته شرح مقالات الأصول للمحقق العراقي في عشرة أجزاء نماذج الأصول في شرح مقالات الأصول طبيعتها العتبة العباسية ثماني أو عشرة مجلدات من كلام لأنه المحقق العراقي بيانه الكتبي معقد بخلاف بيانه الشفوي كان واضح جداً.

سيدنا الشهيد الصدر ما رأيك في هذا الجواب؟ السيد الشهيد ناقش المحقق العراقي في تقريراته الأربعة نحن ننقل هذا من تقريرات الشهيد الصدر الثاني محاضرات في علم أصول الفقه الجزء الأول ومئتين وثلاثة وهذا النقاش أيضاً موجود في تقرير السيد كاظم الحائري والسيد محمود الهاشمي الشاهرودي والشيخ حسن عبد الساتر.

الشهيد الصدر يقول جواب المحقق العراقي لا يمكن المساعدة عليه لأن الجامعة لو كان من القسم الثاني الإنشائي الإلباسي فلا يمكن أن نلتزم أنه جامع إنشائي اعتبار محض من قبل النفس لأنه لو كان إنشائياً محضاً أي اعتبارياً خالصاً لما صح حمله على الأفراد إلا بالعناية والتجوز، لأن ملاك هو الاتحاد في الوجود فلو كان عنوان الفرد والخاص والمصداق اعتبارياً لما أمكن حمله إلا بالعناية والتجوز ولا يكون الحمل حملاً حقيقياً.

والحال أننا نرى صحة الحمل في كلا القسمين من الجامع في الجامع الإنشائي الإلباسي وفي الجامع التقشير فلا إشكال ولا ريب في صحة حمل الجامع بكلا قسميه على الخارجيات فتقول هكذا يلا لاحظ اضرب مثال حتى الفكرة تصير واضحة المطلب يصير سهل.

يصح أن تقول زيدٌ إنسان هذا حمل حقيقي أو مجازي أفتونا مأجورين عبيد إنسان فهنا قد حملنا الإنسان الذي هو جامع تقشيري هذا جامع من القسم الأول على الحصة الخاصة زيد وعبيد والحمل حقيقي أو مجازي؟ حقيقي يعني يوجد اتحاد في الوجود بين زيد والإنسان بين عبيد والإنسان ملاك صحة الحمل الاتحاد في الوجود وجود زيد ووجود الإنسان وجود عبيد ووجود الإنسان.

إذا عنوان الإنسان وجامع الإنسان متحد في الوجود مع زيد وعبيد هذا في القسم الأول.

القسم الثاني الجامعين الإنشائي الإلباس يصح أن تقول زيد فردٌ زيد مصداق زيد خاص فهنا قد حملت الجامع الإنشائي الإلباسي على زيد وعبيد وكاظم وكنعان وهذا الحمل حقيقي أو مجازي حقيقي؟

حقيقي يعني يوجد اتحاد في الوجود بين زيد وبين الخاص يوجد اتحاد في الوجود بين زيد وبين المصداق يوجد اتحاد في جود بين زيد وبين الفرد إذ ملاك صحة الحمل الاتحاد في الوجود ويصح إذا النتيجة لاحظ معاي النتيجة النهائية في الخارجيات زيد وعبيد وكاظم يصح حمل الجامع من القسم الأول فتقول زيد إنسان ويصح حمل الجامع من القسم الثاني تقول زيد فرد وأنت تدعي يا أيها المحقق العراقي إن القسم الثاني فرد خاص مصداق موجود قبل الفرد ثم ألبسته على الفرد يعني غير متحد مع الفرد وإذا كان غير متحداً مع الفرد حينئذ إذا تحمله على الفرد يصير حمل مجازي لأن الاستعمال الحقيقي هو استعمال اللفظ فيما وضع له والاستعمال المجازي استعمال اللفظ في غير ما وضع له فإذا أسندت الفرد والخاص والمصداق إلى زيد وهذه العناوين تدعي أنها قد أنشأت قبل زيد وعبيد فحينئذ أنت تحمل الأجنبي على الأجنبي فيصير الاستعمال مجازي ولا يصير الاستعمال حقيقياً واضح الكلام أو لا؟ متصورينه أو لا؟

هذا ما أفاده السيد الشهيد الصدر ـ قدس سره ـ إلا أن في التقريرات الاربعة إلا أن سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ في تقرير الدورة الأولى للشهيد مباحث الأصول الجزء الأول صفحة مئة وثلاثة عشر على السيد الشهيد بأن نفس السيد الشهيد لم يقبل هذا الكلام في ما سيأتي حينما تطرق إلى حقيقة الإجمالي هناك السيد الشهيد أنكر الجامع نقرأ أنا أقرأ إليكم نصّ كلام السيد كاظم الحائري كلام دقيق يقول السيد كاظم ـ حفظه الله ـ :

لا يخفى أن الكلام الذي أبطله أستاذنا الشهيد ـ رحمه الله ـ هنا من الجامع الإلباس والاختراعي الذي ينشأه الذهن ويلبسه على ما في الخارج قد تمسك به هو ـ رضوان الله عليه ـ في بحث حقيقة العلم الإجمالي وما يتعلق به وهذا لا يخلو من نوع من التهافت.

والآن أنكر الجامع الإلباسي والاختراعي هناك أقر به يقول:

وإن شئت مراجعة كلام أستاذنا في تحقيق حقيقة العلم الإجمالي فراجعوا كتابنا مباحث الأصول للجزء الرابع من القسم الثاني صفحة تسعة عشر ستة وعشرين بحسب الطبعة الأولى في مطبعة إسماعيليان.[5]

سيدنا سيد كاظم أنت تقبل الجامع الإلباسي أو ما تقبله؟ كلام دقيق السيد كاظم يقول ماذا تقصد بالإلباس؟ هل تقصد أنه خيالي أو عرضي؟ إذا تقصد خيالي هذا لا نقبله يصير الحمل عليه حمل أجنبي حمل خيال مثل تقول بحر من زئبق هذا شيء خيالي غير واقع فيصير الحمل مجازي وإذا تقصد من الجامع الإلباسي يعني الحملة العرضي لا الذاتي يعني هذا ليس من الذاتيات وإنما من العرضيات هذا مقبول ومعقول لاحظوا عبارته يقول السيد كاظم ـ حفظه الله ـ :

والواقع أنه لو قصد باختراعية الجامع خياليته البحت حتى يكون من قبيل البحر من زئبق فهذا الكلام باطل هنا وهناك يعني في بحث الوضع وفي بحث حقيقة العلم الإجمالي ولو قصد بها كون الجامع جامعاً عرضياً منتزعاً من الأفراد بكل ما لها قشور لا ذاتياً وعرضي لا ذاتي كي يكون تحصيله بتقشير الفرد فهذا الكلام صحيح هنا وهناك.

عموماً السيد الشهيد هنا في بحث الوضع أنكر على المحقق العراقي الجامع الإنشائي لكن يقول الشهيد الصدر لكننا أصل الاعتراض لا نقبله لأن هناك نكتة موجودة في الجامع توجب أن تصور الجامع يكفي لتصور الفرد هذه النكتة موجودة في كلا الجامعين الذين إدعاهما المحقق العراقي هذه النكتة موجودة في الجامع التقشيري الانتزاعي وموجودة في الجامع الإنشائي الإلباسي هذه النكتة إذا وجدت في الجامع أوجبت أن يري الجامع الفرد والحصة.

وبالتالي يعقل أن يكون الجامع يري الخصوصيات والأفراد وبالتالي يعقل الوضع العام والموضوع له الخاص لكن تتمة هذا الجواب ستأتي حينما نتطرق إلى الاعتراض الثاني على إمكانية تصوير الوضع العام والموضوع له الخاص يأتي عليه الكلام صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo