< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة72؛ الفروعات الفقهیة؛ الفرع الثاني: صرف المال في المستحبات

 

الفرع الثاني: صرف المال في المستحبات زیادة عن اللّائق بحاله

النظریة الأولی: ما زاد علی اللّائق بحاله لیس من المؤونة

ذهب إلی هذه النظریة أکثر الأعلام.

يظهر من المحقق النراقي حيث قال: الظاهر عدم كونها [الحج المندوب و سائر أسفار الطاعة المندوبة] من المؤونة، و هو كذلك، فلا يحتسب إلّا مع دعاء الضرورة العاديّة إليهما.[1]

قد تقدّم في المباحث السابقة أن صاحب المناهل قال باقتصار المؤونة علی الواجبات و نتیجة ذلك أیضاً هذه النظریة. حکاه الشیخ الأنصاري عن صاحب المناهل: و يستفاد من ظاهر سيّد مشايخنا في المناهل الاقتصار على الواجبات الشرعيّة أو العاديّة و هو محتمل.[2]

و قال صاحب الجواهر في نجاة العباد: و المرجع فيها (أي المؤونة) العرف لاختلافها باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص و العوارض و الأحوال و نحو ذلك من غير فرق بين ما يحتاجه لنفس الماكل و المشرب و الملبس و المسكن و نحوها و بين ما يحتاجه لزیاراته و صدقاته ... نعم يعتبر فيه الاقتصار على اللّائق بحاله في العادة من ذلك كلّه بحيث يكون تركه خروجا عن امثاله دون ما كان سفها و سرفا ... .[3]

و قال الشیخ الأنصاري: و مثل الزيارات و الصدقات و الإحسانات داخل في المؤونة، بشرط عدم خروج ذلك عن متعارف أمثاله. فمثل إهداء التحف للسلاطين من أمور الدنيا، أو بناء المساجد، و إيقاف الأملاك ممّا يتعلّق بالدين، داخل في المئونة بالنسبة إلى بعض، خارج بالنسبة إلى آخر.[4]

قال السید أبوالحسن الإصفهاني: المراد بالمؤونة ما ينفقه على نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم، و منها ما يصرفه في زياراته و صدقاته و ... نعم يعتبر فيه الاقتصار على اللائق بحاله دون ما يعدّ سفها و سرفا ... .[5]

و به قال بعض الأکابر[6] و السید الگلبایگاني[7] حیث لم یعلّق علی عبارة وسیلة النجاة و قال به المحقق البهجت أیضاً.[8]

و به قال السید محمود الهاشمي الشاهرودي: المراد من مؤونة السنة التي یجب الخمس في الزائد علیها کل ما یصرفه في سنته، في معاش نفسه و عیاله علی النحو اللائق بحاله أم في صدقاته و زیاراته ... لا بدّ أن لا یکون الصرف سفهاً أو تبذیراً و إلّا وجب في الزائد علی المتعارف الخمس.[9]

و بعضٌ من الأعلام لم یوجد في کلامهم ذکر الإسراف في العبادات، بل أطلقوا الکلام في احتساب مقدار الإسراف في الخمس فيستفاد من هذا الإطلاق أنهم أیضاً قائلون بالنظریة الأولی.[10] [11] [12] [13] [14] [15] [16] [17] [18]

یلاحظ علیه:

إنّ المفروض هو تعلّق أمر الشارع بصرف المال في المستحبات و هذا الأمر و إن لم یکن وجوبیاً و لکن امتثاله لیس سفهاً و لا إسرافاً، و إلا یلزم أمر الشارع بما هو سفهٌ و سرفٌ، و هذا ممّا لا یمکن الالتزام به.

نعم قد یعدّ العرف صرف المال في المستحبات زائداً علی شأن المکلّف، و لکن أدلّة المستحبات و السبق في الخیرات حاکمةٌ علی الشأن العرفي فتوجب توسّعاً في دائرة مصادیق المؤونة.

النظریة الثانیة: الاحتیاط في احتسابه من المؤونة

قال المحقق الحکیم: فالمؤونة كل مصرف متعارف له سواء أ كان الصرف فيه على نحو الوجوب أم الاستحباب، أم الإباحة أم الكراهة ... و إذا كان المصرف سفها و تبذيرا لا يستثنى المقدار المصروف بل يجب فيه الخمس، بل إذا كان المصرف راجحا شرعا لكنه غير متعارف من مثل المالك مثل عمارة المساجد و الإنفاق على الضيوف ممن هو قليل الربح ففي استثناء ذلك من وجوب الخمس إشكال. نعم يستثنى بالنسبة إلى بعض الأشخاص الأغنياء الذين من شأنهم فعل مثل ذلك.[19]

و قال بعین ذلك المحقق التبریزی[20] و السید السیستاني[21] و قال بعض الأساطین في هامش المنهاج: لا يترك الاحتياط بالتخميس في الزائد على المتعارف من مثله.[22]

یلاحظ علیه:

بعد ما استشکلنا علی النظریة الأولی فلا وجه للاحتیاط المذکور.

النظریة الثالثة: یحتسب من المؤن

قال العلامة الحلّي: صرف المال الى وجوه الخيرات ليس بتبذير. [23]

قال صاحب مفتاح الکرامة: قوله: (و صرف المال إلى وجوه الخيرات ليس بتبذير) ظاهر إطلاقه أنّه لا فرق بين الإفراط في ذلك و عدمه و لا بين كون ذلك لائقا بحاله أولا . و هو ظاهر «مجمع البرهان » و قد يلوح ذلك ممّا حكي عن «مجمع البيان ». و في «المسالك » أنّه المشهور. و قد استدلّ‌ عليه بأنّه لا سرف في الخير كما لا خير في السرف. و هو ليس بحديث و إنّما حكي أنّ‌ رجلا تصدّق كثيرا، فقال له رجل: لا خير في السرف، فأجابه لا سرف في الخير، و بأنّ‌ أمير المؤمنين تصدّق بالأقراص كما هو مشهور، فنزلت فيه سورة هل أتى[24]

قال المحقق جمال الدین الخوانساري: الظاهر أنّ كلّ ما بذله في سبيل اللّه كالصّدقات و بناء الخيرات و نحوهما فله وضع جميعها من الأرباح و أنّه لا يعتبر فيها قصد فلو تصدّق مثلاً ما يزيد أن تصدّق أمثاله فله وضع جميعه من الأرباح إذ لم يعتبر القصد في مثله‌.[25]

قال المحقق الخوئي: و أمّا بالإضافة إلى العبادات و الأُمور القربيّة من صدقة أو زيارة أو بناء مسجد أو حجّ مندوب أو عمرة و نحو ذلك من سائر الخيرات و المبرّات، فظاهر عبارة المتن و صريح غيره جريان التفصيل المزبور فيه أيضاً، فيلاحظ مناسبة الشأن، فمن كان من شأنه هذه الأُمور تستثني و تعدّ من المؤن، و إلّا فلا.و لكن الظاهر عدم صحّة التفصيل هنا، فإنّ شأن كلّ مسلم التصدِّي للمستحبّات الشرعيّة و القيام بالأفعال القربيّة، امتثالًا لأمره تعالى و ابتغاءً لمرضاته و طلباً لجنّته، و كلّ أحد يحتاج إلى ثوابه و يفتقر إلى رضوانه، فهو يناسب الجميع.[26]

و قال في منهاجه: ... و الظاهر أن المصرف إذا كان راجحا شرعا لم يجب فيه الخمس، و إن كان غير متعارف من مثل المالك مثل عمارة المساجد، و الإنفاق على الضيوف ممن هو قليل الربح.[27]

و قال بمثل ذلك الشیخ الفیاض في منهاجه.[28]

و ذهب إلی هذه النظریة المحقق الشهید الصدر في تعلیقته علی کلام المحقق الحکیم.[29]

و قال السید محمد سعید الحکیم: من جملة المؤن المصارف المستحبة -من حج أو زيارة أو صدقة أو غير ذلك- مهما كثرت و عظمت سواء تعارف قيام صاحب الربح بها و كانت مناسبة لشأنه أم لا.[30]

أدلّة النظریة الثالثة:

الدلیل الأول: شأن کلّ أحدٍ الصرف فيها

قال المحقق الخوئي: لا معنى للتفكيك بجعله مناسباً لشأن مسلم دون آخر، فلو صرف أحد جميع وارداته بعد إعاشة نفسه و عائلته في سبيل الله ذخراً لآخرته و لينتفع به بعد موته كان ذلك من الصرف في المئونة، لاحتياج الكلّ إلى الجنّة، و لا يعدّ ذلك من الإسراف أو التبذير بوجه بعد أمر الشارع المقدّس بذلك، و كيف يعدّ الصرف في الصدقة أو العمرة و لو في كلّ شهر أو زيارة الحسين كلّ ليلة جمعة أو في زياراته المخصوصة من التفريط و الخروج عن الشأن بعد حثّ الشريعة المقدّسة المسلمين عليها حثّا بليغاً؟! فالإنصاف أنّ كلّ ما يصرف في هذا السبيل فهو من المؤن قلّ أم كثر. و التفصيل المزبور خاصّ بالأُمور الدنيويّة حسبما عرفت.[31]

ملاحظتنا علیه:

لا نقبل كون الصرف في المستحبّات مطلقاً من شأن كل شخص، بل العرف يرى أنّ من يصرف في المستحبّات زائداً على مستواه المعيشيّ، قد أصرف زائداً على شأنه و لذا نری أنّ العرف يلومونه و إن كان مؤمناً بل من أهل الخيرات و المبرّات.

الدلیل الثاني: أمر الشارع بالصرف (المختار)

إنّ الشارع أمر بصرف المال في الخیرات أمراً استحبابیاً فامتثاله لیس سفهاً و لا إسرافاً، و لا یأمر الشارع بما هو سفهٌ و سرفٌ، فما صرفه فیها یعدّ من المؤونة، فنحن نستثني هذه المصارف من الخمس، لأنّ الشارع الذي أمر بدفع الخمس، أمر بالخيرات و قد جعل هذه التصرّفات غير المطابقة للشأن، من المؤونة تعبّداً، فإنّ أمره بفعل الخيرات ترخيص له فلا يمكن أن يطلب بصرف المال في أمر محبوب له، ثمّ يقول للمكلّف أنّك صرفت مالك في غير اللائق فعليك أن تدفع خمسه.

و أمّا قوله: لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ وَ لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ.[32]

فهو يشير إلى ما قلناه من أنّ الخير تعبّداً خارج عن معنى السرف و داخل في معنى المؤونة، و إن صدق عليه السرف لغة و عرفاً.

و أمّا قوله تعالى: ﴿وَ الَّذينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً﴾[33] ، فهو الإنفاق على النفس و العيال.

قلنا سابقاً بأنّ العرف و إن عدّ صرف المال في المستحبات زائداً علی شأن المکلّف، و لکن أمر الشارع بالمستحبات حاکمٌ علی الشأن العرفي فنوسّع في دائرة مصادیق المؤونة.

 


[9] منهاج الصالحین (للسید الشاهرودي.)، ج1، ص361، م1217

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo