< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

39/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الكلام في الجهة الأولى والثانية

من المقام الأول (حرمة التجري)

 

قال السيد الخوئي في مصباح الأصول[1] أما الكلام في الجهة الأولى فهو أنه قد يقال بحرمة الفعل المتجرى به.

كان الكلام في بحث التجري قلنا إن السيد الخوئي "رحمه الله" قسّم الكلام في بحث التجري الى مقامين:

المقام الأول في البحث عن حرمة الفعل المتجرى به وعدمها.

المقام الثاني في البحث عن أن التجري هل يوجب استحقاق العقاب من جهة كونه هتكاً لحرمة المولى أو لا؟ والمقام الثاني ذكر فيه جهتين:

الجهة الأولى البحث عن حرمة التجري بنفس ملاك الحرام الواقعي أي بنفس إطلاقات أدلة الأحكام الأولية.

والجهة الثانية البحث عن حرمة فعل المتجرى به لا بملاك الحكم الواقعي ـ يعني الحكم الأولي ـ وإنما بحكم ثانوي وهو ملاك التمرد على المولى.

إذاً السيد الخوئي "رحمه الله" تناول بحث التجري في مقامين وفي المقام الأول تطرق الى جهتين، لكن الصحيح في المنهجية وفي منهجية بحث التجري أن يتناول بحث التجري من ثلاث جهات أو ثلاث مقامات:

المقام الأول البحث في قبح التجري، هل التجري قبيح أو لا؟

البحث الثاني استحقاق العقاب عقلاً على التجري.

البحث الثالث حرمة التجري شرعاً.

من الناحية المنهجية ومن الناحية المنطقية لابد من التفكيك بين هذه المقامات الثلاثة أو الجهات الثلاثة لكننا نلاحظ أن السيد الخوئي "رحمه الله" لم يبحث النقطة الأولى، التجري قبيح أو لا لم يبحثه، رأساً بحث حرمة التجري وفي بحثه لحرمة التجري لم يفصل بحث استحقاق العقاب عقلاً وبحث حرمة التجري شرعاً، إلا أن شهيد العصر السيد محمد باقر الصدر "رضوان الله عليه" في تقريره بحوث في علم الأصول للسيد محمود الهاشمي الشاهرودي فرّق بين هذه المقامات الثلاثة.

في الجزء الرابع صفحة 36 بحث قبح التجري وفي صفحة 53 بحث العقوبة على التجري عقلاً وفي صفحة 55 بحث حرمة التجري شرعاً، إذاً هذه مقامات ثلاثة لابد من بحثها وبما أن بحثنا مبني على الاختصار حتى لا نتوسع كثيراً في مصباح الأصول نقتصر على فهرسة الأبحاث والمبنى المختار ثم نقرر كلام السيد الخوئي "رحمه الله".

أما بالنسبة الى النقطة الأولى وهي البحث عن قبح التجري هل التجري قبيح أو ليس بقبيح؟ توجد فيه أقوال ثلاثة أشار اليها الشيخ محمد اسحاق الفياض في كتابه المباحث الأصولية[2] ، والشيخ الفياض في اشارته كان تابعاً للسيد الشهيد الصدر في بحوث في علم الأصول.پ [3]

المبنى الأول ـ أو القول الأول ـ للشيخ الأعظم الأنصاري في فرائد الأصول[4] الشيخ الأنصاري يرى أن التجري ليس قبيحاً، لكنه يكشف عن سوء سريرة المتجري وخبث باطنه، إذاً الشيخ الأنصاري لا يرى التجري قبيحاً فضلاً عن حرمته أو استحقاق العقاب عليه لا تصل النوبة الى المقام الثاني أو المقام الثالث استحقاق العقوبة عقلاً وحرمة التجري شرعاً، هذا هو القول الأول.

القول الثاني للمحقق النائيني في أجود التقريرات [5] الميرزا النائيني فرّق بين القبح الفعلي وبين القبح الفاعلي، فقال في التجري لا يوجد قبح فعلي لكن يوجد قبح فاعلي يعني الفعل المتجرى به ليس قبيحاً لكن فاعل الفعل يعني المتجري قبيح لكن الفعل المتجرى ليس قبيح هذا القول الثاني.

القول الثالث للسيد الشهيد الصدر "رضوان الله عليه" بحوث في علم الأصول،[6] يرى الشهيد الصدر أن التجري قبيح فعلاً، إذاً عندنا أقوال ثلاثة الشيخ الأنصاري يقول أصلاً لا يوجد قبح فعلي توجد سوء سريرة ولم يذكر القبح الفاعلي، الميرزا النائيني نفى أيضاً القبح الفعلي لكنه أثبت القبح الفاعلي ورتب عليه آثار، السيد الشهيد الصدر بناءً على مسلكه يرى وجود القبح الفعلي وتبعه الشيخ محمد اسحاق الفياض قال الشيخ اسحاق الفياض[7] ، القول الثالث أن التجري قبيح والمتجري مستحق للذم والعقوبة كالعاصي فلا فرق بينهما من هذه الناحية وهذا هو القول الصحيح، الى هنا ذكرنا الأقوال بالنسبة الى المقام الأول وهو قبح التجري هل التجري قبيح أو ليس بقبيح.

پالسيد الشهيد في الجزء الرابع من تقرير سيد محمود[8] يقول وفي مقابل هذا المسلك الذي سرنا عليه وهو قبح التجري يوجد مسلكان آخران أحدهما مسلك الشيخ في الرسائل حيث أنكر القبح رأساً في موارد التجري وإنما الموجود فيها مجرد سوء السريرة المنكشفة بالفعل نظير الكلمات القبيحة الكاشفة عن معانيها القبيح.

ثانيهما مسلك المحقق النائيني فإنه بعد تسليمه لأصل القبح حاول التمييز بين قبحين، القبح الفعلي والقبح الفاعلي وادعى أن التجري من الثاني يعني القبح الفاعلي والمعصية من الأول يعني القبح الفعلي، هذا تمام الكلام في الأمر الأول وهو قبح التجري.

وأما الكلام في الأمر الثاني وهو استحقاق العقوبة عقلاً فقد بحثه السيد الصدر "رحمه الله" [9] ، ولابد من البرهنة عقلاً وهذا ما أشار اليه السيد الإمام "رضوان الله عليه"، السيد الإمام في تهذيب الأصول[10] آخر سطر يقول، فتلخص بما مر أن المسألة عقلية صرفه، فيتضح أن السيد الإمام كان ناظراً الى استحقاق العقوبة عقلاً والسيد الشهيد في بحثه تطرق الى كلام الميرزا النائيني وأستاذ الميرزا النائيني وهو الميرزا المجدد الشيرازي "رضوان الله عليه" وتطرق الى برهانه.

وأما بالنسبة الى الأمر الثالث وهو حرمة التجري شرعاً تطرق الى أربعة أدلة:

الدليل الأول التمسك بالإطلاقات الأولية لحرمة التجري.

الدليل الثاني التمسك بقاعدة الاستلزام العقلي لحرمة التجري، وهذان الدليلان أشار اليهما السيد الخوئي "رحمه الله" مما يدلل على أن السيد الخوئي في بحثه كان ناظراً الى المقام الثالث الى حرمة التجري شرعاً ولم يتناول الأمر الأول والثاني، الأمر الأول قبح التجري والأمر الثاني استحقاق العقاب عقلاً.

الدليل الثالث الذي ذكره السيد الصدر[11] التمسك بالإجماع على حرمة التجري، والدليل الرابع التمسك بالأخبار الدالة على حرمة التجري، إذاً الى هنا اتضحت أن فهرسة البحث والمنهجة إنصافاً مع كلمات السيد الشهيد الصدر "رضوان الله عليه".

الآن نتطرق الى الأقوال في المسألة بالنسبة الى المقام الثاني أو المقام الثالث، يعني مع غض النظر عن المقام الأول التجري قبيح أو ليس بقبيح هل يستحق المتجري العقاب أو لا يستحق العقاب؟

ذهب المحقق صاحب الكفاية "رحمه الله" في الكفاية[12] وتبعه شيخنا الأستاذ الشيخ الوحيد الخراساني كما أشار السيد علي الميلاني في تحقيق الأصول، [13] ذهب صاحب الكفاية الى أن المتجري يستحق العقاب، ويستحق العقاب لا على الفعل المتجرى وإنما على تجريه وعلى عزمه، علّق العقوبة على عزم المتجري يعني عزمه على ارتكاب ما يعتقد أنه حرام عليه هذا يستحق العقاب، هذا القول الأول.

القول الثاني وذهب السيد الصدر "رحمه الله" الى حرمة الفعل المتجرى لأنه يرى قبح ويرى أنه ينافي مولوية المولى فعلى مبناه وعلى مسلكه يذهب الى القول بالحرمة وتبعه الشيخ اسحاق الفياض لأنه يرى مسلك حق الطاعة كالسيد الشهيد الصدر.

القول الثالث هو قول الشيخ الأعظم الأنصاري "رحمه الله" وتبعه السيد الخوئي والسيد الإمام الخميني من القول بعدم حرمة التجري، طبعاً في كلمات الأعلام المشهور هو حرمة التجري ولكن ذهب السيد الإمام "رضوان الله عليه" الى عدم حرمة التجري، قال في تهذيب الأصول [14] ، آخر سطر قال والذي يقوى في النفس سالفاً وعاجلاً عدم استلزامه للعقوبة سواء قلنا بقبحه أو لا، يعني التزمنا أن التجري قبيح أو لم يكن قبيح هذا المقام الأول، لا يلتزم باستحقاق العقوبة لأن السيد الإمام ناظر الى المقام الثاني المسألة عقلية، هذا بالنسبة الى رأي السيد الإمام "رضوان الله عليه".

ورأي السيد الخوئي "قدس الله نفسه الزكية" أن الأدلة لا تنهض بحرمة التجري، وأما أصل كلام السيد الصدر من أن التجري حرام لمنافاته لمولوية المولى، فأصل أو جذور هذا الكلام موجودة في كلمات المحقق العراقي "رضوان الله عليه" إذ أن المحقق العراقي أشار الى هذه النكتة أنه هناك تمرد على مولوية المولى وهناك يعني قد يستحق العقوبة لا على الفعل المتجرى وإنما يستحق العقوبة على انتهاك حرمة المولى.

المحقق العراقي عنده بعض الكلمات التي تشير الى هذا الأمر مثلاً في نهاية الأفكار[15] ، هكذا كما ينقل الإمام الخميني في تهذيب الأصول [16] إن الموضوع بحكم العقل في العصيان ليس مخالفة المولى بل الهتك والجرأة عليه أو العزم على العصيان أو الطغيان وغيرها مما هي جهات مشتركة وعند وحدة الملاك يصير العقاب واحداً، السيد الإمام يناقش المحقق العراقي، هذا تمام الكلام في فهرسة ـ يعني الفهرسة الدقيقة المطلوبة لبحثنا ـ والآن نرجع الى فهرسة السيد الخوئي ونقرر كلامه.

السيد الخوئي في كلامه واضح أنه ناظر الى خصوص المقام الثالث يعني حرمة التجري شرعاً ناظر الى الأدلة وليس ناظر الى المقام الأول قبح التجري أصلاً لم يبحثه قبيح أو ليس بقبيح، وفي بعض كلماته يوجد نظر الى المقام الثاني استحقاق العقوبة عقلاً.

الكلام في الجهة الأولى بناءً على الجهة الأولى من المقام الأول بناءً على تقسيم السيد الخوئي للبحث، والمقام الأول هو دعوى إطلاق أدلة الأحكام الأولية للفعل المقطوع به فأدلة الأحكام الأولية تشمل ما تعلق به القطع سواء كان موافقاً للواقع أو كان مخالفاً للواقع.

السيد الخوئي ذكر على لسان القوم دليل مركّب من مقدمات، المقدمة الأولى متعلق التكليف لابد وأن يكون مقدوراً لاستحالة التكليف بغير المقدور، المقدمة الثانية أن الدافع للعبد هو القطع بالنفع والزاجرة للعبد هو القطع بالضر والضرر، إذاً القطع هو المحرّك للعبد وليس مطابقة الواقع، مفاد المقدمة الثانية ـ خلاصتها ـ أن الدافع والمحرّك للمكلف إنما هو القطع بالمنفعة والمصلحة كما أن الزاجر والمانع للعبد إنما هو القطع بالمفسدة وبالمضرّة، ولا دخل لمطابقة القطع للواقع وعدم مطابقة للواقع في تحريك العقل فالإنسان إنما يتحرك بوجوده العلمي لا بوجود الأشياء الواقعية.

المقدمة الثالثة إن التكليف إنما يتعلق باختيار المكلف يعني الأمور التشريعية تتعلق بالأمور الاختيارية للمكلفين لا الأمور الاضطرارية للمكلفين ومن الواضح أن القطع من اختيارات المكلفين بخلاف مطابقة الواقع وعدم مطابقة الواقع فليست من اختيارات المكلفين فتحصّل النتيجة.

نجمع المقدمات الثلاثة

أولاً يستحيل التكليف بغير المقدور ومطابقة الواقع وعدم مطابقته ليست مقدوراً

ثانياً أن المحرك للمكلف هو القطع بالمنفعة والزاجر له القطع بالمفسدة وليس مطابقة الواقع وعدم مطابقته

ثالثاً ـ المحرك ـ التكاليف إنما تتعلق بالأفعال الاختيارية لا الأفعال الاضطرارية وبالنتيجة متعلق التكليف هو القطع سواءً أصاب أو لم يصب الكلام مطلق متعلق التكليف القطع مطلقاً طابق الواقع أم خالف الواقع، بالتالي المتجري يستحق العقاب، الجواب عنه أجاب بجوابين، الجواب الأول نقضي

والجواب الثاني حلّي.

الجواب الأول النقضي نقض بالواجبات لأنه هذا المبحث كما يشمل المحرمات يشمل أيضاً الواجبات فلو فُرض أن الواجب المستفاد من قول المولى صلِ في الوقت هو القطع بالصلاة في الوقت، فلو قطع المكلف بدخول الوقت وصلى قاطعاً أنه في الوقت فانكشف الخلاف أنه صلى قبل الوقت صلى خارج الوقت، بناءً على هذا يلزم القول بالإجزاء لأنه الموضوع قد تحقق موضوع التكليف القطع بالتكليف وهو قاطع بالتكليف مع أنه لم يلزم أحد من الفقهاء بإجزاء الصلاة إذا جاء بها خارج الوقت حتى لو كان قاطعاً بالتكليف.

وأما الجواب الحَلّي، الجواب الحلّي الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد الموجودة في متعلقاتها وليست تابعة للقطع، التكاليف ليست تابعة للقطع القطع منجز للتكليف أو معذر عنه، مثلاً قوله عزَّ من قائل "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" يستفاد منه إن الآثار وهي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر موجود في الصلاة وليست موجودة في القطع بالصلاة، إذاً المبنى والمسلك المشهور عند الأصوليين أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية الموجودة في متعلقاتها، وليست تابعة للقطع بالمصالح والمفاسد، نعم القطع بالمصلحة محرّك القطع بالمفسدة زاجر، إذاً القطع مُنجز للتكليف ومدخل للتكليف في العهدة ومعذراً عن التكليف إذا قطعت بالعدم.

إذاً القطع مفيد في مقام الامتثال وليس في مقام التشريع، في مقام التشريع والتقنين إذا أردنا أن نصدر تكليفاً أو تشريعاً، هذا التكليف وهذا الحك وهذا التشريع تابع للمصالح والمفاسد الواقعية الموجودة في متعلق هذا التكليف، نعم القطع يفيد في مقام الامتثال إما مدخل للتكليف ويكون منجزاً أو مخرجاً للتكليف فيكون معذراً.

وبهذا اتضح أنه يصح العقاب على التمرد في خصوص صورة المطابقة للواقع لأنه جاء بمتعلق التكليف ولا يصح العقاب على التمرد في صورة المخالفة لأنه لم يرتكب شيئاً في الواقع ما ارتكب لم يأتي بالمتعلق، هذا تمام الكلام في الجهة الأولى البحث عن حرمة التجري بنفس ملاك إطلاق وشمول أدلة الأحكام الأولية للفعل المتجرى به ولو كان مخالفاً للواقع.

ثم يقع الكلام في الجهة الثانية وهي البحث عن حرمة الفعل المتجرى به لا بملاك الحرام الواقعي بل بملاك التمرد على المولى.

الجهة الثانية فيها وجوه ثلاثة ذكرها السيد الخوئي "رحمه الله":

الوجه الأول يقول إن القطع قد تعلق بانطباق عنوان ذي مصلحة على شيء أو بانطباق عنوان ذي مفسدة على شيء، فالشيء بما هو هو قد يكون مباحاً فإذا تعلق به عنوان فيه مصلحة أصبح واجباً وإذا تعلق به عنوان فيه مفسدة أكيدة أصبح حراماً.

إذاً تعلق القطع بانطباق عنوان ذي مفسدة على شيء يوجب حدوث المفسدة فيه، وانطباق عنوان ذي مصلحة على شيء يوجب حدوث الوجوب فيه، فالفعل المتجرى وإن كان مباحاً بعنوانه الأولي إلا أنه صار واجباً أو حراماً بعنوانه الثانوي، وفيه إن المصلحة والمفسدة من العناوين التكوينية الواقعية وليس من العناوين الجعلية الاعتبارية فإذا جعلتُ السم ماءً يبقى السم قاتلاً وإذا جعلتُ الماء سماً واعتبرتُ الماء سماً لا يصبح الماء قاتلاً، فالاعتبار أولاً لا يلغي الآثار التكوينية لذات الشيء وثانياً لا يضيف آثار تكوينية جديدة لذات الشيء يبقى شيء على ما هو عليه، وبما أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية وليست الاعتبارية المصالح والمفاسد الواقعية الموجودة في المتعلق فيبقى المتعلق على ما هو عليه من الاباحة وإن كان انطبق عليه عنوان فيه مفسدة أو عنوان فيه مصلحة، القطع دخيل في التنجيز أو التعذير ولا دخل للقطع في إيجاد المصلحة أو إيجاد المفسدة ولا دخل للقطع في الغاء المصلحة أو الغاء المفسدة.

إذاً الأحكام والآثار تترتب على المصالح والمفاسد الواقعية الموجودة في المتعلق، والقطع لا يوجد المصالح والمفاسد الواقعية وإنما ينجز التكاليف أو يعذر عن التكاليف إذا حصل القطع بعدمها، إذاً الوجه الأول من الجهة الثانية ليس تعمم.

الوجه الثالث إن التجري كاشف عن سوء سريرة العبد وخبث باطنه كما يقول الشيخ الأنصاري، وكون هذا العبد في مقام الطغيان والتمرد على المولى، وهذا يوجب قبح الفعل المتجرى عقلاً، إذاً هذا ناظر الى المقام الثاني استحقاق العقوبة عقلاً بخلاف الآن نناقش ومن ثم نفهرس كلام السيد الخوئي "رحمه الله".

فبحكم الملازمة التي تدرس في بحث الملازمات العقلية في علم الأصول إذا قطعنا بقبح شيء عقلاً قطعنا بحرمته شرعاً، يعني توجد ملازمة بين حكم العقل القطعي وحكم القطع الشرعي، يعني إذا قطع العقل قطع الشرع، الأحكام الشرعية لا تنافي الأحكام العقلية القطعية فإذا قطعنا بقبح التجري عقلاً قطعنا بحرمة التجري شرعاً.

السيد الخوئي يناقش أولاً هذه الكبرى ننكرها نحن لا نلتزم بالملازمة العقلية، وهذه إحدى الفوارق بين الأصوليين والإخباريين، الأصوليين يرون الملازمة العقلية، الإخباريين ينكرون يقولون إن دين الله لا يصاب بالعقول وإن كانت الرواية أجنبية عن هذا البحث وتفصيله في رسائل الشيخ الأنصاري.

الأصوليون المشهور بينهم قبول الملازمة العقلية، الإخباريون مشهور بينهم عدم قبول الملازمة العقلية، قال صاحب الحدائق لو كان هذا العقل فطري الذي لا تشوبه شائبة الأوهام والذي هو قليل في الأنام يمكن القول إذا قطع العقل حكم الشرع.

إذاً المناقشة الأولى السيد الخوئي ينكر الملازمة العقلية والمناقشة الثانية من قال إن كون الفعل كاشف عن سريرة المكلف والعبد هذا يعني أنه يسري القبح من الفاعل الى الفعل هذا أول الكلام، القبح الفاعلي لا يكشف عن القبح الفعلي فلا توجد سراية من قبح الفاعل وسوء سريرته الى قبح الفعل وقبح الفعل المتجرع به، هذا تمام الكلام في الوجه الثاني.

الى هنا اتضح السيد الخوئي "رحمه الله" كان ناظر الى ماذا، أما بالنسبة الى الجهة الأولى من المقام الأول الذي ذكر فيها ثلاثة مقدمات، متعلق التكليف لابد أن يكون مقدوراً، المقدمة الثانية المحرك للمكلف هو القطع بالنفع والقطع بالمضرة والمقدمة الثالثة التكليف يتعلق بالأفعال الاختيارية دون الأفعال الاضطرارية من الواضح هذه الجهة الأولى السيد الخوئي ناظر الى المقام الثالث استحقاق العقاب عقلاً، هذا بالنسبة الى المستدل، المستدل ناظر الى استحقاق العقاب عقلاً.

ولكن السيد الخوئي في الجواب النقضي لما نقض بالواجبات كان ناظراً الى حرمة التجري شرعاً وحتى في الجواب الحَلِّي عندما ذكر أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، إذاً السيد الخوئي في الجهة الأولى من المقام الأول كان ناظر الى حرمة التجري شرعاً، بالنسبة الى الجهة الثانية من المقام الأول، الوجه الأول هو تعلق القطع بعنوان فيه مصلحة أو مفسدة يسري الى الفعل، هنا السيد الخوئي هذا الوجه الأول وجوابه ناظر الى استحقاق العقاب عقلاً، إن المقام الثاني لأنه فرق بين المصلحة قال المصلحة والمفسدة من الأمور التكوينية والقطع دخيل في التنجيز هذا ناظر الى الأحكام العقلية.

الوجه الثاني التجري كاشف عن سوء سريرة العبد والقبح الفاعلي يسري الى القبح الفعلي، السيد الخوئي في إنكاره لبحث الملازمة كان ناظر الى المقام الثالث، حرمة التجري شرعاً وناظر في عدم سريان القبح الفاعلي الى القبح الفعلي ناظر الى الأمر الثاني استحقاق العقاب، إذاً الخلاصة كلام السيد الخوئي "رحمه الله" ناظر في الأساس الى المقام الثاني.

الى هنا بحمد الله والمنة انتهينا من الجهة الأولى من المقام الأول ومن الوجه الأول والوجه الثاني من المقام الثاني، يبقى الكلام في الوجه الثالث من المقام الثاني، الوجه الثالث يأتي عليه الكلام.


[2] الجزء السابع، صفحة 68.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo