< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط التاسع: من شروط ولي الأمر الشجاعة والحسم

شروط ولي الأمر كما سيأتي ستزيد على عشرة وأهمها ثلاثة شروط سنبحثها في آخر هذه الشروط نظراً لأهميتها وهي الفقاهة والعدالة والكفاءة، وقد عبر السيد الإمام الخمينيJ في كتابه الحكومة الإسلامية وفي كتابه الآخر كتاب البيع الجزء الثاني بالعلم بالقانون عن الفقاهة والورع والتقوى عن العدالة وبالخبرة عن الكفاءة فهذه أركان مهمة ثلاثة في الولي الفقيه فلابد أن يكون فقيهاً أولاً وعادلاً ثانياً وخبيراً بصيراً بالأمور ثالثاً، إذاً من أهم شروط القائد وولي الأمر التي يختلف فيها عن مرجع التقليد هو شرط الكفاءة والخبرة فيشترط في مرجع التقليد أن يكون أعلم على الأحوط عند الكثير من مراجع العصر بينما قد لا تشترط الأعلمية في القائد وولي الأمر لكنه تشترط الخبروية فيشترط أن يكون ولي الأمر أكفئ من غيره من الفقهاء للتصدي لشؤون المسلمين العامة فلابد أن يكون أكثر خبرة وأكثر شجاعة وقاطعية.

شرط الكفاءة قد يتضمن خمسة أمور هذه الأمور الخمسة إما أن تبحث ضمن الكفاءة وإما لا تبحث وإذا لم تبحث في شرط الكفاءة إما أن تفرد لها عناوين خاصة بها لدراستها غير عنوان الكفاءة وإما أن يهمل ذكرها نظراً لاندراجها تحت عنوان الكفاءة هذه العناوين الخمسة كما يلي:

العنوان الأوّل: حُسن التدبير.

العنوان الثاني: الشم السياسي أو الحِس السياسي.

العنوان الثالث: الشجاعة والقاطعية.

العنوان الرابع: سلامة الحواس والأعضاء.

العنوان الخامس: الحلم وسعة الصدر.

فهذه العناوين الخمسة يمكن أن تندرج تحت عنوان الكفاءة فيراد بكفاءة ولي الفقيه أن يكون حسن التدبير أوّلاً ولديه حس سياسي وشم سياسي ثانياً ولديه شجاعة وقاطعية وحسم ثالثاً وأن تكون حواسه وأعضائه سليمة رابعاً وأن يكون حليماً واسع الصدر خامساً، فهذه العناوين الخمسة يمكن أن تندرج تحت عنوان الكفاءة الذي سندرسه عندما ندرس الفقاهة والعدالة والكفاءة، لكننا نفرد بعض هذه العناوين لأهميتها ولدورها الهام والحساس في القيادة مع أنها قد تندرج تحت عنوان الكفاءة لذلك شرط الكفاءة وهو شرط واحد سنقسمه إلى أربعة أقسام، القسم الأوّل شرط الكفاءة وسنذكر فيه الأمرين الأولين، الأوّل حسن التدبير والثاني الحس والشم السياسي هذا الأمر الأوّل، الأمر الثاني الشجاعة والحسم والقاطعية وهو ما سندرسه الآن، الثالث سلامة الحواس والأعضاء، الرابع الحلم وسعة الصدر، إذاً الشرط التاسع في ولي الأمر أي يكون شجاعاً قاطعاً، قوياً لديه قدرة على الحسم، وشرط الشجاعة وإن أمكن أن يندرج تحت شرط الكفاءة وشرط الكفاءة قد عبر عنه في بعض الروايات بشرط حسن الولاية فعنوان الكفاءة أو عنوان القوة وحسن الولاية كما عنونه الشيخ المنتظري&([1] )، وأدرج هذه العناوين الخمسة ضمن هذا العنوان أن يكون ولي الأمر قوياً حَسن الولاية وهذا العنوان حُسن الولاية قد ورد في الروايات الشريفة، إذاً الشجاعة يمكن إدراجها تحت عنوان الكفاءة أو تحت عنوان القوة وحُسن الولاية لكننا نذكرها كشرط مستقل ونفردها عن الكفاءة وحُسن الولاية نظراً لأهميتها في ولي الأمر، ولا بأس أن نذكر مثالاً للشجاعة والحسم([2] ).

ما هي الأدلة على اشتراط الشجاعة النفسية والحسم والقاطعية في ولي الأمر؟ نذكر على الأقل عشرة أدلة، الأدلة الخمسة الأولى منها تامة فهي تمثل دليلاً والأدلة الخمسة الأخرى من السادس إلى العاشر غير تامة سنداً فيمكن أن تشكل مؤيداً لاشتراط الشجاعة في ولي الأمر:

الدليل الأوّل التمسك بسيرة العقلاء والارتكاز العقلائي فمن الواضح أن العقلاء يعتبرون الشجاعة والقوة على تنفيذ الأمر في كل من يوكلون إليه مهمة معينة فإذا أوكل العقلاء إلى شخص معين مهمة معينة اعتبروا عدة أمور:

الأمر الأوّل علمه ومعرفته بالمهمة المناط إليه تنفيذها.

الأمر الثاني قدرته وتمكنه من القيام بهذه المهمة.

الأمر الثالث شجاعته وجرأته وإقدامه على تنفيذ هذه المهمة.

فإذا اشترط العقلاء الشجاعة على إبداء الرأي وتنفيذ المهمة في أي مهمة صغيرة كانت أو كبيرة فكيف لا يشترط العقلاء الشجاعة والقاطعية والقدرة على الحسم في أمر رئيسي وهام وعام لجميع الأمة الإسلامية ألا وهو التصدي للولاية العامة وإدارة شؤون المسلمين الكبرى، إذاً العقلاء بما هم عقلاء يوجد في ارتكازهم الذهني شرط هام فيمن يتصدى لشأن عام وكبير وهو الشجاعة والقدرة على الحسم والتنفيذ وقد جرت سيرتهم في معاملاتهم العرفية على ذلك وهذا الارتكاز العقلائي وهذا البناء العملي بمرأى ومسمع من المعصوم× ولو لم يكن مرضياً في الشريعة الغراء لردع عنه الأئمة^ ولم يردعوا عنه ولو كان لبان، إذاً الدليل الأوّل تام على اشتراط الشجاعة والحسم والقاطعية في ولي الأمر، وقد جعلنا الارتكاز العقلائي أو السيرة العقلائية كدليل أول لاشتراط الشجاعة في ولي الأمر لأنه قد يقال إن الروايات الشريفة إنما هي إرشاد إلى حكم العقل أو العقلاء وتوضيح الواضحات من أصعب المشكلات فهو لا يحتاج إلى بيان، إذاً الدليل الأوّل تام.

الدليل الثاني تقوّم مفهوم الولاية بالشجاعة وسد النقص فهناك عدة ولايات كولاية الأب أو الجد على الصغير وكولاية الفقيه على المجنون والأوقاف وكولاية الوصي على وصيه والفرق بين الولاية والوكالة أن الولاية تعبر عن سد نقص بخلاف الوكالة فإنها مجرد إعمال وإيجاد واسطة ولا تكشف عن نقص فإذا قلنا إن الأب أو الجد للأب لهما ولاية على تزويج الصغير فهذا يعني أن الصغير قاصر عن تزويج نفسه ويوجد به نقص وهذا النقص يسد بولاية الأب أو الجد للأب، وهكذا إذا قلنا إن فلاناً متولي الوقف الفلاني أي أن هناك ثغرات ونواقص في إدارة هذه الأوقاف لا تسد إلا بالرجوع إلى ولي الوقف، وهكذا يقال بالنسبة إلى ولي أمر المسلمين فمعنى ولاية الأمر أن هناك نواقص في إدارة المجتمع الإسلامي وأن المتصدي لإدارة أمور المجتمع الإسلامي لابد أن يرفع هذا النقص وأن يوصل المجتمع الإسلامي إلى الهدف الذي يرجوه، ولكي يصل المجتمع الإسلامي إلى هدفه المرجو لابد من تولي شؤونه والحسم والقطع في مختلف القضايا التي تعتري ذلك المجتمع الإسلامي، وهذا هو معنى الولاية فولاية أمر المسلمين تعني السلطة التي تحسم القضايا الراجعة إلى شؤون المسلمين العامة من خلال تشخيص المصالح من المفاسد وترجيح المصالح على المفاسد والقطع بذلك وتنفيذ ذلك بضرس قاطع، إذاً الدليل الثاني على اشتراط الشجاعة تام إذ لا يجبر النقص الحاصل في المجتمع الإسلامي إلا بتحلي الولي الفقيه بالشجاعة والقدرة على الحسم، فنفس مفهوم الولاية الذي معناه جبر النقص في المجتمع الإسلامي متقوم بالشجاعة ولا معنى لجبر النقص في المجتمع الإسلامي من دون شجاعة.

الدليل الثالث التمسك بما دل على أن الإمام قيم من الله على العباد والبلاد ولا معنى للقيمومة من دون حسم وشجاعة فقد جاء في صحيح إسحاق بن غالب عن الإمام الصادق× أنه قال: >كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماما علماً بيناً وهادياً نيراً وإماما قيماً ـ هذه المفردة الأولى ـ وحجة عالماً أئمة من الله يهدون بالحق وبه يعدلون حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه يدين بهداهم العباد وتستهل بنورهم البلاد وينمو ببركتهم التلال إلى أن يقول فإذا مضى مدة والده إلى أن قال فمضى وصار أمر الله إليه من بعده وقلده دينه وجعله الحجة على عباده وقيمه في بلاده إلى أن يقول وجعله حجة على أهل عالمه وضياء لأهل دينه والقيم على عباده رضي الله به إماماً لهم استودعه سراً إلى أن يقول واسترعاه لدينه إلى آخر الرواية<([3] ).

هذه الرواية وإن وردت في خصوص الإمام المعصوم× لكننا نبحث عن الفقيه الجامع للشرائط الذي ينوب عن الإمام المعصوم في تصديه للشؤون العامة فكما أن الإمام المعصوم قيم على العباد والبلاد فكذلك الفقيه الجامع للشرائط قيم على العباد والبلاد أيضاً فيما يرجع إلى الشؤون العامة لإدارة البلد الإسلامي، ومن الواضح أن معنى القيمومة توفر القدرة على إدارة وتدبير الشؤون ومن الواضح أنه لا معنى لتدبير الشؤون والإدارة من دون حسم وشجاعة، إذاً الدليل الثالث وهو صحيحة إسحاق بن غالب عن الإمام الصادق× تام الدلالة على اعتبار القيمومة والشجاعة في ولي أمر المسلمين.

الدليل الرابع التمسك بإطلاق أدلة اشتراط حسن الولاية، فقد جاء في بعض الروايات التعبير بحسن الولاية من هذه الروايات صحيحة سدير بن حكيم عن أبي جعفر× قال: >قال رسول الله| لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم<([4] ).

وقد يقال إن المراد بحسن الولاية هو الرفق بالرعية ولزوم اللين معهم بقرينة التمثيل حيث قال حتى يكون لهم كالوالد الرحيم، إلا أن الإنصاف إن هذه الرواية تدل على دخالة كل ما له دور في حسن الولاية كاللطف والرفق والشفقة لكن حسن الولاية لا يختص بخصوص هذه المفردة فالوالد الرحيم كما يعطف ويشفق على ولده إلا أنه قد يحسن الأمر مع ولده ويكون شديداً رعاية لمصلحته فالتمثيل بالوالد الرحيم لا يختص بخصوص جانب اللين والرحمة وإنما يشمل كل ما له مصلحة في ترتيب شؤون الولد، فكما أن الوالد رحيم بولده فكذلك الوالي رحيم بأمته، ومن أهم الأمور التي توجب الرحمة للأمة الشجاعة في تشخيص مصلحتها والحسم والقاطعية في تنفيذ القرارات التي نتيجتها تكون لمصلحة الأمة، إذاً الدليل الرابع وهو صحيحة سدير بن حكيم عن الإمام الباقر× تام الدلالة على اشتراط الشجاعة وحسن الولاية في ولي الأمر.

الدليل الخامس التمسك بقول أمير المؤمنين× في إحدى خطبه أقواهم عليه، فقد جاء في نهج البلاغة >أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه فإن شغب شاغب استعتب فإن أبى قوتل<([5] ).

تقريب الاستدلال ينص الإمام أمير المؤمنين× على أن المتصدي لشؤون المجتمع الإسلامي لابد أن يكون هو الأعلم بأمر الله فيما يرتبط بشؤون المجتمع الإسلامي وثانياً لابد أن يكون هو الأقوى على إدارة الشأن الإسلامي العام فالأعلم والأقوى هو الأحق بالولاية وهذه الأحقية إلزامية وليست استحسانية بدليل أن الإمام× قد فرع على ذلك بقوله إن شغب شاغب أي هيج الفساد في أمر ولاية هذا الولي المتصدي والذي هو أحق من غيره فإنه يقابل أوّلاً بالإستعتاب والمراد بذلك النصح ويعاتب ويطلب منه الرضا ورفع يده عن المشاغبة والشكوى فإن أصر على شغبه وأبى إلا المواصلة وإيجاد الفتنة فإنه يقاتل، إذاً الحديث يدل بوضوح تام على لزوم تقريب الأعلم والأقوى ومن الواضح أن الأشجع هو الأقوى، إذاً الدليل الخامس تام الدلالة على اشتراط الشجاعة في ولي الأمر إلا أن هذه الرواية مرسلة فهي من مرسلات نهج البلاغة.

الدليل السادس ما ورد في احتجاج أمير المؤمنين× والذي ورد في رواية رواها الطبرسي في الاحتجاج واصفاً لها بالصحة والرواية طويلة وموضع الشاهد منها قول أمير المؤمنين× محتجاً على الأوّل والثاني وغيرهما بقوله >أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله| وتأخذونه منا أهل البيت غصباً ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله| ـ وهذا ما جرى في السقيفة ـ فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار أنا أولى برسول الله حياً وميتاً وأنا وصيه ووزيره إلى أن يقول وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور وأذربكم لساناً وأثبتكم جناناً ـ قلباً ـ فعلى ما تنازعونا هذا الأمر أنصفونا إن كنتم تخافون الله على أنفسكم ثم اعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفته الأنصار لكم وإلا فبوئوا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون<([6] ).

تقريب الاستدلال التمسك بقوله× >وأذربكم لساناً وأثبتكم جناناً<، ضرب اللسان في اللغة يعني كونه حديداً ماضياً وثبوت الجنان هو كون القلب قوياً في الشدائد فيدل كلامه× على اعتبار ذرب اللسان وثبات الجنان في ولي الأمر بدرجة يوجب تقديم الأذرب لساناً والأثبت قلباً على غيره وبالتالي يقدم الأذرب والأثبت على غيره، ومن الواضح أن ذرب اللسان وقوة الجنان لا يحصلان إلا إذا كان الشخص شجاعاً قوياً حاسماً عازماً قاطعاً فلابد أن يكون ولي الأمر ذا عزم وإرادة وشجاعة وريادة لكي يستطيع فصل الأمور ووضع الأمور في مواضعها، إذاً رواية الاحتجاج تامة الدلالة على اشتراط الشجاعة وقوة القلب في ولي الأمر إلا أنها ضعيفة السند فيصلح الدليل السادس كمؤيد كالدليل الخامس فالدليل الخامس والسادس تاما الدلالة مخدوشان من ناحية السند فهما من المؤيدات لا من الأدلة.

الدليل السابع ما جاء في رسالة المحكم والمتشابه وقد تقدم الحديث في سندها وتشكيك البعض في سندها لكن المهم النظر إلى مضمونها فقد جاء فيها في صفات الإمام >وأما اللواتي في صفات ذاته فإنه يجب أن يكون أزهد الناس وأعلم الناس وأشجع الناس وأكرم الناس وما يتبع ذلك لعلل تقتضيه<([7] ).

ومن الواضح قوة دلالة ما ورد في رسالة المحكم والمتشابه على اشتراط كون ولي الأمر أشجع الناس فضلاً عن اشتراط الشجاعة فهذه الرواية تامة الدلالة على المدعى إلا أنها ضعيفة السند فتصلح أن تكون مؤيداً للأدلة السابقة لذلك قدمنا دليل الارتكاز العقلائي فهذه الروايات مؤيدة للارتكاز العقلائي.

الدليل الثامن ما جاء في وصف أبي ذر الغفاريJ من أنه كان ضعيفاً في الإدارة والتدبير ولا يصلح للولاية فمن الروايات الدالة على ذلك من طرقنا ما جاء في بحار الأنوار عن أمالي الشيخ الطوسيî بسنده عن أبي ذر أن النبي| قال: >يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي إني أراك ضعيفاً فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم<([8] ).

تقريب الاستدلال فإذا لم يجز لأبي ذر أن يتأمر على اثنين ولا أن يتولى مال يتيم نظراً لضعفه فمن باب أولى لا يجوز لولي الأمر أن يتصدى للشؤون العامة إذا كان ضعيفاً وليس شجاعاً مع أن أبا ذر الغفاري كان شجاعاً لكن كان ينقصه التدبير هذا من طرقنا، وأما من طرق العامة ما جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: >قلت يا رسول الله ألا تستعملني ـ تجعلني والي ـ قال فضرب بيده على منكبه ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها<([9] )، وهذان الخبران لا ينافيان قداسة أبي ذر وفضائله الكثيرة فهي لا تتنافى مع ضعفه عن التدبير والإدارة ولربما يقال إن هاتين الروايتين ناظرتين إلى التدبير والإدارة لا إلى الشجاعة التي كان يتحلى بها أبو ذر الغفاريa لكن قد يقال إنها ناظرة إلى الشجاعة على اتخاذ القرار بقرينة قوله| >إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها<، ولكن هاتين الروايتين ضعيفتي السند فيمكن أن يقال إن الدليل الثامن مؤيد لاشتراط الشجاعة، وإذا استظهرنا منه الدلالة على قوة الإدارة وحسن التدبير فلا يصلح هذا الدليل للتأييد فضلاً عن الدلالة على اشتراط الشجاعة.

الدليل التاسع ما جاء في غرر الحكم عن أمير المؤمنين× أنه قال: >يحتاج الإمام إلى قلب عقول ولسان قئول وجَنان على إقامة الحق صؤول<([10] )، ومن الواضح أن هذه الرواية تدل على اشتراط وجود جنان وقلب قويين لدى الإمام وهذا ما يعبر عن اشتراط الشجاعة والقطع والحاسمية لكن هذه الرواية مرسلة فتسقط عن الاعتبار وتصلح أن تكون مؤيداً لا دليلاً.

الدليل العاشر والأخير ما جاء في عهد الإمام أمير المؤمنين× إلى مالك الأشتر حينما ولاه مصر قال× مخاطباً مالك الأشتر >ولا تُدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر ولا جباناً يضعفك عن الأمور ولا حريصاً يزين لك الشبه بالجور فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله<([11] ).

تقريب الاستدلال نهى الإمام× عن اتخاذ الجبان مشاوراً فإذا لم يصح أن يكون الجبان مشاوراً فمن باب أولى لا يصح أن يكون الجبان ولياً لأمر المسلمين.

المقطع الآخر من نفس عهد الإمام إلى مالك الأشتر قوله× >فولي من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأنقاهم جيباً وأفضلهم حلماً ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي المروئات الأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة<([12] ).

تقريب الاستدلال إذا كان الوالي وهو مالك الاشتر الذي ولاه أمير المؤمنين× قد أمره الإمام أمير المؤمنين بملازمة أهل الشجاعة واللصق بهم فمن باب أولى لابد أن يكون الوالي من أهل الشجاعة والنجدة والسخاء والسماحة، إلا أن هذا الكتاب ضعيف السند لأنه من مرسلات نهج البلاغة وإن كان من الكتب المشهورة لأمير المؤمنين من أشهر كتب نهج البلاغة والرسائل عهد الإمام إلى مالك الاشتر، هذه أدلة عشرة الأدلة الأربعة الأولى منها تامة وصحيحة الأدلة الستة الأخرى تصلح أن تكون مؤيدة، إذاً اشتراط الشجاعة في ولي الأمر تام لا غبار عليه بل قد يدعى أنه لا يحتاج إلى إقامة الدليل لوضوحه لأن المراد من الولاية ترتيب شؤون المجتمع العامة وترتيب شؤون المجتمع بحاجة إلى شجاعة وقوة حاسمة.

 


[1] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص319، الفصل الثامن في اعتبار القوة وحسن الولاية.
[2] () فقد انتصرت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني في 22 بهمن سنة 1357 هجرية شمسية وقد هبط الإمام الخميني إلى إيران مستقلاً طائرته من فرنسا إلى طهران في 12 بهمن أي أن الإمام الخميني بقي في طهران عشرة أيام ولم تنتصر الثورة إلا بعد عشرة أيام وفي ذلك الوقت كان الشاه محمد رضا بهلوي قد فر إلى خارج إيران وتشكلت حكومة مؤقتة برئاسة شاهبور بختيار، في الأيام المتأخرة من هذه العشرة فُرض حظر التجول في طهران ونزلت الدبابات والمدافع في شوارع طهران وصدر بيان من الحكومة مفاده أن من يخرج إلى الشارع سيطلق عليه النار، لكن الإمام الخميني+ قد تشاور مع مجلس قيادة الثورة الذين كانوا لا يرجحون خروج الناس إلى الشوارع إلا أنه قد ذهب إلى غرفته وأخرج ابنه السيد أحمد الخميني من الغرفة واختلى نصف ساعة مع نفسه ثم خرج ببيان مفاده أيها الشعب الإيراني العظيم يا من سطرتم الملاحم وقدمتم الشهداء اخرجوا بصدوركم العارية أمام قوات المدافع والدبابات، هنا جاءه بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة يبكون ويطلبون من السيد الإمام الخميني أن يتراجع وجاءه أيضاً السيد محمود الطالقاني+ وهو أوّل إمام جمعة في طهران بعد الانتصار وقد عذب وكان من الفقهاء المجاهدين أيام الشاه يطلب منه أن يتراجع فقال الإمام مقولته المشهورة (اگر فرموده بودن چي؟) فسكت السيد الطالقاني، أي إذا جاء الأمر ماذا أقول إذاً تفضلوا علينا ماذا أقول، وقد فهم بعضهم من هذه المقولة أنه جاءه أمر من الإمام المهدي الحجة بن الحسن والله العالم بواقع الحال.الشاهد خروج الناس إلى الدبابات تقدمت امرأة تقدم زهور وورود إلى الدبابة الأولى قالت لهم لماذا تقاتلون هذا السيد ابن رسول الله وهو مرجع من مراجع الدين استعطفته فاستدار بدبابته وضرب الدبابة التي بعده وهكذا فسقط لواء الدبابات انتصرت الثورة الإسلامية في إيران بعد ذلك اكتشفوا في وثائق السافاك وهي استخبارات الشاه أنه كان مقرر في ليل ذلك اليوم أن تعلن حكومة عسكرية وأن يعتقل الإمام الخميني وجميع أعضاء مجلس قيادة الثورة السيد البهشتي، السيد الخامنئي والشيخ الرفسنجاني وغيرهم ويعدموا جميعاً لكي تنتهي الثورة، يقول الإمام القائد الخامنئي~ لو لم يتخذ الإمام الخميني قرار إخراج الناس في تلك اللحظة لبقي محمد رضا بهلوي إيران إلى يومنا هذا، إذاً القائد هو الذي يتخذ القرار الشجاع والمناسب في اللحظة المناسبة وفي المكان المناسب من دون أن يتقدم ومن دون أن يتأخر فتأخير أي لحظة سيؤثر على واقع الأمة فلا يصلح أن يكون القائد متردداً، هذه مقدمة تاريخية لا بأس بها.
[3] () الكافي، ج1، ص302، الحديث 2.
[4] () الكافي، ج1، ص407، الحديث 8.
[5] () نهج البلاغة، الخطبة 173، ص247.
[6] () الاحتجاج، ج1، ص73.
[7] () رسالة المحكم والمتشابه، ص55، وقد نقلها العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج90، ص44، إيران، ج93، ص44، كتاب القرآن، الباب128، باب ما ورد في أصناف آيات القرآن.
[8] () بحار الأنوار، ج22 ص406 كتاب تاريخ نبي الأكرم|، باب كيفية إسلام أبو ذر، وأيضا بحار الأنوار، ج72، ص342؛ كتاب العشرة باب أحوال الملوك والأمراء، ج75، ص342، إيران.
[9] () صحيح مسلم، ج3، ص1457، كتاب الإمارة، الباب الرابع، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، الحديث 1825.
[10] () الغرر والدرر، ج6، ص472، الحديث 11010.
[11] () نهج البلاغة، الكتاب53، نسخة الفيض، ص998.
[12] () نهج البلاغة، الكتاب53، نسخة عبده، ج2، ص101.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo