< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/الوضع/ المناقشة الثالثة لمسلك التعهد إشكال الدور

 

المناقشة الثالثة لمسلك التعهد

إشكال الدور وهو إشكال مشهور معروف على مبنى التعهد.

فإن مبنى التعهد قد ذهب إليه بعض المحققين المتقدمين واعترض عليه بعض الأعلام قبل السيد الخوئي بإشكال مشهور وهو إشكال الدور.

بيان الإشكال المشهور وهو الدور

إذا أخذنا الصيغة المشهورة والمعروفة للتعهد وهي خصوص الصيغة الأولى وهي أن الواضع يتعهد أنه متى ما قصد تفهيم المعنى أتى باللفظ حينئذ يأتي هذا الإشكال ما المقصود بتعهد المتكلم بإتيانه باللفظ؟

هذا التعهد لا يخلو من أحد أمرين:

الأمر الأول أن يكون التعهد بالإتيان باللفظ بالإرادة المقدمية.

الأمر الثاني أن يكون التعهد بالإتيان باللفظ بالإرادة النفسية المستقلة.

أمران لا ثالث لهما.

أما الأمر الثاني وهو أن المتكلم إذا أتى باللفظ يكون قد قصد الإتيان باللفظ لنكتة في نفس الإتيان باللفظ لا من باب أن اللفظ مقدمة لتفهيم المعنى.

فهذا معقول لكنه ليس بواقع إذ لا توجد نكتة علمية أو فنية موجودة في نفس اللفظ بحيث المتكلم يتعهد أن يأتي باللفظ لنكتة نفسية شخصية موجودة في نفس اللفظ.

إذا انتفى الاحتمال الثاني وهو أن المتكلم إذا أتى باللفظ يقصد الإتيان باللفظ لنفسه ولنكتة في نفس إيراد اللفظ لا لأن اللفظ مقدمة لتفهيم المعنى هذا معنى معقول لكن النكتة مفقودة فانتفى الاحتمال الثاني.

فنبقى مع الاحتمال الأول وهو أن المتكلم أتى باللفظ بالإرادة المقدمية فإرادة الإتيان باللفظ ناشئة من إرادة تفهميم المعنى فهناك إرادة مترشِحة وهناك إرادة مترَشحة.

فالإرادة هذا المُرَشِحة هي إرادة قصد تفهيم المعنى والإرادة المُترشَحة هي إرادة الإتيان باللفظ.

فنقول أن المتكلم قد أتى باللفظ من باب الإرادة المقدمية فكأنه يترشح من قصد تفهيم المعنى قصد آخر مقدمي وهو قصد الإتيان باللفظ فيكون تعهده بالإتيان باللفظ مباشرة عبارة عن إرادة مقدمية مترشحة من قصد تفهيم المعنى.

بناء على هذا المعنى الأول والاحتمال الأول أن تكون إرادة الإتيان باللفظ مترشحة من إرادة قصد تفهيم المعنى يلزم الدور، كيف يلزم الدور؟

لاحظ معي جيدا لاحظ معي جيدا.

ما هو التعهد؟ إذا لاحظ هذه الشرطية التعهد بناء على الاحتمال الأول إذا قصد لمتكلم تفهيم المعنى أتى باللفظ إذا أيهما الشرط؟ قصد تفهم المعنى، ما هو الجزاء؟ الإتيان باللفظ.

المقدمة الثانية إذا قصد الإتيان باللفظ كان قد قصد تفهيم المعنى لأن قصد الإتيان باللفظ مقدمة وفرع لقصد تفهيم المعنى فيتوقف قصد تفهم المعنى على قصد تفهم المعنى ويتوقف الإتيان باللفظ على الإتيان باللفظ.

أعيد وأكرر إشكال الدور بشكل بسيط المقدمة الأولى هي عين الصيغة الأولى للتعهد إذا قصد المتكلم تفهيم المعنى قصد الإتيان باللفظ يعني صار الإتيان باللفظ.

لاحظ معي قصد تفهم المعنى يوجب الإتيان باللفظ بعد وإذا أتى باللفظ لا يكون قد جاء باللفظ إلا بعد قصد تفهيم المعنى.

صار قصد تفهم المعنى متوقف على اللفظ وقصد إتيان اللفظ متوقف على قصد تفهيم المعنى فيتوقف تفهيم قصد المعنى على قصد تفهيم المعنى ويتوقف إيراد اللفظ على إيراد اللفظ يعني توقفت إرادة الإتيان باللفظ على إرادة الإتيان باللفظ واضحة إن شاء الله.

لاحظ هذا إشكال الدور بشكل مختصر في كتاب مباحث الأصول لأستاذنا السيد كاظم الحائري الجزء الأول صفحة ثمانية وثمانين طبعاً أستاذنا السيد محمود الهاشمي ـ رحمه الله ـ في تقرير بحثه علم الأصول الجزء الأول صفحة ثمانين هذا مطلب اليوم كله في نصف صفحة مختصر وموجز.

السيد كاظم الحائري في صفحتين.

الشهيد الصدر الثاني محاضرات في أصول الفقه صفحتين ونصف الجزء الأول صفحة مئة وثمانية وثمانين.

الشيخ حسن عبد الساتر خمس صفحات الجزء الثاني من بحوث في علم الأصول من صفحة اثنين وعشرين إلى صفحة سبعة وعشرين خمس صفحات بيانه بشكل موجز هذا موجود في بشكل واضح تقرير السيد محمود وتقرير الشهيد الصدر الثاني. [1]

يقول السيد كاظم ـ حفظه الله ـ فإن قيل صفحة ثمانية وثمانين مباحث الأصول الجزء الأول فإن قيل إنها إرادة مقدمية تنشأ من إرادة المعنى لزم الدور لأن ترشح إرادة اللفظ من إرادة المعنى فرع كون اللفظ دالاً على المعنى ودلالة اللفظ على المعنى فرع التعهد والتعهد معناه إرادة الإتيان باللفظ عند قصد المعنى فأصبحت إرادة اللفظ عند قصد المعنى موقوفة على دلالة اللفظ على المعنى وهذه الدلالة موقوفة على تلك إرادة وهذا دور هذا تمام الكلام في بيان الإشكال الثالث وهو الدور.

ورده المحقق الأصفهاني وأجاب عليه في نهاية دراية في شرح الكفاية[2] الجزء الأول صفحة ثمانية وأربعين طبعة مؤسسة تحقيق مؤسسة البيت لإحياء التراث ووافقه في الجواب السيد أبو القاسم الخوئي إذ أن السيد الخوئي ذكر الإشكال وجوابه من دون إشارة إلى أصل المستشكل والمجيب ولكن المجيب هو أستاذ المحقق الأصفهاني يراجع محاضرات في أصول الفقه[3] تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض لبحث السيد الخوئي جزء ثلاثة وأربعين من دورة السيد الخوئي صفحة تسعة وأربعين.

في الطبعة القديمة يراجع المحاضرات للشيخ الفياض المجلد الأول من صفحة خمسة وأربعين صفحة ستة وأربعين.

مفاد الجواب لاحظ الجواب دقة المحقق الأصفهاني توجد عندنا إرادتان الآن لبّ الإشكال إشكال الدور في إرادة اللفظ صارت إرادة اللفظ متوقفة على إرادة المعنى وإرادة المعنى متوقفة على إرادة اللفظ المحقق الأصفهاني ناقش في إرادة اللفظ.

قال توجد عندنا إرادتان للفظ إرادة كلية وإرادة جزئية شخصية لتصوير المطلب بشكل بسيط تقول هكذا:

كلما عطش الإنسان كلما شرب الماء هنا توجد إرادة لكنها إرادة كلية إرادة عامة وهي القضية الشرطية.

كلما عطش الإنسان كلما شرب الماء هذه إرادة عامة، إرادة شرب عامة إرادة كلية، وتوجد إرادة شخصية إرادة جزئية وهي أنه أنت إذا عطشت أردت شرب الماء فكل شخص إذا عطش شرب الماء.

إذا هنا أيضاً في موطن بحثنا عندنا إرادتان إرادة للفظ كلية وإرادة جزئية.

الإرادة الكلية موجودة في الشرطية كلما أراد المتكلم الإتيان باللفظ كان قد قصد المعنى هذي القضية الشرطية فيها إرادة للفظ إرادة كلية إرادة عامة.

إذا أراد المتكلم إتيان باللفظ فإنه كان قد قصد تفهيم المعنى لأن إرادة اللفظ ليست إرادة نفسية بل إرادة مقدمية إذا الإرادة المتوقفة هي خصوص الإرادة الكلية الإرادة العامة الإرادة الموجودة في القضية الشرطية هي الإرادة الكلية.

بخلاف الإرادة الشخصية وهي أنه متى ما أراد استعمال اللفظ يكون قد قصد المعنى يعني في إرادتين إرادة موجودة ضمن القضية الشرطية وإرادة موجودة عند تكلم المتكلم الإرادة الموجودة عند تكلم المتكلم هي إرادة جزئية شخصية والإرادة الموجودة عند الوضع عند التعهد هي إرادة ماذا؟ كلية.

إذا يوجد في المقام إرادتان لا إرادة واحدة:

الإرادة الأولى إرادة اللفظ في مقام الاستعمال يعني عند استعمال اللفظ وهي إرادة شخصية جزئية.

الإرادة الثاية إرادة في مقام التعهد والوضع وهي إرادة كلية عامة.

فالإرادة الجزئية هي إرادة مقدمية ومتوقفة على كون اللفظ دالاً على المعنى وأما كون اللفظ دالاً على المعنى فهو ليس موقوفاً على هذه الإرادة بل موقوف على الإرادة الكلية على نهج القضية الحقيقية أي نهج القضية الشرطية، بمعنى أنه متى ما قصد تفهيم المعنى يريد الإتيان باللفظ.

الخلاصة عندنا إرادتان:

الإرادة الأولى إرادة جزئية فعلية شخصية وهذي توجد حين الاستعمال وهذه الإرادة فرع دلالة اللفظ على المعنى.

الإرادة الثانية إرادة كلية شرطية هذه الإرادة هي منشأ دلالة اللفظ على المعنى.

يعني يا إخوة يا أحبة التوقف موجود في الإرادة الكلية في القضية الشرطية اللفظ لا يكون دالا على المعنى إلا إذا قصد تفهيم المعنى، كل لفظ أوتي به يكون قد قصد معناه يعني توقف دلالة اللفظ على المعنى هذا موجود في أين؟ هذي عند الوضع عند الجعل وأما الإرادة عند الاستعمال لا يوجد فيها توقف يعني في الإرادة الجزئية الإرادة الشخصية لا يوجد.

هذا الكلام قبله السيد الخوئي إذا تراجعون جزء ثلاثة وأربعين من دورته محاضرات في أصول الفقه صفحة تسعة وأربعين إلا أن السيد الشهيد الصدر لم يقبله قال: [4]

والصحيح في حال هذا الإشكال المشهور أن التعهد ليس من سنخ الإرادة حتى نفصل بين الإرادة عند الاستعمال والإرادة عند الوضع ونفرق بين الإرادة الشخصية وبين الإرادة الكلية النوعية ونفصلها لإرادة نفسية أو الإرادة مقدمية.

التعهد من سنخ الالتزام التعهد مثل النذر مثل النذر يعني جعل النذر ماذا؟ تجعل على نفسك مسؤولية فالتعهد من سنخ النذر أي من سنخ الالتزام لا من سنخ الإرادة.

التعهد معناه أن يجعل المكلف والمتكلم نفسه مسؤولاً ومقيداً يقيد نفسه أنه متى قصد تفهيم المعنى يأتي باللفظ فالتعهد عبارة عن التزام، الإرادة تتعلق بهذا الالتزام فالإرادة طرف واضح أو لا؟

وحتى بالنسبة إلى الإرادتين السابقتين إرادة شخصية وإرادة نوعية من قال توجد إرادتان؟ توجد إرادة وحدة.

اللحاظ يختلف توجد إرادة واحدة وهي كلما عطش الإنسان كلما شرب الماء ولها تطبيق زيد عطش فشرب الماء عمر عطش فأراد شرب الماء إذا الإرادة عند الاستعمال الإرادة عند العطش الجزئي تطبيق للإرادة الكلية والنوعية الموجودة في القضية الشرطية كلما عطش الإنسان كلما شرب الماء.

إذا نحن لا نلتزم بتفصيل المحقق الأصفهاني وتبعه تلميذه الوفي السيد الخوئي من أنه توجد إرادتان إرادة كلية وإرادة جزئية شخصية بل نقول إن الإرادة الجزئية والشخصية تطبيق من تطبيقات الإرادة الكلية يعني تارة تلحظ الموضوع بنحو القضية الحقيقية فتكون إرادة كلية وتارة تلحظ الموضوع بنحو القضية الخارجية يعني الموضوع المفترض الوجود فتكون الإرادة شخصية.

إذا الخلاف في الموضوع هل هو مقدر الوجود أو مفترض الوجوب وإلا فالإرادة واحدة إذا ما ذكره المحقق الأصفهاني وتبعه السيد الخوئي ليس بفارق.

الفارق الصحيح أن التعهد ليس من باب الإرادة والشوق الأكيد حتى يقال هذه إرادة نفسية أو مقدمية بل الإرادة من باب الجعل النفساني الالتزام النفساني يعني جعل الالتزام على النفس جعل الإيجاب على النفس هذا فعل نفساني فالإرادة طرف للتعهد يعني الإرادة تتعلق بالالتزام لا أن الإرادة هي نفس الالتزام.

وإشكال المشهور وإشكال الدور ناظر إلى توقف إرادة الله تعالى المعنى فاتضح أن إشكال الدور المشهوري ليس بتام لأنه ناظر إلى إرادة اللفظ وإرادة اللفظ ليست هي نفس التعهد بل الإرادة تتعلق بالالتزام والتعهد الإرادة طرف التعهد وليست هي نفس التعهد.

إذا الإشكال الثالث على مسلك التعهد ليس بتام واتضح أن الإشكال الأول والثاني للشهيد الصدر على مسلك التعهد تامان بخلاف الإشكال الثالث وهو الدور إشكال المشهور على مسلك التعهد ليس بتام وهذا تمام الكلام في المسلك الأول مسلك التعهد الذي ذهب إليه السيد الخوئي وقبله أيضاً المحقق النهاوندي صاحب تشريح الأصول ليس بتام المسلك الثاني مسلك الاعتبار يأتي عليه وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo