< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/04/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المقدمة/الوضع/المناقشة الثانية لمسلك التعهد

 

المناقشة الثانية للشهيد الصدر الأول وعلى مبنى التعهد لأستاذه السيد أبو القاسم الخوئي ـ رضوان الله عليهم ـ هذه المناقشة وردت في التقارير الأربعة:

تقرير السيد الحائري مباحث الأصولي الجزء الأول صفحة سبعة وثمانين.[1]

تقرير الشهيد الصدر الثاني محاضرات في علم أصول الفقه الجزء الأول صفحة مئة سبعة وستين.

تقرير الشيخ حسن عبد الساتر الجزء الثاني صفحة تسعة عشر. [2]

وتقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي بحوث في علم الأصول الجزء الأول صفحة ثمانين. [3]

وأفضل بيان وأسلسل بيان، بيان الشيخ حسن عبد الساتر فهو واضح وسلس.

وذكر الشهيد الصدر الثاني في الحاشية رأيه الذي عرضه على الشهيد الصدر وأجاب عنه.

الآن نتكلم في المناقشة الثانية كان مفاد المناقشة الأولى للشهيد الصدر لأستاذه السيد الخوئي أن مسلك التعهد فيه احتمالات ثلاث بل أربعة وذكر صيغ أربعة لمسلك التعهد وكلها لم يخلو من الإشكال.

الإشكال الثاني مفاده لو قطعنا النظر عن الإشكال الأول الذي أبطلنا به مبنى التعهد وفرضنا أن واحداً من الصيغ الأربع صحيحة ومعقولة.

نقول حتى لو سلمنا بمعقولية وصحة إحدى الصيغ الأربع إلا أننا نقول إن تفسير الوضع بالتعهد هذا أمر غير واقع بحسب الخارج فهذا المعنى ليس محتمل بحسب الخارج.

وذلك لأن معنى تفسير اللفظ وعملية الوضع بالتعهد يعني أن فهم المعنى من اللفظ عملية استدلالية ومرجعه إلى قضية شرطية لأن فهم المعنى من اللفظ يقوم على أساس ملازم بين الجزاء والشرط في القضية الشرطية بحيث متى ما صدق صدق الجزاء وهذا استدلال وبرهان كالبرهان الذي نستنتجه إذا رأينا إنساناً يأكل السم نستدل بأنه سيموت.

وهذا الاستدلال مبني على هذه القاعدة أنه متى ما كان شيء مستتبعاً لشيء آخر وكان الشيء الآخر موجوداً حينئذ فالشيء الأول يكون موجوداً لا محالة فإذا أكل السم جزمنا بحصول الموت فيصير هذا نوع من الاستدلال.

إذا مسلك التعهد يتضمن أمرين تصديقين استدلاليين:

الأمر الأول الشرطية إذا قصد إيراد اللفظ قصد تفهيم المعنى.

الأمر الثاني التمسك بأصالة وفاء بتعهداتهم، هذا يحتاج إلى إثبات ويحتاج إلى دليل ويحتاج إلى استدلال.

هاتان القضيتان الاستدلاليتان: الشرطية أولا وأصالة وفاء العقلاء بتعهداتهم ثانياً لا لا نجدها عند الطفل فالطفل قبل أن ينشأ عند أي مدرك استدلالي يفهم الوضع ويفهم المعاني من الألفاظ يكفي التكرار على الطفل فإذا تكرر عند الطفل لفظ بابا ماما حليب عدة مرات فإن الطفل سيقرن بين لفظة بابا ومعنى الأبوة وسيقرن بين لفظ ماما ومعنى الأمومة وسيقرن بين لفظ حليب وبين السائل الذي يتغذى عليه.

وهذا مقام نظرية القرن الأكيد الشهيد الصدر ـ رحمه الله مقامه ـ هي عملية ساذجة بسيطة عملية تصورية وليست عملية تصديقية ليس فيها قصد وليس فيها استدلال بينما على مسلك التعهد لابد من القصد ولابد من الاستدلال.

فالطفل بتكرار اللفظ عليه يحصل عنده فهم للمعنى من اللفظ من دون حاجة إلى قصد ومن دون حاجة إلى استدلال بل يكفي مجرد التكرار عند الطفل وهذا سنخ فهم يحصل للطفل قبل أن تحصل لديه أي قدرة على الاستدلال بحيث ينتقل من أحد المتلازمين إلى المتلازم الآخر.

فطفل لا يقوم باستنتاج واستدلال أورسطي بأن يقول ما دام أمي تعهدت بأنها لا تأتي بكلمة ماء إلا إذا أرادت المعنى الفلاني وما دام أمي عاقلة والأصل في العاقل أن يفي بتعهداته وما دامت قد قالت كلمة ماء فلابد أن تكون قد قصدت هذا المعنى.

هذا التفسير غير واضح في ذهن فالطفل لا يفهمه، كيف يمر هذا الاستدلال على هذه ذهن الطفل؟! بل هذا الاستدلال لا يمر على ذهن الكبير فضلاً عن الصغير.

إذاً فبوجدان هذا الطفل يعرف أن عملية فهم المعنى من اللفظ له سنخ ملاك سابق على الاستدلالات المنطقية وهذا الملاك على الاستدلالات المنطقية لعله يكفي في يكفي في تصوير عملية الوضع وهو عبارة عن اختراع اللفظ بالمعنى بشكل متكرر أو في ظرف مؤثر بحيث يحصل وصل ذهني بين اللفظ والمعنى بحيث كلما سمعت اللفظ انتقل الذهن إلى المعنى.

فهذه العملية تؤخذ بنحو البرهان الإني إن المعلول يدل على العلة إن المسبب يكشف عن السبب فاللفظ سبب لإيراد ذلك معنى.

إذا هذا برهان إني يفهم بفهم ساذج وبسيط إن المعلول يكشف عن العلة يعني هذا اللفظ وضع مثل الحليب وضع للسائل الذي يتغذى منه الطفل فلعل هذه النكتة اقتران اللفظ بالمعنى بشكل أكيد أو في ظرف مؤثر هي بذات الانتقال أي استدلال برهاني.

وإذا أردنا أن نصور المطلب ببيان أوضح نقول:

إن القائلين بالتعهد يحاولون أن يفسروا انتقال ذهن السامع من اللفظ إلى المعنى بأنه مبني على أن السامع يعلم بتعهد الواضع المتكلم وهو أن يأتي المتكلم باللفظ متى ما قصد تفهيم المعنى فهو تعهد بقضية شرطية يضم إليها أصالة عقلائية وهي أصالة وفاء العقلاء بتعهداتهم.

وبسبب هذا العلم يعلم السامع بأنه متى ما وجدت ملازمة ببركة هذه القضية الشرطية بين شرطها وجزائها فحينئذ إذا تحقق أحد الطرفين ثبت الطرف الآخر فإذا ثبت الشرط ثبت الجزاء وفقاً لهذه القضية الشرطية.

ومن الواضح أن الطفل في بداية عمره إذا سمع لفظاً مستعملاَ في معنى مرراً متعددة سوف ينتقل ذهن الطفل إلى المعنى من اللفظ من دون حاجة إلى علمه بوجود قضية شرطية وملازمة بين الشرط والجزاء وحينئذ نسأل أصحاب التعهد أن الطفل إذا سمع أمه مرة أو عدة مرات تقول ماء حليب وانتقل ذهن الطفل إلى معنى الماء أو معنى الحليب.

نقول هل الطفل استكشف تعهداً من أمه باستعمال قضية شرطية بأنها متى ما قصدت تفهيم معنى الماء أوردت لفظ الماء ومتى ما قصدت تفهيم معنى الأمومة جاءت بلفظ ماما.

إن قلت أن الطفل يدرك هذه الملازمة وهذه الشرطية وقد علم بأن أمه قد قصدت هذه الملازمة فهذا باطل عاطل بالنسبة إلى الطفل لأن الطفل لا يمكنه أن يستنتج هذه الاستدلالية في المقام وإلا أصبح الطفل عالماَ والطفل جاهل.

وإن قلنا أن الطفل ينتقل ذهنه إلى المعنى مباشرة بمجرد أن يسمع اللفظ من دون علمه بالشرطية ومن دون إدراكه لوجود ملازمة بين الجزاء والشرط بل يكفي حصول الأنس في ذهن الطفل بين اللفظ وبين المعنى.

قلنا إن النكتة كل النكتان في الشيء الذي يوجب الأنس بين اللغو والمعنى هذا هو عملية الوضع وهو مفاد نظرية الشهيد نظرية القرن الأكيد إذا اقترن لفظ بمعنى إما عدة مرات وإما لمرة واحدة لكن في ظرف مؤثر فإنه يحصل الانتقال.

هذا تمام الكلام في مناقشة الشهيد الصدر الثاني لأستاذه السيد الخوئي تحت عنوان الكلمة الثانية وعنوان الكلمة الأولى والثانية الثالثة وردت في التقارير الثلاثة تقرير السيد كاظم الحائري الدورة الأولى وتقرير الشيخ حسن عبد الساتر الدورة الثانية وتقرير الشهيد الصدر الثاني الدورة ملفقة بين الأولى والثانية.

لكن في تقرير أستاذنا السيد محمود الهاشمي لم يكن تحت عنوان كلمة وإنما احتمال احتمالات هذا يؤكد أن هذه التقارير الثلاثة كانت تحرص على نقل كلمات نصّ كلمات الشهيد الصدر وأما أستاذنا السيد محمود الهاشمي فبعض الدورة لم يحضره لأنه سجن أيام صدام وفرّ بعد خروجه من السجن فرّ إلى إيران فأخذ الملزمات من بعض زملائه وأكمل الدورة.

نعم طبع الجزء أول ما طبع الجزء السابع تعارض الأدلة ثم طبع الجزء الأول مباحث الألفاظ في حياة أستاذ الشهيد الصدر في النجف أما باقي الدورة من المجلد الثاني إلى السادس طبع فيه إيران بعد استقراره.

مناقشة الشهيد الصدر الثاني علي الشيهد الصدر الأول

الشهيد الصدر الثاني جاء بمناقشة حلوة يقول اعترضت على سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الأول وقلت له نحن لا نلتزم أن الطفل يلتفت إلى هذه العملية استدلالية ويقوم باستدلال وتعهد ولكن هذا معنى مركوز في الطفل ويكفي أن يكون المعنى ارتكازي.

فالطفل عنده بعض عن المعاني الارتكازية التي قد لا يفقه معناها لكنها مركوزة في ذهنه.

ورد عليه الشهيد الصدر الأول بأن هذا المعنى ليس من هذا القبيل.

يعني لو سلمنا أن الطفل عنده ارتكاز لكن هذا الارتكاز ليس من قبيل الاستدلال فرد الشهيد الصدر الأول على الشهيد الصدر الثاني بأن ما تدعيه من ارتكاز موجود في ذهن الطفل إنما هو ليس من قبيل الاستدلال وما يراه السيد الخوئي من نظرية التعهد إنما هو استدلال والتفات إلى هذا الاستدلال والعلم بالشرطية.

ثم الشهيد الصدر الثاني ـ رحمه الله ـ فرع حسب نظره ومبناه وقال:

لكي يكون الأمر ارتكازياً أو يكون الاستدلال ارتكازياً لا بد من يكون وأن تكون جميع المقدمات ارتكازية وأما لو كانت إحدى المقدمات ارتكازية والأخرى ليست ارتكازية فإن النتيجة تكون تابعة لأخس المقدمتين فسيكون الاستدلال ليس ارتكازياً.

ثم ناقش في الصغرى والكبرى وقال إن الصغرى هي الشرطية إذا قصد تفهيم معناه قصد إيراد اللفظ وجاء بمحاولتين قد يفهم منها أن هذه الشرطية وإن كانت استدلالاً إلا أنها أمر ارتكازي، لكن الكبرى وهي أصالة وفاء العقلاء بتعهداتهم ليست ارتكازية وإنما تحتاج إلى استدلال لأنها تحتاج إلى تتبع محاورات العقلاء للوصول إلى هذه يقينية وهي أن الأصل بالعاقل أنه يفي بتعهده.

فتكون النتيجة لو تنزلنا وسلمنا أن الصغرى وهي الشرطية ارتكازيه فإننا لا نسلم أن الكبرى ارتكازية وهي أصالة وفاء العقلاء بتعهداتهم.

فإذا كانت الكبرى غير ارتكازية كانت النتيجة إن هذا ليس ارتكازيه فإنه وإن كانت الصغرى الشرطية ارتكازية إلا أن الكبرى ليست ارتكازية.

هذا اليوم كلام الشهيد الصدر ولا بأس بقراءته لما فيه من فائدة محاضرات في علم أصول الفهم تقرير الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر لدروس الشهيد السيد محمد صفحة مئة وثمانية وستين ومئة وتسعة وستين حاشية رقم واحد يعلق الشهيد الصدر الثاني أقول:

فإن قلت أن الاستدلال يحصل في نفس الطفل ارتكازاً وذلك على غرار حكمه بحرارة كل نار بعد ملامسته النار لأول مرة.

والدليل على أنه حكم بذلك هو خوفه بعد ذلك من كل نوع ومثال ذلك على صعيد الكبار استدلال العامي على وجود الله تعالى وعلى النبوة ونحوها فإن الاستدلال موجود في نفسه وإن عجز عن الإعراب عنه بواسطة الكلام.

وذلك بدليل أنه لو لم يكن كذلك لكان مقلداً وبالتالي لم يكن مسلماً، وإذا كان الأمر كذلك فليكن الاستدلال اللغوي من هذا القبيل.

كما يقول الشهيد الصدر الثاني وقد عرضنا هذا الأمر على السيد ـ دام ظله ـ السيد الشهيد الصدر الأول فأنكر أن يكون هذا من قبيل الاستدلال وإن فرض وجوده في نفس الطفل مثال النار ونحوه مع خلاصة الشهيد الصدر.

توجد أمور ارتكازية في ذهن الطفل مثل أنه إذا لسع بحرارة النار يدرك أن النار فيها حرارة لكننا لا نسلم هذا استدلال هذا ليس من قبيل الاستدلال.

ثم يعلق الشهيد الصدر الثاني يقول إلا أن الجواب الأوسع عن ذلك هو إنكار أن تكون مقدمات بعض هذا الاستدلال ارتكازية يعني يفصل يقول بعض المقدمات استدلالية ارتكازية وبعضها استدلالية غير ارتكازية فتكون النتيجة تابعة لأخس المقدمات.

يقول حتى تكون نتيجة المقدمات ارتكازية ويكون الاستدلال ارتكازياً يجب أن تكون المقدمات كلها ارتكازية وأما إذا كانت بعض هذه المقدمات متوقفة على الكسب والتعلم فهو مما لا يحصل لطفل بطبيعة الحال لأنه خلف كونه غير متعلم.

والاستدلال في المقام يتوقف على مقدمات كسبية من قبيل كبرى قاعدة وفاء العقلاء بتعهداتهم فإن لا تعرف إلا بمعاشرة الناس والاطلاع على حال العقلاء مضافاً إلى صغرى التعهد فإنها أيضاً غير مفهومة للطفل تصوراً فضلاً عن التصديق بها.

وقد يجاب عن الصغرى بأن التعهد ارتكازي لدى العالم بالمعنى لأن العلم بالمعنى فرع الوضع وقد سلمنا نتيجة التنزل عن المناقشات السابقة بأن الوضع هو التعهد فيكون الوجود الارتكازي للتعهد ثابتاً بهذا المقدار وهو كاف لإحراز صور القياس الارتكازي.

وهذا الجواب وإن لم يكن بعيداً تكون صغر التعهد ارتكازية.

الحق والإنصاف أنه في غاية البعد، كيف يرتكز ولدينا قضية شرطية إذا قصد تفهيم المرأة ما قصد أصلاً الطفل لا يلتفت إلى قصد أمه الطفل يصير شي مرتكز عنده اقتران بين تصورين تصور اللفظ وتصور المعنى تصور النار وتصور الحرارة هذا المرتكز في ذهن الطفل.

أما الشرطية واقتران الشرط بالجزاء وأخذ في الجزاء الشرط والقصد وهذا مبدأ تصديق أخذ قصد اللفظ وقصد المعنى، الطفل ما يلتفت إلى القصد.

كما لم يستبعد هو الشهيد الصدر الثاني في غاية البعد.

يقول وهذا الجواب وإن لم يكن بعيداً ولكننا حتى لو سلمنا بارتكازية الصغرى فلا يمكن أن نسلم بارتكازية كبرى الوفاء ومعه لا يكون القياس اللغوي ارتكازياً كما ذكر السيد دام ظله.

الكلام المكرر إذا الشهيد الصدر الثاني يرى أن الصغرى قد تكون ارتكازية لكن الكبرى ليس ارتكازية والصحيح ما ذكره الشهيد الصدر الأول كل من الصغرى الكبرى من قبيل الاستدلال وليس ارتكازياً.

فالطفل يوجد في ذهنه أمر ارتكازي ولا يوجد في ذهنه أمر استدلالي والصغرى والكبرى استدلاليان فذهن الطفل بعيداً عنهما.

هذا تمام الكلام في المناقشة الثانية واتضح أنها تامة كما أن المناقشة الأولى تامة يبقى الكلام في المناقشة الثالثة تحت عنوان الكلمة الثالثة الإشكال الدور وهذا أيضاً ورد في محاضرات الفياض تقرير بحث السيد الخوئي المناقشة الثالثة لمسلك التعاهد يأتي هذه الكلام صلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo