< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/الوضع/مسلك جعل السببية الواقعية ومناقشته

 

المسلك الثالث مسلك جعل السببية الواقعية.

هذا المسلك من نظريات الوضع هو مسلك الجعل الواقعي للمحقق العراقي ويمكن مراجعة ما سطره قلمه الشريف في مقالات الأصول الجزء الأول صفحة اثنين وستين المقالة الثانية حقيقة الوضع.

ويمكن مراجعة تقرير بحثه الذي قرره محمد تقي البروجردي ره نهاية الأفكار في الجزء الأول صفحة خمسة وعشرين المقدمة الأمر الثاني في الوضع.[1]

المسلك الثالث هو مسلك جعل الملازمة الواقعية أو السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى.

تقريب هذا المسلك

إن الأمور الثابتة على ثلاثة أقسام:

القسم الأول الأمور الثابتة بوجودها الخارجي كالجواهر والأعراض والإنسان والحيوان والشجر والحجر والنبات فهذه كلها أمور ثابت بوجودها الخارجي.

القسم الثاني الأمور الثابتة بالاعتبار فقط وليس لها وجود خارجي إلا بالاعتبار، ليس لها وجود خارجي أصلاً ليس لها وجود إلا بالاعتبار كقولنا بحرٌ من ذئبق فإنه لا يوجد في في الخارج بحر من الزئبق فوجود هذا البحر من الزئبق إنما يكون باعتبار المعتبر وجعل الجاعل وهو سهل المؤونة.

القسم الثالث ما يكون ثبوته بنحو من الواقعية بحيث يكون له واقعية في نفس الأمر والواقع بقطع النظر عن الخارج من جهة وعن اعتبار المعتبر من جهة أخرى.

مثل الإمكان والممكن فتقول الإنسان ممكن فهل الإمكان موجود في الخارج؟ كله وألف كلا الموجود في الخارج الإنسان وليس الإمكان وهل مفهوم الإمكان أمر اعتباري يخضع لاعتبار المعتبر وجعل الجاعل؟ كلا هذا أمر واقعي.

وهكذا سائر الملازمات والأسباب والمسببات فتقول النار سبب للحرارة والثلج سببٌ للبرودة، فهل سببية النار للحرارة موجودة في الخارج؟ وهل سببية وعلية الثلج للبرودة موجودة في الخارج؟ كلا وألف وكلا، وهل هذه السببية والعلية أمر اعتباري؟ كلا وألف كلا.

إذا هناك نحو من الثبوت محفوظ في الواقع في الواقع توجد سببية وعلية ومعلولية وإمكان ووجوب هذه الأمور الثابتة واقعاً ليس ثابت بوجودها الخارجي وليس ثابتة بوجودها الاعتباري فليست من القسم الأول الخارجي وليست من القسم الثاني الاعتباري بل هي قسم ثالث أمور ثابتة لكن بواقعيتها فالإمكان والسببية والعلية والمعلولية من الأمور الواقعة المحفوظة في نفس الأمر.

هذا الباب يندرج فيه الملازمات والأسباب والمسببات.

إذا تمت هذه المقدمة نقول وبالله المستعان وإليه المرجع وعليه التكلان بحثنا في الوضع وحقيقة الوضع ملازمة بين اللفظ والمعنى وما هي حقيقة هذه الملازمة؟ سببية اللفظ للمعنى يعني كون اللفظ سبباً لخطور المعنى.

إذا حقيقة الوضع سببية اللفظ في إخطار وإحضار المعنى وهذه السببية بين اللفظ والمعنى وهذه الملازمة بين اللفظ والمعنى أمر واقعي ثابت ومحفوظ في صقع الواقع ونفس الأمر وليس السببية بين اللفظ والمعنى موجودة في الخارج كما أنها ليست ثابتة باعتبار المعتبر وجعل الجاعل حتى نلتزم بنظرية الاعتبار.

فالسببية ليست أمراً اعتبارياً اختيارياً خيالياً كبحر الزئبق وليست أمراً خارجياً كالجواهر والأعراض بل السببية أمر واقعي ثابت ومحفوظ في الواقع ونفس الأمر.

النتيجة النهائية الوضع عبارة عن جعل السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى هذا المحقق العراقي خلي على بالك ها.

إشكال السيد الخوئي

واعترض عليه السيد أبو القاسم الخوئي ـ رحمه الله ـ بالتهافت المنطقي محاضرات في أصول الفقه الجزء الأول صفحة تسعة وثلاثين تمهيد الأمر الرابع في الوضع الجهة الثانية في حقيقة الوضع. [2]

بيان إشكال السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ لو قلنا أن الوضع عبارة عن جعل السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى كجعل الواقعية بين النار والإحراق فحينئذ نسأل هل وضع هذه السببية يجعلها لخصوص العالم أم يجعلها مطلقاً؟

فسببية اللفظ لإخطار المعنى هل هذه السببية مقيدة بالعالم بها؟ العالم بالسببية العالم بالوضع أو هذه السببية مطلقة؟

على كلا هذين الاحتمالين لا تتم هذه النظرية للمحقق العراقي:

الاحتمال الأول أن تكون سببية اللفظ للمعنى مطلقة في حق كل أحد وليست مقيدة بالعالم بالوضع، هنا يلزم أن يكون اللفظ سبباً لتصور المعنى مطلقاً لكل أحد سواء كان عالماً أو كان جاهلاً.

وهذا خلاف الوجدان ولا يحتاج إلى برهان إذ أن الجاهل بالوضع إذا سمع اللفظ لا يكون اللفظ عنده سبباً لتصور المعنى.

فمن الواضح وجداناً أن من يلتفت إلى سببية اللفظ لإخطار المعنى هو خصوص العالم بالوضع دون الجاهل به.

إذا أن قلنا أن هذه السببية مطلقة نقضنا بالجاهل.

الاحتمال الثاني أن نلتزم أن الواضع يجعل السببية مشروطة بالعلم بالوضع فيقول إذا كنت عالماً بالوضع فسأجعل لك اللفظ سبباً للمعنى.

وفيه يلزم الدور ويحصل التهافت المنطقي بيان ذلك يلا لاحظ معي:

سؤال ما هي حقيقة الوضع؟ سببية اللفظ للمعنى، هذه السببية هل هي مقيدة أو مطلقة؟

الجواب مقيدة بالعلم بالوضع إذا لاحظ معي جيداً سببية اللفظ للمعنى مقيدة بالعلم بالوضع، وما هو معنى الوضع؟ سببية اللفظ للمعنى.

يلا احذف لفظة الوضع وادخل السببية لاحظ كيف بصير الدور؟ يلا..

سببية اللفظ للمعنى مقيد بالعلم بسببية اللفظ للمعنى.

تصير النتيجة سببية اللفظ للمعنى مقيدة بسببية اللفظ للمعنى فتتوقف سببية اللفظ للمعنى على سببية للمعنى، واضح إشكال الدور.

وببيان آخر هناك طولية هناك تفرع يلا لاحظ معي سببية اللفظ للمعنى في طول العلم بالوضع والعلم بالوضع في طول سببية اللفظ للمعنى لأن معنى الوضع هو سببية اللفظ للمعنى.

تصير النتيجة هكذا سببية اللفظ للمعنى في طول العلم بالوضع والعلم بالوضع في طول سببية اللفظ إذا سببية اللفظ للمعنى في طول سببية اللفظ للمعنى وهذا دور واضح، واضح الدور أو لا؟

جواب الاعتراض وبطلان الدور

يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ نحن لو بقينا مع إشكال السيد الخوئي المعبر عنه بالتهافت المنطقي فإنه لا يمكن قبوله، ويمكن تصويري المسلك الثالث بتصوير ليس فيه دور ولا تهافت منطقي لكننا لا نقبل أصل المسلك الثالثـ ولكن نرد الدور الذي أشكل به السيد الخوئي ببيان مقدمة ونقول:

ما يسبب الانتقال إلى المعنى هو مجموع مركب من جزئين:

الجزء الأول اللفظ وهو جزء السبب للانتقام وهو سبب في حق العالم والجاهل معاً.

الجزء الثاني العلم بأن اللفظ جزء السبب أو العلم بالدخل الضمني لللفظ.

إذا عندنا سببةٌ تامة استقلالية مؤلفة من جزئين: الأول اللفظ والثاني العلم بأن اللفظ سبب للمعنى.

إذا عندنا سببيتان سببية تامة مركبة مستقلة وهي مجموع أمرين: الأول اللفظ والثاني العلم بأن اللفظ جزء السبب.

وعندنا سببية ناقصة ضمنية وهي العلم بأن اللفظ جزء السبب.

إذا اتضحت هذه المقدمة وهي وجود سببية تامة مستقلة مركبة ومؤلفة من جزئين اللفظ والعلم بأن اللفظ جزء السبب وعندنا سبب ناقصة ضمنية وهي خصوص الجزء الثاني العلم بأن اللفظ سبب للمعنى يرتفع الدور عجيب! كيف يرتفع الدوار؟ لاحظ معي كيف لاحظ معي الطريقة الفنية، نقول هكذا:

سببية اللفظ للمعنى تتوقف على العلم بالوضع، نقول هكذا: السببية التامة والمستقلة هي التي تتوقف على العلم بالوضع وأما العلم بالوضع فيتوقف على السببية الناقصة والسببية الضمنية، إذا صار المتوقف غير المتوقف عليه.

المتوقف هو السببية التامة والمتوقف عليه هو السببية الناقصة والضمنية.

فارتفع الإشكال بهذا المفاد السببية سببية اللفظ للمعنى التامة والمركبة والمستقلة تتوقف على العلم بالوضع ما هو الوضع؟ هنا ليس المراد بالوضع السببية التامة المراد بالوضع السببية الناقصة يعني كون اللفظ سبب للمعنى الذي هو جزء من السببية التامة فنقول:

السببية التامة تتوقف على العلم بالسببية واضح أو لا تصير سببية اللفظ للمعنى التامة تتوقف على العلم بالوضع والعلم بالوضع يتوقف على الوضع بمعنى السببية الناقصة والضمنية لا السببية التامة فيرتفع الإشكال هذا الجواب الأول.

الجواب الثاني

ويوجد جواب ثاني أشار له السيد محمود الهاشمي في تقرير بحثه بحوث في علم الأصول الجزء الأول صفحة أربعة وسبعين[3] ، وأشار له السيد كاظم الحائري في تقرير بحثه الجزء الأول صفحة ثمانية وتسعين[4] ، ولم يشر إليه الشهيد الصدر الثاني في تقرير بحثه الجزء الأول له محاضرات في علم أصول الفقه الجزء الأول صفحة مئة وثمانين، ولم يشر إليه أيضاً الشيخ حسن عبد الساتر في تقرير بحثه الجزء الثاني صفحة اثنين وثلاثين.

هذا إرجاع إلى الإشكال المعروف أنه كيف أخذ العلم في موضوع العلم وتم التفريق هكذا أخذ العلم بالجعل في موضوع العلم بمعنى المجعول فأخذ العلم بالجعل في فعلية المجعول يراجع هناك جيد.

سيدنا الشهيد هل تقبل المسلك الثالث بعد دفع إشكال التهافت من قبل السيد الخوئي؟ يقول الشهيد الصدر:

إن الإشكال الوارد على مسلك المحقق العراقي السببية الواقعية يقول لم يقدم شيئا سوى تكرار المدعى نفسه من جديد فلم يحل فلم تحل المشكلة هذا في تقرير الشهيد الصدر الثاني الجزء الأول صفحة مئة وثلاثة ثمانين، أما في تقرير السيد كاظم يقول هذا أيضاً تلاعب بالألفاظ، جيد لاحظ الإشكال العميق:

سؤال شيخنا العراقي ما هو الوضع؟

الجواب: الوضع جعل السببية الواقعية بين اللفظ والمعنى.

سؤال جعل السببية هل هو جعل السببية الذاتية أو جعل السببية العرضية؟ أنت تدعي أن عملية الوضع عبارة عن جعل للسببية تجعل اللفظ سبباً لخطور المعنى،

سؤال هنا اللفظ حينما أصبح سبباً لإخطار المعنى، هل اللفظ بطبعه وبذاته يخطر المعنى أو اللفظ بذاته لا يخطر المعنى وإنما بالعرض؟ نضرب لكم مثال تكويني:

التسبب بالحرارة، تارة النار تسبب الحرارة فالنار سبب ذاتي ومباشر للحرارة وأحياناً الماء يسبب الحرارة لا لأن ذات الماء توجب الحرارة ولكن لتسليط النار على الماء الماء أوجب حصول الحرارة بالعرض يعني لأن حرارة النار عرضت عليه.

إذا جعل السببية إما مباشرة وذاتاً وإما عن طريق غير مباشر وبالعرض.

الشق الأول

إن قلت أن المراد بجعل السببية جعل الذاتية مباشرة بمعنى أن اللفظ أصبح بحسب طبعه يتطلب إخطار المعنى.

قلنا هذا ليس بصحيح لأن الأمور الذاتية غير مجعولة السببيات الذاتية والعلل الذاتية غير قابلة للجعل، فكيف نخلق السببية الواقعية في اللفظ مع أن اللفظ بذاته وبطبعه لا يتطلب خطور المعنى؟!

إذا الاحتمال الأول ليس بتام.

الشق الثاني أن يراد بجعل السببية جعل السببية العرضية عن طريق غير مباشر.

إن قلت هذا

قلنا هذا معقول مثل ما الماء نجعله سبب للحرارة بعروض النار عليه تعريضه إلى النار صار الماي سبب لحرارة الجدار، لا لأن الماء ذاتاً يقتضي الحرارة بل لأن الماء سخن ولما سخن الماء صار حار وعرضت عليه الحرارة ثم عرضت الحرارة من الماء إلى الجدار.

فجعل السببية العرضية معقول لكننا نسأل ما هي النكتة الفنية التي أوجبت جعل السببية العرضية؟ فيرجع الحديث إلى الخصوصية الزائدة محور كلامنا هو الخصوصية الزائدة.

أعيد وأكرر واختم خلاصة مناقشة مبنى المحقق العراقي السببية الواقعية إن أردت من جعل السببية جعل الذاتية مباشرة فهذا غير معقول لأن الذاتيات غير قابلة للجعل، وإن أردت من جعل السببية جعل السببية العرضية عن طريق غير مباشر فهذا معقول في نفسه، لكن ما هي النكتة التي وجبت هذا الجعل؟!

إذا المسلك الثالث ليس بتام

إلى هنا اتضح أن المسالك الثلاثة مسلك التعهد السيد الخوئي ومسلك الاعتبار للمشهور ومسلك الجعل الواقعي كما في تعبير تقرير السيد كاظم الحائري والسيد محمود الهاشمي وتقرير أيضاًالشيخ حسن عبد الساتر أو تعبير مسلك جعل السببية الواقعية كما في تقرير الشهيد الصدر الثاني هذا المسلك للمحقق العراقي أيضاً ليس بتام على نظر الشهيد الصدر.

إذا يقع الكلام في المسلك الرابع نظرية القرن الأكيد إن شاء الله نشرع فيها وبعد ذلك نرجح الرأي الصحيح وسيتضح أنه ليس القرن الأكيد أيضاً بل مسلك الاعتبار على بعض المباني.

نظرية القرن الأكيد يأتي عليها الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo