< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأخلاق

39/02/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قوى النفس الأربع

الكلام في قوى النفس الأربع

نفس الإنسان فيها قوى أربع وهي القوى العاقلة والغضبية والشهوية والواهمة؛ القوى العاقلة ملكية تشبه الملاك والقوى الغضبية سبعية تشبه السباع والقوى الشهوية بهيمية تشبه البهائم والقوى الواهمة شيطانية تشبه الشيطان في دس الدسائس والحيل والمكائد.

نتكلم عن قوى النفس الأربع في عدة نقاط:

النقطة الأولى في بيان وظيفتها فما هي وظيفة القوى الأربع؟ نذكر وظيفة القوى الأربع تباعاً حسب الترتيب:

القوة الأولى القوى العقلية الملكية ووظيفتها إدراك حقائق الأمور والتمييز بين الخير والشر والتفرقة بين الصالح والطالح والأمر بالأفعال الجميلة والنهي عن الصفات والأفعال الذميمة.

وظيفة القوى الثانية الغضبية السبعية صدور أفعال السباع من الإنسان كالغضب والبغضاء والتوثب على الناس وإيذائهم بمختلف أنواع الأذى.

وظيفة القوى الثالثة الشهوية البهيمية صدور الأفعال الشهوية البهيمية من عبودية الفرج والبطن والحرص على الأكل والجماع.

وأما وظيفة القوى الرابعة الوهمية الشيطانية استنباط وجوه المكر والحيل والتوصل إلى الأغراض الخبيثة بالتلبيس والخداع، هذا تمام الكلام في النقطة الأولى وظيفة القوى الأربع.

النقطة الثانية فائدة هذه القوى الأربع ماذا نستفيد منها؟ هل لها فائدة في الخير أم أن هذه القوى الأربع فوائدها تكمن في الشر والعياذ بالله؟

الجواب توجد وجوه الخير في هذه القوى الأربع ونذكر الفوائد التي تعود إلى الخير بالنسبة إلى القوى الأربع:

أما القوة الأولى وهي القوى العاقلة فوظيفتها إدراك الأمور وتسليط القوى الغضبية على القوة الشهوية لأن العقل شأنه الإدراك ولا سلطنة له؛ العقل كاشف لذلك يذكر في علم الأصول إن تعبير الأصوليين حكم العقل فيه مسامحة لأن العقل لا يحكم؛ الحكومة من شأن من له السلطنة والعقل لا سلطنة له ولذلك أغلب الناس تغلبهم شهواتهم، نعم القوى الشهوية لها سلطنة من بطن وفرج؛ القوى الغضبية والسبعية لها سلطنة من غضب؛ والقوى الوهمية لها أيضا سلطنة من وساوس وحيل؛ ولكن العقل لا سلطان له لأن العقل دوره دور الكاشف فالعقل لا يحكم وإنما يدرك وظيفة العقل إدراك حقائق الأشياء يقول هذا حسن وهذا قبيح هذا فيه ملاك الجمال وهذا فيه ملاك القبح، إذاً العقل ضعيف أمام بقية القوى فكيف ينتصر العقل على بقية القوى؟ ينتصر العقل باستعانته ببعض القوى ضد القوى الأخرى؛ فمثلا الشهوة الجنسية أو شهوة البطن قوية سلطانها قوي فقد يستثار الإنسان جنسيا برؤية امرأة جميلة فيدرك العقل ويشخص العقل أن النظر إلى أعراض الناس حرام فيسلط القوى الغضبية التي تدافع عن العرض فيقول أيها الشهواني اعتبرها أختك هل ترضى أن ينظر الآخرون إلى أختك فيغضب فيستعين العقل بسلطان غضب القوة السبعية فيكبح جماح القوى الشهوية الجنسية.

وهكذا قد يتوق الإنسان إلى طعام حرام يقول صحيح هو حرام لكن لذيذ فتتحرك القوى الشهوية بسلطانها فيتحرك العقل ويقول هذا قبيح هذا سيء ويستعين بالقوة الغضبية لكبح جماح القوى الشهوية ويقول أنت إنسان ضعيف لا إرادة لك رسول الله طالما ربط حجر المجاعة على بطنه؛ رسول الله يقول (ليس الشديد الشديد بالصرعاء إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب) أي الشديد قوي الإرادة فيستعين العقل بسلطان القوة الغضبية التي تأمر بالعفة في مثل هذا المورد ويكبح جماح القوى الشهوية، إذاً وظيفة القوى العاقلة ـ فائدة القوة الأولى القوى العاقلة ـ إدراك حقائق الأشياء وكبح جماح القوى الثلاث بسلطنة بعضها على بعضها وتسليط بعضها على بعضها الآخر.

أما القوى الثانية وهي القوة الغضبية السبعية ففائدتها كسر ثورة القوة الشهوية بل وحتى القوة الواهمة ويستعين العقل بالقوة السبعية لشدة بطشها لمواجهة القوى الشهوية والقوى الوهمية والغضب أيها الأحبة سلطان عجيب غريب؛ الغضب يمكن أن تتحكم فيه من البداية ولكن إذا استشاط الغضب فمن الصعب أن توقفه ومن هنا قيل الغضب شعبة من شعب الجنون الغضب شعبة من الجنون؛ لذلك العقل يتحكم في درجة الغضب التي من شأنها كبح جماح الشهوة الجنسية أو شهوة الأكل أو القوى الوهمية الشيطانية، إذاً فائدة القوى السبعية الغضبية كسر ثورة الشهوة الجنسية والشهوة الشيطانية فوظيفة القوى الغضبية قهر القوة الشهوية وقهر القوة الوهمية الشيطانية.

وأما فائدة القوة الثالثة وهي القوى الشهوية البهيمية فهي امتداد النسل بالنسبة إلى شهوة الجنس وامتداد الحياة للجسم بالنسبة إلى شهوة الأكل وأما فائدة القوة الرابعة والأخيرة وهي القوى الشيطانية أو القوى الوهمية الشيطانية فهي إدراك المعاني الجزئية واستنباط الحيل والمخارج ودقائق الأمور التي تخرجه إلى مخرج صحيح فإن الحيل منها ما هو شرعي ـ حيل شرعية ـ والقوى الواهمة هي التي تتقن وتحبك هذه الخطط وهذه الحيل ولا بأس ببيان الفارق بين ثلاثة أمور:

الأول القوة الواهمة؛ الثاني قوة الخيال؛ الثالث قوة المتخيلة؛ فما الفارق بين الوهم وبين الخيال وبين المتخيلة؟

أما الوهم فهو عبارة عن إدراك المعاني الجزئية فهو مختص بالمعاني بخلاف قوة الخيال الذي من شأنه إدراك صور الأشياء فالفارق بين الوهم والخيال أن الخيال يدرك الصور المحسوسة بينما الوهم يدرك المعاني الجزئية غير المحسوسة فمتعلق الوهم الأمور المعنوية ومتعلق الخيال الصور المادية؛ وأما قوة المتخيلة فهي تركب بين مدركات القوتين فقوة المتخيلة تمزج الصور الحسية التي يدركها الخيال مع الصور المعنوية الجزئية التي يدركها الوهم؛ إذاً القوة المتخيلة هي التي تلفّق وتركب بين الصور المادية التي يدركها الخيال والصور المعنوية التي يدركها الوهم، وبالتالي هذا المنتج من قوة المتخيلة هذا المعجون التركيبي من الصور المعنوية والصور المادية إما أن يكون من مقتضيات العقل والشريعة فيقود إلى الجنان ورضا الرحمن وإما أن يكون من دواعي الشيطان وما يقتضيه الغضب والشهوة فيكون مورداً لقعر جهنم والنيران ويؤدي إلى الشر والفساد.

إلى هنا انتهينا من النقطة الثانية وهي بيان فوائد القوى الأربع وهي القوى العاقلة الملكية والقوى السبعية الغضبية والقوى الشهوية البهيمية والقوى الوهمية الشيطانية وفي ختام هذه النقطة فرقنا بين الوهم والخيال والمتخيلة وهذه الثلاث غير الثلاث الأول العاقلة والسبعية والشهوية.

النقطة الثالثة قيل إن النفس المطمئنة هي القوة العاقلة والنفس اللوامة هي القوة السبعية والنفس الأمارة بالسوء هي القوة البهيمية والقرآن الكريم أشار إلى أربع مراتب لنفس الإنسان أعلى مرتبة مرتبة اليقين (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)؛ المرتبة الثانية النفس المطمئنة (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فدخلي في عبادي وادخلي جنتي)؛ المرتبة الثالثة من النفس هي النفس اللوامة (ولا أقسم بالنفس اللوامة)؛ والمرتبة الرابعة والأخيرة والدنيئة من النفس وهي النفس الأمارة بالسوء (وما أبرء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي).

قد يقال إن النفس المطمئنة تشير إلى القوى العاقلة والنفس اللوامة تشير إلى القوى السبعية والنفس الأمارة بالسوء تشير إلى القوة الشهوية إلا أن هذا ليس بصحيح لأن الاطمئنان وكثرة اللوم وكون النفس أمارة بالسوء هذه حالات للنفس؛ يعني نفس الإنسان الواحدة لها حالات تعتريها والسر في ذلك في حاكمية العقل إن أصبح العقل حاكماً على جميع قوى الإنسان الثلاث الأخر بشكل دائم أصبحت النفس مطمئنة هي دائمة إلى خير.

الصورة الثانية إن لم يتمكن العقل من الحكومة بشكل مطلق ولكن أحيانا يغلب العقل وأحيانا تغلب القوى الأخرى من شهوية وغضبية ووهمية صارت النفس نفساً لوامة فإن غلب العقل فهي إلى خير وإن غلب الشر لامت نفسها وإن غلبت القوى الأخرى دائماً أو غالباً كانت غالبة للقوى العاقلة صارت النفس نفساً أمارة بالسوء والعياذ بالله، إذاً كون النفس مطمئنة أو أمّارة بالسوء أو لوامة هذا يخضع إلى حاكمية العقل في الغالب.

النقطة الثالثة التمثيل لهذه القوى في حياة الإنسان مثل لها بمثالين؛ المثال الأول مثلوا للقوى العاقلة بالملاك أو الحكيم ومثلوا للقوى السبعية بالكلب لأنه ضار مستعر غضوب ومثلوا للقوة البهيمية بالخنزير المشغول بشهواته ونزواته ومثلوا للقوة الوهمية بالشيطان فإذا اجتمع في مكان واحد حكيم أو ملاك هذا عقل وكلب وخنزير يعني غضب وشهوة وشيطان يعني وهم ووسوسة تكون القوى الأربع قد اجتمعت في مكان واحد ومحل فارد.

المثال الثاني لو الإنسان ركب بهيمة وأراد الصيد واصطحب معه في صيده كلباً وعيناً من قطّاع الطرق جاسوس من الجواسيس التي تقطع الطرقات فراكب البهيمة هو العقل والبهيمة هي الشهوة والكلب هو السبع والعين والجاسوس الذي هو من قطّاع الطرق هو يعبر عن القوى الواهمة فهنا لمن الحكومة ومن هو الأقوى فإن كانت دفة الأمور لهم بأجمعهم بيد الراكب يكون العقل هو الحاكم على البهيمة وعلى الجاسوس الوهمي وعلى الكلب السبعي؛ وإن كانت الحكومة بيد الجاسوس والعين فإنه سيوديهم وسيضع لهم الأحابيل لكي يقعوا في يد قطّاع الطرق فيؤول الوهم إلى وسوسة الجاسوس وهلاكهم على يد قطّاع الطرق؛ وإن كان القائد هو الكلب ففي هذه الحالة هم محكمون بغضب وضراوة واستيعاب ذلك الكلب، (قد أفلح من زكاها ـ وجعل القوة العاقلة حاكمة ومهيمنة على بقية القوى ـ وقد خاب من دساها) دساها يعني أخفاها الدس أن يدسه في التراب يخفيه في التراب أخفاها يعني أخفى هذه النفس بإخفاء القوى العاقلة.

النقطة الرابعة من أهم مميزات الإنسان وجود القوى الأربع في نفسه وهي ما يمتاز بها عن سائر الحيوانات لأن كل حيوان لا يوجد عنده نزاع بين القوى، مثلا الذئب الحالة المهيمنة عليه هي الحالة السبعية؛ الخنزير الحالة المهيمنة عليه هي الحالة الشهوية البهيمية؛ الملاك الحالة المهيمنة عليه القوى العاقلة؛ الشيطان الحالة المهيمنة عليه القوى الوهمية؛ لا يوجد كائن في كل القوى الأربع لكن الإنسان فيه هذه القوى الأربع.

النقطة الخامسة ما هو منشأ النزاع بين القوى الأربع؟

الجواب: منشأ النزاع والتجاذب هو القوى العاقلة لأن القوى العاقلة تحدث توازن بين قوة الغضب وقوة الشهوة بين قوة الغضب والقوى الواهمة؛ فدور العقل دور الميزان الذي يوازن بين القوى المختلفة والمتضادة والمتخالفة؛ فإذا نجح العقل في الموازنة بين القوى المختلفة ارتقى الإنسان إلى الملكوت فأصبح سيد الملك والملكوت؛ وإذا خضع الإنسان لشهواته ونزواته نزل في قعر الحضيض إلى وادي برهوت من هنا تكمن أهمية قيمة العقل لذلك ورد في الروايات (العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان) وأما ما كانت عند معاوية فهي الداهية الدهماء وليس العقل.

نكتفي بهذه القوى الخمس وهي لب المطلب الذي أشار له المحقق النراقي "رحمة الله عليه" في هذا الفصل النفس وأسمائها وقواها الأربع.

وصلٌ قد ظهر بما ذكر أن الإنسان ذو جنبة روحانية يأتي عليه الكلام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo