بحث الفقه الأستاذ محمدعلي البهبهاني
43/10/12
بسم الله الرحمن الرحیم
إنّ التخلّص من الربا في البیع و الصلح و المعاوضة بالمعنی الأخصّ و القرض یتحقّق بطرق مختلفة، فإنّ بعض هذه الطرق الشرعیة یختصّ بالربا المعاملي و ذلك الطریق الأول، و بعضها یعمّ الربا المعاملي و الربا القرضي، و بعضها یختصّ بالربا القرضي.
و بعض هذه الطرق تناسب التخلّص عن ربویة الربح عند الاقتراض من البَنك؛ و بعضها تناسب التخلّص عنها عند الإقراض و الإیداع فیها؛ و بعضها تُناسب التخلّص منها عند التأخیر في دفع الدین و القرض.
و إنّ فقهاءنا المتقدّمین حاولوا البحث عن تلك الطرق للخروج عن الربا.
مثل ما قاله الشهید الأول في الدروس:
«و يخرج عن الربا ببيع كلّ من العوضين بثمن و التقاصّ و بالقرض كذلك و بالبيع بالمساوي و هبة الزائد من غير شرط، و بالضميمة كمدّ عجوة و درهم بمدّين أو درهمين أو بمدّين و درهمين أو بمدّ و درهمين أو بمدّين و درهم.» ([1] )
و مثل ما قاله العلامة الحلّي في نهایة الإحکام:
«و لو أراد المعاوضة على المتفاضلين المتفقين جنساً، فطريق التخلّص من الربا بيع السلعة بجنس غيرها، ثمّ يشتري بها الأخرى، أو يباع المتماثل قدراً و يهبه الزائد، أو يقرضه إياه ويبريه؛ لأن سماعة([2] ) سأله عن الطعام و التمر و الزبيب، فقال: لا يصلح شيء منه اثنان بواحد، إلا أن كان يصرفه نوعاً إلى نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس به اثنين بواحد أو أكثر.» ([3] )
و هي المسائل التي وقع فیها الربا، و لابدّ من التخلّص عنه، فلابدّ من ملاحظة هذه الطرق التي سیأتي ذکرها، للخروج عن الربا في هذه المسائل.
الأول: الإیداع في البنك أو عند الأشخاص الحقیقیة لحصول الربح و الفائدة.
الثاني: الاقتراض الربوي من البنك أو نحوه، مع دفع الربح إلى البنك أو غیره.
الثالث: ما یأخذه البنك و المُقرضین من المقترضین عند التأخیر في أداء دیونهم أو أقساطهم.
الرابع: البیوع و المعاملات الربویة نقداً.
الخامس: البیوع و المعاملات الربویة نسیئةً.
ثمّ اعلم أنّ أکثر الطرق التي سنبحث عنها لیست طرقاً حدیثة، إلّا أنّ فیها ما ابتکره بعض الأعلام و من جملتها الأُطروحة التي أفادها السید المحقق الصدر في کتاب البنك اللاربوي([4] ) و لکن ناقشنا فيها و أبدلنا مکانها أُطروحة أُخری و هي طریقة «اشتراط التدارك الخارجيّ»([5] ) و سنستفید منها في ضمن تصحیح الطرق الآتیة من المضاربة([6] ) و الشرکة([7] ) و غیرهما إن شاء الله تعالى.
و قبل الورود في البحث لابدّ أن نشیر إلى نکتتین مهمتین:
قد یقال: إنّ النظام العالمي نظام فاسد بجمیع أجزائه و لابدّ أن یتغیر بجمیع أرکانه فیتشکّل نظام آخر إسلامي مبني على المضاربة و الشرکة و الإجارة و الجعالة و أمثالها.
و حینئذٍ تختلف صیاغة النظام الاقتصادي الإسلامي و صورتها و صیاغة النظام العالمي في المواجهة للبنوك ، و لا ملزم لإصلاح الاتفاقات في النظام العالمي بتطبیقها.
لکن نقول: لابدّ من أن نوسّع في النظام الاقتصادي الإسلامي بأن یشمل الشروط المأخوذة في ضمن العقود، مثل اشتراط التدارك الخارجي، کما أنّه قد یلزم تغییر صورة العقود في ظروف خاصّة مثل ما ورد من أنّ عامل المضاربة یخدع المالك و یدّعي فوات أمواله و حیث إنّه أمین و الأمین لا یضمن، فلا شيء علیه، فیخسر المالك دائماً و لذا رجع المالك إلى الإمام و سأله علیه عن طریق یکون بدیل المضاربة المذکورة لینجو من تلك الخدعة، أن یُقرضه أکثر أمواله مثل ألف درهم و یدفع إلیه بالمضاربة قدراً قلیلاً من أمواله مثل عشرین درهماً و یقسم الربح بینهما فأجاب الإمام بصحة هذا الطریق. ([8] )
قد یتوهّم أنّ حیل الربا کلّها أمور صوریة لا صحّة لها، بل هي الربا باطناً و إن ألبسناها ظاهراً صورة شرعیة.
و لکن الجواب سیظهر ممّا سنشیر إلیه من الروایات الصحیحة الدالّة على مطلوبیة الفرار من الحرام إلى الحلال، حیث روي في صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج عند البحث عن البیع مع انضمام الضمیمة عن الإمام الصادق عند بیان أحد الطرق الشرعیة للتخلّص عن الربا أنّه قال:
«... لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِنَّ أَبِي كَانَ أَجْرَأَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنِّي فَكَانَ يَقُولُ هَذَا، فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا هَذَا الْفِرَارُ، لَوْ جَاءَ رَجُلٌ بِدِينَارٍ لَمْ يُعْطَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَ لَوْ جَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يُعْطَ أَلْفَ دِينَارٍ. وَ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ: نِعْمَ الشَّيْءُ الْفِرَارُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ. ([9] )
و في صحیحته الأُخری، عن الإمام الصادق أنّه قال:
« ...، وَ مَا هَذَا إِلَّا فِرَاراً وَ كَانَ أَبِي يَقُولُ: صَدَقْتَ وَ اللَّهِ وَ لَكِنَّهُ فِرَارٌ مِنْ بَاطِلٍ إِلَى حَقٍّ. ([10] )