< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: ضابط المسألة الأصولية وفقاً لتعريف الشهيد الصدر

 

ضابط القاعدة الأصولية وفقاً لتعريف الشهيد الصدر ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ فقد عرف الشهيد الصدر علم أصول الفقه في عدة مواضع من تقرير الشيخ حسن عبد الساتر وتحديداً في ثلاثة مواضع:

الموضع الأول قال (علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة والتي يستعملها الفقيه أدلةً على الجعل الشرعي)[1] .

الموضع الثاني قال (وعلى هذا الأساس يصح أن يقال بأن علم الأصول هو العلم بالقواعد المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة يعني في القياس الأخير)[2] .

الموضع الثالث قال (إن علم الأصول هو العلم بالقواعد المشتركة الواقعة في القياس الأخير)[3] وعين هذا التعريف قد ورد في تقرير الشهيد الصدر الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر ولكن مع إضافة الاستدلال الفقهي، قال ـ قدس سره ـ هناك (علم الأصول هو العلم بالقواعد المشتركة في القياس الأخير للاستدلال الفقهي)[4] .

إذا هناك عدة عناوين وردت في هذين التعريفين الأخيرين، الجزء الأول صـ 52 و صـ 59 من تقرير الشيخ حسن عبد الساتر، وج1 محاضرات في علم أصول الفقه، ج1 صـ 103 للشهيد الصدر الثاني.

وردت مفردة القواعد المشتركة ووردت مفردة القياس الأخير، مفردة القياس الأخير لم ترد في تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ولم ترد في حلقات الشهيد الصدر الثلاثة (الأولى والثانية والثالثة) إذاً ما سنبحثه اليوم من ضابط للقاعدة الأصولية سيكون وفقاً لـ التعريف الأخير المذكور في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر وتقرير الشهيد الصدر الثاني وتقرير السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ .

وقد ذكر الشهيد الصدر الثاني والشيخ حسن عبد الساتر قيدين وأمرين في ضابطة القاعدة الأصولية إلا أن السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ ذكر ثلاثة قيود للقاعدة الأصولية وسيتضح أن هذا القيد الثالث الذي عنونه السيد كاظم الحائري بالقيد الثاني وهو كون القاعدة سياله في جميع أبواب الفقه هي قيد إضافي وتوضيحي للقيد الأول كون القاعدة مشتركة.

إذاً بحث اليوم يريد الشهيد الصدر فيه أن يبين القيود والأمور والمأخوذة في ضابطة علم الأصول والسرّ في هذا البحث نكته قانونية وإداريه مفادها: إن القوانين توضع على نهج القضية الحقيقة لا على نهج القضية الخارجية فإذا أردت أن تشرع قانوناً فعليك أن تضع القانون وفق الموضوع المفترض الوجود والمقدر الوجود لا الموضوع المتحقق الوجود وهذه مشكلة الكثير من المؤسسات الشخصية فإنها تضع القانون وتفصله وفقاً لملابس الأفراد والأشخاص القائمين على تلك المؤسسات والمراكز فإذا أردت أن تكتب دستور لدولة فعليك أن تضع القانون وفقاً للموضوع المفترض والمقدر الوجود على نهج القضية الحقيقية، لا أن تضع القانون على وفق الموضوع المتحقق الوجود على نهج القضية الخارجية.

والشهيد الصدر الأول ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ يلحظ في التعاريف السابقة والمحاولات السابقة للميرزا النائيني الذي أضاف قيد الكبروية والسيد الخوئي الذي جاء بضابطة أن لا تحتاج المسألة الأصولية إلى مسألة أصولية أخرى سواء كانت كبرى أو صغرى أو محاولة المحقق العراقي الذي قال إن المسألة الأصولية هي التي تثبت بنفسها الحكم أو خصوصياته كتعلق الحكم بموضوعه.

الشهيد الصدر يقول هذه المحاولات هي عبارة عن وضع للقانون على نهج القضية الخارجية، يعني لاحظوا المسائل الأصولية الموجودة ثم حاولوا أن يستخرجوا النكته والضابطة ويدعي الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ أن التعريف الذي جاء به والضابطة التي جاء بها هي ضابطة تصلح حتى ولو لم يكن موجود علم أصول وأردنا أن نؤسس الآن علم أصول فما هي النكتة أو الضابطة، تتمثل في قيدين أو ثلاثة.

وهناك تعبير للشهيد الصدر يبدو قاله في درسه لأن هذا موجود في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر وتقرير الصدر الثاني وتقرير السيد كاظم الحائري، يقول هكذا (وهذه كلها تجشمات من أجل تحصيل الجامع المانع لتصحيح كلمات الأصوليين في المقام)[5] قبلها يقول هكذا (وبحسب الحقيقة إن هذا الضابط الذي ذكرناه ليس مجرد عنوان منتزع من الأبحاث الواقعة في علم الأصول خارجاً) [6] يعني ليست بنحو القضية الخارجية بل بنهج القضية الحقيقية، بحيث رأينا الأبحاث الواقعة وفكرنا أنه ما هو الجامع المانع بين هذه المقدمات الواقعة؟ فاخترعنا هذا الجامع المانع كما هو الحال في الضوابط السابقة التي كانت تقول بأن القاعدة الأصولية ما كانت بمفردها تكفي للاستنباط ـ هذا رأي السيد الخوئي ـ أو كانت ناظرة بلسانها إلى الحكم الشرعي ـ هذا رأي المحقق العراقي ـ يقول (وهذه كلها تجشمات من أجل تحصيل الجامع المانع لتصحيح كلمات الأصوليين في المقام). [7]

إذاً بحثنا اليوم بحث مهم جداً ضابطة علم الأصول يقول الشهيد الصدر الأول ـ رحمه الله ـ إن الضابطة في القواعد الأصولية هو اجتماع أمرين:

الأمر الأول أن تكون القاعدة واقعة في القياس الأخير للاستدلال الفقهي، بمعنى أنها صالحة للوقوع لا أنها واقعة بالفعل، بمعنى أنها صالحة للوقوع يعني يشير هذه الضابطة بنحو القضية الحقيقية وليست بنحو القضية الخارجية حتى نقول هي وقعت بالفعل وجئنا لاستخراج هذه الضابطة.

الأمر الثاني أن المقدمة الأصولية هي التي تكون مشتركة بمعنى أنها قد أخذت لا بشرط من حيث المادة، والمراد بالمادة فعل المكلف كالصلاة والصوم والحج والخمس يعني المواد التي تتعلق بها التكاليف الشرعية.

فمجموع هذين الأمرين وهما أولاً أن تكون القاعدة مشتركة ولا بشرط وثانياً أن تقع في خصوص القياس الأخير في الاستدلال والاستنباط الفقهي هذه الضابطة المؤلفة من مجموع الأمرين تنطبق على جميع مباحث علم الأصول المتعارفة.

فمثلاً مباحث الحجج والأصول العملية كلها تقع كبيريات في القياس الأخير وهي أيضاً مقدمات مشتركة وليست مقدمات مادية مختصة بمادة دون مادة، وهكذا أبحاث الظواهر حجية الظهور وغيرها وهكذا أيضاً ظاهر الأمر والوجوب وظاهر النهي التعريف أيضاً كلها تقع صغريات في القياس الأخير للاستنباط وهي أيضاً مقدمات مشتركة وليست مقدمات مادية.

وهكذا بحث الملازمات العقلية أيضاً تقع في القياس الأخير لأنها تنفي الحكم أو تثبت الحكم وهي أيضاً مقدمات غير مادية لا تختص بمادة دون مادة إذاً كل أبحاث علم الأصول واجدة لهذين الشرطين، الشرط الأول أنها مقدمة مشتركة في الاستنباط الفقهي والشرط الثاني أن تقع هذه المقدمة في خصوص القياس الأخير من الاستنباط بهذين القيدين سنخرج أمور خمسة بل ستة.

أما قيد قواعد مشتركة أي لا بشرط من ناحية المادة، فنخرج بها ثلاثة أمور:

الأمر الأول المسائل اللغوية كظهور كلمة الصعيد.

الأمر الثاني القواعد الرجالية فإنها ناظرة إلى مادة معينة.

الأمر الثالث علم الحديث والروايات فإنها ناظرة إلى مادة معينة.

وأما القيد الثاني وهو أن تقع المقدمة في القياس الأخير للاستنباط فبهذا القيد نخرج ثلاثة أمور:

الأمر الأول علم المنطق فإنه لا يقع في القياس الأخير بل في القياس السابق على الأخير أو في الأقيسة السابقة وهو من مبادئ المبادئ أو من مبادئ مبادئ المبادئ.

الأمر الثاني علم الرجال فإنه وثاقة زرارة وعدم وثاقة البطائني لا تقع في القياس الأخير للاستنباط أو الاستدلال الفقهي بل تقع في القياس السابق.

الأمر الثالث حجية القطع، فحجية القطع نحن نحتاجها في علم الأصول وفي جميع مسائل علم الأصول بل في جميع العلوم، فحجية القطع من مبادئ جميع العلوم وليست مسألة مختصة بخصوص علم الأصول، إذ من الواضح أنه كلما ازداد الفاصل عن العلم وتتبعنا الأصول الأولية للمبادئ وصلنا إلى دوائر أوسع من هذا العلم، ولا يراد بمبادئ العلم جميع المبادئ التي يتوقف عليها العلم حتى لو كانت مشتركة بين جميع العلوم بل المراد بمبادئ العلم خصوص المبادئ الخاصة بالعلم والمؤثرة في ذلك العلم بخصوصه، فعلم المنطق من مبادئ جميع العلوم وحجية القطع من مبادئ جميع العلوم ولا يقال إن علم المنطق من مبادئ علم الأصول، أو حجية القطع من مبادئ علم الأصول فيراد بالمبادئ يعني خصوص المبادئ الخاصة والمؤثرة في علم الأصول لا مبادئ المبادئ يا مبادئ مبادئ المبادئ.

وبتعبير أدق: علم المنطق وحجية القطع ليسا من مسائل علم الأصول وليسا من مسائل سائر العلوم ولكنهما يقعا في مبادئ أو مبادئ مبادئ العلوم المختلفة.

إذاً علم المنطق حجية القطع يحسن أن يكتبا في أصول تلك العلوم لا في أصول ذلك العلم الخاص، إذاً حينما نقول هذه مبادئ أصول الفقه أو مسائل علم أصول الفقه نقصد المبادئ التصديقية لتلك الصنعة بالخصوص وهي علم الأصول لا المبادئ ومبادئ المبادئ وهكذا هذا تمام الكلام بالنسبة إلى هذا القيد، وجعله الشرط الأول أن تكون المقدمة واقعة في القياس الأخير للاستنباط يعني من مسائل نفس العلم لا مبادئ مبادئ العلم.

أما الضابط الثاني وهو كون القاعدة مشتركة أي اللابشرط فقلنا اللابشرط إما أن تكون بشرط شيء من ناحية نوع الحكم أو تكون أيضاً لا بشرط.

أقسام اللابشرط

إذاً اللابشرط على نحوين على قسمين:

القسم الأول المقدمة تكون لا بشرط من جهة المادة ولا بشرط أيضاً من جهة نوع الحكم، مثل الاستصحاب الاستصحاب لا بشرط من ناحية المادة ولا بشرط من ناحية الحكم هذا القسم الأول.

القسم الثاني لا بشرط من ناحية المادة ولكن بشرط شيء من جهة نوع الحكم مثل دلالة صيغة الأمر على الوجوب ودلالة صيغة النهي على التحريم.

فإن صيغة الأمر لا بشرط من ناحية المادة وجوب أي شيء الصلاة أو الصوم، ولكنه بشرط شيء من جهة نوعية الحكم خصوص الحكم الوجوبي، دلالة النهي على التحريم لا بشرط من ناحية المادة وبشرط شيء من ناحية الحكم، والملاك كل الملاك في ضابط المسألة الأصولية كونها لا بشرط من جهة المادة، سواء كانت لا بشرط أيضاً من جهة نوع الحكم أو بشرط شيء من جهة الحكم.

ولكن في هذا المورد الثاني لا بشرط من جهة المادة وبشرط شيء من جهة الحكم يشترط أن يكون هذا الحكم سيالاً في جميع أبواب الفقه وبذلك نخرج قاعدة أن الدليل الدال على مطهرية شيء يدل على طهارته.

فإنها لا بشرط من ناحية المادة ولكن بشرط شيء من ناحية الطهارة ولكن هناك خصوصية هي خاصة بخصوص كتاب الطهارة ولا تجري في كتاب التجارة أو الصلاة وبذلك نخرج بعض القواعد الفقهية.

إذاً بعض القواعد الفقهية تخرج لأنها بشرط شيء من جهة المادة وبعض القواعد الفقهية تخرج لأنها مختصة وغير سيالة هذا كله وفق تقرير الشيخ حسن عبد الساتر والسيد كاظم الحائري والشهيد السيد الصدر الثاني ـ رضوان الله عليه ـ هناك تخريج الشهيد الصدر الأول في تقرير السيد محمود القواعد الفقهية سيأتي إن شاء الله بحثه.

طبعاً السيد كاظم الحائري ـ حفظه الله ـ ذكر هذا أن تكون سيالة في جميع أبواب الفقه ذكر هذا كـ قيد ثاني، يعني السيد كاظم الحائري وهذا القيد الثاني هو ملحق لهذا القيد الأول يعني الشرط الأول الذي ذكره أن تكون لا بشرط من جهة المادة،

القيد الثاني الذي ذكره قال أن تكون سياله في جميع أبواب الفقه، هذا القيد الثاني أن تكون سياله هذا موجود ضمن القيد الأول فالقيد الأول فيه تفصيل إذا كانت هذه القاعدة لا بشرط من جهة المادة إما أيضاً لا بشرط من جهة نوع الحكم وإما بشرط شيء من جهة نوع الحكم وإذا بشرط شيء من جهة نوع الحكم يشترط أن يكون سيالاً.

والقيد الثالث الذي ذكره أن تقع في الاستدلال الأخير، إذاً كلام الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ حسب دعواه تامٌ وصحيح ثبوتاً وإثباتاً، أما ثبوتاً فلأنه يعني أنه هو في نفسه ينبغي أن يؤسس في أساسه علم الأصول يعني هو النكته التي تؤسس علم الأصول فلو أردنا أن نؤسس علم الأصول من جديد فهذه نكته تكون جميع المسائل أولاً لا بشرط من جهة المادة وثانياً تقع في القياس الأخير للاستنباط واستدلال.

والقيد الثاني وإما إثباتاً فإن هذه الضابطة منطبقة على عمل جميع الأصولين كعمل الحاجبي والعضدي من أصولي العامة وغيرهم من أصولي الشيعة الإمامية.

إلى هنا اتضح أن حجية القطع ليست مسألة أصولية لأنها لا تقع في القياس الأخير للاستنباط وإنما تكون قبل ذلك هذا تمام الكلام في بيان الضابطة الأصولية وفق لتعريف الشهيد الصدر في تقريراته الثلاثة الشيخ حسن عبد الساتر والسيد كاظم الحائري والشهيد الصدر الثاني.

يبقى الكلام في بيان خصوصيات تعريف الشهيد الصدر والإشكالات الواردة عليه، هذه الخصوصيات ذكرها السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ـ رحمه الله ـ ذكر أربع خصوصيات، وذكر فهرسة بحيث يشمل هذا التعريف خمسة أقسام، غداً إن بقينا أحياء نتطرق إلى الخصوصيات الأربعة لتعريف الشهيد الصدر في تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي وخمسة أقسام وإذا اتسع المجال سنتطرق إلى خمسة إيرادات على تعريف الشهيد الصدر ثم بعد ذلك نتطرق إلى تعريف السيد الإمام في الدروس المقبلة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.


[4] ج1، صـ 3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo