< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأخلاق

45/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القسم الثاني آداب الطالب مع شيخه

 

الثاني آداب الطالب مع شيخه وقدوته وما يجب عليه من تعظيم حرمته[1]

القسمان لآداب المتعلم

انتهينا بحمد الله عز وجل من آداب المعلم، شرعنا في آداب المتعلم:

     القسم الأول آداب المتعلم مع نفسه.

     القسم الثاني آداب المتعلم مع شيخه وأستاذه.

في البداية الشهيد الثاني ـ رحمه الله ـ في كتاب منية المريد في آداب المفيد والمستفيد يذكر رواية عن الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ عن أمير المؤمنين ثم يذكر كلام الإمام السجاد في رسالة الحقوق في حقّ المعلم على المتعلم ثم يتطرق إلى قصة موسى ـ عليه السلام ـ وحينما رأى موسى وهو من أولي العزم الخمسة أفضل الأنبياء وهو كليم الله لكنه حينما رأى الخضر ـ عليه السلام ـ عنده علم يختص بعلم الغيب والباطن وهو غير موجود عند موسى ـ عليه السلام ـ قال له موسى: ﴿هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا﴾[2] ؟ ويذكر الشهيد الثاني اثنتي عشرة نكتة مهمة في هذه الآية ثم بعد ذلك يتطرق إلى جواب الخضر.

الخضر أجاب موسى ـ عليه السلام ـ بجواب قاسٍ قال: ﴿إنك لن تستطيع صبرا﴾[3] ، ويذكر أيضاً الشهيد الثاني ـ رضوان الله عليه ـ ثمانية أمور وثمان نكات في قول الخضر ـ عليه السلام ـ لموسى.

نحن اليوم في هذا الدرس اليوم درس قراءة لأن النكات مهمة جداً نعلق بمقدار الضرورة، قال الصادق ـ عليه السلام ـ كان أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ[4] يقول: «إن من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال، ولا تأخذ بثوبه» بعض الناس إذا رأى العالم سؤال وراء سؤال سؤال وراء سؤال تتعب العالم هذا من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال.

«وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعاً وخصه بالتحية دونهم» يعني التحية خاصة للعالم توقيراً لمكانة العلماء.

«واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه» يعني اجعله في صدر المجلس وأنت تجلس عنده جلسة الذليل، كيف العبد يجلس بين يديه سيده كذلك الطالب بين يدي أستاذه.

«ولا تغمز بعينك ولا تشر بيدك» البعض يجلس في مجلس الدرس ونغزة يحرك عيون يأشر إلى صاحبه يأشر بأيده هذا يشغل العالم وهو يعلم وهو يدرس هذا خلاف أدب حضور مجلس درس الأستاذ.

«ولا تكثر من القول قال: فلان.. وقال: فلانٌ خلافاً لقوله» بعضهم إذا يسأل العالم شيخنا ما رأيك في كذا؟ يقول: كذا، يقول: ولكن فلان يقول خلاف ذلك، هذا خلاف الأدب مع الأستاذ والعالم.

«ولا تضجر بطول صحبته» مهما جلست معاه ما تضجر وياه، عالم هذا حاول تستفيد من علمه حاول تستفيد من درسه.

«وإنما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها متى يسقط عليك منها شيء، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم الغازي في سبيل الله» أنت تنتظر النخلة متى تسقط عليك رطباً جنياً لأنه من تشوف نخلة ما شاء الله تأخذ الحجر أو وترمي هكذا تتعامل مع النخلة وهكذا تتعامل مع العالم هكذا أدبنا علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ .

«وفي حديث الحقوق الطويل المروي عن سيد الساجدين ـ عليه السلام ـ » الإمام السجاد عند رسالة الحقوق ذكر فيها اثنين وخمسين: حقة حقّ أبوك وأمك، حق المارة، حقّ إلى أن يقول: وحقّ العالم سائسك بالعلم.

يقول الإمام السجاد[5] : «وحقّ سائسك بالعلم» من السياسة وهي الطريقة يعني من طريقته معك أن يعلمك هذا «التعظيم له والتوقير لمجلسه» تذكره بالتعظيم والثناء وتجعل مجلسه مجلس موقر لا مجلس هزل وضحك وغمز ولمز.

«وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه» بعضهم سرحان دائماً سرحان، أعره اهتمامك، أعره جمجمتك خله يشعر أن أنت ملتفت إلى الدرس.

«وألا ترفع عليه صوتك» صوتك ارفع من صوت الأستاذ «ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب» السائل يسأل قبل ما يتكلم الأستاذ الطالب الثاني هو يجيب هذا خلاف الأدب في مجلس الدرس حتى لو أنت الجواب عندك واضح وبيانك أفضل من بيان الأستاذ ما يليق هذا توهين، توهين إلى الأستاذ يسألونه وأنت ماذا؟ تجاوب.

كان واحد الله يذكره بالخير في إرشاد الحج ملا يسألونه سؤال قبل أن يجيب أحد الحجاج يجاوب فهو ينزعج يقول: طالع حتى شغلتنا أخذوها.

«ولا تحدث في مجلسه أحداً» أنت هو يدرس وأنت تسولف ويا صاحبك أو حتى لو في نفس العلم تتباحث مع صاحبك في نفس المسألة هذا خلاف الأدب تجلس صامتاً وتعيره اهتمامك.

هذه «ولا تحدث في مجلسه أحداً» هذا ليس المراد فقط مجلس الدرس مجلس العالم تستمع إلى العالم مو يصير عش عصافير كل اثنين ثلاثة يسولفون ويا بعض تدخل مجلس العالم كأنك داخل عش دبابير هذا ما يناسب خلاف الأدب.

«ولا تغتاب عنده أحدا» هو عالم وأنت ما شاء الله تعمل فاكهة المجالس تحش بالحشيش ها فلان وتقص فيه فلان.

«وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء» هذا أستاذك إذا ذكروه أمامك بسوء تدافع عنه مو تقول مقتضى الموضوعية أن اسكت وأن اصمت هذا خلاف الأدب، له حقّ عليك إذا تكلموا عليه اغتابوه أنت تدفع غيبته وتدافع عنه.

«وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه» الأستاذ ليس بمعصوم، إذا انكشفت عورته تسترها ولا تتحدث بعيوبه، هذا حقّ الأستاذ عليك.

«ولا تجالس له عدواً» هذا عدو أستاذك تروح تجلس وياه فتدخل الأذى على أستاذك.

«ولا تعادي له ولياً» هذا من أولياء أستاذك أحبابه أنت تعاديه فتؤذي أستاذك.

«فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله عزّ وجل بأنك قصدته» يعني أنت فعلاً قصدت هذا العالم وأصبحت من مريدي وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس، يعني قصدت وجه الله من خلال التتلمذ على يدّ هذا الأستاذ لا وجه الناس.

«وفيما حكاه الله عزّ وجل عن موسى ـ عليه السلام ـ حينما خاطب الخضر ـ عليه السلام ـ بقوله: ﴿هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا﴾ً، وفي قوله: ﴿ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً﴾ ».

لاحظ موسى من أولي العزم، عدنا مئة وأربع عشرين ألف نبي، خمسة منهم أولو العزم، واحد من الخمسة موسى، هذه الحادثة بعد أن أصبح كليم الله كلمه مباشرة، وموسى أفضل من الخضر واعلم من الخضر، ولكن في خصوص علم المنايا والبلايا في هذا العلم الخضر كان اعلم، فموسى كان عنده علم الظاهر والخضر ـ عليه السلام ـ كان عنده علم الباطن فيما يتعلق في بعض المغيبات، والخضر رجل صالح قد يقال يعني لعل البعض يقول أنه نبي، ولكن القدر المتيقن أن الخضرة رجل صالح من أولياء الله الصالحين وهو إلى زماننا هذا عايش موجود.

عدنا من الأنبياء من هو حيّ إلى يومنا هذا وهو عيسى المسيح ﴿وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم﴾[6] بل رفعه الله وفي السماء وينزل عند خروج الإمام المهدي ويصلي خلفه، ويصير الإمام المهدي إمام الخضر وإمام عيسى ـ عليه السلام ـ ، الخضر موجود.

إذاً الخضر ليس بأفضل من موسى، موسى أفضل، الخضر ليس بأعلم من موسى، موسى أعلم، لكن في خصوص علم بعض المغيبات، وهو أنه الخضر خرق السفينة موسى اعترض عليه، لماذا خرقت السفينة؟ قال: هذه لأيتام وكان ورائهم سلطان جائر يأخذ كل سفينة غصباً فأردت أن أعيبها حتى لا يطمع فيها.

مشى هدم الجدار، قال: لماذا هدمت الجدار؟ قال: هذا تحت الجدار كنز أبوهما صالحا لولدين يتيمين ﴿وكان أبوهما صالحا﴾ فأراد ماذا؟ الله عزّ وجل أن يعوضهما بهذا الكنز.

مشى قتل الغلام، صبي قتله، لماذا قتلته؟ قتلت نفساً بغير حقّ، قال: أبوه وأمه من الصالحين وخشينا أن يفتتنا بهذا الصبي.

إذاً هذه وقائع خاصة الله عزّ وجل أعطى علمها لخصوص الخضر ـ عليه السلام ـ ولم يعطها لموسى فالخضر اعلم في خصوص هذه المسائل الثلاث التي علمه الله إياها وخصه بها.

لكن لاحظ موسى ـ عليه السلام ـ لما وهو من أولي العزم والله كلمه ما أخذه الغرور لما رأى لما رأى الخضر عند هذه العلوم، قال: ﴿هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا﴾[7] ؟ وقال أيضاً لما قال له: ﴿إنك لن تستطيع معي صبراً﴾ يأسه، ما قال له أنت ما تصبر ما تستطيع الصبر استطاعه على الصبر ما عندك، هذا أعظم من نفي الصبر، رغم ذلك لم ييأس موسى قال: ﴿ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً﴾، يعني مشى وراه مشية العبد الذليل للسيد.

يقول الشهيد الثاني:

«جملة جليلة من الآداب الواقعة من المتعلم لمعلمه مع جلالة قدر موسى ـ عليه السلام ـ وعظم شأنه وكونه من أولي العزم من الرسل ثم لم يمنعه ذلك من استعمال الآداب اللائقة بالمعلم، وإن كان المتعلم وهو موسى أكمل منه» أكمل من المعلم الخضر أكمل من جهات أخرى.

«ولو أردنا استقصاء ما اشتمل عليه تخاطبهما من الآداب والدقائق لخرجنا عن موضع الرسالة» هذه رسالة في آداب متعلمين تصير رسالة مستقلة.

«لكننا نشير إلى ما يتعلق بالكلمة الأولى وهي قوله تعالى: (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً) فقد دلت على اثنتي عشرة فائدة من فوائد الأدب».

لاحظ دقة علم الشهيد الثاني كيف يستفيد من هذه الآية اثنا عشر نكتة، بحر واقعاً الشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي:

«الأولى جعل نفسه تبعاً له المقتضي لانحطاط المنزلة في جانب المتبوع» يعني يصير هذا التابع منزلته منحطة، المتبوع تصير منزلته عظيمة فإذا جعل موسى ـ عليه السلام ـ منزلته منزلة منحطة أمام منزلة من سيتعلم منه، من علمني حرفاً صيرني عبداً أنا تابع، قال: أنا أتبعك تابع إليك، أنا تابع وأنت متبوع.

«الثانية الاستيذان بـ هل أي هل تأذن لي في إتباعك؟ وهي مبالغة عظيمة في التواضع» طلب الإذن، هل تأذن لي أن أتبعك؟ لم يقل: أنا سأتبعك، هل تأذن لي؟ هذا احترام للعالم.

«ثالثاً تجهيل نفسه والاعتراف لمعلمه بالعلم، بقوله: على أن تعلمني» يعني أنا أتبعك بشرط أن تعلمني يعني أنا جاهل وأنت عالم ويشترط عليك أيها العالم أن تعلمني، هذه نكته جداً مهمة الإقرار بأنه جاهل.

«الرابعة الاعتراف له بعظيم النعمة بالتعليم لأنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله تعالى به أن يكون إنعامك عليّ كإنعام الله عليك أن تعلمني مما علمت رشدا» يعني مثل ما الله أنعم عليك وعلمك أنت أنعم عليّ وعلمني، هذا اعتراف عظيم من نبي عظيم، «ولهذا المعنى قيل: أنا عبد من تعلمت منه، ومن علم إنساناً مسألة ملك رقه».

«الخامسة إن المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير لكونه فعله لا لوجه آخر، وكنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه» يعني كيف فصيل الناقة؟ يتبع أثر أمه بعد يعني تسليم مطلق من دون مناقشة، عبر إتباع يعني تسليم مطلق من دون أي قيد وأي شرط.

الآن أي طالب تقول له: تحضر الدرس وتعلم، يقول: بشرط كذا، يتشرط هذا نبي من أولي العزم لكن يعرف قيمة العلم، قال: أتبعك إتباع مطلق من دون أي قيد وأي شرط.

«الخامسة أن المتابعة عبارة عن الإتيان بمثل الغير لكون فعله» فعل الغير «لا لوجه آخر» يعني مو لأنه عقلي يقبل، كثير من الناس بشوف أنا إذا تقبلت أو لا؟ عقلي يقبل أو ما يقبل؟! يتشرط عليك.. موسى ـ عليه السلام ـ نبي يعرف المقام، قال له: بلا شرط، أنا أتبعك إتباع مطلق.

«ودل ذلك على أن المتعلم يجب عليه من أول الأمر التسليم وترك المنازعة» ما يشاكس ولا ينازع.

«السادسة الإتيان بالمتابعة من غير تقييد بشيء بل إتباعاً مطلقاً لا يقيد عليه فيه بقيد، وهذا غاية التواضع» تواضع من موسى ما قيده، ما قال: أتبعك إن دخل عقلي، اتبعك إن سمح وقتي، كثير من الطلبة إذا سمح الوقت إذا تقبلت، هذا إتباع مطلق إذا تجد من فيه الأهلية.

«السابعة الابتداء بالإتباع ثم بالتعليم ثم بالخدمة ثم بطلب العلم» أول شيء قال: هل أتبعك؟ هذا إتباع، على أن تعلمني فـ لنا لماذا؟ بالتعليم، مما علمت رشداً، بعد ذلك ماذا؟ يعني أنا لا بد أن أخدمك لكي أتعلم منك.

«الثامنة أنه قال: هل أتبعك على أن تعلمني أي لم اطلب على تلك المتابع إلا التعليم» كأنه قال لا اطلب منك على تلك المتابعة مالاً ولا جاهاً أريد فقط أن استفيد وأتعلم.

«التاسعة مما علمت» موسى لم يقل أريد أن تعلمني جميع ما علمك الله لم يقل هذا، أريد بعض ما علمك الله مما علمت يعني من بعض ما علمت أن أتبعك إتباع مطلق على أن تمن عليّ ببعض ما تعلمه، عجيب هذا التعبير، التاسعة مما علم إشارة إلى بعض ما علم أي لا اطلب منك المساواة، «بل بعض ما علم فأنت أبداً مرتفع عليّ زائد القدر».

«العاشرة قوله: مما علمت اعتراف بأن الله علمه» اعتراف أن هذا علمك من الله وليس من نفسك «وفيه تعظيم للمعلم والعلم وتفخيم لشأنهما» تفخيم لشأن العلم هذا علم الله وتفخيم لشأن المعلم والأستاذ.

«الحادية عشر قوله: رشداً أي طلب الإرشاد» يعني أنت الذي تعلم إرشاد ليس أي كلام «وهو» الإرشاد «ما لولا حصوله لغوى وضل» المرشد في مقابله الضال.

يقول: «وفيه اعتراف بشدة الحاجة إلى التعلم وهضم عظيم لنفسه واحتياج بين لعلمه».

«الثانية عشرا ورد أن الخضر ـ عليه السلام ـ علم أولاً أنه نبي بني إسرائيل موسى ـ عليه السلام ـ صاحب التوراة الذي كلمه الله عزّ وجل بغير واسطة وخصه بالمعجزات» كانقلاب العصا إلى ثعبان ويخرج يده بيضاء للناظرين «وقد أتى موسى مع هذا المنصب أتى بكل تواضع إلى الخضر ـ عليه السلام ـ بهذا التواضع العظيم بأعظم أبواب المبالغة فدل على أن هذا هو الأليق».

يا أخي لماذا موسى تذلل هذا التذلل للخضر؟

لأن موسى عالم يعرف قيمة علم الله الذي أودع عند الخضر، والإنسان عدو ما يجهل، إذا تعيشي ويا عالم وتجهل علمه ما تعتني به، لكن موسى لأنه علم مكانة العلم الموجود عند الخضر تواضع له.

يقول هكذا: «لأن من كانت إحاطته بالعلوم أكثر» وهو موسى «كان علمه بما فيها» من العلوم «من البهجة والسعادة أكثر فيشتد طلبه لها ويكون تعظيمه لأهل العلم أكمل، ثم مع هذه المعرفة من الخضر ـ عليه السلام ـ وهذه الغاية من الأدب والتواضع من موسى ـ عليه السلام ـ أجابه بجواب رفيع وكلام منيع مشتمل العظمة والقوة وعدم الأدب مع موسى ـ عليه السلام ـ بل وصفه بالعجز وعدم الصبر بقوله: ﴿إنك لن تستطيع معي صبرها﴾» موسى بكل تواضع والخضر بكل عظمة.

«وقد دلت هذه الكلمة الوجيزة أيضاً على فوائد كثيرة من أدب المعلم وإعزازه للعلم» يقولون هكذا: لا تظلموا الحكمة فتعطوها غير أهلها، الخضر عظم العلم «وإذلالاً لمقامه على وجه يقتضي التأسي به ولا دخل له بهذا الباب» الآن كيف تعظم العلم؟ ليس بابنا من باب المتعلم.

[فوائد كثيرة من أدب المعلم و إعزازه المستفادة من قصة الخضر مع موسى‌]

يقول: «لكننا نذكر جملة منه لمناسبة المقام وله مدخل واضح في أصل الرسالة» الآن يذكر ثمان نكهات في قول الخضر ـ عليه السلام ـ :

«الأولى وصفه بعدم الصبر على تعلم العلم المقتضي لانحطاط قدره وسقوط محله بالإضافة إلى مقام الصابرين الذين وعدهم الله بالكرامة وبشرهم بالصلاة والرحمة» حتى يشجعه يقول له: لابد تصبر.

«الثانية نفيه عنه الاستطاعة على الصبر» لم ينفي الصبر فقط الاستطاعة على الصبر «الموجب لقطع طمعه في السعي عليه والإتصاف به وتحصيل أسبابه وهو في الأغلب أمر مقدور للبشر» أغلب الناس يستطيعون الصبر على تعلم العلم «وكان غاية ما يقتضي الحال من المعلم توصيته بالصبر لا تعجيزه عنه، لكن لما وجد الإصرار من موسى ـ عليه السلام ـ علمه».

«الثالثة نفي الاستطاعة بـ "لن" المقتضية للنفي المؤبد» لن تفيد التأبيد لن تفعل كذا يعني أبداً لن تفعل كذا «على رأي جماعة من المحققين منهم الزمخشري صاحب كتاب تفسير الكشاف، فهو موجب لليأس منه» يعني عندما يقول له: لن تستطيع معي صبراً يعني موجب لليأس من التتلمذ عند الخضر ـ عليه السلام ـ .

«لوقوع الاخبار به» باليأس من الصبر «من معلم متبوع صادق وهو الخضر ـ عليه السلام ـ ».

«الرابعة توكيد الجملة بـ "إن" واسمية الجملة والنفي بـ "لن" وغيرها من المؤكدات، وهو غاية عظيمة في التعجيز والتضعيف» هذه كلها نكهات بلاغية ونحوية، "إنك" إن هذا حرف هذا للتوكيد والنصف، وكون الجملة اسمية هذا يدل على الثبات غير الجملة الفعلية التي تدل على حدث متغير، أما الجملة الاسمية فتدل على الثبات والنفي بـ "لن" التي تفيد التأبيد ورغم ذلك هذه الأمور التي تفيد التثبيط لن تثبط موسى ـ عليه السلام ـ لاحظ الإرادة في طلب العلم.

«الخامسة الإشارة إلى إنك إن تخيل لك إنك صابرٌ على حسب ما تجده من نفسك فأنت تعلم حالك عند صحبتي» لاحظّ لاحظ الكلام لم يقل له: إنك لن تستطيع صبراً، قال: إنك لن تستطيع معي صبراً، أنت لو عندك صبر على طلب العلم عند الآخرين لكن معي أنت لا تعلم بوضعك وأنا اعلم بوضعك لا تستطيع أن تصبر معي، لاحظوا مبالغة في التيئيس، ورغم ذلك صبر موسى ـ عليه السلام ـ .

«فأنت لا تعلم حالك عند صحبتي لأنك لم تصحبني بعد، والصبر الذي أنفيه عنك هو الصبر معي وليس مطلق الصبر، وهذا أمر أنا اعلم به لعلمي بمقدار ما تطلب تعلمه وجهلك به، ورغم ذلك موسى ـ عليه السلام ـ واصل الطريق» لاحظ النكات هذه والتدقيق، عالم رباني.

«السادسة التنبيه على عظم قدر العلم وجلالة شأنه وتفخيم أمره وأنه أمر يحتاج إلى الصبر العظيم الخارج عن عادات البشر إذ لا شكّ أن موسى كليم الله ونبيه أعظم شأناً وأكبر نفساً وأقوى صبراً وأعظم كمالاً من غيره من الناس، ورغم ذلك لن يستطيع معه صبراً».

«السابعة التنبيه على أنه لا ينبغي أن يبذل العلم إلا لمن كان له صبر قوي ورأي سوي ونفس مستقيمة، لا تظلم العلم وتعطيه غير أهله من الجهلة فإنه نورٌ من الله تعالى لا ينبغي وضعه كيفما اتفاق وبذله لمن أراد بل لابد من ممارسته قبل ذلك واختباره له بكل وجه» تختبر التلميذ تشيكه تشوفه عنده قابلية أو لا إذا وجدت الأرضية تعلمه.

«الثامنة التنبيه على أن علم الباطن أقوى مرتبة من علم الظاهر وأحوج إلى قوة الجنان» يعني قوة القلب «وعزيمة الصبر فمن ثمة» يعني ومن هنا «كان موسى محيطاً بعلم الظاهر على حسب استعداده وحاملاً له بقوةٍ عنده علم الظاهر، وخوفه الخضر ـ عليه السلام ـ مع ذلك من عجزه عن الصبر على تحمل العلم الباطني، وحذرهم من قلة الصبر، وأراد ـ عليه السلام ـ بهذه المبالغة في نفيه أنه مما يشق تحمله عليك ويعسر تجشمه» تجشم العناء «على جهة التأكيد في أمثال هذه الخطابيات لا أنه غير مقدور البتة» يعني غير هو مقدور قطعاً ولكن عادة غير مقدور غالباً غير مقدور.

«وإلا لما قال له موسى ـ عليه السلام ـ ستجدني إن شاء الله صابراً» لو موسى يعلم أن هذا قطعاً غير مقدور لما قال: ستجدني إن شاء الله صابراً.

«وقس على ما أشرنا إليه من الآداب والوظائف مما تحملته بقية الآيات فهي متقاربة في إفادة المعنى في هذا المقام وبه يترقى من أراد التوصل إلى باقي المرام» إلى أن هذا كله مقدمات لبيان آداب المتعلم مع شيخه وأستاذه إلى الآن ما شرحناها هذه المقدمات.

يقول: «إذا تقرر ذلك فلنعد إلى ذكر الآداب المختصة بالمتعلم مع شيخه حسب ما كرره العلماء تفريعاً على المنصوص منها، وهي أمور: الأول وهو أهمها» يأتي عليها الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo