< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرواية الثالثة: يا سدير الزم بيتك وكن حلساً

من الروايات التي اسُتدل بها على حرمة الخروج قبل قيام القائم$ هي الرواية الثالثة من الباب الثالث عشر من كتاب الوسائل([1] )، سند الرواية هكذا محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن بكر بن محمد عن سدير، إذاً هذه الرواية رواية صحيحة السند فلنطلق عليها صحيحة سدير.

عن سدير قال: قالَ أبو عبد الله× >يا سدير الزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك<([2] ).

تقريب الاستدلال، لا توجد خصوصية لسدير فالخطاب عام وإن وجه إلى سدير في الرواية الشريفة فيجب السكوت ويحرم الخروج قبل قيام القائم#، والتحقيق إن هذه الرواية صحيحة السند فلا كلام لنا في صحة سندها وإنما الكلام في دلالتها فإن إلغاء الخصوصية يتوقف على العلم بعدم دخالة خصوصية الشخص والمورد وهذا ممنوع في مثل سدير، فإذا رجعنا إلى حال سدير في الرجال وتتبعنا حاله سنجد أن سدير كان رجلاً مخلصاً للإمام الصادق× ولم يكن ممن يتمكن من القيام لوحده ويقيم الدولة الإسلامية لكن سدير كان ممن تغلب عواطفه وأحاسيسه على فكره وتدبيره وكان يظن أن خروج الإمام الصادق× سيحقق الدولة الإسلامية، وكان يعتقد أن الشرائط قد تحققت لتصدي الإمام للخلافة الظاهرية فكان ينتظر خروج الإمام الصادق× لكي يكون تحت رايته، فأراد الإمام× من هذه الرواية أن يوضح لسدير إنه× ليس ممن يوفق للتصدي للخلافة الظاهرية وأن الذي يوفق للتصدي هو خصوص القائم من آل محمد× وعلامته خروج السفياني، والواجب على سدير وممن هم من أمثاله ممن وقعوا تحت تأثير الحركات والتحركات وابتلوا بالإحساس الخاطئ هو لزوم البيت حتى لا يُهلك نفسه ويُهلك الآخرين معه.

هذا التحقيق الذي توصل إليه الشيخ المنتظري&([3] ) وأقام عليه شواهد ثلاثة وهي في محلها:

الشاهد الأوّل: ما رواه الكليني في الكافي عن سدير الصيرفي وننقل رواية طويلة بحذافيرها لدلالتها على المطلب، قال: >دخلت على أبي عبد الله× فقلت له والله ما يسعك القعود فقال ولمَ يا سدير؟ قلت لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لو كان لأمير المؤمنين× ما لك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي فقال يا سدير وكم عسى أن تكونوا؟ قلت مئة ألف قال مئة ألف؟ قلت نعم ومئتي ألف قال مئتي ألف؟ قلت نعم ونصف الدنيا قال فسكت عني ثم قال يَخِفُ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع قلت نعم، فأمر بحمار وبغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال يا سدير ترى أن تؤثرني بالحمار قلت البغل أزين وأندم قال الحمار أرفق بي فنزلت فركب الحمار وركبت البغلة فمضينا فحانت الصلاة فقال يا سدير انزل بنا نصلي ثم قال هذه أرض سبخة لا يجوز الصلاة فيها فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء ونظر غلام يرعى جداء فقال والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر<([4] ).

فهذه الرواية تدل على أن الإمام الصادقj لا يرى حرمة القيام وإنما قعد لقلة الناصر، إذ أنه قال: >لو كان عندي أنصار بعدد هذه الجداء وهي سبعة عشر لقمت< فإذاً الإمام الصادق× بناء على هذه الرواية لا يرى حرمة القيام وإنما يرى عدم توفر شروط القيام.

وأما وجه الاستشهاد بهذه الرواية فهي أن سدير الصيرفي كان يعتقد توفر هذه الشروط وكان يدعو الإمام الصادق× إلى القيام فالإمام قال له >الزم بيتك وكن حلسا من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك< ([5] )، أي أن الذي ينهض بالقيام ويوفق لإقامة الدولة منّا أهل البيت هو خصوص الإمام القائم# وعلامته خروج السفياني.

الشاهد الثاني: ما ذكره الشيخ عبد الله المامقاني&([6] )، ينقل هذه الرواية، ذُكر عند أبي عبد الله× سدير فقالj >سدير عصيدة بكل لون<، ثم يوضح الشيخ عبد الله المامقانيî المراد بكل لون يقول، والمراد منه على الظاهر أنه معقود بكل لون وأنه رجل احساسي مزاجي غير مستقيم بحسب الفكر والدقة إلّا أنه ملتزم بالتقية الواجبة ويتلون عند كل فرقة بلون يحفظ به نفسه ثم يأتي بشاهد على ذلك الشيخ عبد الله المامقاني، يقول إذ لو كان كذلك لم يقع في سجن المخالفين وقد ورد فيه أن أبا عبد الله× قال لزيد الشَّحام >يا شَّحام إني طلبت الى إلهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن وكانا في السجن فوهبهما لي وخلَّ سبيلهما<([7] )، إذاً هذا الشاهد الثاني >عصيدة بكل لون< يعني تأخذه الأحاسيس ومختلف الألوان والعواطف خصوصاً هذه الرواية أنه دخل السجن هو وعبد السلام بن عبد الرحمن.

الشاهد الثالث: خبر معلى بن خنيس قال: ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم وسدير وكتب غير واحد إلى أبي عبد الله× حين ظَهَرَ المسودة ـ جنود أبي مسلم الخراساني كانوا يلبسون الثياب السود ـ قبل أن يظهر ولد العباس ـ يعني بنو العباس ـ بأنا قد قدّرنا أن يعود هذا الأمر إليك فما ترى؟ قال: >فضرب بالكتب الأرض ثم قال أوفٍ أوفٍ ما أنا لهؤلاء بإمام أما يعلمون أنه إنما يقتل السفياني<([8] ).

الظاهر إن المراد بعبد السلام بن نعيم هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم الذي ذكرناه في الشاهد الثاني ومرّ أنه كان مسجوناً مع سدير والإمام دعا لهما فخرجا من السجن، والمراد بالمسودة أتباع أبي مسلم الخراساني لسواد ألبستهم وألويتهم.

الواضح من هذا الشاهد أن سدير كان مندفعاً والإمام× قد ردعه وقال له >اجلس في بيتك وكن حلسا< ([9] ) والحلس هو الملازم للمنزل الذي لا يخرج منه، فكان العباسيون يرفعون شعارات براقة وهي الرضا من آل محمد وكان الذين يرفعونها الخراسانيون بزعامة أبي مسلم الخراساني.

قوله× >ما أنا لهؤلاء بإمام< فيه عدة احتمالات والأقرب فيها الاحتمال الأوّل >ما أنا لهؤلاء بإمام< أي أن أتباع أبي مسلم الخراساني لا يروني إماماً ولست إماماً لهم وهذه خدعة انطلت عليكم إذ أنهم يدينون بالولاء لأبي العباس السفاح ولا يدينون بالولاء للإمام الصادق×.

الاحتمال الثاني أن يكون قوله >ما أنا لهؤلاء بإمام< إشارة إلى سدير ورفقائه، فيريد أن يقول الإمام× لست لهم بإمام أي أنهم لا يطيعونني.

الاحتمال الثالث أن يراد بقوله >ما أنا لهؤلاء بإمام< أي لست أنا إمامهم الذي يتصدى للخلافة الظاهرية الفعلية فلا أوفق لذلك هؤلاء يتوهمون، ويقرب من هذا الخبر خبر آخر رواه الشيخ عبد الله المامقاني+ في تنقيح المقال نقلاً عن الكشي بسنده عن عبد الحميد بن أبي الديلم قال كنت عند أبي عبد الله× فأتاه كتاب عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم وكتاب الفيض أبن المختار وسليمان بن خالد يخبرونه أن الكوفة شاغرة برجلها وأنه إن أمرهم أن يأخذوها أخذوها فلما قرأ كتابهم رمى به ثم قال: >ما أنا لهؤلاء بإمام أما يعلمون أن صاحبهم السفياني<([10] )، لعل المراد أن صاحبهم السفياني يعني إن صاحبهم القائم المصاحب لخروج السفياني وهو عثمان أبن عنبسة من نسل بني أمية ويقال أنه من نسل خالد بن أبي سفيان أخ معاوية بن أبي سفيان لذلك في الرواية إذا خرج يقول له الإمام الحجة× السلام عليك يا بن العم لأن بني أمية وبنو هاشم أبناء عمومة فهاشم وعبدشمس أبو (أمية) اخوة يلتقون في عبد مناف بن قصي كما أن بنو أبو طالب وبنو العباس يلتقون في عبدالمطلب بن هاشم ثلاثتهم قرشيين، وأين مدفون هاشم بن عبد مناف؟ مدفون في غزة بفلسطين، وسمي هاشم لكرمه لأنه حصلت مجاعة في مكة فأصبح يهشم الثريد للناس لكرمه يطعم الناس فسمي هاشم بن عبد مناف، وهاشم ينتسب إليه بنو عبد المطلب ومنهم أهل البيت^ ومن ذريته النبي الأكرم| والإمام علي×.

الخلاصة الشواهد قد قامت على وجود خصوصية في سدير الصيرفي ولا يجوز إلغاء الخصوصية في الخطاب الموجه إلى سدير بلزوم بيته لاحتمال الخصوصية وهل يصح أن نرفع اليد عن هذه الخصوصية والحال أن هذه الرواية لو قلنا بعمومها لكانت في مقابل الآيات والروايات والأدلة العقلية التي تحكم بوجوب الدفاع عن الإسلام وإقامة الدولة الإسلامية، إذاً هذه الرواية وهي الرواية الثالثة لا تدل على المدعى.

خلاصة نتيجة: الرواية الثالثة هذه الرواية صحيحة من ناحية السند إلا أنها غير تامة الدلالة على حرمة الخروج قبل قيام القائم× لأنها رواية خاصة بسدير وليس فيها عموم حتى نتمسك بها، هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الرواية الثالثة، الرواية الرابعة من أخبار الباب.

 


[1] () مستدرك الوسائل، باب حكم الخروج بالسيف قبل قيام القائم ×، ج15، ص51، وقد رواها الكليني في روضة الكافي، ج8، ص264، الحديث 383.
[2] () نفس المصدر، ج11، ص36، باب13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.
[3] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص129.
[4] () الكافي، ج2، ص242، كتاب الإيمان والكفر، باب في قلة عدد المؤمنين، ح4.
[5] () وسائل الشيعة، ج11، ص3.
[6] () تنقيح المقال في علم الرجال، ج2، ص8.
[7] () تنقيح المقال في علم الرجال، ج2، ص8.
[8] () مستدرك الوسائل، الباب13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8، في نسخة ج11، ص37، في نسخة مؤسسة آل البيت، ج15، ص52.
[9] () وسائل الشيعة، ج11، ص11.
[10] () تنقيح المقال في علم الرجال، ج2، ص152؛ رجال الكشي، ص353.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo