الموضوع: المقدمة الثانية لدراسة علم الأخلاق

جاء في الرواية الشريفة عن سيدنا ونبينا أبا القاسم محمد (إن أقربكم إليَّ في الجنة وأحبكم إليَّ أحاسنكم أخلاقاً)، صدق سيدنا ومولانا أبو القاسم محمد.

الله "عزَّ وجل" نعت نبيه مادحاً له في القرآن الكريم وخصه بالخلق العظيم فقال (وإِنَّك لعلى خلق عظيم) ورسول الله "صلى الله عليه وآله" فيما روي عنه قال إن أقرب الناس إليه في الجنة وأحب الناس إليه في الجنة هم أحسن الناس أخلاقا، نسأل الله "عزَّ وجل" أن يجعلنا منهم ومن هنا ندرس علم الأخلاق من كتاب جامع السعادات للمولى الشيخ محمد مهدي النراقي.

وقبل أن نشرع في صلب الكتاب لا بأس ببيان مقدمات خمس أخرى، في الدرس الماضي خمس مقدمات واليوم خمس مقدمات تلك عشرة كاملة، هذه المقدمات بعضها عام وبعضها خاص، ولكن سنحتاجها عند دراستنا لثنايا الكتاب؛ المقدمات الخمس كما يلي:

المقدمة الأولى أقسام الفلسفة.

المقدمة الثانية في بيان المدارس الفلسفية.

المقدمة الثالثة في بيان نظرية المعرفة.

المقدمة الرابعة في بيان المناهج الأخلاقية.

المقدمة الخامسة والأخيرة في بيان منهج الشيخ النراقي في كتابه جامع السعادات.

أما المقدمة الأولى في بيان أقسام الفلسفة؛ فإن الفلسفة تُقسَّم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل الفلسفة القديمة.

القسم الثاني الفلسفة الحديثة.

القسم الثالث الفلسفة المعاصرة، ثلاثة فلسفات قديمة وحديثة ومعاصرة؛ والعلوم تتمايز بموضوعاتها فباختلاف موضوعات هذه الفلسفات تختلف وتتمايز هذه الفلسفات؛ فموضوع الفلسفة القديمة الوجود وموضوع الفلسفة الحديثة المعرفة وموضوع الفلسفة المعاصرة اللغة.

الفلسفة القديمة تدرس الوجود، تدرس مطلق الوجود وتدرس خصوص واجب الوجود لذلك في الفلسفة النظرية القسم الثالث كان منها الإلهيات؛ والإلهيات قسمناها إلى قسمين الإلهيات بالمعنى الأعم وهي ما تدرس مطلق الوجود والإلهيات بالمعنى الأخص وهي ما تدرس خصوص وجود الله تبارك وتعالى.

الفلسفة المتداولة في الحوزات العلمية والتي تدرس في الحوزات مثلاً كتاب بداية الحكمة ونهاية الحكمة للسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان؛ الفلسفة في المنظومة لصاحب المنظومة الملا هادي السبزواري؛ فلسفة الحكمة المتعالية الأسفار الأربعة للشيخ صدر الدين الشيرازي شيخ محمد إبراهيم الشيرازي هذه كلها فلسفات قديمة يعني الفلسفة المتداولة في الحوزة العلمية هي الفلسفة القديمة فلسفة ابن سينا هذه كلها فلسفات قديمة يعني تدرس وجود الأشياء، هل للوجود حقيقة أو لا توجد له حقيقة؛ ما هي أنحاء هذا الوجود دراسات مفصلة في وجود الإنسان وجود الله وجود الأشياء الفلسفة تدرس حقيقة الوجود هذه الفلسفة القديمة وهي السائدة والتي لا تزال متداولة في الحوزات العلمية.

القسم الثاني من أقسام الفلسفة ما يدرس المعرفة؛ كيف يتعرف الإنسان على الأشياء؛ هل المعرفة متفاوتة أو متساوية؛ هذا ما يدرس في نظرية المعرفة وفي الحوزات العلمية أيضا اليوم تُدرس نظرية المعرفة سماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني عنده كتاب مستقل حوالي خمسمائة صفحة في نظرية المعرفة وسماحة آية الشيخ مصباح اليزدي أيضا تطرق إلى نظرية المعرفة في بداية كتابه دروس في العقيدة الإسلامية وأيضا تطرق إلى نظرية المعرفة في بداية كتابه المنهج الجديد في تعليم الفلسفة الجزء الأوّل.

وأما الفلسفة الثالثة فلسفة المعاصرة فهي ما تدرس اللغة واللسان؛ مثلاً أنت لكي تفهم القرآن والنص الديني أو لكي تفهم كلام رسول الله "صلى الله عليه وآله" والأئمة "عليهم السلام" هل تحتاج لدراسة النصوص والألفاظ اللغوية فقط أم لابد من دراسة تاريخ نزول القرآن الكريم وأسباب نزول القرآن الكريم والتاريخ الذي عاشه النبي "صلى الله عليه وآله" وأئمتنا "عليهم أفضل الصلاة والسلام"؛ إذاً القسم الثالث من أقسام الفلسفة هو الفلسفة المعاصرة، طبعاً الفلسفة الثالثة تُدرس أكثر شيء في الجامعات في الحوزات قل ما تجد دراسة إلى الفلسفات المعاصرة؛ الآن أكثر الشبهات محمد أركون والجابري والعلواني وتيار الحداثة وتيار ما بعد الحداثة هذا كله ناظر إلى الفلسفة الثالثة الفلسفة المعاصرة لذلك دائماً كلامهم حول النص الديني والمعرفة الدينية وأقسام حتى الفلسفة المعاصرة عشرة أقسام بحث طويل يعني تحتاجون على الأقل سنة لدراسة أبحاث الفلسفة المعاصرة نظرية آيدكر نظرية شلايماخر الألماني أو الآن علم موجود يسمونه الهرمنطيقية هذا الهرمنطيقية وبالفارسي كثيرا ما مكتوب في هذه الفلسفات هذا ناظر إلى الفلسفة المعاصرة، خلاصة المقدمة الأولى وهي مقدمة عامة للفلسفة ثلاثة أقسام، القسم الأوّل الفلسفة القديمة وموضوعها الوجود؛ القسم الثاني الفلسفة الحديثة وموضوعها المعرفة؛ القسم الثالث الفلسفة المعاصرة وموضوعها اللغة واللسان والنصوص اللغوية.

المقدمة الثانية المدارس الفلسفية؛ أشهر المدارس الفلسفية ثلاث:

المدرسة الأولى المدرسة المشائية.

المدرسة الثانية المدرسة الإشراقية.

المدرسة الثالثة مدرسة الحكمة المتعالية.

مؤسس المدرسة المشائية ابن سينا وله كتاب الشفاء، ولكن جذور المدرسة المشائية موجودة في كلمات المعلم الأوّل أرسطو طاليس، مؤسس المدرسة الإشراقية هو شيخ الإشراق السهروردي وجذور المدرسة الإشراقية موجودة في كلمات الحكيم أفلاطون أستاذ أرسطو طاليس، والمدرسة الثالثة مدرسة الحكمة المتعالية مؤسسها الشيخ محمد إبراهيم صدر الدين الشيرازي صاحب كتاب الأسفار الأربعة وأيضا يقال له الحكمة المتعالية وكتب أخرى، ما هو المائز بين هذه الفلسفات الثلاث وبالمناسبة هذه الفلسفات الثلاث هي أقسام مدارس ضمن الفلسفة القديمة يعني كلها تدرس الوجود يعني المدرسة المشائية والمدرسة الإشراقية ومدرسة الحكمة المتعالية تدرس وجود الأشياء.

المدرسة المشائية سميت مشائية يقال لأنهم كانوا يدرسون وهم يمشون، كان أرسطو يدرسهم وهم يمشون فسميت بالمدرسة المشائية، يعني في حلهم وترحالهم يدرسون ومن أهم معالم المدرسة المشائية التركيز على الجانب العقلي دائما استدلالات عقلية ولا مكان للنقل أو الروح وغير ذلك، كلها استدلالات عقلية الآن المنطق الذي تدرسونه هذا المنطق الأرسطي تبعاً للمدرسة المشائية، وأما المدرسة الإشراقية فهي التي لا تكتفي بمدركات العقل وإنما تضيف إليه إشراقات الروح فإن الروح لها حالة نورانية ولها إشراقات تلهم الإنسان الحقائق والمعارف؛ مؤسس المدرسة شيخ الإشراق السهروردي له كتاب حكمة الإشراق.

المدرسة الثالثة مدرسة الحكمة المتعالية هي مدرسة تلفيقية جاء صدر الدين الشيرازي وألف مدرسة الحكمة المتعالية من أربعة أشياء؛ الأوّل الفلسفة المشائية الثاني الفلسفة الإشراقية؛ الثالث العرفان النظري الذي يدرس أسماء الله الحسنى والرابع علم الكلام، إذاً مدرسة الحكيم صدر المتألهين مؤلفة وعبارة عن مزيج من أربعة أمور؛ فلسفة المشاء وفلسفة الإشراق والعرفان النظري وعلم الكلام ولكن مزج بين هذه الأمور الأربعة في إطار رؤية معرفية ومنظومة متكاملة.

الآن المدرسة السائدة في الحوزات العلمية هي مدرسة الحكمة المتعالية ومن بعدها مدرسة المشاء يعني كتب ابن سينا التي هي مدرسة مشائية مثل الشفاء وكتب ملا صدرا، صاحب الميزان كتابه بداية الحكمة نهاية الحكمة هو ذكر مباني الحكمة المتعالية لكن بمشرب مشائي يعني بطريقة مشائية يعني صدر المتألهين إذا تراجع كتبه يذكر آيات وروايات ومباحث كلامية ومباحث عرفانية ومباحث فلسفية لكن صاحب الميزان قوالبه كلها عقلية، يعني الأسلوب أسلوب ابن سينا لكن المباني مباني الحكمة المتعالية، خلاصة المقدمة الثانية المدارس الفلسفية ثلاث المدرسة المشائية والمدرسة الإشراقية ومدرسة الحكمة المتعالية؛ وهذه المدارس الثلاث إنما هي ضمن الفلسفة القديمة التي تدرس الوجود.

المقدمة الثالثة نظرية المعرفة هي تبحث كيف يتعرف الإنسان على الأشياء وفي نظرية المعرفة تُذكر خمسة أنحاء للمعرفة أو خمس نظريات ومنشأ ذلك هو سبب التعرف على الأشياء أنت تتعرف على الأشياء عن أي طريق؟ هل عن طريق العقل أو عن طريق النقل أو عن طريق الكشف والشهود والمعاينة العرفانية أو عن طريق التجربة والحس أو عن طريق المزج والتلفيق بين هذه الأسباب، إذاً أسباب المعرفة أو نظرية المعرفة توجد عندنا خمس نظريات:

النظرية الأولى المعرفة العقلية.

النظرية الثانية المعرفة النقلية.

النظرية الثالثة المعرفة العرفانية الشهودية.

المعرفة الرابعة المعرفة الحسية التجريبية العلمية.

والمعرفة الخامسة هي المعرفة التلفيقية.

تقول بعض الأشياء ندركها بالعقل وبعض الأشياء ندركها بالنقل وبعض الأشياء ندركها بالحس والتجربة وبعض الأشياء ندركها بالكشف والشهود هذه اتجاهات طبعاً الفلاسفة والمشاؤون نظريتهم هي نظرية المعرفة العقلية يقول أنا اقبل معطيات العقل، الفقهاء نظريتهم المعرفة النقلية يعتمدون على ما ينقل، العرفاء نظريتهم المعرفة الشهودية المعاينة الحقائق عن طريق إشراقات الروح والكشف العرفاني يعني العرفاء يقولون المعرفة حقيقة تصب في القلب والفيلسوف يقول لا المعرفة حقيقة تصب في العقل لا القلب.

النظرية الرابعة هذه هي السائدة الآن في أوربا؛ أوربا يقولون ولَّ عصر الفلسفة يعني دراسة الوجود هذه مباحث قديمة؛ الآن نحن نعيش عصر العلم ذهب زمن الفلسفة وعصر الفلسفة ونحن اليوم نعيش عصر العلم ويقولون لا تثبت أي معلومة إلا إذا أثبتناها في المختبر؛ تقول الله موجود ثبته لي في المختبر، فالحقيقة العلمية هي خصوص الحقيقة التي تثبت في المختبر وعن طريق العلم الحسي والتجريبي لذلك قالوا هذه معرفة علمية؛ المعرفة العلمية هي ما تنال بالحواس الخمس ما يمكن إثباتها عن طريق الحواس والتجربة.

القسم الخامس المعرفة التلفيقية يقول لا نحن لا نستطيع كل شيء نثبته بالعقل ولا كل شيء نثبته بالنقل ولا كل شيء نثبته بالحس والتجربة ولا كل شيء بالكشف والشهود بعض أنواع المعارف نكتسبها من النقل وبعضها من العقل وبعضها من الكشف والشهود وبعضها من الحس والتجربة.

خلاصة المقدمة الثالثة أنواع المعرفة خمسة معرفة عقلية؛ معرفة نقلية؛ معرفة عرفانية؛ معرفة حسية ومعرفة تلفيقية أو شاملة، هذه المقدمات الثلاث مقدمات فلسفية بعيدة لكن سنحتاجها في أثناء التطرق إلى جامع السعادات.

المقدمة الرابعة هي تدخل في علم الأخلاق، المناهج الأخلاقية؛ ذُكرت مناهج أخلاقية أهمها أربعة:

المنهج الأوّل المنهج الفلسفي.

المنهج الثاني المنهج النقلي.

المنهج الثالث المنهج العرفاني والشهودي.

والمنهج الرابع المنهج التلفيقي.

هذه مناهج أخلاقية يعني المنهج الأخلاقي النقلي يقتصر على الآيات والروايات في بيان المفردات الأخلاقية؛ المنهج الفلسفي العقلي يقتصر على معطيات العقل ومدركات العقل في بيان المباحث الأخلاقية؛ المنهج العرفاني يقتصر على إشراقات الروح ومعطيات الكشف والشهود العرفاني؛ المنهج التلفيقي يقول بعض المباحث نأخذها من العقل وبعضها من النقل وبعضها من الكشف والشهود، خلاصة المقدمة الرابعة المناهج الأخلاقية أربعة: منهج فلسفي ومنهج عرفاني ومنهج نقلي ومنهج تلفيقي.

المقدمة الخامسة والأخيرة ما هو منهج الشيخ محمد مهدي النراقي في جامع السعادات وهذه المقدمة الأخيرة هي المهمة، بكلمة واحدة مختصرة بعد ذلك نفصل فيها، منهج الشيخ محمد مهدي النراقي في جامع السعادات منهج فلسفي أوّلاً ونقلي ثانياً؛ يعني في الدرجة الأولى هو منهج فلسفي وفي الدرجة الثانية هو منهج نقلي وليس منهج الشيخ النراقي منهج عرفاني وهذا ما يقودنا إلى دراسة شخصية الشيخ النراقي والأمور التي تأثر بها لكي نعرف المنهج الذي سار عليه في كتاب جامع السعادات.

بالنسبة إلى المناهج الأخلاقية الفلسفية أهم كتاب على الإطلاق هو كتاب تهذيب الأخلاق وطهارة الأعراق لأحمد بن محمد بن يعقوب بن مسكويه المتوفى سنة 420 هجرية كان في زمن الدولة البويهية كان من أعضاء الدولة لكن كانت عنده مكتبة عامة ملك لرئيس الوزراء أعطاها له وكان بحَّاثاً وكان فيلسوفاً.

ابن مسكويه منهجه فلسفي نقلي وهذا الكتاب ثمين جداً لأن الشيخ النراقي اعتمد على هذا الكتاب بدرجة أنه بدأ ابن مسكويه بالنفس وآداب النفس بدأ النراقي بالنفس وآداب النفس انتهى ابن مسكويه بالموت وما بعد الموت والآخرة انتهى أيضا النراقي بالحج والزيارة وأمور الآخرة، قد تسأل الآن أوّل درس في جامع السعادات في انقسام حقيقة الإنسان الفقرة الثانية في النفس الإنساني وأنها مجردة ـ هذه كلها مباحث فلسفية ـ سؤال يطرح نفسه لماذا بدأ الشيخ النراقي بالإنسان وبالنفس بينما ذهب غيره كأبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين أوّل ما بدأ بدأ بالعلم، الجواب منهج الشيخ النراقي فلسفي ما هي الأخلاق؟ الأخلاق هي السلوكيات التي تصدر عن ملكة وإرادة، سؤال الإرادة ممن تصدر؟ من الإنسان، ما هو مصدر الإرادة؟ النفس الإنسانية، إذاً لابد من بحث النفس الإنسانية، هذا سبب أن يُبدأ بدراسة النفس كلها هذه أبحاث فلسفية.

ابن مسكويه أكثر شيء تأثر بفلاسفة ثلاثة؛ أفلاطون وتلميذه أرسطو ثم جالينوس والآن تعرفون أفلاطون يعني المدرسة الإشراقية إشراقات الروح؛ أرسطو المدرسة المشائية؛ وجالينوس وتأثر ابن مسكويه بالكثير من الفلاسفة؛ أفلاطون وأرسطو وجالينوس وأبو يوسف الكندي ويحيى بن عدي ومحمد بن زكريا الرازي هؤلاء تأثر بهم ابن مسكويه وأما المتأثرون بابن مسكويه من أبرزهم الشيخ محمد مهدي النراقي ويبقى العبائر عن ابن مسكويه خاصة أوّل ثمانين صفحة من جامع السعادات هذه كلها مباحث تحصلها في كتاب تهذيب الأخلاق.

لذلك الدرس القادم أوّل ما نبدأ في العلوم ثلاثة أمور تدرسونها دائماً في أي علم، أوّلاً تعريف العلم ثانياً موضوع العلم ثالثاً الغرض من العلم، هذه المباحث الثلاثة ما ذكرها الشيخ النراقي في جامع السعادات لكن ابن مسكويه ذكرها، لذلك في الدرس القادم أوّل ما نأخذ تهذيب الأخلاق لابن مسكويه وندرس تعريف علم الأخلاق وموضوع علم الأخلاق والغرض من علم الأخلاق ثم ندخل مباحث جامع السعادات للنراقي.

النراقي أوّلاً فيلسوف درس الحكمة ثلاثين سنة عند المولى إسماعيل الخاجوئي إذاً رجل من الناحية الفلسفية والمعرفية مقتدر جداً وأيضا فقيه درجة أولى ابنه الشيخ أحمد النراقي هو صاحب نظرية ولاية الفقيه المطلقة وطرحها في كتابه عوائد الأيام، الشيخ الأنصاري درس عند ابنه خمس سنوات صاحب مستند الشيعة وابنه أصلاً كان يحاكيه في كتبه ومصنفاته يعني الشيخ محمد مهدي الأب عنده معتمد الشيعة وابنه الشيخ أحمد عنده مستند الشيعة؛ النراقي الأب عنده جامع السعادات في الأخلاق وابنه الشيخ أحمد عنده معراج السعادة في الأخلاق وهكذا في كتب أخرى الفتى سر أبيه؛ إذاً أوّلاً قوي في الفلسفة اثنين قوي في الفقه والأصول ثلاثة قوي في العرفان.

سؤال من هو مؤسس المدرسة العرفانية الإمامية في الزمن المتأخر؟

الجواب يقول المحقق السيد جلال الدين الآشتياني إن مؤسس المدرسة العرفانية السلوكية الإمامية في العصر الأخير هو الشيخ محمد البيدآبادي الجيلاني المتوفى سنة 1197 هذا مؤسس المدرسة العرفانية وكان في أصفهان بعض المصادر تنقل أن الشيخ محمد مهدي النراقي تلميذه، يمكن مراجعة كتاب تذكرة المتقين في السير والسلوك إلى الله صفحة 14 هناك ينص على أن الشيخ النراقي درس العرفان عند الشيخ محمد البيدآبادي الجيلاني؛ وهذه المدرسة العرفانية تسلسلت نذكر السلسلة حتى تعرف الآن العرفاء إلى أين يتصلون هذه المدرسة السلوكية المتأخرة؛ لأن في العرفان يوجد أستاذ وله تلميذ وصي يوصيه بهذه المدرسة السلوكية طبعاً البحث هذا ليس بحث عرفاني بحث أخلاقي، الشيخ محمد البيد آبادي كان وصيه السيد صدر الدين الكاشف الدزفولي؛ بعد السيد صدر الدين الدزفولي جاء السيد علي التستري السيد علي الشوشتري؛ السيد علي التستري هذا تلميذ الشيخ الأنصاري وأستاذ الشيخ الأنصاري؛ السيد علي التستري درس الفقه والأصول عند الشيخ الأنصاري والشيخ الأنصاري درس الأخلاق عند السيد علي التستري وبعد الشيخ الأنصاري رقى المنبر في الفقه والأصول السيد علي التستري لكن لم يعمر كثيراً ستة شهور وتوفي.

بعد السيد علي التستري هذه المدرسة امتدت إلى الشيخ حسين قلي الهمداني وتنسب الآن المدرسة العرفانية الأخيرة إلى آية الله الشيخ حسين قلي الهمداني خرَّج أكثر من ثلاثمائة عارف وفقيه وسلسلة العرفاء تتصل بالشيخ حسين قلي الهمداني معروف؛ الشيخ حسين قلي الهمداني كان له أيضا وصي لكن هذه المدرسة المتأخرة أكثر شي ترجع إلى السيد أحمد الكربلائي؛ السيد أحمد الكربلائي تلميذ الشيخ حسين قلي الهمداني السيد أحمد الكربلائي كان برتبة مرجع لكن لم يتصدى للمرجعية؛ كان الميرزا الشيخ محمد تقي الشيرازي يُرجع مقلديه إليه في الاحتياطات لكن لم يتصدى للمرجعية؛ السيد أحمد الكربلائي تلميذه السيد علي القاضي؛ السيد علي القاضي من هم تلامذته من المعاصرين السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب الميزان والشيخ محمد تقي بهجت "رحمة الله عليه" والسيد عبد الكريم الكشميري والشيخ الوحيد الخراساني والسيد شهاب الدين المرعشي النجفي؛ هؤلاء من طلاب السيد علي القاضي.

طالما وصلنا الى العرفاء نختم بهذه القصة؛ السيد علي القاضي قبره موجود في مقبرة الغري وهو صاحب كرامات؛ وأنا سمعت من حفيده يقول أنا حضرت دفن عمي وكان والدي يقول للدفان ادفن أخي الى جانب والدي فقال الدفان تقصد الذي دفن قريباً ولحيته بها الحناء؛ فقال له والدي ماذا تقول إن والدي توفي منذ ثمانية وثلاثين سنة وأريد منك أن تدفن أخي الى جانب والدي فقال الدفان نعم أفهم ماذا تعني إنه والدك الذي مازال غضاً طرياً؛ على كل حال هذا هو السيد علي القاضي صاحب الكرامات ولكنه كان مجهول القدر؛ كان أحد العلماء في النجف يقول هذا السيد دائما بين القبور وفي المقابر ماذا يفعل هذا السيد هناك! يضيع وقته هناك؟ في يوم من الأيام هذا العالم جالس في مكتبته أراد أن ينام ومد رجليه فقال في نفسه أنا الآن مددت رجليَّ هل مد الرجل أمام الكتب وفيها آيات قرآنية ولفظ الجلالة هل يُعد هذا هتكاً أو لا؟ لم يعرف وبقي متحيراً هل يصدق عليها هتكاً أو لا لا يدري؟ يقول خرجت من المنزل وفي الطريق رأيت السيد علي القاضي سلمت عليه فرد عليَّ السلام وبدأني السيد القاضي بالكلام فقال: شيخنا مولانا مَدُ الرِجل أمام الكتب يصدق عليه عنوان الهتك؛ فتعجبت من كلامه من أين له هذه المعرفة وهي خاطرة في النفس!؟ ثم عقب السيد القاضي وهذا ما تعلمناه من المقابر؛ على كل حال هؤلاء أولياء الله لهم طريقتهم.

إلى هنا وصلنا إلى أن الشيخ النراقي "رضوان الله عليه" متضلع في الفلسفة والعرفان والفقه والأصول ومنهجه في كتاب جامع السعادات منهج فلسفي نقلي في الدرجة الأولى فلسفي قبل أن يكون نقلي يعني سيأتي إن شاء الله أنه يعتمد الأخلاق الغائية لا الأخلاق الوظيفية؛ ما المراد بالأخلاق الغائية هذا مسلك وما المراد بالأخلاق الوظيفية هذا مسلك آخر إن شاء الله تراجعونه في مقدمة كتاب تهذيب الأخلاق وطهارة الأعراق