< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأدلة اللفظية الروائية الدالة على ولاية الفقيه العامة

تطرقنا إلى أن الروايات التامة الدلالة على الولاية ثلاث وذكرنا خمسة وثلاثين رواية وحديث قد يُستدل بها على ولاية الفقيه العامة أو ولاية الفقيه المطلقة، سنذكر النتيجة النهائية التي توصلنا إليها من خلال بحث الدليل اللفظي الروائي الدال على ولاية الفقيه المطلقة.

من هذه الأحاديث الخمسة وثلاثين ثبت لدينا دلالة ثلاث روايات وهي تامة سنداً ودلالة على ولاية الفقيه العامة، اثنتان منها يدلان على ولاية الفقيه العامة وهما التوقيع الشريف والمقبولة، والحديث الثالث يدل على ولاية الفقيه المطلقة وهي موثقة السكوني.

إذاً من هذه الروايات الخمسة وثلاثين دلت ثلاث روايات على ولاية الفقيه العامة وعشرين رواية لا تشكّل دليلاً على ولاية الفقيه العامة لكنها تؤيد دلالة الروايات الدالة على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة، فمجموع الروايات الدالة والمؤيدة هي ثلاثة وعشرين رواية، وعندنا اثنى عشر رواية ليست دالة ولا مؤيدة لولاية الفقيه العامة فضلاً عن ولاية الفقيه المطلقة، المجموع ثلاثة وعشرين واثنى عشر وخمسة وثلاثين رواية أذكرها واحدة واحده على سبيل الفهرست وبعد الانتهاء أذكر الفارق بين ولاية الفقيه العامة وبين ولاية الفقيه المطلقة وبين ولاية الفقيه على الأمور الحسبية فهذه أبرز نظريات في الفقه الشيعي لإدارة الدولة الإسلامية، ولاية الفقيه من جهة الحُسبة أو من جهة الولاية العامة أو من جهة الولاية المطلقة، أذكر الفارق بين هذه النظريات الثلاث وأذكر القائلين بهذه النظريات مع الإشارة إلى المصادر.

أما بالنسبة إلى الأدلة اللفظية الروائية، عندنا خمسة وثلاثين رواية ثلاث منها قد دلت على ولاية الفقيه العامة، الحديث الأوّل هو التوقيع الشريف رواية إسحاق بن يعقوب قد اسُتدل لوحده سماحة سيدنا الأستاذ الحائري~ على ولاية الفقيه العامة، حيث ذكر في كتابه ولاية الأمر [1] قال التمسك بالنص الدال على ولاية الفقيه مباشرة، يعني يدل بطريق المباشر من دون توسيط مقدمات أخر، معروف التوقيع (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) [2] [3]

الحديث الثاني هو ما ذكرناه تحت عنوان الدليل الثالث أو الحديث الثالث مقبولة عمر بن حنظلة وقد تمسك بهذا الدليل لوحده بعض الفقهاء كالمحقق النائيني [4]

يقول: إذا يتم من أدلة ولاية الفقيه العامة لا يتم إلا مقبولة عمر بن حنظلة، لكن الميرزا النائينيî في تقرير بحثه الثاني[5] يناقش جميع الأدلة التي أقيمت على ولاية الفقيه العامة وينكرها ويناقش أيضاً المقبولة، وفي المتن ينتهي إلى دلالتها ولكن في الحاشية ينكر دلالتها، والميرزا النائيني& يمكن أن تنسب له ثلاث نظريات:

النظرية الأولى: ولاية الفقيه من جهة الحسبة وهذا ما يستفاد من تقرير بحثه منية الطالب في شرح المكاسب.

النظرية الثانية: ولاية الفقيه العامة وهذا ما يستفاد من تقرير بحثه الأخير المكاسب والبيع.

والنظرية الثالثة: وهي أوّل نظرية قال بها وهي نظرية الدولة المشروطة، يعني الدولة المشروطة والمقيّدة بأمرين وهما الدستور والمجلس النيابي وهي نظريته التي كتبها في كتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة، إذاً الميرزا النائينيî يمكن أن تنسب له ثلاث نظريات لكن لعل النظرية الأخيرة هي قوله بولاية الفقيه العامة لذلك السيد الإمام الخميني+ في كتابه ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية أشار إلى أن من القائلين بولاية الفقيه العامة المحقق النراقي والميرزا النائيني، فيمكن الرجوع للسيد الإمام تقريباً [6] ، أشار إلى هذا.

طبعاً هذان الحديثان الأوّلان، الحديث الأوّل (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)[7] هذا يدل على ولاية الفقيه العامة ولا يدل على ولاية الفقيه المطلقة، الرواية الثانية مقبولة عمر بن حنظلة التي تشير إلى أنه (فإني قد جعلته عليكم حاكما) أيضاً تشير إلى ولاية الفقيه العامة ولا تشير إلى ولاية الفقيه المطلقة.

الدليل الثالث هو موثقة السكوني (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال السلطان) [8] هذه الرواية تامة سنداً ودلالة فمن ناحية السند هي موثقة ومن ناحية الدلالة تدل على ولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن ولاية الفقيه العامة لأن الفقيه أمين الرسل والرواية مطلقة، (الفقهاء أمناء الرسل) [9] يعني في كل ما أئتمن فيه الرسل الفقهاء أمناء، فكل ما يثبت للرسول والإمام المعصوم^ فيما يتعلق بشؤون الدولة الإسلامية والحكم يثبت أيضاً للفقيه، إذاً نحن نلتزم بولاية الفقيه المطلقة تمسكاً بموثقة السكوني، وهذه الأدلة الثلاثة اُستدل بها السيد الإمام الخميني+ على ولاية الفقيه المطلقة، سنذكر الروايات المؤيدة، طبعاً موثقة السكوني الدليل الثالث ذكرناها تحت عنوان الدليل السابع أو الحديث السابع الآن نأتي إلى الروايات المؤيدة عشرين رواية.

الرواية الأولى طبعاً نذكر أوّل، أربع روايات نحن نعتبرها مؤيدة، السيد الإمام اعتبرها دليلاً، السيد الإمام اُستدل بسبعة روايات، الروايات الثلاث الأوّل التي نرى أنها تشكّل دليلاً والروايات الأربع الأول من المؤيدات التي نراها مؤيدة والسيد الإمام+ يراها دليلاً، صار المجموع سبع أدلة استدل بها السيد الإمام الخميني+.

الرواية الأولى المؤيدة صحيحة القداح (إن العلماء ورثة الأنبياء) [10] [11] ، وهي تشكل الدليل الخامس الذي أشرنا إليه في أبحاثنا.

الرواية الثانية مشهورة أبي خديجة (فإني قد جعلته عليكم قاضياً) [12] [13] ، وهي الدليل الثامن الذي أشرنا إليه.

الرواية الثالثة هي رواية علي بن أبي حمزة (الفقهاء حصون الإسلام) [14] [15] ، وهي الدليل العاشر الذي أشرنا إليه.

هذه الروايات الثلاث الأول اسُتدل بها الإمام الخميني+ على ولاية الفقيه المطلقة.

الرواية الرابعة مرسلة الفقيه، (اللهم ارحم خلفائي)، وهي الدليل الثالث أو الحديث الثالث الذي أشرنا إليه، إذاً هذه الروايات الأربع السيد الإمام+ جعلها دليلاً، صحيحة القداح ومشهورة أبي خديجة ورواية علي ابن أبي حمزة ومرسلة الفقيه، طبعاً مرسلة الفقيه نحن ذكرناها كدليل ثالث أو الحديث الثالث، الى هنا ذكرنا أربع روايات مؤيدة.

الرواية الخامسة المؤيدة هي مرسلة التحرير (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) [16] [17] ، وهي الدليل الرابع الذي ذكرناه.

الرواية السادسة ما جاء في نهج البلاغة (إن أحق الناس بهذا الأمر أقومهم به... إلى آخر الرواية)[18] [19] ، وهي الدليل الثالث عشر.

الرواية السابعة ما روي عن الرسول| (أدلكم على الخلفاء من أمتي ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي هم حملة القرآن والأحاديث عني)[20] ، وهو الحديث السابع عشر.

الرواية الثامنة ما جاء في غرر الحكم (العلماء حكّام)[21] ، وذكرناها تحت عنوان الحديث التاسع عشر.

الرواية التاسعة حديث إسماعيل بن جابر (العلماء أمناء)[22] [23] [24] ، وهو ما ذكرناه تحت عنوان الحديث العشرون.

طبعاً توجد روايتان ذكرناها في المؤيدات يُستدل بهما على ولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن العامة وهما مرسلة الفقيه (اللهم ارحم خلفائي)[25] ورواية إسماعيل بن جابر (العلماء أمناء) [26] [27] [28] ، هاتان الروايتان من ناحية الدلالة دلالتهما تامة على ولاية الفقيه المطلقة، جعلناهما من المؤيدات لأن رواية اللهم ارحم خلفائي من مراسيل الصدوق الجازمة في كتابه من لا يحضره الفقيه ونحن لا نرى حجية المراسيل الجازمة للصدوق، ولكن يمكن اعتماد هذه الرواية لأن سندها جاء بخمس طرق فجاء مسنداً وجاء مرسلاً فلتعدد أسانيد هذه الرواية ربما يحصل وثوق واطمئنان بصدورها فيقال بحجيتها، وكذلك الرواية الأخرى العلماء أمناء هذه الرواية من ناحية السند رواية إسماعيل بن جعفر توجد فيها مشكلة من جهة محمد بن سنان وهو مختلف في توثيقه وتضعيفه، فلو قلنا بتوثيقه يمكن الاستناد إلى هذه الرواية فتكون الأدلة الدالة على ولاية الفقيه العامة خمس روايات، اثنتان منها تدلان على ولاية الفقيه العامة، طبعاً الخمس كلهم يدلون على ولاية الفقيه العامة، اثنتان من هذه الخمس يدلان على ولاية الفقيه العامة فقط وهما مقبولة عمر بن حنظلة والتوقيع الشريف (وأما الحوادث الواقعة) [29] وثلاثة من هذه الروايات تدل على ولاية الفقيه المطلقة وهي موثقة السكوني (الفقهاء أمناء الرسل)[30] ، الثانية رواية إسماعيل بن جابر (العلماء أمناء)، والثالثة مرسلة الفقيه (اللهم ارحم خلفائي)[31] ، وبالتالي تكون الأدلة ثلاثة أو خمسة فتثبت ولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن ولاية الفقيه العامة.

الرواية العاشرة المؤيدة هي رواية جامع الأخبار (علماء أمتي كسائر الأنبياء قبلي) [32] ، وهي حديث 21 حسب ترتيب بحثنا.

الرواية الحادية عشر المؤيدة رواية الفقه الرضوي (منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل) [33] ، وهي الحديث الثاني والعشرون الذي ذكرناه.

الرواية الثانية عشر المؤيدة رواية الاحتجاج (من خير خلق الله بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى العلماء إلى آخره) [34] ، وهي الرواية رقم 23 التي ذكرناها في أبحاثنا.

الحديث الثالث عشر المؤيد رواية مجمع البيان (فضل العالم على الناس كفضلي على أدناهم)[35] ، وهي حديث أربعة وعشرين في سلسلة أبحاثنا.

الحديث الرابع عشر ما ورد في كتاب منية المريد (عظم العلماء إلى أن يقول وكفضل على كل شيء) [36] [37] ، وهو الحديث خمسة وعشرين في ترتيب بحثنا.

الحديث الخامس عشر من الأحاديث المؤيدة ما جاء في كنز الكراجكي (الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك) [38] ، وهو الحديث السادس والعشرين حسب ترتيب بحثنا.

الحديث السادس عشر ما جاء في تفسير الإمام العسكري× (لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء) [39] ، وهو الحديث السابع والعشرون.

الحديث السابع عشر رواية أبي خديجة (فإني قد جعلته قاضياً)[40] [41] ، وهو الحديث ثمانية وعشرين، يعني هذه الرواية الثانية لأبي خديجة.

الحديث الثامن عشر ما جاء في علل الشرائع (لو لم يجعل لهم إماما قيماً أميناً حافظاً إلى آخر الرواية)، وهي الحديث ثلاثين في سلسلة أبحاثنا.

الحديث التاسع عشر ما جاء في الرواية الفقهاء قادة وهو الحديث الرابع والثلاثين.

الحديث العشرون ما جاء في تفسير القمي& (اعرفوا الله بالله إلى أن يقول وأولي الأمر) [42] [43] ، وهو حديث خمسة وثلاثين من سلسلة الأبحاث.

إذاً هذه عشرون رواية تؤيد ولاية الفقيه العامة أو المطلقة، بعضها تؤيد الولاية العامة وبعضها تؤيد الولاية المطلقة، مثلاً (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)[44] (إن العلماء ورثة الأنبياء) هذان يؤيدان ولاية الفقيه المطلقة، ولكن رواية غرر الحكم (العلماء حكّام) تؤيد ولاية الفقيه العامة.

وأما الأحاديث الاثني عشر التي لم تدل على ولاية الفقيه فهي كما يلي:

الرواية الأولى مرسلة تحف العقول (مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء بالله)[45] ، وهي الحديث الثاني في سلسلة الأبحاث.

الرواية الثانية رواية داود بن فرقد (ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون ويضلون)، وهي الحديث التاسع من سلسلة الأبحاث.

الرواية الثالثة الذي لم يدل ولم يؤيد حديث جعفر بن غياث (إقامة الحدود إلى من إليه الحكم)[46] ، وهو الحديث الحادي عشر من سلسلة الأبحاث.

الحديث الرابع ذيل الخطبة الشقشقية (وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم)[47] ، وهو الحديث الثاني عشر.

الحديث الخامس ما جاء عن أمير المؤمنين (وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج إلى آخر الرواية)[48] ، وهو الحديث الرابع عشر.

الحديث السادس رواية البرقي (من أمَّ قوماً وفيهم أعلم منه إلى آخر الرواية) [49] [50] ، هو الحديث الخامس عشر.

الحديث السابع رواية السكوني (لا خير في العيش إلا لرجلين عالم مطاع أو مستمع واع) [51] [52] ،[53] وهي الحديث السادس عشر.

الحديث الثامن رواية دعائم الإسلام عن الإمام الصادق× (ولاية أهل العدل) [54] ، وهي الحديث الثامن عشر.

الحديث التاسع الرواية العامية (السلطان ولي من لا ولي له)[55] ، وهي الحديث التاسع والعشرون.

الحديث العاشر والحادي عشر والثاني عشر هم على الترتيب حديث واحد وثلاثين واثنين وثلاثين وثلاثة وثلاثين الذي ذكرهم السيد الگلبايگاني& في رسالته وقلنا إنها لا تدل على المدعى.

إذاً الحديث العاشر وهو الحديث الواحد والثلاثين حسب ترتيبنا والحديث الحادي عشر وهو اثنين وثلاثين حسب ترتيبنا والحديث اثنا عشر هو الحديث ثلاثة وثلاثين. حسب ترتيبنا تكون هذه الأحاديث التي استدل بها المرحوم السيد الگلبايگانيî في كتابه.

طبعاً يصير الحديث العاشر رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع (مات رجل من أصحابنا ولم يوصي). [56]

الحادي عشر رواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت الرضا×: عن رجل مات بغير وصية وترك أولاداً ذكراناً وغلماناً صغاراً) [57]

والحديث الثاني عشر رواية الفقه الرضوي الحديث الثالث والثلاثين (أن لأيْسُرِ للقبيلة وهو فقيهها وهو عالمها أن يتصرف لليتيم في ماله فيما يراه حظاً وصلاحاً) [58] [59]

إلى هنا انتهينا من بيان تفصيل نتائج الروايات الخمسة وثلاثين واتضح أنه توجد ثلاث أو خمس روايات دالة على ولاية الفقيه المطلقة وتوجد عشرين أو ثمانية عشر رواية مؤيدة، عشرين رواية إذاً الدال على ولاية الفقيه المطلقة، ثلاث روايات، ثمانية عشر رواية مؤيدة إذا الدال على أخذ الخمس، فالمجموع ثلاث وعشرين رواية تدل على ولاية الفقيه العامة وبعضها يدل على ولاية الفقيه المطلقة.

اثنا عشر رواية لا تدل ولا تؤيد ولاية الفقيه العامة فضلاً عن ولاية الفقيه المطلقة، أقول تكفي دلالة رواية واحدة على ولاية الفقيه المطلقة وهي موثقة السكوني، (الفقهاء أمناء الرسل)، وبالإضافة إلى هذا المقدار الأقل أو القدر المتيقن عندنا روايات أخر تدل على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة وعندنا عشرون رواية مؤيدة، هذه الروايات العشرون المؤيدة وأكثرها دلالتها واضحة وإنما الخدشة من ناحية السند توجب الاطمئنان لا أقل يحصل منها التواتر الإجمالي ويوجب الوثوق.

في خاتمة هذا البحث نذكر ثلاث ملاحظات مهمة قبل أن نتطرق إلى النظريات الثلاث:

الملاحظة الأولى: الفرق بين الحق وبين الولاية.

الملاحظة الثانية: الفرق بين الولاية وبين الوكالة.

الملاحظة الثالثة: الفرق بين الولاية العامة والولاية الأنفسية.

هذه ملاحظات هامة ولابد من التطرق لها حتى يتنقح الموضوع وتكون الرؤية واضحة جداً.

أما الملاحظة الأولى الفرق بين الحق وبين الولاية، إذا قلنا بولاية الفقيه العامة أو المطلقة فهل المراد أن سلطة الفقيه حق له أو المراد بالولاية أمر آخر غير الحق، وبعبارة أخرى الولاية هل هي حكم أو حق والجواب الولاية هي حكم شرعي جعله الله فإن الأحكام على نحويين، أحكام شرعية وأحكام ولائية وولاية الفقيه من الأحكام الولائية التي شرعها الله ¨، إذاً ما هو الفرق بين الحق والولاية؟ لتوضيح هذا الأمر نذكر نص كلام الفقيه الكبير السيد بحر العلوم+ في كتابه بلغة الفقيه[60] ، عنده رسالة في الولايات يقول: والفرق بين الحق والولاية ـ إلى أن يأتي إلى موطن الشاهد أثر الحق وأثر الولاية يقول ـ فأثرها في الأوّل يعني الحق وهو التصرف من صاحبها إنما هو غالباً لاستيفاء ما هو له ولمصلحته، إذاً ثمرة الحق أن صاحب الحق يستوفي حقه ويقضي مصلحته هذه ثمرة الحق، مثل حق الخيار، لك حق خيار المجلس، لك حق خيار الحياة، يعني أنتَ يا صاحب الحق لك أن تأخذ بحقك وأن تأخذ بمصلحتك هكذا يقول: فأثرها في الأوّل وهو التصرف من صاحبها إنما هو غالباً لاستيفاء ما هو له ولمصلحته وفي الثاني يعني الولاية إنما هو نقص في المولّى عليه ورجوع مصلحته إليه اتقاناً للنظام، إذاً الولاية معناها وجود نقص يسد بوجود الولي فحينما تقول الأب أو الجد للأب ولي على الصبي غير البالغ يعني يوجد نقص في الصبي غير البالغ هذا النقص يسد من خلال إعمال الأب أو الجد للأب لولايته بما تقتضيه مصلحة الصبي وهكذا يقال بالنسبة إلى ولاية الفقيه على شؤون الدولة الإسلامية، يعني هناك نقص وفراغ في إدارة الشؤون العامة للمسلمين بل لمطلق الناس من مسلمين وغير مسلمين هذا النقص إنما يسده الفقيه الجامع للشرائط وإذا حصل خلاف في تشخيص مصلحة الأمة وفي تشخيص مصلحة الدولة فإن رأي الفقيه الجامع للشرائط نافذ على الجميع من مسلمين سواء كانوا سنة أو شيعة بل كل الناس من مسلمين وغير مسلمين فإن حكم الفقيه نافذ في حقهم.

إذاً ولاية الفقيه حكم شرعي ولائي وليست حقاً من الحقوق لأن المراد بالحق أن يعمل صاحب الحق حقه ويستوفي مصلحته بينما المراد بالولاية أن يعمل صاحب الولاية ولايته لكي يسد النقص الموجود فيكون رأيه نافذاً في تشخيصه للمصلحة، هذا تمام الكلام في الملاحظة الأولى الولاية.

نذكر نص كلام آية الله الشيخ المؤمن &[61] [62]

يقول: مقام الإمام بالنسبة إلى الأمة مقام الولي والقيم بالنسبة إلى المولّى عليه إن لازم كون أحد ولياً على الآخر واحداً كان الآخر أو جماعة أن يكون إدارة المولّى عليه إلى وليه فإنه مقتضى الولاية إلى أن يقول فالمفوض إلى هذا الولي الصالح بما أنه ولي ورئيس الدولة ليس إدارة هذه الجماعة المسلمة بما إنها جماعة وأمة واحدة فكل ما يرجع إلى مصالح الأمة بما أنها أمة فهو وليهم فيه ولا أمر لهم ولا اعتبار برضاهم وكراهتهم إلى أن يقول إذا جعله الله تعالى ولي لهذه الأمة كانت تصميماته نافذة في حقهم وإرادته ورضاه حاكمة عليهم ولا أمر لهم معه أصلا إن مقتضى الولاية إلغاء اختيار المولّى عليه ويقول[63] إن أمة الإسلام هم المولّى عليه ومن المعلوم أن لا خيرة ولا إرادة للمولّى عليه في حيطة إعمال ولاية الولي هذا الأمر الأوّل.

ومن الأمر الأوّل يتضح الأمر الثاني الفارق بين الولاية والوكالة، إذ أن الوكيل حدود تصرفاته تكون وفقاً للحدود التي يحددها الموكّل فإذا قلنا إن ولاية الفقيه عبارة عن توكيل الأمة للفقيه الجامع للشرائط فحينئذ لابد أن يتصرف الفقيه وفق الحدود التي تحددها الأمة، وهذه نظرية موجودة مؤخراً، آية الله الشيخ مهدي حائري& ابن الشيخ عبد الكريم الحائري+ مؤسس الحوزة، له كتاب اسمه (حكمت وحكومت)، الحكمة والحكومة يرى أن الحكومة من باب الوكالة وأن الفقيه يتصدى للشأن العام من باب وكالته عن الأمة، وبالتالي تكون حدود ولاية الفقيه محددة بتحديد الأمة، صارت الأصل هي الأمة، بناء على ولاية الفقيه العامة أو ولاية الفقيه المطلقة الذي يقيد الفقيه هو مصلحة الأمة وتشخيصه لمصلحة الأمة، هناك تعبير للشيخ جوادي آملي~ مفاده يوجد فارق بين الفاعل والقابل فالفقيه هو الفاعل والأمة هي القابل فإذا كانت الأمة هي القابل فكيف يحدد القابل اختيارات الفاعل، يمكن أن تراجع إلى النصين نص للشهيد مطهري+ في كتابه حول الجمهورية الإسلامية [64] هكذا يقول قهراً إن ماهية الحكومة هي الولاية على المجتمع لا النيابة عن المجتمع والوكالة عنه وقد طرح الفقيه هذه المسألة بعنوان ولاية الحاكم وأن له ولاية من نوع الولاية على القصّر والغيّب.

يقول الشيخ جوادي آملي: [65] [66] إن المستفاد من أدلة ولاية الفقيه هو النصب يعني منصوب من اللهP وليس الأمر بالانتخاب دون التعيين وأن الفقيه الجامع هو والي أمة الإسلام وليس نائباً لها أو وكيلاً عنها.

أيضاً الشيخ مؤمن القمي&[67] يقول حكم الولاية ومقتضاها أن لا خيرة لأحد إذا قضى الولي في دائرة ولايته شيئاً بل يجب إطاعته وإتباعه وينفذ هذا القضاء على جميع من تحت الولاية.

الملاحظة الثالثة وهي مهمة جداً الفارق بين الولاية العامة والولاية الأنفسية.

بالنسبة إلى المعصومين^ ثبت هذا بنص القرآن ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ [68] فنفس النبي| مقدمة على بقية النفوس وبالتالي للنبي| ومن بعده الأئمة^ ولاية على نفوس الناس ودماء الناس وفروج الناس، وبالتالي إذا قال المعصوم لأحد المكلفين حكمت بطلاق زوجتك، تبين منه زوجته وهكذا النبي| والأئمة^ لهم ولاية على أموال الناس والتصرف فيها ولهم ولاية على نفوس الناس، فإذا التزمنا بولاية الفقيه المطلقة وأن كل ما يثبت للنبي والمعصوم× يثبت للفقيه الجامع للشرائط، فهل تثبت هذه الولاية الأنفسية أو لا؟ وهذا الكلام تجده في كلمات السيد الخوئي والسيد الحكيم+ عند مناقشة الروايات الدالة على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة وأن الفقيه لا ولاية له على مال الناس أو على أنفسهم أو على فروجهم.

والجواب بمناسبة الحكم والموضوع ليس المراد بولاية الفقيه العامة الولاية الأنفسية وإنما المراد الولاية على الشؤون العامة والسياسية، يعني أي نقص فيما يتعلق بالشؤون العامة فالفقيه حكمه نافذ، إذاً ليس المراد بولاية الفقيه المطلقة نفوذ حكم الفقيه بالنسبة إلى أموال الناس وأعراضهم وأنفسهم ليس المراد هو الولاية الأنفسية، المراد من ولاية الفقيه المطلقة بحكم مناسبة الحكم والموضوع إنما هو سد النقص الحاصل فيما يتعلق بالشؤون العامة ويكون تشخيص الفقيه للمصلحة العامة نافذاً على الجميع، ومن أفضل العبائر كلام أستاذنا السيد كاظم الحائري~ في كتابه الإمامة وقيادة المجتمع إذ قال في كتاب أساس الحكومة الإسلامية وليس المقصود من ثبوت الولاية العامة للفقهاء كونهم كالنبي والإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم فالولاية بمعنى الولاية من النفس إنما تثبت للنبي والإمام بالنص الصريح، أما المنصرف إلى الذهن عرفاً بمناسبات الحكم والموضوع أي بملاحظة نوعية الحكم وتناسبها عرفاً مع الموضوع والمحكوم عليه سواءً في ولاية الأب على الأوّلاًد أو في ولاية الفقيه على المجتمع أو غير ذلك فهو الولاية في حدود تكليف نقص المولّى عليه وعلاج قصوره وهكذا يقول[69] إن الفقيه الذي ورد الدليل على ولايته لا داعي أن يكون من سنخ سائر أدلة الولايات الاعتيادية كولاية الأب على الأطفال وما شابه ذلك، وولاية الأب على طفله لا تجعله أولى بالطفل من نفسه وإنما هي رعاية مصلحة الطفل وسد نقصه باعتباره طفلاً وهذا المعنى هو نفسه الذي نفهمه من ولاية الفقيه إذ لا نفهم أن الفقهاء يصبحون أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما هي ولاية النبي| والمعصومj وإنما نفهم على حد تعبير الأصوليين مناسبة الحكم والموضوع أن المقصود بولاية الفقهاء على الناس والمجتمع هو سد النقص والقصور الموجود لديهما ويكون أمره نافذاً.

إلى هنا انتهينا من بيان ثلاث ملاحظات مهمة لكي تتضح الرؤية جيداً في مفهوم ولاية الفقيه المطلقة، ونتطرق إلى نظريات الحكم في الفقه الشيعي ولعلها تسع نظريات كما ذكرها الشيخ محسن كديور في كتابه نظريات: الدولة في الفقه الشيعي ولكن المهم منها ثلاث نظريات، ولاية الفقيه في شؤون الحسبة، ولاية الفقيه العامة، ولاية الفقيه المطلقة.

 


[5] منية الطالب في شرح المكاسب، الميرزا النائيني، ج2، ص237.
[6] الحكومة الإسلامية، ج1، ص137.
[7] الحكومة الإسلامية، ج1، ص137.
[11] الحاكمية في الإسلام، ج1، ص567، 568، 571.
[12] البراهين الواضحات، ج1، ص11، 15، 28.
[13] الدر النضيد في الإجتهاد والاحتياط والتقليد، ج2، ص262، 328، 370.
[14] أنوار الفقاهة (كتاب الاجارة)، كاشف الغطاء، الشيخ حسن، ج1، ص466.
[15] الحاشية على أصول الكافي، ج1، ص121.
[16] ولاية الفقيه، تاريخها ومبانيها، ج1، ص86، 159، 218، .
[18] الدليل على موضوعات نهج البلاغة، ج1، ص442، 681، 807.
[19] تصنيف نهج البلاغة، ج1، ص328، 416، 433.
[22] العلم والحكمة في الكتاب والسنة، ج1، ص345.
[23] حكم النبي الأعظم، ج1، ص303.
[26] حكم النبي الأعظم، ج1، ص303.
[41] ولاية الفقيه، تاريخها ومبانيها، ج1، ص86، 159، 218.
[42] ولاية الفقيه، تاريخها ومبانيها، ج1، ص86، 159، 218.
[48] نفس المصدر، خطبة رقم 131، ص339.
[55] عمدة القاري، ج20، ص126.
[58] الفقه الرضوي، ج1، ص333؛.
[61] كلمات سديدة في مسائل جديدة، ص16 و17.
[62] كلمات سديدة في مسائل جديدة، ص16 و17.
[63] كلمات سديدة في مسائل جديدة، ج1، ص16 و17.
[64] يمكن مراجعة هذه النصوص في كتاب نظريات الدولة في الفقه الشيعي تأليف الشيخ الدكتور محسن كديور صفحة 99 الحاشية.
[65] الوحي والقيادة (پيرامون وحي ورهبري) فارسي، ص164.
[66] ونظريات الدولة في الفقه الشيعي، ج1، ص101.
[67] كلمات سديدة مسائل جديدة، ج1، ص22.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo