< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/الوضع/الكلام في الوجه الثاني من وجوه مسلك الاعتبار

 

خلاصة درس الأمس

الوجه الثاني المعتبر هو كون اللفظ عين المعنى أو وجوداً له شرعاً.

لله الحمد في بيان المسلك الثاني وهو مسلك المشهور في الواضع وهو الاعتبار.

قلنا قد اختلفوا في وجه الاعتبار الوجه الأول أن المعتبر هو وضع اللفظ على المعنى أي أن الأساس في الاعتبار هو الوضع الخارجي فيكون متعلق الاعتبار في الأوضاع اللغوية هو الوضع الخارجي.

درس اليوم

اليوم إن شاء الله نأتي إلى الوجه الثاني وهو أن المعتبر وضع اللفظ على المعنى تقريب ذلك:

إن أحد الاساليب في جعل شيء دالاً على شيء هو وضعه عليه هذا بالنسبة إلى الوجه الأول.

تقريب الوجه الثاني

وأما الوجه الثاني تقريبه أن يقال إن الوضع هو عبارة عن الاعتبار والمعتبر هو كون اللفظ عين المعنى أو وجوداً للمعنى، فكأن الوضع حين يلتفت إلى اللفظ والمعنى يرى المغايرة بينهما فهو يرى شيئين الأول هو اللفظ والثاني هو المعنى.

ومن الواضح أن المباين لا يكون دالاً على مباينه ولأجل أن يوجد الدلالة والعلاقة بينهما يعتبر اللفظ وجوداً للمعنى فيكون اللفظ ببركة هذا الاعتبار وجودا للمعنى بالاعتبار وحاكياً عنه.

فبحسب الحقيقة اللفظ شيء والمعنى شيء آخر ولكن ببركة الاعتبار الذي هو سهل المؤونة أصبح اللفظ هو نفس المعنى وأصبح اللفظ هو عين وجود المعنى، وبالتالي بإمكان اللفظ أن يرينا المعنى، وهذا هو معنى دلالة اللفظ على المعنى.

يمكن مراجعة نهاية النهاية للمحقق الإيرواني الجزء الأول صفحة ستة المقدمة الأمر الثاني في الوضع.

ولتقريب المطلب بشكل أدق نطرح ثلاثة أمثلة:

الأول لغوي، والثاني شرعي، والثالث أصولي، لبيان كيف أن الاعتبار سهل المؤونة.

المثال الأول مجاز السكاكي الذي يقول الرجل الشجاع أسد، يراجع مفتاح العلوم صفحة مئة ستة وخمسين، وهذا هو المجاز المعروف بالمجاز العقلي أو المجاز السكاكي.

فمن المعلوم أن الاستعمال إما حقيقي وإما مجازي والاستعمال الحقيقي هو استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له كاستعمال لفظ الأسد في الحيوان المفترس والاستعمال المجازي هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له إذا دلت القرينة على ذلك كاستعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع فيما لو قلت رأيت أسداً يرمي فإن قرينة يرمي تدل على أن المراد بالأسد هو الرجل الشجاع ولفظ الأسد لم يوضع للرجل الشجاع بل وضع للحيوان المفترس.

إلا أن السكاكي جاء بالمجاز العقلي وقال إن العقل يتصرف ويقول يوجد فردان ومصداقان للأسد:

المصداق الأول الحيوان المفترس وهو المعنى الموضوع له لفظ الأسد.

والمصداق الثاني الرجل الشجاع أي أن استعمال الأسد في الرجل الشجاع استعمال حقيقي وليس استعمال مجازياً غاية ما في الأمر يوجد فردان للأسد الفرد الأول موضوع بالوضع الحقيقي الفرد الثاني إدعائي وعنائي أي أننا بالعناية وبالإدعاء نقول إن الرجل الشجاع مصداق من مصاديق الأسد.

إذا مرد المجاز السكاكي إلى دعوى أن العقل هو الذي يتجاوز ويتجوز ويتسامح وتكون عنده عناية بجعل مصداق للفظ فيصير لفظ الأسد له معنيان حقيقيان له استعمالان حقيقيان:

الاستعمال الأول الرجل الشجاع وهو المعنى الموضوع له لغة، هذا الحيوان المفترس المصداق الأول.

المصداق الثاني الرجل الشجاع هذا استعمال حقيقي يعني الاستعمال لا يوجد استعمال حقيقي ومجازي استعمال حقيقي العقل يتجوز ويتسامح ويجعل مصداق عنائي إدعائي هذا المثال الأول.

المثال الثاني قول الشارع الطواف بالبيت صلاة، يراجع: نهج الحق وكشف الصدق صفحة أربعمئة واثنين وسبعين[1] ، عوالي اللئالي الجزء الثاني صفحة سبعة وستين باب الطهارة الحديث ثلاثة. [2]

ومن الواضح أن الصلاة لها أحكام وآثار ومن آثارها وجوب الطهارة لها لا صلاة إلا بطهور ثم جاء الشارع المقدس ونزل الطواف منزلة الصلاة أي أنه قال مصداقان:

مصداق حقيقي وهو الكيفية المخصوصة من ركوع وسجود وقيام.

ومصداق إدعائي عنائي وهو الطواف.

فإذا نزلنا الطواف منزلة الصلاة ترتبت آثار الصلاة على الطواف وهو مثل ماذا؟ لزوم الطهارة أن تطوف على طهارة كما تصلي على طهارة.

المثال الثالث أصولي قول الميرزا النائيني جعلت الأمارات علماً اعتباراً وليست علماً حقيقة.

يراجع فوائد الأصول تقرير الكاظمي لبحث النائيني الجزء الثالث صفحة مئة وسبعة.

أي أن القطع له مصداقان والعلم له مصداقان:

المصداق الأول هو القطع الحقيقي اليقين الواقعي مئة في المئة هذا مصداق حقيقي للعلم والقطع واليقين.

المصداق الثاني ويوجد مصداق آخر وهو اليقين الإدعائي القطع العنائي كالظن الحاصل من خبر الثقة أو الظن الحاصل من الشهرة فإذا قال الشارع المقدس جعلت الأمارة أي جعلت الظن الحاصل من خبر الثقة أو الظن الحاصل من الشهرة جعلته علماً فهذا يعني أنه علم إدعائي علم عنائي وليس علماً حقيقياً وهذا هو مسلك الميرزا النائيني والسيد الخوئي من جعل الطريقية.

يقولان الشارع جعل الأمارات طريق هذا مسلك تتميم الكاشف أي أن الأمارة مثل الظن الحاصل من خبر الثقة درجة كشفها عن الواقع ثمانين في المئة تسعين في المئة الشارع يقول تممت الكشف جعلت الكشف بدرجة ثمانين أو تسعين جعلته بدرجة مئة في المئة هذا التتميم حقيقي وجداني أو إدعائي عنائي؟

هذا تتميم إدعائي عنائي يعني جعل الكشف بدرجة تسعين في المئة بمنزلة ومرتبة الكشف بدرجة مئة في المائة.

إذا هذه أمثلة ثلاثة:

كيف نزلنا الاستعمال المجازي منزلة الاستعمال الحقيقي في مجاز السكاكي وهو المثال اللغوي، وكيف نزلنا الطواف منزلة الصلاة في المثال الفقهي الشرعي، وكيف نزلنا الأمارة منزلة العلم والقطع واليقين في المثال الأصولي.

الوجه الثاني من وجوه من وجوه نظرية ومسلك الاعتبار اعتبار اللفظ عين المعنى أو وجوداً للمعنى.

من هنا أشكل السيد الخوئي ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ هذا الوجه بإشكال مرجعه إلى أمرين ودعوين لاحظ هذا الإشكال سيد الخوئي يقول:

جاعل اللفظ عين المعنى مرجعه إلى تنزيل اللفظ منزلة المعنى على حد تنزيل الطواف منزلة الصلاة، ولا يعقل التنزيل إلا إذا وجد أثر للمنزل عليه لكي ينتقل الأثر من المنزل عليه وهو الصلاة إلى المنزل وهو الطواف كأثر الطهارة.

إذا يراد بالتنزيل إسراء الأثر كالطهارة من منزل عليه وهو الصلاة إلى المنزل وهو الطواف في مثالنا فيكون الأثر ثابتاً ببركة التنزيل كما في ـ عليه السلام ـ الطواف في البيت صلاةٌ.

لكن في مورد بحثنا تنزيل اللفظ منزلة المعنى لا يوجد أثر مترتب فإذا إدعيت أن اللفظ قد نزل منزلة المعنى، فأنت حينما تقول جعلت اللفظ عين المعنى جعلت وجود اللفظي وجوداً للمعنى فلابد أن يترتب أثر من المعنى على اللفظ مع أننا لا نجد أي أثر من آثار المعنى تترتب على اللفظ فكيف يعقل التنزيل؟!

راجع أجود التقريرات للسيد الخوئي الجزء الأول صفحة عشرة[3] ، ومحاضرات في أصول الفقه تقرير الفياض للسيد الخوئي الجزء الأول صفحة واحد وأربعين واثنين وأربعين[4] ، وكتاب غاية المأمول من علم الأصول للشيخ محمد تقي الجواهري الجزء الأول صفحة مئة وعشرة[5] تقرير بحث السيد الخوئي، وكتاب الهداية الأصول الجزء الأول صفحة ستة وعشرين أيضاً تقرير الشيخ حسن الصافي لبحث السيد الخوئي. [6]

ومرجع مناقشة السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ مجموع أمرين:

الأول دعوى كون اللفظ وجوداً للمعنى ترجع إلى التنزيل.

الثاني لابد في التنزيل من جريان بعض أحكام المنزل عليه على المنزل، وهذا ما لا نراه في موطن بحثنا فلا يعقل التنزيل.

ولكن يمكن دفع كلا الأمرين:

أما الأمر الأول فمن قال إن اعتبار وجود اللفظ وجوداً للمعنى يتوقف على التنزيه؟! فإنه يمكن ببركة التنزيل أن تنزل اللفظ منزلة المعنى هذا صحيح.

ولكن من قال أن اعتبار وجود اللفظ وجوداً للمعنى منحصر بخصوص التنزيل كما يراه السيد الخوئي ـ رحمه الله ـ ؟! بل يمكن اعتبار اللفظ وجوداً للمعنى بالعناية والإدعاء كما هو الحال في المجاز العقلي للسكاكي إذ قال أن لفظ الأسد له فردان ومصداقان المصداق الأول حقيقي وهو الحيوان المفترس والمصداق الثاني عنائي وإدعائي وهو الرجل الشجاع.

وهكذا قال الميرزا النائيني ـ رحمه الله ـ العلم له مصداقان:

الأول العلم الحقيقي وهو القطع واليقين.

الثاني العلمي العنائي الإدعائي الاعتباري وهو خصوص الأمارة التي جعلها الشارع حجة فبجعل الحجية يكون قد اعتبرها علماً عناية وإدعاء.

ونحن هنا أيضاً نقول المعنى له مصداقان:

المصداق الأول المعنى الحقيقي.

والمصداق الثاني اللفظ الدال على المعنى فاللفظ الذي إندك في المعنى مصداق آخر للمعنى.

فعندنا معنيان: معنى حقيقي ومعنى إدعائي ولا ندعي أن اللفظ نزل منزلة المعنى، بل نقول إن قد تصرف وجعل عناية فرداً آخر للمعنى وهو اللفظ فالواضع حينما يضع فرض عنائي وإدعائي للمعنى وهو خصوص اللفظ الدال على المعنى.

وهكذا أجاب الميرزا النائيني حينما أشكل عليه، قالوا القطع الحقيقي له آثار مثل المنجزية والمعذرية هذه آثار تكوينية للقطع الحقيقي، كيف تنزلها إلى القطع العنائي والإدعائي وفي التنزيل لا بد من انتقال الآثار؟! هكذا أشكل السيد الخوئي راجع أجود التقريرات الجزء الأول صفحة عشرة.

وأجاب عنه الميرزا النائيني في فوائد الأصول الجزء الثالث صفحة مئة وسبعة[7] قائلاً نحن لا ندعي التنزيل ولا ندعي أن الأمارة قد نزلت منزلة القاطع حتى تقول لا يوجد أثر ولابد من وجود أثر حتى يصح التنزيل.

بل نقول إن الأمارة مصداق إدعائي للعلم فعندنا فردان من العلم: علم حقيقي وهو القطع اليقين وعلم إدعائي وهذا العلم الإدعائي ليس بالضرورة فيه آثار العلم حقيقي.

هنا أيضاً فليكن اللفظ المعتبر بالعناية والإدعاء مصداق آخر للمعنى ولا ندعي أن اللفظ قد نزل منزلة حتى نقول لمتى ترتب آثار المعنى على اللفظ.

إذا الأمر الأول الذي أشكل به السيد الخوئي على هذا المبنى ليس بتام، ما هو الأمر الأول؟ إن جعل اللفظ عين المعنى يتوقف على التنزيل وفي التنزيل تنزيل الآثار وهنا لا يوجد آثار.

وأجبنا اعتبار وجود اللفظ عين المعنى لا يتوقف على التنزيل بل يتحقق بالاعتبار العنائي والإدعاء ولا يشترط فيه وجود ثمرة وتنزيل الآثار لا يشترط تنزيل الآثار والثمرة.

وأما الأمر الثاني وهو دعوى ـنه لا توجد ثمرة من تنزيل اللفظ على المعنى، وإذا جعلنا اللفظ عين المعنى فإن الأثر لا يترتب.

وفيه إن الأثر على نحوين: أثر خارجي وأثر إحساسي لاحظ لاحظ بدائع العلماء.

فمثلاً لفظ الأسد ومعنى الأسد الذي هو حيوان مفترس معنى الأسد الحيوان المفترس له أثر تكويني خارجي إشاري وهو أنه يأكلك يفترسك ومن الواضح أن هذا الآثار لا ينتقل إلى اللفظ فلو إدعيت أن لفظ الأسد هو عين معنى الأسد فإن لفظ الأسد لا يأكلك ولا يفترسك.

إذا كلام السيد الخوئي أن الأثر لا ينتقل تام بالنسبة إلى الأثر الأول وهو خصوص الأثر خارجي الإشاري التكويني الحقيقي.

ولكن يوجد أثر آخر وثاني وهو الأثر الإحساسي أنت الآن جالس إذا قالوا جاء الأسد ملك الغابة جاء تخاف تتحرك؟! فهناك إحساس عند استشعار المعنى فإذا أنت في الغابة ورأيت الأسد تخاف تهرب هذا إذا رأيت عين الأسد التكويني خارجاً، وهكذا لو أنت جالس وما شفت الأسد وقالوا لك خلف الباب يوجد أسد فإنك أيضاً تهرب.

إذا الأثر الإحساسي كما يوجد في المعنى يوجد أيضاً في اللفظ.

إذا المناقشة الثانية ليست تامة سيدنا الخوئي تقول في مناقشتك الثانية.

المناقشة الأولى ماذا قال؟ جعل اللفظ عين المعنى فرع التنزيل وقد أجبنا لا ينحصر بالتنزيل لا ينحصر يمكن أيضاً بإيجاد الفرد العنائي والإدعائي.

المناقشة الثانية قال السيد الخوئي لابد من وجود أثر ينتقل من من المنزل عليه إلى المنزل وهنا لا أثر.

الجواب يوجد أثر نعم لا يوجد أثر تكويني خارجي ولكن يوجد أثر إحساسي فلو أخذنا الآثار الخارجية للمعنى فإنها لا تترتب على المعنى آثار خارجية أكل الأسد مثلا افتراسه ما تترتب على اللفظ ولكن الإحساس بالمعنى خارجاً هذا إذا تصورت معنى الأسد من خلال لفظ الأسد ولو تصور ذهني فإنك تصير عندك أحاسيس وقد تفر وتهرب.

إذا ما ذكره السيد الخوئي من مناقشة لهذا الوجه ليس بتام.

ولكن الوجه الثاني ليس بتام ومرجع ذلك كما يقول الشهيد الصدر الثاني أنه ليس إلا تصرفاً في الألفاظ لا أكثر راجع محاضرات في علم أصول الفقه الجزء صفحة مئة وتسعة وسبعين تقرير الشهيد الصدر الثاني ـ رضوان الله عليه ـ وهكذا أيضاً في تقرير السيد كاظم الحائري مباحث الأصول الجزء الأول صفحة خمسة وتسعين.

قال نعم الصحيح أن هذا الوجه أيضاً تلاعب بالألفاظ[8] إذا أردنا نقارن بين هذه التقارير الأربعة في هذا الباب الوجه الثاني السيد محمود الهاشمي الشهرودي كتب صفحة واحدة والسيد كاظم الحائري كتب صفحتين والشهيد الصدر الثاني كتب أربع صفحات والشيخ حسن عبد الساتر كتب ست صفحات.

ومنه يعرف أن هذه التقارير الأربعة أوجزها السيد محمود الهاشمي الشهرودي وأوسعها الشيخ حسن عبد الساتر ثم في الإيجاز أول شيء موجز السيد محمود ثم السيد كاظم ثم الشهيد الصدر الثاني ثم الشيخ حسن عبد الساتر.

وأدقها في العبارة وأعمقها على الإطلاق بحث السيد كاظم الحائري مباحث الأصول وأقربها إلى ما تفوه به الشهيد الصدر الأول وأكثرها بسطاً تقرير الشيخ حسن عبد السعد وأفضلها في ضبط المصادر والعناوين الجانبية والتخريج وسبك العبارة تقرير الشهيد الصدر الثاني هو تقريباً تقرير الوسط متوسط.

الشهيد الصدر يناقش يقول إلى هنا أثبتنا ثمرة لجعل اللفظ عين المعنى ما هي هذه الثمرة؟ الإحساس بالمعنى فإذا ذكر لفظ أسد يحصل إحساس بالمعنى ويتصور الذهن صورة الحيوان المفترس وهذه عبارة عن خصوصية تكوينية للمعنى فكيف أمكن إيجاد هذه الخصوصية التكوينية بمجرد تنزيل اللفظ منزلة المعنى.

فلو قلنا أنه بمجرد اعتبار اللفظ عين وجود المعنى هذا الأثر يتحقق وهو الإحساس بالمعنى، لقلنا لو نزلناه الماء منزلة الإحراق فهل بمجرد أن نتصور لفظة الماء تصور الإحراق هذا لا يقول به عاقل.

إذا هناك نكتة في إثبات هذا الإحساس ليس تمام الملاك اعتبار وجود اللفظ عين المعنى بل هناك نكت إحساسية تكوينية جعلت لفظ الأسد دالاً على حيوان المفترس.

إذا لتنقيح المطلب وتعميقه لابد من دراسة هذه الخصوصية التكوينية فكيف سرى المعنى إلى اللفظ؟ وكيف سرت هذه الخصوصية التكوينية الإحساسية من المعنى إلى اللفظ؟ إذا لابد من إبراز هذه النكتة.

إذا الوجه الثاني وهو اعتبار وجود اللفظ عين المعنى لا يبرز النكتة العلمية تكوينية الإحساسية التي جعلت اللفظ عين المعنى والتي أوجبت هذه الثمرة وهي الإحساس بالمعنى الخارجي.

هذا تمام الكلام فيما أفاده وأفاض به الشهيد الصدر الثاني.

أقول هذا المسلك الثاني قريب من مسلك السيد السيستاني ـ حفظه الله ـ وهو مسلك الهوهوية هو هو يعني اللفظ هو المعنى والمعنى هو اللفظ.

وقد أطال السيد السيستاني في تقرير بحثه لسيدنا وأستاذنا السيد منير الخباز القطيفي في الرافد في علم الأصول الجزء الأول من صفحة مئة وأربعة وأربعين حقيقة الوضع[9] إلى صفحة مئة وسبعة وستين المسالك في حقيقة الوضع بل أشار إلى هذا المسند صفحة مئة وواحد وسبعين المسلك الثاني صفحة مئة وواحد وسبعين. [10]

قال السيد السيستاني المسلك الثاني مسلك الهوهوية وحاصله أن اعتبار الأدبي الصادر من الواضع فرداً أو مؤسسة أو مجتمعاً هو جعل الهوهوية بين اللفظ والمعنى بهدف الوصول للهوهوية.

وقال حفظه صفحة مئة وواحد وستين أن الملحوظ وجدانا عندنا أنه بعد الإحساس باللفظ تكون هناك صورة واحدة في الذهن وهي صورة اللفظ وهذه الصورة نفسها مشيرة للمعنى على نحو يكون المفهوم اللفظي مغفولاً عنه والتوجه الأساسي للمعنى وليس هناك صورتان إحداهما مستلزمة لحضور الأخرى والشواهد التي عرضناها محاولات لتقريب هذه الفكرة عندنا وإلا فالدليل الوحيد في القضايا النفسية والذهنية هو الوجدان. [11]

يعني السيد السيستاني بوجدانه يقول لا توجد صورتان صورة إلى اللفظ وصورة إلى المعنى لا توجد صورة ذهنية إلى اللفظ وصورة ذهنية إلى المعنى قبل الوضع توجد صورتان صورة ذهنية إلى اللفظ وصورة ذهنية إلى المعنى بعد الوضع يحصل اندكاك تصير هو هوية تصير صورة واحدة هي صورة اللفظ والمعنى مندك فيها.

وقال ـ حفظه الله ـ أيضاً في الرافد الجزء الأول صفحة مئة وستة وستين ومئة وسبعة وستين إن حقيقة الوضع في نظرنا هي الهوية بين تصور اللفظ وتصور المعنى الحاصلة من مقدمات ثلاث:

الأول الجعل.

الثاني الاستعمال مع القرينة.

الثالث التلازم.

أما مرحلة الجعل والانتخاب فهي اعتبارية كما سبق بيانه وتعني جعل اللفظ بإزاء المعنى وهذا الاعتبار الأدبي يمكن صياغته بعدة صور وألوان منها:

(التخصيص ومنها جعل الملازمة ومنها جعل الهوهية ومنها التعهد ومنها القرن الأكيد) فهذه المسالك كلها مقبولة عندنا على مستوى المرحلة الأولى لأنها صياغات متعددة لاعتبار أدبي واحد واختلافها يكشف عن اختلاف المستوى الثقافي والذوقي والظرف الحضاري الذي ينمو فيه هذا التفكير وهذا المسلك. [12]

أقول مرجع هذا الكلام الهوهية إلى الوجه الثاني اعتبار اللفظ عين المعنى فيحصل الانداك والهو هوية.

وإذا طالعنا مع أفاضه ـ حفظه الله ـ قد لا نرجع إلى محصل.

ومن هنا أشكل عليه سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ في مجلس بحثه الأصول تطرق إلى مسلك الاعتبار والوضع وناقش الهوهوية، وقال:

(هذا وهذا الرأي لا يصدر من فاضل فضلاً عن مرجع ولعله اشتباه من المقرر).

حصل بعد ذلك شيء من الضوضاء ورد على أستاذنا السيد كاظم الحائري أستاذنا السيد منير الخباز أتذكر في مولد الزهراء ـ عليها السلام ـ في مولد الإمام المهدي في حسينية الإمام المهدي للحجازيين بعد ذلك توقف التقرير لم يطبع إلا الجزء الأول بعد توقف حتى ما يحصل لغط وغير ذلك طبع الجزء الأول فقط.

السيد كاظم الحائري تطرق إلى رأي السيد السيستاني في مباحث الأصول الجزء الأول صفحة ثلاثة وتسعين الحاشية رقم واحد وهذه الحاشية دقيقة ولا تخلو من فائدة نقرأها قال:

من الطريف أن بعض الكتابات فرضت أن العلاقة الوضعية عبارة عن حصول الهوهوية الحقيقية أو التوحد الحقيقي بين صورة اللفظ وصورة المعنى وأنه على هذا الفرض يتم ما يقال من فناء اللفظ في المعنى أو مرآتيته له.

أما اعتبار هو هو أو تخصيص اللفظ بالمعنى أو جعل الملازمة بينهما أو التعهد أو نحو ذلك هذا كله كلام السيد السيستاني في الرافد في علم الأصول فكلها من مقدمات تحقق الهوهوية بين صورتي اللفظ والمعنى، وقد أعرض وأطول في إثبات ذلك في الشواهد والأدلة.

راجع الرافد الجزء الأول المدعى كونه تقريرا لبحث آية الله السيد السيستاني ـ حفظه اللهـ صفحة مئة وأربعة وأربعين فصاعداً، ثم يعلق سيدي الكاظم الحائري:

وطبعا هو لا يقصد التوحد بين واقع اللفظ وواقع المعنى الخارجيين فإن بطلان ذلك من أوضح الواضحات وإنما يقصد التوحد بين صورتيهما الذهنية.

ولا أدري كيف يستطيع أن يصدق توحد الصورتين حقيقتة رغم تعدد ذي الصورة مع وضوح أن كل ذي صورة إنما يشع صورته هو إنما يشع هو دون صورة شيء آخر فذو الصورة يشع بصورته فالمعنى يشع بصورته واللفظ يشع بصورته فكيف تتحد صورة اللفظ وصورة المعنى؟!

هذا المطلب قابل للتأمل فراجعوا مباحث الأصول للجزء الأول صفحة ثلاثة وتسعين وأربعة وتسعين.

الوجه الثالث يأتي عليه الكلام صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo