< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

39/03/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:المقصود بالمكلف المجتهد والعامي معاً

الأمر الثاني أنه هل المراد من المكلف المذكور في كلام شيخنا الأعظم الأنصاري "قدس سره" هو خصوص المجتهد أو الأعم منه ومن المقلِد.

انتهينا بحمد الله عزَّ وجل في الدرس السابق من الأمر الأول من التنبيهات التي ذكرها السيد الخوئي "رحمه الله" في حجية القطع، الأمر الأول اتضح أن القطع ليس مسألة أصولية ولكنه قد يكون نتيجة للمسألة الأصولية، والسر في ذلك أن المسألة الأصولية هي ما تتوسط في إثبات النتيجة والحال أن القطع بنفسه قطع بالنتيجة لا أن القطع يتوسط لإثبات النتيجة، هذا خلاصة الكلام في القطع الطريقي.

وأما القطع الموضوعي فالكلام فيه واضح جداً إذ أن القطع الموضوعي لا ينشئ الحكم وإنما أخذ في موضوع الحكم كما إذا قال الشارع إذا قطعت بالخمر فهو حرام فالحكم وهو الحرمة يترتب على موضوع مؤلف من جزئين الجزء الأول القطع والجزء الثاني بالخمرية، فكما أن الموجب للحرمة ليس هو الخمر وليس هو القطع وإنما الأدلة الدالة على حرمة الخمر، كذلك إذا قال الشارع إذا قطعت برؤية الهلال وجب عليك التصدق على الفقير فالحكم وهو وجوب التصدق يترتب على موضوع مؤلف من جزئين، الجزء الأول القطع والجزء الثاني برؤية الهلال والذي أوجب وجوب التصدق ليس هو القطع وليس رؤية الهلال، الذي دل على وجوب التصدق الأدلة الدالة على وجوب التصدق والتي علقت وجوب التصدق على القطع برؤية الهلال.

ومن الواضح أن الأدلة الدالة على حرمة الخمر أو على وجوب التصدق هي من المسائل الأصولية، الأدلة التي دلت على حرمة الخمر والقواعد التي استخدمت في الأدلة الدالة على وجوب التصدق هذه الأدلة وهذه القواعد من المسائل الأصولية، لكن القطع الذي أخذ كجزء في موضوع وجوب التصدق أو موضوع حرمة الشرب هذا القطع ليس من المسائل الأصولية هذه تتمة بقيت من الأمر الأول.

الأمر الثاني هل المراد من المكلف في كلام الشيخ الأنصاري في الرسائل حينما قال إعلم أن المكلف إذا التفت هل المراد بالمكلف في كلمات الشيخ الأنصاري هو خصوص المجتهد أو مطلق المكلف سواءً كان مجتهداً أو عامياً، الأقوال في المسألة يوجد قولان:

القول الأول: إن المراد هو خصوص المجتهد وهو صريح عبارة صاحب الكفاية والميرزا النائيني والمحقق العراقي "رضوان الله عليهم أجمعين"، وتبعهم جملة من طلاب السيد الخوئي كالشيخ محمد اسحاق الفياض[1] ، فليراجع المبحث.

القول الثاني: المراد بالمكلف مطلق المكلف سواءً كان مجتهداً أو كان عاميا، هذا القول يوافق مقتضى إطلاق عبارة الشيخ الأعظم الأنصاري في الرسائل وقد نص على ذلك تلميذه المحقق الآشتياني في الجزء الأول من بحر الفوائد، وعلى هذا القول "الإطلاق" السيد الخوئي "رحمه الله" وجملة من تلامذته المحققين كالشهيد الصدر "رضوان الله عليه"[2]

والنكتة المهمة في هذا البحث أن المقصود بالإلتفات ما هو؟ هذه النقطة ينبغي تحريرها، الشيخ الأنصاري "رحمه الله" يقول وطبعاً أصل المسألة كلام الشيخ الأنصاري وبعد ذلك تعليق للمحقق صاحب الكفاية على كلام الشيخ الأنصاري، الشيخ الأنصاري [3] نقرأ نص عبارة الشيخ الانصاري، إعلم وفي نسخة أخرى فاعلم أن المكلف إذا التفت الى حكم شرعي فإما أن يحصل له الشك فيه أو القطع أو الظن فأي مكلف يراد إذا قطع أو شك أو ظن هل هو خصوص المجتهد كما عليه الميرزا النائيني أو هو مطلق المكلف كما عليه السيد الخوئي "رحمه الله"، النكتة الأساسية والمحورية في بحثنا تنقيح المعنى المقصود من لفظ الإلتفات وقد أشار الى هذه النكتة الشيخ محمد اسحاق الفياض[4] .

هل المراد بالالتفات مطلق التوجه في مقابل الغفلة يعني هذا المكلف ملتفت ومتوجه الى أنه قد توجهت إليه أحكام الزامية فهذا المكلف متدين مهتم بدينه وليس غافلاً عن دينه، هذا المعنى الأول الالتفات بمعنى مطلق التوجه في مقابل الغفلة ليس بغافل ليس كالمجانين أو البهائم.

المعنى الثاني أو المراد بالالتفات الإلتفات التفصيلي خصوص التوجه التفصيلي، إن قلنا إن المراد بالالتفات مطلق التوجه في مقابل الغفلة يعني أن لا يكون غافلاً فمن الواضح أن الالتفات ينطبق على مطلق المكلف سواءً كان مجتهداً أو كان عامياً، وأما إذا حملنا الالتفات على خصوص الالتفات التفصيلي فمن الواضح أن المراد بالمكلف هو خصوص المجتهد لأن المجتهد هو الذي يلتفت الى تفاصيل المسائل وخصوصيات تطبيقات المسائل، فأَّنا للعامي أن يلتفت الى وجود يقين سابق وشك لاحق وتوفر شرائط الاستصحاب هذه تتوفر للمجتهد الفقيه.

السيد الخوئي "رضوان الله عليه" كما سيتضح في ثنايا بحثه هكذا يستفاد من كلماته سواءً حملنا الإلتفات على مطلق التوجه أو حملنا الإلتفات الى خصوص الإلتفات التفصيلي فإن المراد بالمكلف هنا هو مطلق المكلف وليس المراد خصوص المجتهد، خلافاً للميرزا النائيني والمحقق العراقي، هذا تمام الكلام في عرض الأقوال في المسألة.

ولكي نلج في صميم البحث نقرأ أولاً عبارة الشيخ الأعظم الأنصاري في الرسائل ونقرأ ثانياً عبارة صاحب الكفاية في الكفاية ثم نتطرق الى أدلة الاختصاص، أولاً دليل الميرزا النائيني ثانياً دليل المحقق العراقي مع مناقشة يسيرة لكل منهما ثم بعد ذلك نتطرق الى رأي السيد الخوئي واستدلال السيد الخوئي هذا مقتضى الاختصار في البحث وإلا لو أردنا التوسع في الكلام النائيني درس وفي كلام المحقق العراقي درس وهكذا.

أولاً كلام الشيخ الأنصاري [5] إعلم أن المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي، فإما أن يحصل له الشك فيه، أو القطع، أو الظن، طبعاً هذه التعاريف موجودة في كتاب تحقيق الأصول على ضوء أبحاث الشيخ وحيد الخراساني لسماحة السيد علي الحسيني الميلاني[6] واللطيف في كتاب تحقيق الأصول أن كلمات الأعلام يذكرها بنصها لذلك سأعتمد عليه حتى لا أجمع يعني آتي بجميع التقارير يأتي بالنص لا يذكر ما يفهمه وإنما نص العبارة وهذا جيد يسهّل علينا المهمة فنعتمد عليه في ذكر الأقوال لا في تحقيق المسائل، نستفيد من نفي ذكر كلمات الأعلام ومن تحقيقه أيضاً.

صاحب الكفاية، [7] هذه عبارته: فاعلم أن البالغ الذي وضع عليه القلم غير لفظ المكلف الى البالغ الذي وضع عليه القلم لماذا؟ لأن تعبير المكلف مشتق والمشتق ظاهر في من تلبس بالمبدأ يعني أصبح تكليف فعلي "المكلف الذي تكليف فعلي" يعني توجه إليه أحكام الزامية ما يشمل الأحكام الترخيصية من إستحباب وكراهة وإباحة، المكلف يعني المكلف فعلاً بحكم الزامي من وجوب أو حرمة، إذا هو مكلف فعلاً إذاً لا معنى لعبارة إذا التفت وصاحب الكفاية فراراً من التنافي بين لفظ المكلف الظاهر في فعلية التربص وبين لفظ الإلتفات قال البالغ الذي وضع عليه القلم البالغ الذي وضع عليه القلم يعني توجه له حكم إما بالاباحة أو بالوجوب أو الحرمة أو الإستحباب أو الكراهة يشمل الأحكام الخمسة وأيضاً من جهة أخرى غير ظاهر في فعلية التربص ـ المهم الدرس ليس كفاية هذا في الكفاية ـ فعلم أن البالغ الذي وضع عليه القلم إذا التفت الى حكمٍ فعليٍ كلام الشيخ الأنصاري ليس فيه تعبير الحكم الفعلي صاحب الكفاية خصصه بالحكم الفعلي هذا إذاً من مواطن الخلاف قد يقال حكم فعلي أو حكم إنشائي.

النقطة الأخرى واقعي أو ظاهري هذا إذاً نقطة خلافية الشيخ اسحاق الفياض يرى خصوص الواقعي وعدم الشمول للظاهري صاحب الكفاية السيد الخوئي يرى الشمول للواقعي والظاهري، الشاهد هنا متعلق به أو بمقلديه من عبارته متعلق به أو بمقلديه هذا صريح بأن صاحب الكفاية ناظر الى خصوص المجتهد وغير ناظر الى عموم المكلف إلا أن السيد محمد الروحاني في منتقى الأصول الجزء الرابع له بعض التخريجات لعبارة صاحب الكفاية لكنها قد تكون خلاف ظاهر العبارة فتراجعها يقول فإما أن يحصل له القطع به أو لا وعلى الثاني الى آخر العبارة.

الى هنا ذكرنا عبارة صاحب الفرائد وعبارة تلميذه صاحب الرسائل، الآن نتطرق الى القول الأول وهو اختصاص المكلف بخصوص المجتهد.

الدليل الأول للميرزا النائيني و الدليل الثاني للمحقق العراقي، الدليل الأول للميرزا النائيني خلاصته عدم شمول الأدلة لغير المجتهد يعني دليل لا تنقض اليقين بالشك في الاستصحاب وغيره ناظر الى خصوص المجتهد لأن الذي يوجب الاستصحاب هو المجتهد فهو الخبير بشرائط جريان الاستصحاب إذاً لب الدليل الأول عدم شمول أدلة الأصول لغير المجتهد هي خاصة بخصوص المجتهد.

وأما المحقق العراقي "رضوان الله عليه" طبعاً هذا الميرزا النائيني هذا الكلام تجده قصور الأدلة عن الشمول لغير المجتهد فوائد الأصول [8] ، نوقش بعدة مناقشات منها أن الأدلة كما تشمل المجتهد تشمل غير المجتهد من فضلاء الحوزة ومن طلاب العلم فإن طالب العلم المحصّل يلتفت الى الأدلة الفقهية والأصولية وإن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد وهو عامي ومناقشات كثيرة حوله.[9]

الدليل الثاني للمحقق العراقي وقد ذكره [10] ، يقول على فرض شمول الأدلة وعمومها لغير المجتهد فإن شرط الحجية غير متوفر لغير المجتهد ما هو شرط الحجية؟ الفحص عن المعارض ولا يتأتى للعامي أن يفحص عن المعارض للخبر أو الأصل فإن هذا من خصوصيات المجتهد.

وفيه إن عدم قدرة العامي على الفحص لا يُسقط التكليف عن كاهله فيتوجه التكليف الى هذا العامي وإذا لم يتمكن العامي من الفحص وجب عليه الرجوع الى المجتهد لكي يفحص من باب رجوع الجاهل الى العالم، وثانياً يأتي الجواب الذي أجبنا به على الميرزا النائيني وهو إن الفحص كما يتأتى للفقيه أيضاً يتأتى لغير الفقيه من طلاب العلم وفضلاء الحوزة، هذا تمام الكلام في أدلة القائلين باختصاص المكلف بخصوص المجتهد.

وأما أدلة القائلين بالعموم فإن هذا القول أولاً مقتضى إطلاق كلام الشيخ الأنصاري "رضوان الله عليه" مقتضى إطلاق لفظ المكلف هو شمول المكلف بالمجتهد ومطلق العامي وقد نص على ذلك أيضاً المحقق الآشتياني في كتابه بحر الفوائد ومن المعلوم دقة المحقق الآشتياني لأن المحقق الآشتياني "رحمه الله" حضر الدورة عند الشيخ الأنصاري وهو في ريعان شبابه وضبط كل شاردة وواردة في كلمات الشيخ الأعظم الأنصاري فهو من أدق المصادر في فهم كلام الشيخ الأنصاري "رحمه الله"، يبقى الكلام الآن في رأي السيد الخوئي "رضوان الله عليه".

السيد الخوئي طبعاً لا بأس بالإشارة الى هذه النكتة في المنهج البحث الأصولي يوجد منهجان:

المنهج الأول منهج تحقيق الأقوال والأدلة وهو منهج أستاذنا الشيخ حسين الوحيد الخراساني ومنهج السيد علي الحسيني السيستاني، عرض الأقوال ثم عرض أدلة الأقوال، مناقشة أدلة الأقوال وبعد ذلك النتيجة التي يصل اليها، ففي مسألة واحدة قد يتعرض الى عشرة أقوال أو عشرين قول، هذا منهج، وهذا يطول.

المنهج الثاني منهج السيد الخوئي "رضوان الله عليه" هو منهج تحقيق المطلب المهم هو تنقيح وتحقيق المطلب الأقوى وإذا اتضح المطلب الأقوى لا داعي لبحث سائر الأقوال، وهذا منهج السيد الخوئي وتبعه تلميذه الوفي أستاذنا الميرزا جواد التبريزي، شيخ جواد "الله يرحمه" كان يقول أنا لا يهمني فلان قال وفلتان ماذا قال المهم عندي هو بيان الحق في المسألة وعرض أقواله وأدلته وتحقيقه وإظهاره بمظهر قوي فإذا أظهرته بمظهر قوي بان ضعف بقية المسائل وبقية الأقوال وأتذكر مرة في الدرس أشكل عليه أحد الحضّار فلم يعره الميرزا جواد اهتماماً ثم كرر الإشكال ثلاث، خمس مرات فتوقف الميرزا جواد واضطر أن يجيب عليه وقال أنت تقصد كذا وتشير الى كذا في الكتاب الفلاني، قال هذا الدرس ليس أقرأ شيء وآتي وألقي، هذا الدرس أعطيك خلاصة عمري وخلاصة ما توصلت إليه أما فلان ماذا قال وماذا يَرد عليه ليس من خصوصيات هذا الدرس لذلك تجد السيد الخوئي في هذا البحث المراد خصوص المجتهد أو العامي لم يتطرق الى رأي أستاذه الميرزا النائيني يعني خصوص المجتهد وإنما اكتفى ببيان وعرض الأدلة التي يمكن أن تقام على أن المراد به مطلق العامي ومطلق المكلف سواءً كان عامياً أو مجتهداً.

نحن نحاول أن نمزج أحياناً منهج تحقيق ذلك يطول كثيراً ذلك الشيخ الوحيد دورته 22 سنة الدورة الأصولية الواحدة، السيد الخوئي "رضوان الله عليه" يقول الصحيح هو أن المراد بالمكلف مطلق المكلف طبعاً وهو الصحيح عندنا كما سيتضح من خلال الأدلة سواءً حملنا الإلتفات على مطلق التوجه أو الألتفات الى الإلتفات التفصيلي ستكون النتيجة أن المراد بالمكلف هو مطلق المكلف سواءً كان مجتهداً أو عامياً.

أولاً هذا هو مقتضى الإطلاق في كلام الشيخ الأنصاري وثانياً المهم هو تنقيح المطلب بقطع النظر عن عبارة الشيخ الأعظم الأنصاري "رضوان الله عليه".

توضيح المقام يستدعي بيان ثلاث أمور أو ثلاث مقامات:

المقام الأول في بيان حكم المجتهد بالنسبة الى تكليف نفسه

المقام الثاني في بيان حكم المقلد بالنسبة الى تكليف نفسه

المقام الثالث والأخير في بيان حكم المجتهد بالنسبة الى تكليف مقلديه

أما المقام الأول حكم المجتهد بالنسبة الى تكليف نفسه، لا شك ولا ريب أن المجتهد إذا التفت الى حكم شرعي متعلق بنفسه فإما أن يحصل له القطع وإما لا يحصل له القطع إذا حصل له القطع فهو حجة في حقه إذا لم يحصل له القطع إما يقوم عنده دليل معتبر أو لا يقوم عنده دليل معتبر إن قام عنده دليل معتبر فهو حجة في حقه إن لم يكن عنده دليل معتبر فهو شاك لا يكون مجرى للأصول العملية.

إذاً المجتهد له ثلاث حالات، الحالة الأولى القطع بالحكم، الحالة الثانية قيام دليل معتبر على الحكم، الحالة الثالثة لا يوجد لديه قطع ولا دليل معتبر على الحكم فيكون مجرى للأصول العملية.

إذاً الحالات الثلاث من قطع وشك وظن تشمل المجتهد بلا إشكال، إنما الكلام في المقام الثاني وسيتضح أن المقلد كالمجتهد تماماً المقلد قد يقطع بالحكم الآن مقلد ألا يقطع أن الصلاة واجبة ولذلك يقولون لا تكليف في ضروريات الدين فالمقلد إذا قطع بالحكم ثبت الحكم في حقه وإذا لم يقطع بالحكم لكن قام لديه دليل معتبر على الحكم فهو أيضاً حجة في حقه، ولكن يوجد فارق بين الدليل المعتبر عند المجتهد وبين الدليل المعتبر عند العامي الدليل المعتبر عند العامي والمقلد هو فتوى المجتهد والدليل المعتبر عند المجتهد هو ظواهر الكتاب والسنة.

والحالة الثالثة للمقلد أن لا يقطع ولا يقوم لديه دليل معتبر فيكون شاكاً فيكون مجرى للأصول العملية مثلاً لو كان على يقين من فتوى المجتهد السابقة وشك في تغيرها ولم يقم لديه دليل على تغيرها ما قامت عنده بيّنة على تبدّل رأي المجتهد فللمقلد أن يجري الاستصحاب فيستصحب الفتوى السابقة لمرجع تقليده.

إذاً كما أن المجتهد في المقام الأول لديه حالات ثلاث وهي قطع أو شك أو ظن كذلك العامي لديه حالات ثلاث قطع أو شك أو ظن، القطع إذا قطع بالحكم، الظن إذا كان لديه دليل معتبر، الشك إذا لم يقطع ولم يكن لديه دليل معتبر.

طبعاً هذا كله في الحكم الواقعي وفي الحكم الظاهري، ذكرنا أمثلة للحكم الظاهري استصحاب فتوى المجتهد السابقة وهكذا إذا دار الأمر بين المحظورين أفتى أحدهما بالوجوب والآخر بالحرمة مقتضى ذلك التخيير وهكذا إذا أحد المجتهدين أفتى بالقصر والآخر بالتمام مقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالتكرار إلا إذا التزمنا بقيام إجماع على عدم وجوب الاحتياط وقد نسبه السيد الخوئي الى الشيخ الأنصاري وفي هذه النسبة تأمل.

الخلاصة لا يوجد فارق بين المجتهد والمقلد إلا في الطرق والأمارات فإن الطرق والأمارات الفقيه والمجتهد هو الكتاب والسنة ظاهر الكتاب والسنة وطرق وأمارات العامي فتوى المجتهد هذا تمام الكلام في المقام الثاني وهو المهم في بحثنا والمقام الثالث حكم المجتهد بالنسبة الى تكليف مقلديه.

المجتهد قد يلتفت الى حكم ليس ناظر إليه وإنما ناظر الى مقلديه مثل ماذا؟ أحياناً هذا الحكم بجميع مراتبه ليس ناظر للمجتهد كما إذا كان المجتهد ذكراً وهو يريد أن يبحث مباحث الحيض والنفاس والاستحاضة، إذاً جميع مراتب الحيض والاستحاضة والنفاس ناظرة الى النساء، أو لا هذا الحكم يشمل المجتهد بنحو الإنشاء لكن لا يشمله على نحو الفعلية كأحكام الحج إذا كان المجتهد غير مستطيع يقولون السيد شهاب الدين المرعشي النجفي لم يحج ما كان مستطيع ما راح الى الحج وبحث أحكام الحج في رسالته العملية منهاج المؤمنين فهنا أيضاً المجتهد يبحث المسائل الحج مع أنها غير فعلية في حقه متوجهة الى مقلديه.

أو أحكام الزكاة إذا كان فقير وما توفرت عنده النصاب أو أحكام الخمس، هنا قد يستشكل في الرجوع الى الأصول، الأمر الأول القطع واضح إذا قطع بالحكم، الأمر الثاني اذا كان دليل معتبر واضح إنما الكلام إذا شك يعني لم يحصل لديه قطع ولا ظن معتبر وشك فكيف يرجع المجتهد الى الأصول العملية والحال أن ظاهر الأصول العملية تحقق الشك من نفس المكلف لا من مرجع المكلف لا من مجتهد المكلف.

الشيخ الأنصاري "رضوان الله عليه" أجاب عن هذا الإشكال[11] ، يقول المجتهد نائب عن المقلد في إجراء الأصل العملي فيكون الشك من المجتهد بمثابة الشك من المقلد لأنه نائب عنه.

السيد الخوئي يناقش ونِعْمَ المناقشة يقول لا دليل على الشك النيابي، أدلة الأصول العملية لا عموم لها بالشك النيابي خاصة إذا تراجع صحيحة زرارة لأنك كنت على يقين من وضوئك فشككت وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ظاهراً توجه الى نفس المكلف المبتلى بالمسألة هو الذي يوجب الاستصحاب إذاً لا عموم لأدلة الأصول العملية بالشك النيابي.

ما هو مقتضى التحقيق السيد الخوئي يقول مقتضى التحقيق أن الفقيه أو المقلد هذا المقلد إما ملتفت الى الحكم أو غير ملتفت الى الحكم شقان لا ثالث لهما إما أن يلتفت الى الحكم أو ما يلتفت، إذا المقلد التفت الى الحكم المجتهد يستطيع أن يجري الأصول إما بلحاظ نفس المجتهد وإما بلحاظ المقلد، وأما إذا كان المقلد غير ملتفتاً أصلاً غافل غير ملتفت ففي هذه الحالة الفقيه يجري الاستصحاب بلحاظ نفسه فقط لا بلحاظ مقلده.

المقلد إما يلتفت وإما غير ملتفت إذا التفت الى الحكم هنا المجتهد يستطيع إجراء أدلة الأصول بلحاظ نفس المجتهد ويستطيع أن يجري أدلة الأصول بلحاظ المقلد، وأما إذا كان المقلد غير ملتفت أصلاً فهنا الفقيه لا يجري أدلة الأصول بلحاظ المقلد لأنه غير ملتفت وإنما يجري أدلة الأصول بلحاظ نفس المجتهد لماذا؟ أما بالنسبة الى الصورة الأولى إذا التفت المقلد هنا الشك كما يحصل من المقلد يحصل أيضاً من المجتهد فالمجتهد له أن يجري الاستصحاب والأصول العملية بلحاظ نفسه لأنه هو نفس المجتهد شاك وأيضاً بلحاظ المقلدين لماذا؟ لأن المقلدين عدم تمكنهم من الفحص وتنقيح الشرائط لا يسقط عنهم التكليف، إذاً لابد أن يفرغوا ذمتهم إما بفحصهم أو الرجوع في فحصهم الى المجتهد الجامع للشرائط من باب رجوع الجاهل الى العالم.

وأما في الصورة الثانية إذا لم يلتفت المكلف فالفقيه لا يجري الأصول بلحاظ المقلدين ولكن بلحاظ نفسه لأن المجتهد هو الذي التفت ولكن للمجتهد أن يجري هذا الاستصحاب أو الأصل بلحاظ نفسه ويرجع إليه المقلد من باب رجوع الجاهل الى العالم، إذاً هذا على مقتضى القاعدة وقد اتضح من هذه المقامات الثلاثة أن القطع بالحكم أو الظن بالحكم أو الشك بالحكم كما يحصل للمجتهد يحصل أيضاً للعامي هذا بلحاظ الشمول، هنا السيد الخوئي ناظر الى كلمات الميرزا النائيني قصور الأدلة عن الشمول.

الآن السيد الخوئي يتطرق الى إشكال المحقق العراقي لو سلمنا بشمول الأدلة فإن المكلف غير قادر على الفحص لذلك [12] يقول: وقد يستشكل أيضاً بأنه لا يجوز الرجوع الى الأصل العملي إلا بعد الفحص عن الدليل والمقلد عاجز عن الفحص فكيف يفتي له بوجوب العمل بمؤدى الأصل، مثلاً البرائة العقلية قبح العقاب بلا بيان من أين لهذا العامي أن يفحص عن البيانات وهي أدلة دقيقة لكي يعرف أن هذا البيان ثبت أو لم يثبت حتى يعرف أنه فعلاً البرائة تجري هنا لعدم وجود البيان ولعدم وجود الدليل أو لا تجري؟

السيد الخوئي يجيب يقول المجتهد يفحص ويحقق الصورة للمقلد ولا مانع من رجوع المقلد الى المجتهد من باب الرجوع الى أهل الخبرة لأن الفقيه أهل خبرة خبرة عنده في الفحص والمقلد ليست لديه خبرة فلا مانع من رجوع المقلد الى المجتهد من باب رجوع غير أهل الاختصاص الى أهل الخبرة والاختصاص والخلاصة في جميع الموارد اتضح أولاً أن الأدلة غير قاصرة عن الشمول للعامي بل هي شاملة للعامي أغلب الأدلة مطلقة ولله على الناس حج البيت، أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة، الآيات والروايات مطلقة ناظرة الى المجتهد وغير المجتهد.

وثانياً الإشكال بعدم تأتي الفحص يمكن التغلب عليه برجوع المقلد الى المجتهد من باب الرجوع الى أهل الخبرة فتحصّل من جميع ذلك أنه لا وجه للالتزام باختصاص المكلف بخصوص المجتهد بل الأدلة تامة وهي مطلقة كما تشمل المجتهد تشمل العامي والله العالم

 


[1] المباحث الأصولية، الشيخ محمد اسحاق الفياض، ج4، ص35.
[4] المباحث الأصولية، الشيخ محمد اسحاق الفياض، ج4، ص35.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo