< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

44/03/22

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: بيان التعاريف المختلفة وفقاً لما أفاده الشهيد الصدر وشرحها

 

تعريف علم الأصول وفقاً لما توصل له المرجع الديني الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر ـ رضوان الله عليه ـ ويقع الكلام في ثلاث جهات:

الجهة الأولى في بيان تعريفاته المختلفة.

الجهة الثانية في شرح هذه التعريفات وبيان النكات العلمية وضوابط المسألة الأصولية التي وردت فيها.

الجهة الثالثة مناقشة تعريف الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ

وبعد ذلك نتطرق بعد بضع دروس إلى رأي السيد الإمام الخميني ـ رحمه الله ـ في تعريف علم الأصول وبذلك ستحصل المقارنة في تعريف علم الأصول بين آراء الأعلام الثلاثة: الشهيد الصدر الذي نعتبر الدرس متنه متن الدرس هو تقريرات الشيخ حسن عبد الساتر والحواشي محاضرات في أصول الفقه للسيد الخوئي وتهذيب الأصول وجواهر الأصول للسيد الإمام الخميني.

الشهيد الصدر ـ أعلى الله في الخلد مقامه ـ ذكر في عدة مواضع تعريف علم الأصول واختلفت بعض التعبيرات هنا وهناك ولكنها كلها ترجع إلى محصلٍ واحد ومحلٍ فارد، فلنذكر نصّ عباراته المختلفة والمهم هو التعريف الذي توصل إليه في أواخر حياته المباركة، وقد عبر في بداية التعريف عن الأصول بأنه العلم بـ (العناصر المشتركة) بينما عبر في دورة الأولى وكتبه القديمة بأنه العلم بـ (القواعد المشتركة).

والأصح والأدق هو التعبير بـ (القواعد) لا (العناصر) كما سيأتي في مناقشة تعريفه لعلم الأصول ـ قدس الله نفسه الزكية ـ .

ولنبدأ بالمتأخر ثم المتقدم طبعاً عبر بالقواعد في موردين في تقرير الشهيد الصدر الثاني السيد محمد محمد صادق الصدر وفي تقرير السيد كاظم الحائري وأما بقية الكتب فقد عبر بالعناصر المشتركة.

التعريف الأول قال الشهيد الصدر ما نصّه (علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة والتي يستعملها الفقيه أدلةً على الجعل الشرعي)[1] وهنا استبدل الشهيد الصدر مفردة القواعد الواردة في تعريف المشهور بمفردة العناصر واستبدل مفردة الاستنباط الواردة في تعريف المشهور بمفردة الاستدلال، المشهور هكذا عرفوا علم الأصول (العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي) الشهيد الصدر قال (العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة والذي يستعملها الفقيه أدلة على الجعل الشرعي) هذا تعريف الشهيد الصدر كما ورد في تقرير الشيخ حسن عبد الساتر وهو تقرير الدورة الثانية والأخيرة للشهيد الصدر.

وأما التعريف الثاني قال ما نصّه (علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليلٍ على الجعل الشرعي الكلي)[2] والفارق بين التعريفين هو إضافة صفة الكلي إلى الجعل الشرعي، في دورة وتقرير الشيخ عبد الساتر (علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة والتي يستعملها الفقيه أدلةً على الجعل الشرعي) في تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة التي يستعملها الفقيه كدليلٍ على الجعل الشرعي الكلي) (التي) أما في تقرير عبد الساتر (والتي) إذاً الفارق بين التقريرين الواو وإضافة صفة الكلي، إذاً التعريفان متطابقان.

وهذا مطابق لما كتبه بقلمه الشريف الشهيد الصدر، إذ أنه كتب الحلقة الأولى والثانية والثالثة وهذه نكته مهمة في معرفة آراء الأعلام إذا تعارض المكتوب والمقرر يرجح المكتوب، فمثلاً المحقق العراقي كتب مقالات الأصول وقرر بحثه الشيخ البروجردي في نهاية الأفكار، فإذا تعارض المكتوب في المقالات مع المقرر في نهاية الأفكار فالمقدم ما هو مكتوب في المقالات، إلا إذا ثبت أن المقرر متأخر عن المكتوب، ومن الواضح أن الشهيد الصدر كتب الحلقات الثلاث بعد الدورة الأولى وأثناء الدورة الثانية، والمعتبر هو المجلد الأول والسابع من تقرير السيد محمود الهاشمي الشاهردوي لأنه طبع في حياة الشهيد الصدر وبتقريضه، ثم بعد ذلك تقرير الشيخ حسن عبد الساتر الذي قرضه الشهيد الصدر ولكنه طبع بعد استشهاد الشهيد الصدر بسنين، إذاً المعتبر وفي الدرجة الأولى ما كتبه الشهيد الصدر بنفسه في الحلقات الثلاث ثم المجلد الأول والسابع من تقرير السيد محمود أما باقي الأجزاء طبعت بعد استشهاد الشهيد الصدر، ثم تقرير الشيخ حسن عبد الساتر.

التعريف الأول للشهيد في تقريرات الشيخ عبد الساتر، التعريف الثاني للشهيد الصدر في تقريرات السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، التعريف الثالث هو ما ذكره في الحلقة الأولى من دروس في علم الأصول صياغة جديدة وهذا صياغة السيد محمود الشاهرودي والذي صاغ دروس في علم الأصول وفق ترتيب الكفاية يقول لأنه الشهيد الصدر جاء بترتيب جديد في الحلقات الثالث ـ السيد محمود في جلسه خاصة قال لي هذا الكلام ـ وقال الطلبة متعودين على كفاية الأصول فنحن نفس ونصّ كلمات الشهيد من دون أن نتصرف فيها ولكن قدمنا وأخرنا بحيث جعلنا ترتيب الحلقة الأولى والثانية والثالثة وفقاً لترتيب الكفاية، طبعها تحت عنوان دروس في علم الأصول صياغة جديدة.

التعريف الثالث قال الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ (نرى أن يعرف علم الأصول بأنه العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي)[3] هنا احتفظ بعنوان العناصر وعنوان الاستنباط الواردة في تعريف المشهور ولم يبدله بالاستدلال.

التعريف الرابع[4] قال ـ قدس سره ـ ما نصّه (يعرف علم الأصول عادة بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الحكم الشرعي)[5] هنا ذكر تعريف المشهور ثم في الأخير آخر سطر قال ما نصّه (ولهذا كان الأولى بتعريف علم الأصول بأنه العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط)[6] .

إذاً في تعريف الحلقة الأولى والثاني استبدل مفردة القواعد بمفردة العناصر في تعريف المشهور، ولكنه أبقى على مفردة عملية الاستنباط الواردة في تعريف المشهور.

التعريف الخامس قال (والأصح في التعريف أن يقال علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة لاستنباط جعلٍ شرعي)[7] هنا أيضاً استبدل القواعد بمفردة العناصر ولكنه أبقى مفردة الاستنباط في تعريف المشهور إلا أنه استبدل الحكم الشرعي بمفردة جعل شرعي ـ هذا كله يفيدنا فيما بعد في المناقشة ـ .

التعريف السادس قال ما نصّه (وأما التعريف المختار لعلم الأصول فهو أن يقال أن علم الأصول هو العلم بالقواعد المشتركة في القياس الاستدلالي الفقهي)[8] وهنا أبقى مفردة القواعد الواردة في تعريف المشهور واستبدل مفردة الاستنباط بمفردة القياس الاستدلالي الفقهي.

التعريف السابع والأخير قال (فنقول يمكن أن يعرف علم الأصول بأنه العلم بالقواعد المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة)[9] فهنا أبقى مفردة القواعد الواردة في تعريف المشهور ولم يستبدلها بمفردة العناصر المشتركة كما في التقارير المتأخرة وفيما كتبه، كما أنه استبدل مفردة الاستنباط الواردة في تعريف المشهور بمفردة الاستدلال الفقهي ولكنه لم يذكر مفردة الحكم الشرعي أو الجعل الشرعي أو الجعل الكلي.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى وهي بيان التعريفات السبعة التي كتب بعضها الشهيد الصدر وهي ثلاثة في الحلقات الثلاث ونقل أربعة منها في التقريرات الأربعة، وعمدة بحثنا هو ما ذكره الشيخ حسن عبد الساتر في التقرير الثاني والدورة الأخيرة للشهيد الصدر، قال (علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في الاستدلال الفقهي خاصة والذي يستعملها الفقيه أدلة على الجعل الشرعي) إلى هنا تم الكلام في الجهة الأولى.

وأما الجهة الثانية توضيح مفردات التعريف وبيان النكات العلمية الواردة فيها ثم تعميقها إن شاء الله في الدرس القادم ببيان الضابطة الأصولية الواردة في تعريف الشهيد الصدر وهو تعريف عميق ولكنه مبتلى بإيرادات والكمال لله وحده.

توضيح التعريف:

إن نسبة علم الأصول إلى علم الفقه كنسبة علم المنطق إلى سائر العلوم، فكما أن المنطق من العلوم الآلية كذلك علم الأصول من العلوم الآلية أي العلوم التي تطلب لغيرها ولا تطلب لذاتها فالقياس من الشكل الأول في علم المنطق قاعدة مشتركة في جميع العلوم فجميع العلوم تتكئ على عكاز وهو القياس من الشكل الأول الذي فيما بعد يرجع إلى البديهيات.

إذا المنطق آلة لجميع العلوم ومقدمة لها، وكذلك علم أصول الفقه آلة لعلم الفقه الإسلامي ومقدمة له.

سؤال: ما هو الشيء المشترك بين علم المنطق وعلم الأصول؟

الجواب: عنوان اللابشرط من حيث المادة ـ لاحظ المبحث دقيق وعميق ـ فعلم المنطق يزود جميع العلوم بالقياس من الشكل الأول المؤلف من صغرى وكبرى ولا يزود العلوم بمواد القياس بل كل علمٍ له مواده الخاصة فعلم الكيمياء مادته الحديد والرصاص والمعادن، والرياضيات مادته الحسابات والأرقام وهكذا علم الفقه مادته المسائل الفقيه، إذاً علم المنطق هو اللابشرط من ناحية المادة بالنسبة إلى سائر العلوم أي أن علم المنطق يزود سائر العلوم بشكل القياس دون مادة القياس، فعلم المنطق لا بشرط من جهة المادة وهكذا علم الأصول فهو لا بشرط من جهة المادة الفقهية.

فمثلاً كبرى حجية خبر الثقة هذه مسألة أصولية، كبرى حجية الظهور هذه مسألة أصولية، (دلالة الأمر على الوجوب ودلالة النهي على التحريم) هاتان مسألتان أصوليتان لكنها غير ناظرة إلى المادة، المادة مأخوذة من علم الفقه، (أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنى) فالنهي عن مادة الزنى والأمر بمادة الصلاة يأخذ من علم الفقه.

إذاً نسبة المنطق إلى سائر العلوم هي نسبة اللابشرط من ناحية المادة، ونسبة أصول الفقه إلى علم الفقه هي نسبة اللابشرط من جهة المادة الفقهية.

سؤال: من يفترق علم الأصول عن علم المنطق؟

الجواب: يفترقان هو أن اللابشرط المنطقية هي لمطلق العلوم بينما اللابشرط الأصولية مقيدة بخصوص المادة الفقهية.

إلى هنا نقحنا هذا الأمر وهو أن القواعد الأصولية لا بشرط من ناحية المادة الفقهية فهي عناصر مشتركة وليست عناصر خاصة لو كانت بشرط شيء من جهة المادة لكانت قواعد فقهية.

قال الشهيد الصدر ما نصّه (فالحاصل إن هناك قواعد مشتركة بين جميع الاستدلالات العلمية لأنها مأخوذة لا بشرط من حيث المادة وهناك قواعد يتميز بها كل علمٍ عن الآخر لأنها مأخوذة بشرط شيء من حيث المادة)[10] إلى هنا عرفنا أن النقطة المشتركة بين علم الأصول وبين علم المنطق هو اللابشرط من جهة المادة، ويقع الكلام في الاستدلال الفقهي لكي نفرق بينه وبين الاستدلال الأصولي، فقد عرفنا أن الاستدلال الأصولي لا بشرط من ناحية المادة

سؤال فهل الاستدلال الفقهي أيضاً لا بشرط من ناحية المادة أم لا؟

الجواب الاستدلال الفقهي فيه جهتان:

الجهة الأولى قواعد مشتركة أخذت لا بشرط من حيث المادة.

الجهة الثانية قواعد أخذت بشرط شيء من حيث المادة.

فمثلاً حجية خبر الواحد من مقدمات الاستنباط وهي مسألة أصولية لا بشرط من جهة المادة لكن رواية زرارة الدلالة على وجوب السورة مثلاً أو استحباب الإقامة هي بشرط شيء من ناحية المادة يعني بشرط خصوص مادة استحباب الإقامة أو خصوصة مادة وجوب السورة.

إذاً عندنا مقدمتان للاستنباط: الأولى حجية خبر الثقة وهي لا بشرط من جهة المادة، الثانية رواية زرارة وهي بشرط شيء من جهة المادة، يعني رواية زرارة في خصوص وجوب السورة أو خصوص ثبوت الهلال بالرؤية المجردة أو في خصوص استحباب الإقامة في الصلاة، لكن حجية خبر الثقة من القواعد المشتركة وهي لا بشرط من جهة المادة.

سؤال: لماذا حجية خبر الثقة من العناصر المشتركة؟

النكتة في ذلك أنها لا بشرط من جهة المادة، بينما خبر زرارة في خصوص وجوب السورة عنصرٌ خاص وليس عنصراً مشتركاً والسرّ في ذلك أنه بشرط شيء من جهة وجوب السورة أو استحباب الإقامة، فرواية زرارة في وجوب السورة هذه من المقدمات المادية التي تشير إلى مادة بخصوصها وهو وجوب السورة وقد أخذت بشرط شيء.

وبهذا يتميز علم الحديث عن غيره لأنه ناظر لمواد خاصة، يعني علم الحديث بشرط شيء، وثاقة الرواة بشرط شيء ناظرة إلى راوي خاص، فكل مقدمة كانت دخيلة في الاستنباط وكانت مأخوذة على نحو اللابشرط من جهة المادة فهي مقدمة أصولية إذا استعنا بها في الاستنباط، وكل مقدمة أخذت بشرط شيء من جهة المادة فهي مقدمة أجنبية عن علم الأصول.

وبالتالي لتحقيق وتنقيح هذه النكته وهي أن المسألة الأصولية هي لا بشرط من جهة المادة وما عداها في الاستدلال الفقهي في المسائل الرجالية والمسائل الفقهي هي بشرط شيء من جهة المادة لكي ننقح هذا الموضوع بدقة وعمق سنتكلم في مقامين:

المقام الأول شمولية التعريف لك مسائل علم الأصول، أي حيثية الجامعية.

المقام الثاني عدم شمولية التعريف لغير المسائل الأصولية، أي حيثية المانعية.

فإذا اتضح أن تعريف الشهيد الصدر جامع لجميع مسائل علم الأصول ومانع لأغيار علم الأصول من الدخول في تعريف علم الأصول سيتضح الضابط للقاعدة الأصولية، الضابط للقاعدة الأصولية وفقاً لتعريف الشهيد الصدر يأتي عليه الكلام، وصلى الله على محمدٍ وآله الكرام.

 


[9] تقرير الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر، محاضرات في علم أصول الفقه، ج1، صـ 98، تحت عنوان التعريف المختار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo