< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/06/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل الأعلمية شرط في ولي أمر المسلمين أم تكفي فقاهته والمراد بالأعلم الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها المقررة كما هو مذكور في تاريخ الأعلم في الرسائل العملية كالمسائل المنتخبة ومنهاج الصالحين للسيد أبو القاسم الخوئي&.

دلت الأدلة على اشتراط الإجتهاد المطلق والفقاهة في ولي الأمر فهل يشترط على ذلك أن يكون ولي الأمر هو الأعلم من بين الفقهاء؟ وتارةً يراد بالأعلمية الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية أي الأعلم في الفقه من بين بقية الفقهاء المعاصرين وتارةً يراد بالأعلم الأعلم في خصوص حقل معين فالأعلم في الفتوى هو الأعلم في الفقه إلا أن الأعلم فيما يرتبط بولاية الأمر هو الأعلم بالمسائل المتعلقة بشؤون الحكم وإدارة المجتمع العامة فالفقيه الذي يكون أقدر على استنباط الأحكام ويكون أكثر إلماماً بمختلف المسائل الجزئية فيما يتعلق بالحكم يكون هو الأعلم في شؤون الولاية.

وقد يستدل على الأعلمية في ولي أمر المسلمين بأدلة من الروايات والسيرة العقلائية ودليل العقل، فهذه ثلاثة أدلة نشرع في الأوّل وهي الروايات وقد يستدل على اشتراط الأعلمية في الفقيه وفي ولي أمر المسلمين بعدة روايات وردت فيها مفردة الأعلم وقد تصل إلى أربعة عشر رواية كما سنتطرق إليها تباعاً واحدة تلو الأخرى وقبل أن نشرع في بيان هذه الروايات وكيفية الاستدلال بها على الأعلمية ومناقشتها لا بأس ببيان أربعة أمور عامة لابد من ملاحظتها في استظهار هذه الروايات ومناقشتها.

الأمر الأوّل إن لفظ أعلم وغيره من أفعل التفضيل تارة يراد به المعنى التفضيلي وتارة يراد به المعنى الوصفي فإذا قيل فلان أعلم من فلان دل هذا اللفظ على وجود جهة اشتراك وهو العلم بينهما وعلى جهة امتياز وهو كون فلان أكثر علماً من فلان الآخر فحينئذ تكون مفردة أعلم يراد بها المعنى التفضيلي، وأحياناً تطلق لفظة أعلم فتقول فلان أعلم من إبليس أو فلان أعلم من الحيوان الفلاني فلا يراد بذلك اشتراك فلان مع إبليس أو الحيوان الفلاني في العلم وإنما يراد به انحصار العلم في فلان دون إبليس ودون الحيوان الفلاني فهذا ما يراد به المعنى الوصفي أي أن صفة العلم منحصرة بخصوص فلان دون الحيوان الفلاني، وهذا ما ينبغي ملاحظته في الآيات والروايات فتارة يستخدم لفظ أفعل التفضيل ويراد به المعنى التفضيلي وتارة يستخدم ويراد به المعنى الوصفي، فمثلا قوله® {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}([1] ).

لا يراد به إن ذوي الأرحام يشتركون جميعاً في الإرث فمن الواضح إن في الإرث توجد ثلاث طبقات والطبقة الأولى تمنع الثانية والثانية تمنع الثالثة فإذا وجدت الطبقة الأولى وهم الأبناء والآباء فإنهم يمنعون الطبقة الثانية وهم الأعمام والأخوال فالآية الكريمة حينما تقول {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} أي أن الطبقة الأولى والأبناء والآباء أولى من الطبقة الثانية وهم الأعمام والأخوال وكذلك الطبقة الثانية أولى من الطبقة الثالثة الأجداد فهذا لا يعني أنه يوجد بين الطبقة الأولى والثانية اشتراك إلا أن الطبقة الأولى أولى وإنما يراد به المعنى الوصفي أي أن حق الإرث مختص بالطبقة الأولى دون الطبقة الثانية لا أن الإرث مشترك بين الطبقة الأولى والثانية بينما الطبقة الأولى أولى وأفضل.

مثال آخر قوله® {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[2] )، فلا يراد بها إن الله¨ يشترك مع الآخرين في الخالقية إلا أنه أحسن خلقاً بينما الآخرين حسن الخلقة بل المراد به الاختصاص {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} يعني فتبارك الله الذي أحسن خلقة هؤلاء فهنا يراد به المعنى التوصيفي ولا يراد به المعنى التفضيلي.

وإذا رجعنا إلى كتاب الله¨ لاستقصاء مفردة أحق فإننا نجد تسع آيات، الآية الأولى منها قد استخدمت لفظة أحق بالمعنى التفضيلي بينما الآيات الثمان الأخر قد استعملت لفظة أحق بمعنى حق أي المعنى التوصيفي.

الآية الأولى قوله¨ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}([3] ).

هنا استعملت الآية مفردة أحق بالمعنى التفضيلي حيث إن المراد بها إن الزوج أولى بزوجته المطلقة من غيره من الرجال فهنا أريد المعنى التفضيلي وأما بقية الآيات الثمان كما سيأتي ذكرها تباعا فمن الواضح فيها إن مفردة أحق قد استخدمت بمعنى حق فهي قد استخدمت بالمعنى الوصفي وهو اختصاص الأحقية لا بالمعنى التفضيلي أي الاشتراك في الحق إلا أن أحد الطرفين أحق من هذه الآيات:

الآية الأولى {قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ}([4] ).

ونحن أحق بالملك منه يعني ونحن حقيقون بالملك منه أي أن الملك ثابت لنا لأننا أكثر أموالاً وجاهة و{أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا} فهنا أحق بالمعنى الوصفي.

الآية الثانية قوله¨ {فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا}([5] )، أي لشهادتنا حق وشهادتهم باطل لا أننا نشترك معهم في الحق لكن شهادتنا أحق فهنا أريد بلفظة أحق يعني حقيقة بالإتباع من شهادتهما فأريد المعنى الوصفي.

الآية الثالثة قوله® {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}([6] )، أي حقيقة بالأمن إن كنتم تعلمون فأريد المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي.

الآية الرابعة قوله تعالى {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ}([7] )، أي فالله حقيق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين فأريد المعنى الوصفي والاختصاص يعني الله © يختص بالخشية دون غيره لا أنه يشترك مع غيره في الخشية إلا أنه أفضل وأحق.

الآية الخامسة قوله تعالى {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ}([8] )، أي حقيق أن تقوم فيه يعني المسجد الذي أسس على التقوى حقيق بالقيام فيه دون المسجد الذي أسس على أساس الضرار فلا حق للقيام فيه فأريد المعنى الوصفي.

الآية السادسة قوله تعالى {أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى}([9] )، أي حقيق أن يتبع فليس المراد الاشتراك بالحق وإنما المراد الاختصاص بالحق فمن يهدي يختص به الحق دون من لا يهدي.

الآية السابعة قوله¨ {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}([10] )، أي كانوا حقيقون بها فهؤلاء ثبتت لهم أنهم أهل التقوى وأهل المغفرة دون غيرهم فيراد بلفظة الأحق هنا المعنى الوصفي الاختصاصي دون المعنى التفضيلي الاشتراكي.

الآية الثامنة قولP {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ}([11] )، أي والله حقيق أن تخشاه فلا يراد أن الخشية مشتركة بين الله والناس وغاية ما في الأمر كون الله أحق بالخشية بل المراد أن الخشية لا تثبت للناس بتاتاً وإنما هي مختصة بالله¨، هذا تمام الكلام في بيان النقطة الأولى والمقدمة الأولى وخلاصتها إن أفعل التفضيل كمفردة أعلم تارة تطلق ويراد بها المعنى التفضيلي فتدل على الأعلمية وتارة تطلق ويراد بها المعنى الوصفي فلا تدل على الأعلمية وإنما تدل على اختصاص العلم.

الأمر الثاني أو المقدمة الثانية تارة تطلق مفردة أعلم في الروايات ويراد بها العلم الواقعي وتارة تطلق ويراد بها العلم الظاهري والمراد بالعلم الواقعي العلم بواقع الأحكام الشرعية الذي يختص بمعرفته المعصوم× بخلاف أكثر علوم الفقهاء فإنها أحكام ظاهرية والكثير من الروايات الشريفة التي وردت فيها مفردة أعلم أو أعلمهم كانت ناظرة إلى أمير المؤمنين× أو إلى خصوص الإمام المعصومj فيراد بها من حاز العلم الواقعي فلا تشمل من حاز العلم الظاهري وهو مورد بحثنا وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى.

الأمر الثالث لو سلمنا بالأمر الأوّل وهو أن المراد بأفعل التفضيل هو المعنى التفضيلي وسلمنا بالأمر الثاني وهو أن المراد بالعلم هو العلم الظاهري دون العلم الواقعي فمن يقول إن المراد بالأعلمية هو خصوص الأعلمية في الفقه وفي الإلمام بالمباني الفقهية فإذا سلمنا بالأعلمية كبروياً فإننا لا نسلم بخصوص الأعلمية في الفقه صغروياً إذ الرجوع إلى الأعلم هو من باب رجوع الجاهل إلى العالم في خصوص تلك المسألة وأعلمية كل أمر بحسبه فأعلمية الطبيب ترجع إلى حذاقته في فنه وأعلمية المرجع والمفتي ترجع إلى إحاطته بمباني الفقه وآراء الأعلام وقوة الملكة على استنباط الأحكام الشرعية من مداركها المقررة، وأعلمية ولي الأمر ترجع إلى ما هو معدود من وظائفه كالخبرة في الشؤون السياسية والدولية واستخراج الأحكام الشرعية المتعلقة بما يرتبط بشؤون المسلمين العامة كالجهاد وحفظ ثغور الدولة الإسلامية والعلاقات الدولية وما شاكل ذلك، فيكون المراد بالأعلمية ليس خصوص الأعلمية في استنباط المسائل الفقهية فقط وإنما يضاف إليه الأعلمية في استنباط المسائل المرتبطة بولاية الأمر والشؤون العامة وهذا يرجع إلى الكفاءة فيؤول معنى الأعلمية إلى الأكفأ فيكون الفقيه الأعلم في ولاية الأمر هو الفقيه الأكفأ والفقيه الأخبر في استنباط المسائل الفقهية المرتبطة بولاية الأمر وهذا ما سنلاحظه في بعض الروايات التي ورد فيها لفظ الأعلمية إذ أن الإمام الصادق× سألهم عن مسائل فقهية ترتبط بولاية الأمر وبالجهاد والقيام ولم يسألهم عن مسائل شرعية تتعلق بالطهارة أو الصلاة مما هو بعيد عن شؤون ولاية الأمر العامة.

إذاً خلاصة المقدمة الثالثة إذا سلمنا بالأعلمية فإننا نسلم بأن المراد بها الأخبر فيما يتعلق بشؤون الولاية العامة للمسلمين وليس المراد بها الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية الفقهية البحتة التي ربما لا يكون لها علاقة بولاية الأمر.

الأمر الرابع لو سلمنا بما ورد في المقدمة الثالثة وبنينا على أن المراد بالأعلمية هو الأعلمية الفقهية لا الأعلمية بالمسائل الفقهية المختصة بشؤون ولاية الأمر فأعلم الفقهاء مطلقاً هو الذي يجب أن يكون ولي أمر المسلمين فإذا سلمنا بذلك نقول في المقدمة الرابعة لو نظرنا إلى كلمات صاحب الجواهر+ ومن جاء بعده كالشيخ الأنصاري+ وبقية العلماء من فحول الطائفة كالمحقق الآشتياني في كتاب القضاء والسيد اليزدي في كتابه العروة الوثقى وغيرهم إلى الكثير من أعلام العصر فإنهم لم يقولوا بالأعلمية في ولي الأمر، نعم الكثير من المعاصرين قد اشترط الأعلمية في مرجع التقليد والكثير منهم قد قال باشتراط الأعلمية بناء على الإحتياط الوجوبي لأن مدرك الأعلمية السيرة العقلائية كما سيأتي والبعض قد يشكك في انعقاد هذه السيرة فلتشكيكه في هذه السيرة وعدم جزمه يحتاط بالقول بالأعلمية بينما من يجزم بانعقاد سيرة العقلاء على الرجوع إلى الأعلم ويجزم أيضاً بإمضاء الإمام المعصومj لهكذا سيرة فإنه يجزم باشتراط الأعلمية ويفتي بها لكن الكثير من الفقهاء المعاصرين يحتاط وجوباً في تقليد الأعلم ولا يفتي بذلك، فإذا رجعنا إلى كلام المحقق صاحب الجواهر+ فيما ذكره في كتاب القضاء إذ أنه قال إن عدم اشتراط الأعلمية في القاضي من القطعيات ولا ينبغي الوسوسة في ذلك قالî بل لعل أصل تأهل المفضول وكونه منصوباً يجري على قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصاً بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصب جميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الأفضل منهم([12] )، إذاً خلاصة المقدمة الرابعة لو سلمنا أن المراد بالأعلمية هو الأعلمية الفقهية فإننا نلاحظ أن الكثير من الفقهاء قد أعرضوا عن هذا الفهم ولم يقولوا به مما يوجب التوقف في ذلك أو الإحتياط.

الأمر الأوّل وفيه ثلاثة مقدمات:

المقدمة الأولى الكثير من هذه الروايات ورد فيها لفظ أعلم بالمعنى التوصيفي لا المعنى التفضيلي فلا تدل على الأعلمية.

المقدمة الثانية بعض هذه الروايات ورد فيها لفظ الأعلم وأُريد به العلم الواقعي المختص بالمعصومj فلا تشمل العلم الظاهري الذي هو مورد بحثنا في ولاية الفقيه العامة أو المطلقة.

المقدمة الثالثة لو سلمنا كبروياً بالأعلمية الواردة في الروايات فإننا لا نسلم صغروياً أن المراد بها الأعلمية الفقهية في الأحكام الشرعية وإنما المراد بها الأعلمية في الشؤون المرتبطة بولاية الأمر والشؤون العامة للمسلمين.

المقدمة الرابعة لو سلمنا أن المراد بالأعلمية هو الأعلمية الفقهية دون الأعلمية في الشؤون الخاصة بولاية الأمر فإن هذا الفهم لم يعمل به الكثير من الفقهاء ممن جاء بعد صاحب الجواهر+ وخصصنا صاحب الجواهر لأن القول بولاية الفقيه قد اشتد وانتشر بعد المرحوم المحقق الشيخ أحمد النراقيî وصاحب الجواهر ومن جاء بعدهم.

وأما الروايات الشريفة التي اسُتدل بها على الأعلمية وهي:

الرواية الأولى صحيحة العيس بن القاسم

التي رواها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن عيسى بن القاسم قال سمعت أبا عبد الله× يقول: >فو الله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها<([13] ).

هذه الرواية سندها صحيح وسيتضح من خلال البحث أن الروايات الأربعة عشر ليس فيها سند صحيح إلا الرواية الأولى والثانية وأما بقية الروايات من الرواية الثالثة إلى الرواية الرابعة عشر فكلها ضعيفة من ناحية السند ويقع الكلام فيها من ناحية الدلالة لذلك أهم روايتين في بحثنا هما الرواية الأولى وهي صحيحة العيس بن القاسم والرواية الثانية وهي صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي.

أما من ناحية السند فهي صحيحة السند وقد ذكرت في الكافي للكلينيJ وأما من ناحية الدلالة فهي دالة على الأعلمية إذ أن الإمام× قد استند إلى أمر عقلائي وهو أن الراعي يأتي بمن يعلم بشؤون غنمه فإذا وجد من هو أعلم منه قدم الأعلم على العالم فتكون الرواية قد دلت على تطابق العقل والنقل في اشتراط الأعلمية.

والجواب هذه الرواية صدر البيان فيها لنفي الولاية عن الولاة الغاصبين الذين منعوا أهل البيت^ حقهم وجلسوا مجلسهم غصباً وبغياً بالباطل وبغير حق فلا تدل هذه الرواية على وجود جهة اشتراك بين أهل البيت^ وبين الغاصبين للولاية حتى يقال بتقديم الأعلم على العالم، فهذه الرواية قد استعملت فيها مفردة أعلم بمعنى العالم المختص بالشؤون والتمثيل بالراعي يراد به إن صاحب الغنم قد يوكل أمور غنمه إلى شخص يرى أنه عالم بشؤون غنمه فإذا اكتشف أنه ليس بعالم وغيره أعلم منه أي أن غيره هو العالم قدم الغير وهو الشخص الآخر على الشخص الذي اعتقد في أنه عالم بشؤون غنمه خصوصاً إذا لاحظنا مورد الرواية من أن الإنسان له نفس واحدة ولو كانت له نفسان لجرب بإحداهما وافتدى بها لكي يحافظ على النفس الأخرى ولكنها نفس واحدة >فانظروا من تتبعون< فهنا ليس المراد بمن تتبعون يعني أفعل التفضيل الأعلم وإنما يراد به خصوص العالم المختص، إذاً هذه الرواية لا يحمل فيها لفظ أعلم على أفعل التفضيل والمعنى التفضيلي بل يحمل فيه لفظ أعلم على المعنى الوصفي أي أن أهل البيت^ هم العلماء الواجبوا الإتباع دون غيرهم لا أنهم يشتركون مع غيرهم ممن اغتصب الخلافة في العلم إلا أنهم أعلم منهم هذا تمام الكلام في المناقشة الأولى والأمر الأوّل.

الأمر الثاني لو سلمنا أن المراد بلفظة أعلم المعنى التفضيلي دون المعنى الوصفي فإننا نقول إن الأعلمية في كل شيء بحسبه فالأعلمية المطلوبة في الراعي ليس المراد بها الاعلمية في الفقه وإنما يراد بها كون هذا الراعي أخبر من غيره بشؤون الغنم وهكذا الأعلمية في الطب يراد بها أن هذا الطبيب أخبر من غيره وأحذق بشؤون الطب وكلامنا في ولاية الأمر والتصدي للشؤون العامة للمسلمين فيراد بالأعلمية فيها الأخبرية في استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بشؤون المسلمين العامة وولاية الأمر ولا يراد بها الأعلمية في الفقه في المسائل الفقهية البحتة التي ربما لا علاقة لها بأحكام الدولة الإسلامية.

الأمر الثالث المناقشة الثالثة هذه الرواية يحمل فيها العلم على العلم الواقعي لا العلم الظاهري لأنها ناظرة إلى الإمام المعصومj الأحق بالإتباع من إمام الضلال الذي يخرج داعياً إلى نفسه ومن الواضح أن العلم المعتبر في الإمام المعصوم× هو العلم الواقعي دون العلم الظاهري.

المناقشة الرابعة لو تنزلنا وحملنا العلم الوارد في الرواية على العلم الظاهري دون العلم الواقعي فإننا نلاحظ أن الكثير من الفقهاء لم يفهم الأعلمية ولم يشترط الأعلمية في القاضي فضلاً عن ولي الأمر ودونك ما ذكرناه من عبارة صاحب الجواهر+ فعباراتهم وكلامهم وإن لم يكن حجة علينا ولكن إطباق الكثير من الأعلام المعاصرين من فحول فقهائناz وعدم فهمهم لاشتراط الأعلمية في الفقه فيمن يتصدى للرئاسة والشؤون العامة قد يبعد هذا الفهم عن الأذهان والله المستعان.

إذاً النتيجة النهائية الرواية الأولى وإن كانت تامة السند إلا أنها غير تامة الدلالة على اشتراط الأعلمية في ولي الأمر.

الرواية الثانية صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي

التي رواها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن الإمام الصادق× والرواية طويلة وهي واردة في دخول جمع من رؤساء المعتزلة وقد بايعوا محمد بن عبد الله بن الحسن بالولاية فدخلوا على أبي عبد الله الصادق× طالبين منه الدخول معهم ولنلاحظ الأسئلة الفقهية الذي سألهم الإمام الصادق× فهي كلها مرتبطة بولاية الأمر فقد ورد في الرواية أن الإمام الصادق× سألهم عن مسائل في باب تعيين ولي الأمر وفي كيفية المعاملة مع الكفار إذا ظهروا عليهم في الحرب وفي مصرف خمس الغنائم الحربية وفي مصرف نفسها وفي مصرف الصدقات الواجبة فلم يعلموا بحكم الله تعالى فيها ومن الواضح أنها كلها من المسائل العملية المتعلقة بولاية الأمر، ثم أقبل الإمام الصادق× على عمر بن عبيد وهو منهم فقال له: >اتق الله وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله فإن أبي حدثني وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله ® وسنة نبيه| ــ هنا أعلمهم يراد به العالم منهم يعني أبي أختص بالعلم بالكتاب دون هؤلاء وليس المراد أن أبي الباقر اشترك مع هؤلاء في العلم بالكتاب وفاقهم يراد به العالم المختص كما يراد به العلم الواقعي لا العلم الظاهري ـ أن رسول الله| قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف<([14] ).

هذه الرواية تامة سنداً كما أنها من ناحية الدلالة نصت على اشتراط الأعلمية إذ جاء فيها >من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف<([15] ) فقد نهت الرواية عن دعوة الناس إلى النفس إذا كان الداعي ليس بأعلم فيكون من الضالين المتكلفين.

وفيه: إن هذه الرواية وإن كانت تامة من ناحية السند فهي صحيحة إلا أنها ليس بتامة من ناحية الدلالة إذ هي واردة فيمن يدعو الناس إلى نفسه أن يدعي الإمامة وقد وردت رواية في ذم زيد النار وهو زيد ابن الإمام موسى بن جعفر أخ الإمام الرضا× لأنه خرج داعياً إلى نفسه، بينما الروايات الأخرى قد مدحت زيد بن علي بن الحسين الشهيد ولم تصفه بالضلالة والتكلف لأنه دعا إلى الرضا من آل محمد أي إلى إمامة الإمام الصادق× >ولو ظفر لوفى< كما ورد في الروايات الشريفة، إذاً هيئة إفعل إعلم قد وردت بمعناها الوصفي لا بمعناها التفضيلي يعني من يدعو الناس إلى نفسه لابد أن يكون عالماً لا أن يكون جاهلاً والمراد بهذا العلم العلم الواقعي الذي أعطاه اللهP للأئمة المعصومين^، إذاً الرواية أولاً لا تدل على المدعى لأنها ناظرة إلى العلم الواقعي لا العلم الظاهري.

وثانياً لو سلمنا أن المراد بالعلم هو العلم الظاهري لا الواقعي فإنها ناظرة إلى المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي.

وثالثاً أعلمية كل شيء بحسبه فمن دعا إلى نفسه وادعى الإمامة فلابد أن يكون أعلم بالشؤون المرتبطة بالإمامة والولاية فيراد بذلك أن يكون هو الأعلم في تدبير شؤون الملك والحكم وتنظيم شؤون المجتمع وأين هذا من اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين، وهذه الرواية قد ورد مضمونها في الكثير من الروايات مع اختلاف الأسانيد مما يظهر أنها رواية واحدة لكن أسانيدها متعددة، من هذه الأسانيد أو من هذه المضامين ما ورد في كتاب سليم بن قيس وسنتطرق إلى هذه الرواية وقد ورد أيضاً في وسائل الشيعة([16] ).

هذا تمام الكلام في بيان الروايتين الأولتين الصحيحتين على اشتراط الأعلمية في ولي الأمر واتضح أنهما ليسا تامي الدلالة على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولاية الأمر، يبقى الكلام في اثني عشر رواية أخرى من الرواية الثالثة إلى الرواية الرابعة عشر وسيتضح أن هذه الروايات بأجمعها ضعيفة السند بالإضافة إلى ضعف دلالتها فلا يتم القسم الأوّل من الأدلة على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر وهو الاستدلال بالروايات الشريفة، الرواية الثالثة.

 


[12] () جواهر الكلام، ج40، ص44.
[13] () روضة الكافي، ج8، ص264، الحديث 381؛ وسائل الشيعة، ج15، ص50، الحديث 19964؛ بحار الأنوار، ج52، ص301.
[14] () فروع الكافي، ج6، ص23 و27، الحديث الأوّل؛ وسائل الشيعة، الحديث الثاني، الباب9 من أبواب جهاد العدو، وأيضا الحديث الثالث، الباب41 من الوسائل؛ تهذيب الأحكام، الطوسي، ج6، ص148، الحديث 7، مستدرك الوسائل، ج11، ص29، الحديث 12353، الاحتجاج، ج2، ص364.
[15] () مستدرك سفينة البحار، ج3، ص46، وتفسير العياشي، ج2، ص85.
[16] () وسائل الشيعة، ج15، ص41، حديث 19950.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo