< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/04/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:المقدمة/الوضع/مسلك الاعتبار التعرض لآراء جمع من الأعلام

 

نظرية الاعتبار عند الميرزا التبريزي والفيام والوحيد الخراساني.

انتهينا بحمد الله عز وجل من بيان الوجوه الثلاثة لنظرية الاعتبار التي ذهب إليها المشهور وكان أن نشرع اليوم في مسلك جعل السببية الواقعية للمحقق العراقي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ لكن أحد الإخوة من المتابعين للدرس عبر الانترنت والفضاء المجازي أتحفنا بكتاب كتبه في مبحث الوضع وقد تطرق فيه إلى آراء جميع الأعلام وهو قيد الطبع.

وقال في رسالة مطولة إن المرجع الكبير الشيخ محمد إسحاق الفياض ـ حفظه الله ـ قد تطرق إلى الآراء التي نقد بها السيد الشهيد نظرية الاعتبار وناقشها.

ولا بأس بمطالعتها ومطالعة ما أفاده شيخنا الأستاذ الشيخ الوحيد الخراساني ـ حفظه الله ـ .

فذهبت وتتبعت كلمات الشيخ الفياض والشيخ الوحيد الخرساني والسيد محمد الروحاني وأضفت إليها كلمات شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي ـ رحمه الله ـ وجدتهم يقولون بنظرية الاعتبار خلافاً للسيد الخوئي ـ رحمه الله ـ وهو أستاذهم جميعا أستاذ الأعلام الأربعة الذي ذهب إلى نظرية التعهد وفاقاً للمحقق الرشتي صاحب بدائع الأفكار والشيخ عبدالكريم الحائري أستاذ الإمام الخميني مؤسس الحوزة العلمية صاحب كتاب الفوائد والسيد الروحاني ـ رحمه الله ـ كان يرى نظرية التعهد أو ما يشبه السببية الواقعية التي قال بها المحقق العراقي في دورته الأولى ثم عدل بعد ذلك السيد الروحاني.

نحن نتطرق إلى كلمات هؤلاء الأعلام ونقول قبل التطرق إليها إن إشكال السيد الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ على نظرية الاعتبار وارد عليها بأجمعها فسواء قلنا بالوجه الأول من نظرية الاعتبار للمحقق الأصفهاني وهو جعل اللفظ على المعنى كما يجعل العلم على رأس الفرسخ أو قلنا بالمسلك الثاني وهي دعوى العينية جعل اللفظ عين المعنى أو قلنا بالمسلك الثالث جعل اللفظ دليل على المعنى فإن هذه الوجوه الثلاثة لا تبرز النكتة الفنية التي بسببها أصبح اللفظ مجعولاً على المعنى كما في الوجه الأول أو عين المعنى كما في الوجه الثاني أو دليل على المعنى كما في الوجه الثالث.

وهذه المناقشة أيضاً تجري بالنسبة إلى الوجه الرابع أو الخامس وإن أمكن إدراجهما تحت الوجه الثالث.

الوجه الرابع مبنى المرآتية للسيد البروجردي والوجه الخامس مبنى العلامية الذي ذهب إليه السيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ فإنه يمكن إدراج مبنى العلامية أو مبنى المرآة أنه دليل فيندرج ضمن الوجه الثالث.

لكن هذه الوجوه الخمسة لا تبرز النكتة الفنية في دلال اللفظ على المعنى فلماذا أصبح هذا اللفظ بالخصوص علامة على هذا المعنى بالخصوص؟ ولم يدل على غيره؟ ولم يصبح علامة على غيره؟

وبعد التتبع وجدت أن أستاذنا الميرزا جواد التبريزي ـ رحمه الله ـ وأستاذنا الشيخ حسين الوحيد الخرساني ـ حفظه الله ـ وكذلك شيخنا الفياض يرون مبنى وهو المبنى الذي يراه الإمام الخميني ـ رضوان الله ـ عليه خلافاً لأستاذ السيد الإمام الشيخ عبد الكريم الحائري وخلافاً لأستاذ هؤلاء المراجع الثلاثة وهو السيد الخوئي الذي يرى مسلك التعهد.

فلنقرأ كلمات الأعلام الثلاثة ونتأمل فيها ثم نناقشها.

قال شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي ـ رحمه الله ـ في كتابه دروس في مسائل علم الأصول الجزء الأول صفحة اثنين وثلاثين طبع دار الصديق الشهيدة في الدورة الأخيرة يصير صفحة أربعة وثلاثين قال قدس سره:[1]

(والصحيح أن الوضع في الألفاظ عبارة عن جعلها علامات والغرض من جعل العلامات تفهيمها بها فالمعنى هو الموضوع له ومسمى اللفظ لا أن إرادة المعنى نفسها مسمى اللفظ) لأن إرادة يعني تعريض بكلام السيد الخوئي الإرادة يعني مبدأ تصديقي.

(ثم إن هذا التعيين وجعل العلامة وجعل اللفظ علامة للمعنى قد يكون ابتدائي وقد يكون مسبوقاً بالاستعمالات المتكررة بالعناية وملاحظة العلاقة فيها فيكون الوضع تعينياً) يعني يرى أستاذنا الميرزا جواد التبريزي أن الوضع هو الاعتبار بنحو العلم أولاً وثانيا ينقسم إلى تعيين وتعيني بخلاف السيد الإمام الخميني ـ رضوان الله عليه ـ يرى أن الوضع من باب العلامة ولكنه يراه مختصا بخصوص الوضع التعييني ولا يشمل الوضع التعيني.

وأما شيخنا الفياض الشيخ محمد إسحاق الفياض في كتابه المباحث الأصولية الجزء الأول صفحة مئة وتسعة والأربعين في نهاية بحث الجهة الأولى حقيقة الوضع قال:

(الصحيح من النظريات في تفسير الوضع هو نظرية الاعتبار دون نظرية التعهد أو القران على تفصيل تقدم)[2] أين تقدم؟ تقدم صفح مئة وثلاثين قال ـ حفظه الله ـ :

والصحيح في المسألة أن يقال إن حقيقة الوضع حقيقة إنشائية متقومة بعنصرين:

الأول العنصر الداخلي وهو أن الواضع الذي يكون أمر الوضع بيده إذا كان في مقام الوضع وكان جاداً فيه فلا محالة يتصور لفظاً خاصاً ومعنى مخصوصاً وبعد ذلك يعتبر هذا اللفظ الخاص اسماً لذلك المعنى المخصوص في عالم الاعتبار والذهن ويجعل القران بينهما في هذا العالم مؤكداً ومتعهداً مؤكداً ومتعهداً بذلك.

الثاني العنصر الخارجي وهو إبراز ذلك القران الاعتباري بالقران الخارجي بقوله سميت المولود الفلاني زيداً مثلاً وهكذا مؤكداً على ذلك وملتزماً بأنه لا يريد إلا إعطاء صفة الدلالة للفظ فإذا صنع ذلك تحقق الوضع فيتصف اللفظ حينئذ بصفة الدلالة والسببية.[3]

ويمكن تقرير ما أفاده ـ حفظه الله ـ ببيان آخر وهو بيان الوضع بلحاظ عالم الثبوت وعالم الإثبات فهناك مرحلتان للوضع:

المرحلة الأولى ثبوتية.

والمرحلة الثانية إثباتية.

وحقيقة الوضع جعل الملازمة والسببية بين اللفظ والمعنى وجعل هذه السببية والملازمة بين اللفظ والمعنى إما في عالم الثبوت والذهن والواقع وهذا ما اصطلح عليه الشيخ الفياض بالعنصر الداخلي.

وإما أن تكون في عالم الخارج وعالم الخطاب وعالم الإثبات وهذا مصطلح عليه شيخنا الفياض بالعنصر الخارجي.

فالشيخ الفياض يقول عملية الوضع عبارة عن حقيقة إنشائية متقومة بعنصرين:

عنصر داخلي ثبوتي ذهني وعنصر خارجي إثبات خطابي.

فالواضع أولاً وهو مع ذهنه يجعل السببية بين اللفظ والمعنى ويجعل الملازمة بين لفظة ماء ومعنى الماء في قعر ذهنه ويؤكد الملازمة بين لفظ الماء ومعنى الماء داخلياً في ذهنه الشريف فإذا تأكد المعنى داخلياً وذهنياً أبرزه خارجياً وقال وضعت لفظ الماء لهذا المعنى كما يقول من جاءه مولود اسميته علياً.

فإن إبرازه لاسم مولوده وأنه قد وضع عليه اسم علي يكون فرع وضع اسم علي على المولود في عالم الذهن.

هذا تمام تقريب ما أفاده ـ حفظه الله وأيده وسدد خطاه ـ إلا انه كما ترون لم يبرز النكتة في جعل السببية والملازمة بين اللفظ والمعنى داخلية في عالم الذهن أو خارجية في عالم الخارج، فما هو السر في انتقاء خصوص لفظ علي لهذا المولود؟ وما هو السر؟ وما هي النكتة الفنية والعلمية في اختيار لفظ الماء لذلك السائل الزلال؟

لم يذكر هذه النكتة وهذا إشكال سيال على نظرية الاعتبار، لماذا لم يضع مثلاً لفظ حجر على معنى الماء إذا لا بد من جواب هذه النكتة.

سبب وضع اللفظ على المعنى وسبب انتقال المعنى.

الكلام عن حقيقة الوضع نحن نبحث في الجهة الأولى ما هي حقيقة الوضع؟ كلامهم جعل السببية وجعل اللفظ علامة على المعنى، هنا يأتي السؤال لماذا جعلت خصوص هذا اللفظ علامة ولم تجعل غيره علامة؟

الشيخ الفياض يقول السرّ في ذلك أنه بيده هذا الأمر بيده الاعتبار هو ماذا يقول؟

(أن الواضع الذي يكون أمر الوضع بيده إذا كان في مقام الوضع)[4] يعني يستفاد من كلامه أن النكتة هو كون زمام الوضع بيده يعني من صلاحيته يعني هو صاحب صلاحية في الوضع.

فما نحتاج لانه..

النكته سيتضح إذا تطرقنا إلى نظرية القرن الأكيد سيتضح أنه ليس الملاك هو كونه مجرد صاحب صلاحية لأن الوضع إما تعييني وإما تعيني يعني الملاك في الانتقام وتحقق السببية هو اقتران اللفظ بالمعنى وتأكد ذلك هذا التأكد إما بلحاظ التكرر أو بلحاظ الظرف المؤثر.

فمن أنجبوا له ولد لوجود هذا الظرف المؤثر مجيء الولد بعد اأصبحت العلقة الوضعية بين اللفظ وبين الولد ومن لم يحضر هذا الظرف المؤثر لا يثبت في ذهنه أن لفظ علي يدل على هذا الولد إلا إذا كرره عدة مرات.

إشكال السيد الشهيد عليهم بأنهم لم يبينوا نكتب في انتقال المعنى عند إطلاق هذا اللام مو إشكال أنه لماذا اختار هذا اللفظ لهذا المعنى؟

هذا أمر بيد الواضع اختيار الله أمر بيد الواضع لكن لأي نكتة؟ ما يحتاج أكثر ما يحتاج نكتة يعني الوضع يضع اعتباطاً من دون لحاظ أي شيء إلى ولدي اختياره أغلب من يختار هذا أنا اسميه على اسم أبي هذا أنا اسميه على اسم صديقي بل أحيانا يقول أنا اعتباطا هكذا سميته أو نكاية بفلان إذا لابد من وجود نكتة ما يسمى اعتباطه عادة يسمي لنكتتين وقد تكون هذه النكتة هي اللامبالاة ولكن عادة يسمي نكتته جيد.

واما شيخنا الأستاذ الوحيد الخرساني فيمكن مراجعة تحقيق الأصول الجزء الأول صفحة ستة وسبعين ما أفاده السيد علي الحسيني الميلاني ـ حفظه الله ـ من إفاضات شيخه وأستاذه هو دارس عند الشيخ الوحيد الخراساني والسيد محمد الروحاني.

ففي هذا الكتاب يتطرق إلى آراء الأعلام الخمسة: الشيخ الأنصاري وصاحب الكفاية والمحقق النائيني والمحقق الأصفهاني والمحقق الشيخ آقا ضياء الدين العراقي ثم يتطرق إلى رأي السيد الخوئي والشيخ الوحيد الخرساني والسيد محمد الروحاني مختار شيخنا الأستاذ الشيخ الوحيد الخرساني وذهب شيخنا دام بقاءه في الدورتين إلى أن حقيقة الوضع هي العلامية والدليلية قال:

(بأن الإنسان في بادئ الأمر كان يبرز مقاصد النفسانية وأغراضه القلبية والباطنية بواسطة الإشارة وحتى الآن أيضاً قد يلتجئ إلى ذلك إذا لم يتمكن من التلفظ فكانت الإشارة هي الوسيلة والسبب والعلامة لتفهيم مقاصده فلما وجد اللفظ كان دوره نفس دور الإشارة وقام مقامها فكان اللفظ هو العلامة والوسيلة لإفادة المعنى المتعلق به الغرض فكان وضع لفظ على معنى علامة له ووسيلة لإفهامه وكان اسماً لذلك المعنى يطلق عند إرادته والعلامية والدليلية والتسمية ما شئت فعبار عنوان عام يشمل الوضع للاسم وللفعل وللحار هذا وجداناً) إذا دليله الوجدان بالاضافة إلى ذلك الاستخدامات في الآيات والروايات.

ويدل عليه من الكتاب قوله تعالى ﴿لم نجعل له من قبل سميا﴾[5] سورة مريم آية سبعة أي لم يكن في الوجود قبل يحيى أحد يعرف بهذا الاسم.

وكذا قوله تعالى ﴿هو سماكم المسلمين﴾[6] سورة الحج آية ثمانية وسبعين أي هو الذي وضع عليكم هذا الاسم هذه العلامة ومن الأخبار ما رواه الشيخ الصدوق بسند معتبر في العيون والتوحيد ومعاني الأخبار عن ابن فضال عن الرضا ـ عليه السلام ـ عن بسم الله قال (معنى قول القائل بسم الله أي اسمي نفسي بسمة من سمات الله وجل وهي العبادة فقلت وما السمة؟ قال العلامة) معاني الاخبار.

أن العلامة على قسمين:

تارة هي ذاتية مثل ﴿وبالنجم هم يهتدون﴾[7] وأخرى هي جعلية مثل الصبح الصادق حيث جعل علامة شرعية للصلاة فواقع التسمية وهو الذي يسأل عنه ابن فضال لا مفهوم التسمية هو العلامة.

ومن كلمات اللغويين ما جاء في القاموس ولسان العرب من أن الألفاظ علامة للمعاني والاسم علامة للمسمى. [8]

هذا تمام الكلام فيما أفاده شيخنا الأستاذ الشيخ الوحيد الخراساني.

والمناقشة فيه هي عين المناقشة فيما تقدم لماذا جعل خصوص اسم يحيى لهذا النبي؟ ولماذا أطلق الله عز وجل اسم المسلمين وسمانا بالمسلمين لنكتة وهي التسليم وكوننا نسلم لأمر الله عز وجل وأن يحيى يحيى به الدين إذا لا بد من إبراز النكتة.

طبعاً ليس المراد بالنكتة يعني النقطة في خصوص هذا الاسم كما شرحت الآن المراد بالنكتة هي النكت التي أوجبت اقتران اللفظ بالمعنى أي النكتة التي أوجبت سببية اللفظ للمعنى بحيث متى ما سمعت اللفظ انتقلت إلى المعنى والنكتة الفنية كما سيأتي إن شاء الله هي عملية الاقتران المؤكد أي اقتران اللفظ بالمعنى وتأكدهما.

هذا التأكد إما أن يكون في ظرف مؤثر كما في الوضع التعييني وإما أن يكون بلحاظ التكرر كما في الوضع التعيني.

ومن هنا صح تقسيم الوضع إلى وضع تعييني ووضع تعيني خلافاً للسيد الإمام الخميني ـ أعلى الله في مقامه ـ .

هذا تمام الكلام في النظرية الثانية وهي نظرية المشهور إلى هنا أخذنا المسلك الأول وهو التعهد للسيد الخوئي والشيخ الحائري والمحقق الرشتي صاحب بدائع الأفكار والمحقق النهاوندي صاحب تشريح الأصول والنظرية الثانية مسلك الاعتبار للمشهور ومنهم المحقق الأصفهاني ـ رضوان الله عليه ـ والميرزا النائيني وأكثر الأعلام تلامذة السيد الخوئي وغيره والسيد الإمام الخميني.

يبقى الكلام في المسلك الثالث مسلك جعل السببية الواقعية للمحقق العراقي ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ يأتي عليه الكلام صلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo