< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل الثاني على اشتراط العدالة في ولي الأمر، نقول عندنا ويمكن أن عدة روايات تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

ونحن أيضاً نذكرها تباعاً كما يلي:

الرواية الأولى معتبرة سدير بن حكيم

معتبرة سدير عن أبي جعفر× قال: (قال رسول الله| لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحُسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم ـ قال الكليني وفي رواية أخرى حتى يكون للرعية كالأب الرحيم ـ) [1]

هذه الرواية معتبرة من ناحية السند كما أنها تامة الدلالة على المطلوب فقد ورد فيها لا تصلح الإمامة إلا إذا توفرت ثلاث خصال أولاها ورع يحجز الإمام عن معاصي الله وهذا ما يشير إلى العدالة وقد يقال إن الوارد في الرواية هو مفردة الإمامة وليس مفردة الولاية ولكن من الشرط الثالث ومن الخصلة الثالثة يفهم أن الرواية ناظرة إلى الإمام من ناحية الولاية إذ جاء في الخصلة الثالثة وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم وفي نسخة أخرى حتى يكون للرعية، فإذاً هذه الرواية ناظرة إلى الإمام الراعي والولي فتدل هذه الرواية على اشتراط العدالة في الراعي وولي الأمر الذي يؤم الناس، إذاً هذه الرواية تامة سنداً ودلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر وتكفي هذه الرواية عن بقية الروايات التي سنوصلها إلى ثلاثين رواية.

الرواية الثانية معتبرة حبيب السجستاني

معتبرة السجستاني عن أبي جعفر× قال: (قال الله¨ لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة) [2]

هذه الرواية من ناحية السند معتبرة وأما من ناحية الدلالة فهي تدل على اعتبار صفة العدالة في الإمام وأن اعتبار العدالة بمرتبة من الأهمية توجب رعايتها أن يعفو الله تعالى عن ظلم المؤتمين به كما أن عدم رعايتها يوجب أن يعذب الله تعالى من لم يرعاها في إمامه، وقد يقال إن هذه الرواية ناظرة إلى خصوص الإمام المعصوم إذ ورد فيها عنوان ولاية كل إمام عادل من الله كل إمام جائر ليس من الله فقد يستظهر أن المراد بها خصوص الإمام المعصوم× ولا تشمل نائب الإمام المعصوم وهو ولي الأمر المتصدي لشؤون المسلمين العامة ولكن بلحاظ استعمال لفظ الرعية في مقابل الإمام قد يقال إنه لا توجد خصوصية للإمام المعصوم وأن الرواية ناظرة إلى مطلق الإمام الذي يلي أمور المسلمين ويلي أمور الرعية فالرواية ناظرة إلى مطلق الراعي ومطلق الولي فمن يلي أمور المسلمين إن كان عادلاً تحققت الثمرة المرجوة وإن كان جائراً تحقق ما ورد في الرواية من العذاب، وبالتالي عنوان كل إمام عادل من الله لا يختص بخصوص الإمام المعصوم فالإمام النائب عن المعصوم× وهو الولي الفقيه يصدق عليه أنه إمام عادل من الله أي أنه إمام عادل طبقاً للشروط التي أرادها الله¨ وإن كان هذا المعنى فيه بعض التكلف، إذ ظاهر الرواية إمام عادل من الله يعني منصوب من قبل الله¨ وبناء على هذا لا تكون هذه المعتبرة تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر لأنها مختصة بخصوص الإمام المعصوم× والله العالم.

هذه الرواية الثانية معتبرة حبيب السجستاني ذُكر نفس هذا النص في كتاب إثبات الهداة للحر العاملي عن الصدوق في كتاب صفات الشيعة قال حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رفعه عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني عن أبي جعفر× إذاً هذه الرواية مرفوعة فهي ضعيفة السند قال: قال رسول الله| معتبرة حبيب السجستاني التي ذكرناها الإمام أبو جعفر الباقر هو الذي قال: قال الله¨ ولكن في هذه المرفوعة الإمام الباقر ينقل عن رسول الله ـ قال: (قال رسول الله| قال الله ® لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ليس من الله وإن كانت الرعية عند الله بارة تقية ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعية في أعمالها ظالمة مسيئة). [3]

هذه الرواية أيضاً رواها الشيخ الصدوق في عقاب الأعمال بسند صحيح لكن جاء في عبارتها الأخيرة هكذا (لأعفون عن كل رعية في الإسلام أطاعت إماما هاديا من الله®)[4] ، فإذا أخذنا بما ورد بسند صحيح في كتاب عقاب الأعمال للصدوق فإن ظهور الرواية يكون واضحاً في الإمام المعصوم إذ جاء فيها إماماً هادياً من الله® فتكون دلالتها أقوى من المرفوعة وأقوى من معتبرة حبيب السجستاني التي ذكرناها فيتم المطلوب وهو أن هذه الرواية ناظرة إلى خصوص الإمام المعصوم ولا تشمل ولي الأمر.

إذاً النتيجة النهائية معتبرة حبيب السجستاني بأسانيدها الثلاثة غير تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

الرواية الثالثة صحيحة محمد بن مسلم

قال سمعت أبا جعفر× يقول: (كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها فلما جنها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في مربضها فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغتر بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فإنك تائهةً متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيرة ناده ـ ذعرة يعني خائفة مرعوبة ناده يعني شاردة نافرة ـ ناده لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها فبينما هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله® ظاهراً عادلاً أصبح ضالاً تائهاً وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كَرَمَادٍ﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ﴾ [5] [6] [7]

دلت هذه الرواية على اعتبار العدالة في الإمام والشاهد على ذلك قوله× (والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله® ظاهراً عادلاً أصبح ضالاً تائهاً).

وفيه: إن هذه الرواية وإن كانت صحيحة السند إلا أنها ليست تامة الدلالة إذ أنها تختص بخصوص الإمام المعصوم× والقرينة على ذلك عدة عبارات منها قوله× (كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول) فقد ورد لفظ لا إمام له من الله وأيضا سعيه غير مقبول وهذان العنوانان لا يصدقان إلا على الإمام المعصوم× فهو إمام من الله ومن لا يدين بإمامته فسعيه وعمله غير مقبول، وهذان العنوانان لا ينطبقان على ولي الأمر وهذا في صدر الرواية وأما ما ورد في ذيل الرواية من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله أي منصوباً من قبل الله¨، إذاً هذه الرواية الثالثة وإن كانت تامة السند إلا أنها غير تامة الدلالة فهي لا تدل على اشتراط العدالة في ولي الأمر.

الرواية الرابعة ما رواه بن أبي يعفور

قال عبد الله بن أبي يعفور: قلت لأبي عبد الله× إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوال لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق قال: (فاستوى أبو عبد الله× جالساً فأقبل عليّ كالغضبان ثم قال لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله قلتُ لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء قال نعم لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ثم قال ألا تسمع لقول اللهP ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله وقال وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من اللهP خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع ﴿الكفار أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [8] [9]

هذه الرواية نصت على عنوان العدالة في قوله× (لولايتهم كل إمام عادل من الله) فهي تدل على اشتراط العدالة في الإمام الذي هو ولي أمر المسلمين، وفيه: إن هذه الرواية كسابقاتها واضحة في أنها خاصة بالإمام المعصوم× ولا تشمل ولي الأمر بقرينة قوله× إمام عادل من الله في مقابل إمام جائر ليس من الله والمراد بجور الإمام ليس ظلمه فقط وتعديه على الناس وإنما المراد أصل جوره باغتصابه لمنصب الإمام وموقع الإمامة فهذه الرواية في مقام إثبات أحقية الأئمة^ في مقابل إثبات بطلان من اغتصب مقام الإمام وتبوء الخلافة بين المسلمين، إذاً هذه الرواية أجنبية، إذاً الرواية الرابعة غير تامة سنداً ودلالة وأكثر الروايات الثلاثين الذي سنذكرها غير تامة إما من ناحية السند وإما من ناحية الدلالة لكننا نتطرق إليها لأن الأعلام قد ذكروها واستدلوا بها وأصل هذا البحث للشيخ المنتظري& [10] ، وقد ذكر إحدى وعشرين رواية.

وقد نظر إليها سماحة الشيخ المؤمن القمي+[11] ، وسيتضح أن أكثر هذه الروايات الاثني عشر التي اسُتدل بها الشيخ المؤمن القمي ليست تامة وإنما هي ناظرة إلى خصوص الإمام المعصوم×.

ونحن نناقش الروايات التي ذكرها الشيخ المؤمن القمي زيادة على ما ذكره الشيخ المنتظريî وبعد أن ننهي الروايات الاثني عشر سنتطرق إلى بقية الروايات الإحدى وعشرين التي ذكرها الشيخ المنتظري وسيتضح أن أغلبها ليس بتام سنداً ودلالة ولكن يكفينا الرواية الأولى معتبرة سدير.

الرواية الخامسة ما رواه عمار بن مروان

قد رواها الشيخ الصدوق في الخصال في باب الستة بسنده الصحيح عن عمار بن مروان قال: (قال أبو عبد الله× السحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة ومنها أجور القضاة وأجور الفواجر) [12] ، ورواه الشيخ الحر العاملي بسنده الصحيح عن معاني الأخبار نحو هذا التعبير[13] ، وأخرجه العياشي في تفسيره مرسلا عن عمار بن مروان مثل ما عن معاني الأخبار[14]

هذه الرواية الصحيحة تدل على حرمة ما أصاب الإنسان مقابل الأعمال التي يعملها للولاة الظلمة وتحريم هذه الأعمال إنما هو بسبب أن أعمال الولاة الظلمة والعمل لهم حرام ولذلك أوجب حرمة أخذ الأجرة على هذه الأعمال.

وفيه: قد يكون التحريم من باب حرمة الإعانة على الإثم لا من باب اشتراط العدالة في الوالي فإذا كان الوالي ظالماً وعمل المكلف له أعمالا فإنه بمثل هذه الأعمال قد يكون قد أعانه على ظلمه ﴿وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ فقد تكون هذه الرواية ناظرة إلى تحريم ما أصاب الإنسان من أعمال الولاة الظلمة لا من جهة عدم مشروعية عمل الظالم بل من جهة إعانة الظالم على إثمه، فلا تدل هذه الرواية على اشتراط العدالة في الوالي والإمام، إذاً هذه الرواية ليست تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر، طبعاً سيأتي أن اشتراط العدالة في ولي الأمر من البديهيات ومن واضحات حكم العقل وإذا تمت دلالة الآيات أو الروايات أو الإجماع على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين فإن هذه الأدلة إنما هي ارشاد إلى حكم العقل باشتراط العدالة بولي الأمر.

الرواية السادسة من كتاب الإمام علي× الى أهل مصر

ما جاء في نهج البلاغة في كتاب أمير المؤمنين× الذي كتبه إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها وجعله في تمام نهج البلاغة من كتاب أمير المؤمنين الطويل الذي أمر أن يقرأ على الناس كل يوم جمعة فقد جاء فيه (إني والله لو لقيتهم واحداً وهم قلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالهم الذي هم فيه والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي وإني إلى لقاء الله لمشتاق وحسن ثوابه لمنتظر راج ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا فإن منهم الذي قد شرب فيكم الحرام وجُلد حداً في الإسلام وإن منهم من لم يسلم حتى رُضخت له على الإسلام الرضائخ فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم وجمعكم وتحريضكم ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم) [15]

هذه الرواية من مرسلات نهج البلاغة فهي غير تامة سنداً وإن كان لعهد الإمام لمالك الأشتر اعتبار خاص بمشهوريته ومعروفيته بل ذهب بعض الأعلام إلى أن ذكر الرواية في نهج البلاغة يعطيها قوة اعتبار فالخطبة أو الكتاب المذكور في نهج البلاغة يكون اعتباره أكثر من الخطبة أو الكتاب الذي لا يذكر في نهج البلاغة إذ أن روايات نهج البلاغة أصلها مسند وإنما حذف السيد الشريف الرضيJ أسانيدها لأنه لم يكن في مقام الاستدلال وإنما في مقام بيان الأمور البلاغية فهذه الرواية يتعامل معها معاملة المراسيل فهي ضعيفة الاعتبار من ناحية السند وإن كانت تامة الدلالة إذ أن الإمام× يأسى ويحزن على أن يلي أمر الأمة السفهاء والفجار ثم يعلل لأنهم يتخذون مال الله دولا، يتداولون مال الله فيما بينهم، إذاً الرواية السادسة تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر وإن كانت ضعيفة من ناحية السند، الآن بالعكس الروايات السابقة تامة سنداً ضعيفة دلالة الآن بالعكس أكثر روايات نهج البلاغة التي سنذكرها تامة دلالة ضعيفة سنداً وهذا هو الأهم لأنه إذا كانت ضعيفة السند لكن تامة الدلالة وكثرت فإنها قد تشكل تواتراً أو استفاضة.

الرواية السابعة في وصف الحق

جاء نهج البلاغة أيضاً في كلام لأمير المؤمنينj يصف الإمام الحق وفي كتاب تمام نهج البلاغة من خطبة طويلة خطبها أمير المؤمنين قبل أيام من استشهاده وفيه زيادة قبل ما في نهج البلاغة نقدمها ـ هذه الزيادة في تمام نهج البلاغة للسيد صادق ابن السيد محمد باقر ابن السيد عبد الله الموسوي الشيرازي ـ فقال× (أيها الناس إن مثل معاوية لا يجوز أن يكون أمينا على الدماء والأحكام والفروج والمغانم والصدقة ـ إن مثل معاوية يعني ليست خاصة بمعاوية أمثال معاوية ـ فهو المتهم في نفسه ودينه المجرب بالخيانة للأمانة الناقض للسنة المستأصل للذمة التارك للكتاب اللعين ابن اللعين لعنه رسول الله| في عشرة مواطن ولعن أباه وأخاه) [16]

والمقطع الذي يشترك في نهج البلاغة مع تمام نهج البلاغة وهذا مقطع مشهور معروف (وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ـ الشاهد ـ ولا الحائف للدول فيتخذوا قوماً دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة)([17] ) [18] ـ وزاد عليه في تمام نهج البلاغة ولا الباغي فيدحض الحق ولا الفاسق فيشين الشرع ـ.

هذه الخطبة من مشهورات نهج البلاغة فهي وإن تُعُمِلَ معها معاملة المراسيل ولكن قد يكون لها بعض الاعتبار وإن كانت ليست تامة من ناحية السند إذ أنها رواية مرسلة وأما من ناحية الدلالة فهذه الرواية والخطبة تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر والشاهد على ذلك ما ورد في نهج البلاغة من قوله× (ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم) والمراد بالحائف الظالم والمراد بالدول ليس الدول والحكومات وإنما الأموال لأنها تتداول من يد إلى يد فما يتداول من أموال يقال له دول فالظالم يظلم بالنسبة إلى الأموال فيعطي ناس دون ناس والرواية تقول (ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوماً) يعني يخص قوم ويتخذهم ويزيدهم العطاء دون قوم آخرين، إذاً الخلاصة الرواية السابعة تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر وإن كانت ضعيفة من ناحية السند.

الرواية الثامنة من كلام لأمير المؤمنين× لعثمان بن حنيف

جاء في نهج البلاغة أيضاً من كلام لأمير المؤمنين× لعثمان بن حنيف اجتمع الناس لديه وسألوه استعتابه لعثمان فقال له بعد تنبيهه على أنه سفير للناس وبعد تذكيره بأنه أيضاً عالم بما ينبغي أن يعمل قال× (فالله الله في نفسك فإنك والله لا تبصّر من عمل ولا تعلم من جهل وإن الطرق لواضحة وإن أعلام الدين لقائمة فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدي وهدا فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة وإن السنن لنيرة لها أعلام وإن البدعة لظاهرة لها أعلام وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به فأمات سنة مأخوذة وأحيا بدعة متروكة وإني سمعت رسول الله| يقول يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في نار جهنم فيدور فيها كما تدور الرحى ثم يرتبط في قعرها) [19]

إن هذه الرواية كسابقتها من مرسلات نهج البلاغة إلا أنها تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين إذ ورد فيها فعلاً أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدي وهَدى ولم يرد فيها إمام عادل من الله حتى تنصرف إلى خصوص الإمام المعصوم×، إذاً هذه الرواية تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر لكنها ضعيفة السند.

الرواية التاسعة في قسم حكم أمير المؤمنين×

ما جاء في نهج البلاغة في قسم حكم أمير المؤمنين× قوله (من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم) [20]

إن هذه الرواية من مرسلات نهج البلاغة وقد يتأمل في دلالتها على اشتراط العدالة في ولي الأمر فهي تدل على أن ولي الأمر يجب أن يؤدب نفسه وأن يؤدب غيره بسيرته قبل أن يكون بقوله لكنها لا تدل على أن إمامة ولي الأمر مشروطة بالعدالة هذه الرواية تدل على أن ولي الأمر يؤدب نفسه ويؤدب غيره ولكنها لا تدل على اشتراط العدالة قد يقال بوجود الملازمة إذا أدب نفسه تحققت العدالة ولكن لا ملازمة في البين فهذه الرواية غير تامة سنداً ودلالة كذلك الشيخ المؤمن القميî لا يرى أنها تدل على ذلك.

الرواية العاشرة مرسلة عن تحف العقول

ما جاء في تحف العقول عن الإمام الصادق× في تفسير القسم الحلال من الولاية والقسم الحرام من الولاية على ما رواه صاحب تحف العقول قال× (فإحدى الجهتين من الولاية ولاية ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم على الناس وولاة ولاته إلى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو وال عليه والجهة الأخرى من الولاية ولاية ولاة الجور وولاة ولاته إلى أدناهم باباً من الأبواب التي هو وال عليه فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته وولاة ولاته بجهة ما أمر الله به الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل الله به ولا نقصان منه ولا تحريف لقوله ولا تعد لأمره إلى غيره فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له والعمل معه معونته في ولايته وتقويته حلال محلل وحلال الكسب معهم وذلك أن في ولاية والي العدل وولاته إحياء كل حق وكل عدل وإماتة كل ظلم وجور وفساد فلذلك كان السعي في تقوية سلطانه والمعين له في ولايته ساعياً إلى طاعة الله مقوياً لدينه وأما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته الرئيس منهم وأتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم باب من أبواب الولاية على من هو والي عليه والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام محرم معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لأن كل شيء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر وذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق وإحياء الباطل كله وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه فلذلك حرم العمل معه ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة) [21] [22]

هذه الرواية من مرسلات تحف العقول التي قد يتأمل فيها من جهة صياغتها إذ أنها غريبة إلى سبك عبائر الفقهاء فهي أقرب إلى عبائر الفقهاء من تعابير الروايات الشريفة وتفصيل المناقشة فيها يذكر عادة في بداية المكاسب المحرمة للشيخ الأنصاريî حيث ذكر رواية تحف العقول فالرواية من ناحية السند ضعيفة وأما من ناحية الدلالة فهي تامة الدلالة على اشتراط العدالة في الوالي إذ أنها بدأت بالإمام المعصومj العادل إذ قال ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته فهذا التعبير ناظر إلى خصوص الإمام المعصوم× لكنها بعد ذلك نظرت إلى الولاة الذين يلون من جهة الوالي العادل ومن جهة الإمام المعصوم¤ وذلك في قوله (فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له أو العمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محلل وحلال الكسب معه) وهذا ناظر إلى الإمام غير المعصوم وهو ولي أمر المسلمين.

إذاً الرواية العاشرة تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر إلا أنها ضعيفة من ناحية السند.

 


[11] الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص157، 168.
[16] تمام نهج البلاغة، الخطبة 61، ص580.
[17] تمام نهج البلاغة، الخطبة 61، ص508.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo