< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/الوضع/بيان خصائص نظرية القرن الأكيد

 

خصائص نظرية القرن الأكيد في الوضع ذكر السيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ عدة أمور على ضوء التفسير المتقدم له في حقيقة الوضع من وجود ثلاثة قوانين تكوينية في الخلق البشري وبعد ذكره لتطبيقات هذه القوانين خصوصاً القانون الثالث وهو الانتقال من المقارنة إلى المقارن وأن الوضع عبارة عن صغرى لكبرى القانون الذي اصطلح عليه بأنه القانون الثانوي الثاني.

ذكر عدة أمور ذكر ثلاثة منها في تقريراته الأربعة والرابع الخاص بالمجازي تفرد به الشهيد الصدر الثاني في تقرير بحثه محاضرات في علم أصول الفقه الجزء الأول صفحة مئة واثنين وتسعين أن كان هذا المجازي أيضاً ذكر في التقريرات الأخرى ولكن ضمن الكلام.

الأمر الأول

أن الوضع أمر تكويني وليس إنشائياً تسبيبياً فالوضع ليس من الأمور الإنشائية التسبيبية التي تحصل بالإنشاء كالبيع ونحوه في المعاملات حتى يقع الكلام في المنشأ، فهل هو مبادلة مال بمال كما قواه الشيخ الأعظم الأنصاري في حقيقة البيع أو هو مبادلة عوض بعوض أو غير ذلك من تعريفات البيع؟ لكنهم اتفقوا على أن البيع عبارة عن إنشاء لذلك العقد وإنما اختلفوا في حقيقة المنشأ.

إلا أن الوضع ليس من مقولة الإنشاء حتى نختلف في المنشأ أنه هو العلامية أو المرآتية أو العينية وما شاكل ذلك.

القسم الأول أما الوضع التعيني فهو واضح لعدم الجعل من قبل مخصوص بل الوضع التعيني يحصل نتيجة الاقتران المتكرر بين اللفظ والمعنى في تصور الإنسان وهذا التكرر أمر خارجي ليس فيه أي إنشاء.

إذا من الواضح أن الوضع التعيني الحاصل من كثرة التكرار ليس إنشاء هذا القسم الأول التعييني.

القسم الثاني الوضع التعييني وهو يحصل نتيجة الارتباط الأكيد بين اللفظ والمعنى فقد يصدر إنشاء من الواضع فيقول سميت ولدي عليا ولكن هذا الإنشاء الذي نسلمه له حيثيتان:

الحيثية الأولى حيثية كونه إيجاداً وإنشاء لمعنى اعتباري خيالي وهو أن هذا اللفظ عين ذلك المعنى فلفظ علي يشير إلى حقيقة الولاد، وبهذه الحيثية أي حيثية إنشاء اللفظ جعل اللفظ لا يكون ميزاناً لدلالة بين اللفظ والمعنى فإن الميزان هو الحيثية الثانية التكوينية لا الحيثية الأولى الإنشائية.

الحيثية الثانية إن نفس هذا الإنشاء يوجب نحو اقتران ذهني بين اللفظ والمعنى وهو الذي يوجب الانتقال فالميزان الحقيقي للوضع هو الحيثية الثانية لا الحيثية الأولى لصيرورة الحيثية الثانية صغرى للقانون الثانوي الثاني أي الانتقال من المقارنة إلى المقارن فهذا اللفظ وهو علي مقارن لمعنى الولاد فننتقل من المقارن وهو لفظ علي إلى المقارن وهو الولد.

إذا نحن نسلم أن الوضع التعييني فيه حيثيتان:

الأولى إنشائية جعلية

الثانية تكوينية.

لكننا لا نسلم أن حقيقة الوضع في الحيثية الأولى الإنشائية بل حقيقة الوضع في الحيثية الثانية لأن الذي يوجب الانتقال ليس مجرد الجعل والإنشاء بل الذي يوجب الانتقال القانون التكويني وهو القانون الثالث الانتقال من المقارن إلى المقارن.

إذا الوضع التعيني ليس إنشائياً لا في صغراه ولا كبراه والوضع التعييني نسلم أن صغراه أو حيثيته الأولى إنشائية لكن ليست ملاك الوضع بل ملاك الوضع هو الحيثية الثانية التكوينية.

لذلك يقول الشهيد الصدر الثاني في تقرير بحثه محاضرات في علم أصول الفقه الجزء الأول صفحة مئة تسعة وثمانين:

فالوضع التعييني بما هو ميزان لدلالة اللفظ على المعنى ليس إنشائياً ومن هنا لا يهم البحث عن ما هو المنشأ في هذا الإنشاء، هل هو جعل اللفظ على المعنى؟ هذا كما في الوجه الأول للاعتبار.

أم وجود تنزيلي للمعنى؟ كما في الوجه الثاني.

أم أداة له؟ كما في الوجه الثالث.

فإن المهم في المقام هو حيثية هذا إنشاء التكويني حيثية الإنشاء التكوينية لا حيثية الجعلية الاعتبارية هذا تمام الكلام في الأمر الأول.

القرن الأكيد عبارة عن عملية تكوينية وليست إنشائية إيجادية جعلية.

الأمر الثاني

الوضع عبارة عن دلالة تصورية وليس دلالة تصديقية.

إن دلالة اللفظ على المعنى إما تصورية وإما تصديقية، الدلالة تصورية بمعنى أنه متى ما سمعنا لفظة الأسد انتقل ذهننا إلى تصور معنى الحيوان المفترس، الدلالة التصديقية فيها قصد يعني المتكلم إذا أراد بكلمة أسد تفهيم معنى الحيوان المفترس وقع هذا التفهيم.

بناء على مسلك السيد الشهيد الصدر القرن الأكيد فالوضع لا ينتج إلا الدلالة التصورية لأن الوضع عبارة عن إيجاد صغرى لقانون ثانوي تكويني وهو خصوص القانون الثالث.

حاصله أنه متى ما اقترن شيئان اقتراناً أكيداً وتصورنا أحدهما انتقلنا إلى الآخر.

إذا مفاد الوضع الانتقال التصوري من المقارن إلى ما يقارنه وليس الوضع إلا عبارة عن إيجاد صغرى لهذه الكبرى فلا تكون النتيجة إلا الدلالة التصورية وهذه الدلالة التصورية ثابتة سواء صدر اللفظ من عاقل أم من غير عاقل كاصطكاك حجرين.

وأما الدلالة التصديقية فليس لها علاقة بالوضع بل تنشأ من ظهورات عقلائية زائدة كظهور السياق وظاهر الحق.

اعتراض السيد الخوئي

ومن هنا اعترض السيد الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ محاضرات في أصول الفقه الفياض الجزء الأول صفحة ثمانية وأربعين قال ـ قدس سره ـ : [1]

إن الدلالة التي تحصل عند سماع اللفظ نتيجة اصطكاك حجرين ليس دلالة وضعية مجعولة من قبل الوضع فإنه لا يعقل أن يجعل الواضع الدلالة مطلقاً حتى لو صدرت من اصطكاكك حجرين فإن هذا الإطلاق لغو والواضع حكيم وغرضه من الوضع هو أن يتفاهم العقلاء فيما بينهم لا أن يتفاهم الحجر مع الإنسان.

فلابد أن يكون المجعول من قبل الوضع خاصة هو ماذا بحالة صدور اللفظ من العاقل الملتفت.

تقريب استدلال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ :

هل اللفظ يدل على المعنى مطلقاً؟ أم اللفظ يدل على المعنى مقيداً بما لو صدر اللفظ من عاقل ملتفت؟

لو قلنا إن الوضع يصدر من العاقل مطلقاً يعني سواء صدر هذا اللفظ من اصطكاك حجرين أو مرت سيارة وقالت ماء اصطك حجرين ماء أو قال عاقل ماء، إذا التزمنا بأن الوضع يصدر من العقلاء بشكل مطلق لزم اللغوية بل الصحيح أن يصدر الوضع من العاقل مقيداً بأن اللفظ إذا صدر من عاقل ملتفت دل على المعنى.

لذلك إذا تسمع لفظة ماء من اصطكاك حجرين أو صوت سيارة لو سمعت احضر الماء لا تنبعث ولا تحضر الماء بخلاف ما لو صدر من عاقل (احضر الماء تقوم بجلب الماء).

إذا القصد له مدخلية في الواضع يعني صدور اللفظ من عاقل ملتفت قاصد فاللفظ لا يدل على معناه إلا إذا صدر من قاصد عاقل.

إذا لا يعقل وضع الألفاظ بنحو إطلاق بل لابد من وضعها بنحو التقييد ووضع الألفاظ بنحو الإطلاق فيه لغو وعبث واضح الكلام أو لا؟ لو مو واضح لا بد أول شي يوضح حتى بعدين نناقشه.

خلاصة كلام السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ يقول صدور الوضع دعوة دعوة صدور الوضع بنحو مطلق يلزم منه اللغو والعبثية لأن صدور اللفظ من اصطكاك حجرين لا يوجب الانبعاث أو الانزجار بل الانبعاث أو الانزجار يحصل لو صدر اللفظ من لفظ عاقل قاصد ملتفت.

إذا الدلالة التصديقية يعني القصد والإرادة له مدخلية في وضع الألفاظ لمعانيها.

ولا يمكن أن نلتزم بأن عملية الوضع تصدر من الوضع بشكل مطلق بل الوضع يحصل من الواضع بشكل مقيد واضح إن شاء الله.

الشهيد الصدر يقوم هذا مبني على أن الوضع نحو اعتبار وإنشاء وإيجاد ونحن لا نلتزم بأن الوضع عبارة عن إيجاد وإنشاء بل الوضع عبارة عن عملية تكوينية فلا يرد إشكال السيد الخوئي ـ رضوان الله عليه ـ يقول:

ينتقل ولكن ليس وضعاً لا يراه وضعاً كلامنا الآن ليس في الانتقال وعدمه كلامنا في حقيقة الوضع عند العقلاء هل يعد هذا وضعا أو لا؟ الشهيد الصدر يقول الشهيد الصدر الثاني صفحة مئة وتسعين الجزء الأول:

وكأن هذا الإشكال مبني على التصور القديم لمعنى الوضع إذ لو كان الوضع عبارة عن أمر إنشائي مجعول من قبل الواضع وعلى حدّ جعل الملكية في باب البيع من قبل البائع فحينئذ يكون من المجعولات التشريعية التي يتصور فيها الإطلاق والتقييد، فينشأ السؤال عما إذا كان الواضع يجعل اللفظ دالاً مطلقاً أم يحصر الدلالة في خصوص ما إذا صدر اللفظ من إنسان عاقل؟

وعندها قد يقال إنه لا معنى ليجعل الواضع ذلك مطلقاً لأنه لغو بل لا بد أن يجعله مقيداً.

إلا أن الصحيح أن إشكال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لا يرد حتى على مسلك الاعتبار المشهور المنصور والسر في ذلك:

أن الإطلاق لا يحتاج مؤونة ولا يحتاج إلى جعل بل التقييد هو الذي يحتاج إلى مؤونة وجعل ونص فالعاقل لا يأتي بمؤون لكي يثبت الإطلاق الإطلاق يستفاد من مقدمات الحكمة وهي قرينة سياقية، الإطلاق ليس كالعموم نستفيده من الأدوات كلفظ كل وجميع حتى نقول يأتي بمؤونة زائدة وينص على العموم بلفظ جميع أو كل أو جمعاء أو قاطبة بينما الإطلاق لا يحتاج إلى مؤونة زائدة والذي يحتاج إلى المؤونة الزائدة هو التقيد.

فدعو السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ من أن أنه لو التزمناه بصدور الوضع من العقلاء بنحو المطلق فهذا لغو، ليس بتامٍ لأن الإطلاق لا يصدر من العقلاء بنحو المؤونة الزائدة المؤونة الزائدة نحتاجها في ماذا؟ نحتاجها في التقييد لا الإطلاق.

وقد نصّ على ذلك السيد كاظم الحائري في تقرير بحثه مباحث الأصول الجزء الأول صفحة مئة وخمسة في الحاشية أسفل مئة وأربعة ومئة وخمسة وكذلك الشهيد الصدر الثاني محاضرات في علم أصول الفقه الجزء الأول صفحة مئة وواحد وتسعين قال:

وهذا غير صحيح لأن ما يحتاج إلى مؤونة هو التقييد لا الإطلاق فعدم التقيد هو إرسال للمطلب على طبعه والمؤونة تحتاج إلى سبب فلا يكون الإطلاق لغواً.

الخلاصة في الأمر الثاني

الوضع بناء على نظرية القرن الأكيد يفيد الدلالة التصورية لا الدلالة التصديقية بل أحيانا لا يوجد قصد للواضع كما لو الأم حملت الحليب وقالت للطفل حليب حليب أو أشارت إلى نفسها ماما ماما أو أشارت إلى أبيه بابا بابا وهي لم تقصد الوضع لكن يتصور الولد معنى الحليب ومعنى بابا ومعنى ماما.

الأمر الثالث

موقع العلم بالوضع من نظرية القرن الأكيد المعروف أن للعلم بالوضع دخلاً في الانتقال إلى المعنى ومعنى ذلك أن الوضع بوجوده الواقعي والنفس أمري لا يوجب اقتراناً في الذهن بين اللفظ والمعنى وما لم يوجب اقتراناً متأكداً في الذهن لا ينشأ وضع حقيقة بالنسبة لي وإن كان وضعاً بالنسبة إلى الغير.

إذا العلم بالوضع له أثر في انتقال الذهن.

العلم بالوضع لا يحقق الوضع الوضع يحصل من القرن الأكيد ولكن كان لا اعرف القرن الأكيد إلا إذا علمت به، إذا دور العلم بالوضع دور الكاشف عن الوضع العلم بالوضع يعني الكشف عن عملية القرن الأكيد.

الأمر الرابع

دلالة الألفاظ على المعاني المجازية.

لاحظ معي إذا استخدمت لفظة أسد في الدلالة على الرجل الشجاع الآن كم قانون راح تستخدم؟ وفقاً للقوانين الثلاثة اللي استخدمناها:

أولاً ستنتقل من لفظة الأسد إلى ماذا؟ من لفظة الأسد إلى معنى الأسد حيوان مفترس وهذا تطبيق للقانون الثانوي الأول الانتقال من المشابه إلى المشابه مثل الانتقال من الرسمة إلى معنى الأسد هنا أنت انتقلت من لفظة الأسد إلى معنى الأسد هذا القانون الأول الذي استخدمته.

ثم بعد ذلك تنتقل من معنى الأسد إلى الشجاعة لأن الشجاعة مقارنة إلى ماذا؟ إلى معنى الأسد فتستخدم أي قانون؟ القانون الثاني.

وبالتالي استعمال اللفظ كالأسد في المعنى مجازي تطبيق لكلا القانونين الأول والثاني، أول شي تنتقم من لفظ الأسد إلى معنى الحيوان المفترس هذا تطبيق للقانون الثاني الانتقال من المشابه إلى المشابه والمشابه بمثابة الإحساس به فيصير حاكم على القانون التكويني الأول، ثم تنتقل من الحيوان المفترس إلى ما يقترن به وهو الشجاعة فتطبق القانون التكويني الثالث.

إذا النتيجة النهائية الوضع باستعمالاته الحقيقة والمجازية هو عبارة عن تحقيق صغريات قوانين تكوينية فليس الوضع عبارة عن إنشاء وجعل كما عليه نظرية الاعتبار للمشهور وليس الوضع عبارة عن إنشاء مع قاصد كما عليه نظرية التعهد السيد الخوئي.

إنما الوضع عبارة عن سببية واقعية بين اللفظ كما عليه قول المحقق العراقي.

لكن المنشئ لهذه السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى هو عبارة عن الاقتران هذه هي النكتة العلمية فإما يؤثر العامل الكمي كما في الوضع التعيني فبكثرة التكرار يحصل الاقتران بين اللفظ والمعنى وإما يؤثر العامل الكيفي كما لو اقترن اللفظ بالمعنى في ظرف مؤثر كما في الوضع التعيني.

إذا نظرية القرن الأكيد وهي المسلك الرابع للشهيد الصدر عبارة عن تعميق للنظرية الثالثة للمحقق العراقي مسلك السببية الواقعية، وبيان النكتة الفنية وهي أن جعل السببية بين اللفظ والمعنى ليس جعل السببية الذاتية لأن الذاتي غير قابل للجعل وإنما يحصل بالعرض عن طريق غير مباشر عن طريق القانون التكويني الثالث.

هذا تمام الكلام في بيان خصائص نظرية القرن الأكيد، الدرس القادم سيتضح أن الصحيح هو نظرية الاعتبار بناء على مسلك العلامة وفاقاً لإمام الأمة السيد روح الله الموسوي الخميني وخلافاً لما ذهب إليه الشهيد الصدر والسيد الخوئي ـ قدس الله أسرارهم رحمهم الله ونفعنا الله بعلمهم ـ .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo