< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني

45/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 

الموضوع: كتاب الخمس/ارباح المكاسب /المسألة72؛ المطلب الثاني؛ الأمر الثاني؛دلیل الثاني للنظریة الثانیة

 

الدلیل الثاني: شمول السیرة المتشرّعة لبعض ما هو سرف

و قال في شرح المنهاج: إنه [أي تقييد المؤونة بما يعتاد صرفه] لا يناسب سيرة المتشرعة، لعدم البناء على استثناء المصارف الواقعة في طول السنة على خلاف المعتاد - الذي قد يعد سرفاً عرفاً - والواقعة على الوجه المحرم والمكروه والمرجوح دنيوياً، للغفلة عن ذلك، فلو كان البناء على التقييد في ذلك لظهر وبان، لاحتياجه إلى مزيد عناية ...[1]

ملاحظتنا علیه:

إنّ السیرة المتشرعة تختلف عن السیرة العرفیة التسامحیة، و السیرة المتشرّعة بعیدةٌ عن فعل الحرام، بل هنا العرف التسامحي قد یغفل و یعدّ موارد السرف من المؤونة.

الأمر الثالث: حرمة الإسراف

النظریة الأولی: حرمة الإسراف مطلقاً (المشهور)

قال ابن ادریس الحلّي: ... الإسراف فعله محرّم بغير خلاف.[2]

قال المحقق النراقي: و هو [أي تحريم الإسراف] مما لا كلام فيه و يدل عليه الإجماع القطعي، بل الضرورة الدينية و الآيات الكثيرة و الأخبار المتعددة.[3]

أدلة النظریة الأولی: (حرمة الإسراف مطلقاً)

الدلیل الأوّل : الضرورة الدینیة

قال المحقق النراقي: البحث الأول: في تحريمه . و هو مما لا كلام فيه، و يدل عليه الإجماع القطعي، بل الضرورة الدينية ... .[4]

الدلیل الثاني: الإجماع

قال ابن ادریس الحلّي : ... الإسراف فعله محرّم بغير خلاف.[5]

قال المحقق النراقي : «و الظاهر أنّ الإجماع على حرمته بعد الآيات المذكورة كفانا مؤنة الاشتغال ببيان ذلك».[6]

الدلیل الثالث : الآیات

قد ذکر المحقق النراقي عدة من الآیات و استدلّ بها علی حرمة الإسراف مثل قوله تعالی: ﴿كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا یُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[7] و ﴿آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصٰادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[8] .[9]

الدلیل الرابع : الروایات

إن المحقق النراقي استدل بروایات کثیرة[10] نذکر بعضها:

الرواية الأولى:

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ الْقَصْدَ أَمْرٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِنَّ السَّرَفَ أَمْرٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ حَتَّى طَرْحَكَ النَّوَاةَ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ لِلشَّيْ‌ءِ وَ حَتَّى صَبَّكَ فَضْلَ شَرَابِكَ.[11] [12]

الرواية الثانية:

عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَا مِنْ نَفَقَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ نَفَقَةِ قَصْدٍ وَ يُبْغِضُ الْإِسْرَافَ إِلَّا فِي حَجٍّ وَ عُمْرَة.[13] [14]

الدليل الخامس: ظهور بعض النصوص في كونه من الكبائر

قال الشیخ الحرّ العاملي: ... و الإسراف حرام بل كبيرة لقوله تعالى: ﴿وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ﴾[15] .[16]

يمكن أن يستدل عليه بالمرويّ عن الإمام الرضا:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبْدُوسٍ النَّيْسَابُورِيُّ الْعَطَّارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَيْسَابُورَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَ خَمْسِينَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ النَّيْسَابُورِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ قَالَ: سَأَلَ الْمَأْمُونُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَ الْإِسْلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ وَ الِاخْتِصَارِ فَكَتَبَ لَه‌: ... وَ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَ هِيَ‌ قَتْلُ النَّفْسِ ... وَ الْإِسْرَافُ وَ التَّبْذِيرُ ... .[17] [18]

النظریة الثانیة: حرمة الإسراف إذا لم یکن بغرض عقلائي

قاله المحقق السید محمد سعید الحکیم و قد تقدّم الکلام حوله.

ملاحظتنا علیه:

إنّ الإسراف حرام مطلقاً، کما هو مقتضی الأدلّة التي نذکرها و لکن قد یکون هناک عنوان ثانوي و هو الحرج، فإنّ المکلّف قد یبتلي بمقدار من الإسراف لحفظ وجاهته مثلاً في مجلس العرس، بحیث لو لم یصرف ماله یصیر هواناً علی عائلته و یقع هو بنفسه أو عائلته في تشاجر حرجي علیه.

الأمر الرابع: حكم بعض الموارد الخاصّة للإسراف

المورد الأول: شدّة الحرمة في بعض الموارد، كإسراف من كان عليه دين

قال الشیخ الطوسي: و من كان عليه دين، وجب عليه السّعي في قضائه، و ترك الإسراف في النفقة. و ينبغي أن يتقنّع بالقصد. و لا يجب عليه أن يضيّق على نفسه، بل يكون بين ذلك قواماً.[19]

و قال الشهید الأول: و يجب على المديون الاقتصاد في النفقة و يحرم الإسراف.[20]

و قال السید البجنوردي: و من جملة ما يستحبّ على المدين الاقتصاد في المعيشة و هو الحدّ الوسط بين الإسراف و التقتير، فالإسراف لا يجوز، لأنّه مضافا إلى أنّه في حدّ نفسه منهيّ عنه و مذموم في الآيات و الأخبار، صدوره عن المدين يوجب ضياع حقّ الدائن ... .[21]

المورد الثاني: معنى كراهة الإسراف في بعض الموارد

و قد یوجد في کلام الأعلام الحکم بالکراهة في بعض موارد الإسراف مثل الإسراف في ماء الوضوء و في الأکل ما لم یصل حد الضرر ... .[22] [23] [24] [25] [26] [27] [28] [29] [30] [31]

قال السید عبدالأعلی السبزواري في تعلیقته علی العروة عند بحث کراهة الإسراف في ماء الوضوء: هذا إذا لم يكن للماء قيمة و إلّا فالظاهر أنّ الإسراف فيه حرام كما في غيره، لعموم ما دل على حرمة الإسراف و أنّه من الكبائر.[32]

المورد الثالث: قد عفي عن بعض موارد الإسراف

و هذا المورد علی أقسام ثلاثة: الأول: ما ورد فیه روایات دالة علی عدم الإسراف؛ الثاني: ما ادّعي عدم صدق الإسراف فیه للغرض العقلائي. الثالث: نفي حرمة الإسراف بعنوان ثانوي، مثل الحرج.

القسم الأول: نفي الإسراف في الأخبار

قد ورد في بعض الأخبار عدم الإسراف في أمور: منها: الطيب؛ منها: الضوء؛ منها: الحج و العمرة؛ منها: المأكول و المشروب.

إیراد المحقق النراقي علی القسم الأول:

قال المحقق النراقي: ثم اعلم أنّ حرمة الإسراف عامة في جميع المصارف.

و أما ما ورد في بعض الأخبار من أنه لا إسراف في الطيب أو الضوء، أو في الحج و العمرة، أو في المأكول و المشروب فليس المراد نفي حرمة الإسراف فيها، حتى أنه لو رشّ أحد فضاء بيته و سطوحه و باب داره بماء الورد، أو يطلى أبواب بيته و جدرانه بالمسك و العنبر و لو كان فقيرا، جاز ذلك و لم يكن مُسرفاً، و كذا إذا أسرج المشاعل في النهار أو نحوه، و كذا في البواقي‌ بل المراد: أنّ الإكثار في هذه الأمور مطلوب، و التجاوز عن الحد في الجملة فيها معفو، مع أنه ورد: أنّ عدم الإسراف في المأكل لأنه لا يضيع، بل يأكله الآكلون. و لو سلّم، فإنما يكون من باب الاستثناء، و اللّه سبحانه أعلم بحقائق أحكامه.[33]

القسم الثاني: نفي الإسراف بالغرض العقلائی في الصرف

قد ادّعي عدم الإسراف في ما إذا کان هناک غرض عقلائی في صرف المال.

و أما السید محمد سعید الحکیم قال بأنه لا یمکن القول المطلق بحرمة الإسراف بل المناط في حرمته الإضرار بالمال و فساده: ... أنّ الإسراف عرفا هو صرف ما زاد على الاعتدال في الإنفاق و القصد فيه بلحاظ الجهات العقلائية، كما تشهد به النصوص أيضا، و أنه لا يمكن الالتزام بحرمته على إطلاقه، بل المتيقن هو حرمة ما أضرّ به بالمال و أفسده عرفا من دون غرض عقلائي، فلو فرض لزومه في الزيادة على الصاع لم يكن بالالتزام بحرمته بأس كما أنّ ظاهر النصوص الكثيرة كراهة مطلق الإسراف و استحباب القصد، و هو الاعتدال بين الإسراف و التقتير بلحاظ جميع الجهات العقلائية.[34]

ملاحظتنا علیه:

إنّ الإسراف حرام مطلقاً، کما هو مقتضی الأدلّة التي ذکرناها و لکن العنوان الثانوي و هو الحرج، یوجب رفع الحرمة الشرعیة في بعض الأحیان.

القسم الثالث: نفي الإسراف للحرج في الصرف

قد یرفع الحکم الشرعي، مثل حرمة الإسراف بالعنوان الثانوي و هو الحرج، فإنّ المکلّف قد یبتلي بمقدار من الإسراف لأنّه لو لم یصرف ماله في هذا الأمر یقع في الحرج.


[9] عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام، النراقي، المولى احمد، ج1، ص615.و في کلامه الاستدلال بآیات أخر:«وَ لٰا تَأْكُلُوهٰا إِسْرٰافاً وَ بِدٰاراً» سورة النساء (4): آیة6؛ «وَ الَّذِينَ إِذٰا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كٰانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوٰاماً» سورة الفرقان (25): آیة67؛ «وَ لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ» سورة الإسراء (17): آیة26، 27»؛ «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ» سورة الشعراء (26): آیة151 و ...
[12] و في الخصال، الشيخ الصدوق، ج1، ص10.. «حَدَّثَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّي‌»
[29] التنقيح في شرح العروة الوثقى؛ الطهارة، ج4، ص: 337-338؛.
[30] منهاج الصالحين (للسيد محمد سعيد الحکیم.)، ج‌3، ص232، م174؛

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo