< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأخلاق

39/02/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:علم الأخلاق والآفات التي تصيب طالب العلم

شرف العلم بشرف موضوعه وغايته ومن هنا يتضح أن علم الأخلاق من أشرف العلوم لأن شرف العلوم يعرف من خلال موضوعها وغايتها؛ وغاية علم الأخلاق صناعة الإنسان والارتقاء بالإنسان من حضيض الأرض إلى عنان السماء؛ فشرف صناعة الطب على صناعة الدباغة وهي صباغة جلود الحيوانات بشرف موضوع علم الطب وموضوع الدباغة فموضوع الطب هو بدن الإنسان وموضوع الدباغة هو جلد الحيوان وجسم الإنسان أشرف من جسم الحيوان، إذاً العلم المختص بدراسة جسم الإنسان وهو علم الطب أشرف من العلم المختص بدراسة جسم الحيوان وهو الدباغة؛ إذاً علم الأخلاق أشرف العلوم إن لم يكن من أشرفها.

الله تبارك وتعالى حينما أراد أن ينعت نبيه الكريم لم ينعته بنعت أفضل من الخلق العظيم وقال تبارك وتعالى (وأنك لعلى خلق عظيم)؛ إذاً بهذا المعيار وهو الأخلاق الإنسان إما أن يكون أخس الموجودات وإما أن يكون اشرف الكائنات والموجودات؛ إن مال إلى الأرض وإلى الحضيض وإلى الخسة والدناءة أصبح كالأنعام بل أضل سبيلا وإن رقى إلى المرتقى وما فوق المرتقى صار أفضل من الملائكة؛ فقد ورد في الرواية الشريفة في حديث المعراج حينما تقدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" وارتقى وكان قاب قوسين أو أدنى ثم قال (ادنوا مني يا جبرائيل؛ قال لو دنوت قدر أنملة لاحترقت) يعني هذا المقام الذي ارتقيته يا رسول الله ووصلت إليه لا يستطيع جبرائيل أن يصل إليه، إذاً بالمعنويات والكمالات المتحصلة من علم الأخلاق يتم الكمال ويرتفع الإنسان إلى أعلى المراتب ويعرج من حضيض البهيمية إلى أعلى الرتب الملكية وأي صناعة أفضل من هذه الصناعة أن ترتقي وترتفع وتترفع عن الأمور الدنيئة والخسيسة ومساواة البهائم والعجماوات والحيوانات فتضاهي ملائكة الله تبارك وتعالى بل قد تكون أفضل منهم، إذاً الإنسان ونفسه (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) لذلك ورد في الرواية الشريفة عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأيضا وردت عن أمير المؤمنين (قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك) العالم المتهتك هو من يعرف الأمور التي توصل إلى المعنويات الراقية ولكنه لا يعلم بها والجاهل المتنسك هو دائم التعبد والتهجد ولكن على خطأ وعلى جهل.

ثم يتطرق المحقق النراقي إلى بعض الآفات التي تصيب طالب العلم، الآفة التي يذكرها لطالب العلم شدة حرصهم على جمع المال؛ بعض طلاب العلم كأنما عنده ردة فعل من وضع الفقر الذي يعيش فيه لأن العلم مقرون بالفقر والغربة (فإذا أردت العلم كما في الرواية فاطلبه في الغربة والفقر والناس تطلبه في الوطن والرفاهية) بعض طلاب العلم لديهم ردة فعل من ضنك المعيشة والفقر الذي قد يعيشونه في بداية دراستهم فكأنما ينتقم لنفسه فيحرص على جمع المال؛ يقول المحقق النراقي إما لشدة حرصهم على جمع المال غافلين عن حقيقة المآل هذه الآفة الأولى والآفة الثانية أو لغلبة حبهم الجاه والمنصب ظناً منهم أنه ترويج للدين والمذهب يقول الإمام الصادق "عليه السلام" (آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة)؛ حب الرئاسة يبقى في قلب المرء حتى آخر خطوة إلى القبر ربما قد يتغلب على شهوة حب المال أو تضعف الشهوة الجنسية إذا كبر في السن ولكن غريزة السيطرة وحب الرئاسة والزعامة وحب الظهور هذه تبقى معه إلى آخر لحظة في حياته لذلك ينبغي لطالب العلم أن يراقب نفسه جيداً.

الآفة الثالثة يقول أو لوقوعهم في الضلالة والحيرة لكثرة الشك والشبهة، طالب العلم قد تعتريه الشبهة فتقعده عن الحراك.

الآفة الرابعة أو لشوقهم إلى المراء والجدل في أندية الرجال إظهارا لتفوقهم على الأقران والأمثال، الجدل والمراء يقصي القلب وأحيانا طالب العلم يبتلى بهذه الآفة لكي يظهر نفسه وأنه أقوى من غيره وأقوى من أقرانه.

الآفة الخامسة أو لإطلاق السنتهم على الآباء المعنويين من أكابر العلماء وأعاظم الحكماء؛ يعني طالب العلم يحرك لسانه ويشغله كالمنشار في علماء الدين، نحن لا نقول إن العلماء معصومون ولكن نحرز في كثير منهم صدق النية والإخلاص، هذا عالم مخلص مؤمن متدين قد يشتبه في عمله أو في فعله قد يخطأ وبعبارة أخرى تحرز الحسن الفاعلي وإن كنت قد تشك في الحسن الفعلي فأنت تأتي يشغلك الشاغل الكلام على المرجعية المرجع الفلاني كذا والمرجع العلاني كذا والشيخ الفلاني ليس بقائد والشيخ الفلاني قائد والسيد الفلاني مرجع والسيد الفلاني ليس بمرجع؛ فلان لا يفهم شيء وفلان ليس عنده شيء وفلان وفلان تشتغل كله بفلان وفلان واللطيف الغريب أن الذي يشتغل بفلان وعلان إذا تسأله أنت ماذا؟ يسكت! أنت ماذا؛ ماذا حققت؟ يسكت لأن ليس عنده تقييم لنفسه؛ شغله الشاغل تقييم الآخرين غافل عن نفسه، لذلك في الرواية (المؤمن كلما نظر إلى عيب أمرئ مسلم نظر إلى عيب نفسه فانشغل بعيوب نفسه عن عيوب الآخرين وانشغل بإصلاح عيوب نفسه عن إصلاح عيوب الآخرين).

نصيحة لوجه الله يا أحبه من خلال التجربة دعك من الآيات والروايات وأقوال الحكماء من خلال التجربة الآن ربع قرن في الحوزة العلمية من خلال التجربة وجدت إن الطلبة الذين يشتغلون بالكلام على العلماء وعلى والآخرين وملاحظة عيوب الآخرين لا يوفقوا في الحوزة ويتركون الدراسة؛ أو يصبحوا من أئمة الضلال والعكس بالعكس وجدت الطلبة الذين يحسنون الظن بالآخرين ويشتغلوا بإصلاح أنفسهم الله "عزَّ وجل" يعطيهم مراتب عالية وإن حسدهم من حسدهم وعاداهم من عاداهم وأبغضهم من أبغضهم.

زرت سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض "حفظه الله" في النجف الأشرف لعله قبل عشرة سنوات أو أكثر الله العالم وكان اللقاء لقاء خاصاً واستمتعت بذلك اللقاء قلت له شيخنا أنت لازمت السيد أبو القاسم الخوئي "رحمه الله" إلى آخر عمره أُذكر لي خاطرة لك مع السيد الخوئي "رحمه الله"؛ قال شيخنا السيد الخوئي من مميزاته أنه لا يحقد على أحد ولا يتكلم على أحد وكان أحد علماء النجف الأشرف دائم الكلام على السيد الخوئي ودائم الطعن في السيد الخوئي؛ في يوم من الأيام هذا العالم ذهب إلى الإقامة لكي يستخرج إقامة لزوجته وبناته وأولاده هناك في الإقامة قالوا له لابد أن تحضر زوجتك وبناتك حتى نصدر لهم إقامة وكان في عرف النجف عيب أنه يأخذ زوجته وبناته ويكشفون وجوههم في فرع الإقامات هذا مشكل تناهى هذا الخبر إلى أسماع السيد أبو القاسم الخوئي؛ يوم من الأيام جاء محافظ النجف الأشرف إلى براني السيد الخوئي الشيخ الفياض يقول أنا كنت جالس يقول السيد الخوئي التفت إلى محافظ النجف قال له يا فلان أنت ابن النجف وأنت أعرف بأعراف النجف كيف يأتيك فلان وتطلب منه أن يحضر نسوانه وبناته عيب هذا ثم قال السيد الخوئي فلان أعلم مني أفهم مني أحسن مني لكن هذا مشكلته هو ما صارت له مرجعية وأنا صارت لي المرجعية لماذا تتعاملون معه هكذا ينبغي أن تتعاملوا معه مثل ما تتعاملون معي، الشيخ الفياض يقول وأنا أسمع ذاك العالم يطعن في السيد الخوئي السيد الخوئي يقول هذا عالم وأحسن مني لكن حظه هكذا ما صارت له المرجعية أنا صارت لي المرجعية مثل ما تتعاملون معي في الإقامة تعاملوا معه في الإقامة، لاحظ نفسية السيد الخوئي ونفسية ذاك الذي يتكلم عن السيد الخوئي.

فحذاري حذاري يا أُخوة نحن لا نقول إن العلماء معصومون العصمة لأهلها وإن كان بعض علمائنا وصل إلى درجة العصمة العملية مثل سماحة آية الله العظمى السيد أحمد الخوانساري "رحمه الله" المدفون إلى جوار صاحب الميزان عمر 105 سنوات، سُئل الإمام الخميني عن عدالته قال اسألوني عن عصمته ولا تسألوني عن عدالته عصمة عملية عنده؛ رجل من أهل الله.

هذا السيد أحمد الخوانساري كان مرجعا صاحب كتاب جامع المدارك وأرادوا أن يعملوا له عملية فتح قلب كان مبناه الفقهي أنه إذا يخدر جميع وكلائه ينعزلون وإذا رجع يعني ذهب العقل ورجع يحتاج من جديد أن يجدد الوكالات قال لهم لا تخدروني قالوا كيف؟ قال لا عليكم أنا سأتمتم بتمتمات بعض الأذكار إذا أشرت إليكم اشرعوا في فتح القلب تمتم بتمتمات بعض الأذكار أشر فتحوا القلب اشتغلوا على قلبه وأغلقوا صدره من دون تخدير؛ إلى هذا المستوى وصل "رحمة الله عليه"، هذا السيد أحمد الخوانساري كان أيضا من الثوار مع الإمام الخميني لكن لما وصل الأمر إلى الدماء توقف استشكل السيد الإمام عنده قلب قوي وعنده بصيرة ليس كل واحد عنده هذا الشيء توقف واجهه البعض هذا ضد الثورة سألوا السيد الإمام الخميني قال لا تسألوني عن عدالته اسألوني عن عصمته، وفقنا الله وإياكم وعصمنا من الزلل والخطأ.

فصل النفس وأسمائها وقواها الأربع

أيها الأحبة ذكرنا إن النفس مجردة والمراد إن ذات النفس مجردة عن المادة ولكن النفس لكي تفعل الأفعال تحتاج إلى جسم وبدن فكيف النفس تقوم بالأمور من دون جسم ومن دون بدن فلكي تبطش وتضرب النفس تحتاج إلى يد ولكي تأكل تحتاج إلى معدة، إذاً النفس مجردة عن المادة في ذاتها ولكن في فعلها وآثارها تحتاج إلى الآلة وآلتها هو الجسم والبدن، إذاً النفس جوهر ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته.

هذه النفس التي لها أدوات وآلات يعبر عنها بتعابير مختلفة تارة يقال نفس تارة يقال روح تارة يقال عقل تارة يقال ضمير إلى آخره؛ تسمى النفس روحا لتوقف حياة البدن على الروح والنفس وتسمى النفس عقلا لأن النفس تدرك المعقولات وتسمى النفس قلبا لتقلب النفس في الخواطر؛ النفس تتقلب وقد تستعمل هذه الألفاظ الروح النفس العقل الضمير في معان أخرى ولا يراد بها النفس ويعرف المراد من خلال معرفة قرائن الألفاظ، هذه النفس لها قوى أربع مهمة:

القوة الأولى العقل. القوة الثانية الشهوية.القوة الثالثة الغضبية. القوة الرابعة الوهمية أو الواهمة.

هذه القوى الأربع توصف بصفات مهمة يقال القوى العاقلة المَلكية ولا تقول المُلكية المَلكية لأن أبرز صفات المَلَكْ هو العقل بل إن الملكة عقل محض الرواية هكذا تقول "إن الله خلق الملائكة عقلاً بلا شهوة وخلق البهائم شهوة بلا عقل وخلق الإنسان مركباً من العقل والشهوة؛ فمن غلب عقله شهوته أصبح أفضل من الملائكة؛ ومن غلب شهوته عقله أصبح أدنى من البهائم" إذاً السمة الغالبة للقوة العاقلة هي الملكية.

يقول سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت "رحمه الله" كان الإمام الخميني في شبابه إذا مشى في أزقة قم تتخيل أن ملك من الملائكة يمشي هذا مطلب مهم؛ يقول العرفاء النهايات في البدايات يعني أنت تقول الآن الإمام الخميني رجل عظيم الشهيد الصدر رجل عظيم آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم رجل عظيم؛ ادرس حياته في بداية شبابه ماذا كان؟ أنت الآن تلحظ النهاية له هذه النهاية معلول لها علة أمور عملها في شبابه وصغره النهايات في البدايات يعني يعرف أثر النهايات من خلال شدة العمل والمثابرة في البدايات، القوة الأولى هي القوى العاقلة الملكية والقوة الثانية هي القوة الشهوية البهيمية؛ البهائم والعجماوات سميت عجماوات لأنها لا تفقه ما بداخلها كالبهيمة المربوطة همها علفها أو كالمرسلة تكترش من أعلافها وتلهو عن ما يراد بها.

القوة الثالثة القوى الغضبية السَبُعِيَة؛ السَبع غضوب مثل الأسد مثل النمر مثل الذئب والضبع ولكن يقولون الإنسان قد يصبح أدنى من السبع لأن السبع لا يأكل ولا يهجم ولا يغضب إلا إذا كان جائعاً الحيوانات تعرف إذا شافوا الأسد والنمر لا يهجم يعرفون إن هذا شبعان، متى يهجم الأسد؟ الأسد والنمر لا يهجم إلا إذا كان جائعاً إذا شبعان تمر أمامه لا يهجم عليك، ولكن الإنسان يهجم في حالة الشبع وفي حالة الجوع؛ الآن أمريكا تهجم على الدول أمريكا يعني جوعانة؟ شبعانة فهذا يقال الإنسان يصبح أدنى من الحيوانات السبعية الضارية أسبع من السباع ضاري أشد منهم لأن الحيوانات الضارية لا تهجم إلا في حالة الجوع والإنسان يهجم في حالة الجوع وفي حالة الشبع.

والقوى الرابعة والأخيرة هي القوى الواهمة الشيطانية وظيفة قوة الوهم صناعة الحيل والخطط والدسائس وهذه من وساوس الشيطان، إذاً عندنا أربع قوى هذه القوى لها فوائد ولها مساوئ؛ الله "عزَّ وجل" لم يخلق هذه القوى إلا لفوائد، الدرس القادم نتطرق إلى فائدة القوى العاقلة الملكية والقوى الشهوية البهيمية والقوى الغضبية السبعية والقوى الواهمة الشيطانية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo