< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفي الأشرفي‌شاهرودي

45/03/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- المطهرات- الاستحالة- تطهير المتنجس.

الرابع: الاستحالة

و هي تبدّل حقيقة الشيء و صورته النوعيّة إلى صورة أُخرى فإنّها تطهّر النجس بل و المتنجّس كالعذرة تصير تراباً، و الخشبة المتنجّسة إذا صارت رماداً و البول أو الماء المتنجّس بخاراً و الكلب ملحاً، و هكذا كالنطفة تصير حيواناً، و الطعام النجس جزءاً من الحيوان. و أمّا تبدّل الأوصاف و تفرّق الأجزاء فلا اعتبار بهما، كالحنطة إذا صارت طحيناً أو عجيناً أو خبزاً، و الحليب إذا صار جبناً، و في صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحماً تأمّل و كذا في صيرورة الطين خزفاً أو آجراً، و مع الشكّ‌ في الاستحالة لا يحكم بالطهارة.[1]

بعد ما عرفت عدم ورود نص في مطهرية الاستحالة حتى يبحث عن مفهومها بل هي واقعة في كلمات الفقهاء مع دعوى قيام السيرة القطعية و الإجماعات على زوال النجاسة عما إذا تبدلت الصورة النوعية الشيء إلى صورة نوعية أخرى كما فسره الشهيد و نسبه تارة إلى الأصوليين و أخرى إلى الفقهاء. و هذا أمر طبيعي لأن الأحكام تابعة لموضوعاتها فمع انتفاء الموضوع ينتفي حكمه. و هذا مما لا ريب فيه بحسب القواعد. ثم إنه إذا تبدلت الصورة النوعية (لا العوارض) إلى صورة جسم آخر، كما إذا تبدلت النطفة النجسة إلى حيوان مأكول اللحم فلا ريب في ثبوت حكم الموضوع الثاني المتبدل إليه، إذ الحكم دائر مدار الموضوع الجديد.

و مع عدم ثبوت حكم للموضوع الجديد أو العلم بزوال الموضوع الاولى و عدم حصول موضوع جديد فالمرجع قاعدة الطهارة، إذا لم يجر الاستصحاب في الموضوع، و إلا فلا محالة يجري الاستصحاب في الموضوع و يثبت بذلك حكم الموضوع الأول لأنه أصل سببي متقدم على الأصل المسببي.

و من هنا قسّموا الاستحالة إلى استحالة الأعيان النجسة لوضوح الموضوعات النجسة، و إلى استحالة المتنجسات، بدعوى أن الصورة النوعية في المتنجسات باقية حتى بعد الاستحالة لكون موضوع المتنجس هو الجسم الملافي للنجاسة و الجسم ثابت بحاله و إن تبدلت الصورة النوعية منه إلى جسم آخر كما ترى ذلك في تبدل الحطب الملاقي للنجس إلى الفحم أو إلى الرماد لبقاء أصل الجسم و إن لم تبق الصورة النوعية للحطب. و من هنا يقع البحث تارة في استحالة أعيان النجاسات و أخرى في تبدل أعيان المتنجسات.

أما البحث في القسم الأول عند حصول الاستحالة بما تقدم من تعريفها فلا ريب في زوال حكم النجاسة الثابتة للطبيعي المحال منه بتبع زوال صورته النوعية كتبدل صورة الكلب إلى صورة الملح أو تبدل النطفة إلى حيوان مأكول اللحم.

يبقى بعض الموارد المشكوكة في تبدل الصورة النوعية كتبدل الماء النجس إلى البخار أو الدهن المتبخر إلى البخار المتصاعد الملصق إلى السقف فيرجع فيه إلى قاعدة الطهارة إن لم يجر الأصل في الموضوع. و سيأتي البحث في ذلك.

و أما القسم الثاني و هي تبدل الأعيان المتنجسة فقد يقال بافتراقه على استحالة الأعيان النجسة بدعوى كون موضوع الأعيان النجسة هي الماهيات المسماة بأسمائها الخاصة التي لا ريب في حصول الاستحالة فيها عند تبدل صورها النوعية. و هذا بخلاف المتنجسات حيث أن موضوع المتنجس فيها لا تتبدل و إن تبدلت صورها النوعية، فالموضوع فيها هو الجسم الثاني مع تبادل صورها النوعية.

و قد نسب هذا التفصيل إلى كاشف اللثام و قد تقدم البحث في ذلك قبل العطلة الصيفية. و إن شيخنا الأنصاري لم يرتض مقالة كاشف اللثام و ذكر: إن مجموع المتنجسات كموضوع النجاسات هي الأعيان الموجودة بحالها من الصور النوعية، فإذا تبدلت الصورة النوعية يزول الحكم بنجاستها كما هو الحال في الأعيان النجسة. و توهم كون موضوع المتنجس هو عنوان الجسم الملاقي الباقي حتى بعد تحول صورتها النوعية مردود، بأنّ هذا التوهم ناش من قول الفقهاء: «كل جسم لاقى نجساً فهو متنجس» فتوهم بقاء عنوان الجسمية حتى مع التحول في صورته النوعية إلى جسم آخر.

و أجاب عنه شيخنا الأنصاري بما حاصله إن ترتب الحكم بنجاسة المتنجسات، إنما هو على العناوين الخاصة من الثوب أو البدن أو غيرهما من الأجسام الملاقية. و إنما عبر الفقهاء عنها بعنوان «كل جسم لاقى نجساً مع الرطوبة فهو منجس» تعبيراً عن كل المتنجسات بعنوان جامع فهو بمنزلة قولهم: «کل جسم له خاصیته» فحال المتنجسات كنفس النجاسات عند تبدل صورتها النوعية بالاستحالة و ترتب الحكم الجديد على موضوعه.

و أورد سيدنا الأستاد عليه[2] أولاً بورود الدليل على تنجس العنوان الكليّ في موثقة عمار في ماء وقعت فيه فأرة متسلخة من قوله‌ عليه السلام «يَغْسِلَ‌ كُلَّ‌ مَا أَصَابَهُ‌ ذَلِكَ‌ الْمَاءُ‌»[3] من دون دخل للعناوين الخاصة، كالثوب والبدن والخشب و به يتم الفرق بين المتنجس الذي علق الحكم فيه على عنوان «ما أصابه الماء المتنجس» و بين النجس الذي علق النجاسة على عنوان الكلب و البول و العذرة و ما أشبهها.

و ثانياً بأن الظاهر عدم دخل عناوين المتنجسات كالثوب و البدن و الخشب و غيرهما فما لاقاه النجس بل المتفاهم العرفي و المرتكز عند المتشرعة هو عنوان الجسم الملاقي للنجس من دون دخل لعنوان الثوب أو البدن أو غير ذلك، و هذا بخلاف عناوين نفس النجاسات حيث يتبادر عند المتشرعة دخالة نفس هذه العناوين.

فالأولى في الجواب أن النجاسة الحاصلة بالملاقاة إنما تعرض على الأقراد الخارجيّة كما هو الحال في خواص الأدوية، فكل فرد من أفراد ما أصابته النجاسة له نجاسة تخصّه فإذا تحول هذا الفرد اللاقي للنجس بصورته النوعية إلى ماهية أخرى يزول الحكم الثابت للفرد الملاقي لتغاير الموجودات الخارجيّة بتغاير عناوينها كما إذا تحوّل التراب المتنجس إلى النبات و صار كراثاً أو تفّاحاً فإنه لا يعقل بقاء الحكم العارض على التراب المتنجس بعد تغير ذاته. فإذاً لا مجال للتمسك بإطلاق دليل المتنجّس، كما لا مجال لاستصحاب حكمه السابق للقطع بانتفاء الفرد الأول، و تحوله إلى موجود آخر.

و يؤيّد ذلك ما جرت عليه سيرة المتشرعة من عدم اجتنابهم من لحم الحيوانات المأكول لحمها إذا شربت ماء متنجساً، فيأكلون لحم الدّجاجة و إن شربت ماء متنجساً. و هذا الأمر واضح لا مجال للارتياب فيه.

و قد تقدم البحث في ذلك قبل العطلة الصيفية إلى أن وصل الكلام إلى مطهرية المتنجسات بالاستحالة تمسكاً بصحيحة حسن بن محبوب «سَأَلْتُ‌ أَبَا الْحَسَنِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ عَنِ‌ الْجِصِّ‌ يُوقَدُ عَلَيْهِ‌ بِالْعَذِرَةِ‌ وَ عِظَامِ‌ الْمَوْتَى ثُمَّ‌ يُجَصَّصُ‌ بِهِ‌ الْمَسْجِدُ أَ يُسْجَدُ عَلَيْهِ‌؟ فَكَتَبَ‌ إِلَيْهِ‌ بِخَطِّهِ‌ أَنَّ‌ الْمَاءَ‌ وَ النَّارَ قَدْ طَهَّرَاهُ‌.»[4] بدعوى أنّ الجص الذي يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى يتنجس لا محالة بما يصيبه من دسومات العذرة و العظام المفروض كونها من نجس العين و قد خرجت دسوماتها بالنار و أصابت مادة الجص فصار الجص متنجساً لكنه بالاحتراق تبدلت صورة حجر الجص فصار طاهراً بالاستحالة.

لكنه مخدوش بما أورده سيدنا الأستاد: أولاً بأن النار لا يحول صورة حجر الجص إلى صورة أخرى بل يوجب طبخ حجر الجص، فحاله حال طبخ اللحم أو الحنطة. و ثانياً: لا وجه لإضافة الماء حينئذ لو حصلت الاستحالة بنفس الطبخ مع أن الرواية تضمنت قوله «أَنَّ‌ الْمَاءَ‌ وَ النَّارَ قَدْ طَهَّرَاهُ‌».

و من هنا صار بعضهم بصدد توجيه الرواية و تطبيقها على الاستحالة مع تطهير الجص بالمطر بإرادة المطر من الماء (لعدم كون المسجد مسقفاً) فيطهر الجص من دسومات العذرة و عظام الموتى بماء المطر و تطهير نفس العذرة و عظام الموتى بالنار لمكان الاستحالة.

لكنه توجيه يشبه التأويل على خلاف الظهور للفرار عن مشكلة الإجمال.

و من هنا ذكر سيدنا الأستاد توجيهاً آخر و هو كون المراد بأن المستعمل عند إرادة البنا و تجصيص المسجد هو أن الوارد على الجص الموضوع في الظرف على ما هو دأب البنائين (بناءً على عدم اعتبار ورود الماء الطاهر على الشيء النجس) مع الحكم بطهارة غسالة المتنجس، ثم جعل النار موجباً لاستحالة العذرة و عظام الموتى إلى الرماد. و بذلك لا بأس بتجصيص المسجد بالجص و إن امتزج برمادها. لكن الذي يسهل الخطب إنه لا حاجة لحكم تطهير المتنجسات إلى هذه الرواية بعد ما عرفت من جريان الاستحالة في المتنجسات.

المصادر

    1. العروة الوثقی (عدة من الفقهاء، جامعة المدرسين)، الطب‌اطب‌ای‌ي الی‌زدي، الس‌ی‌د م‌ح‌م‌د ک‌اظم‌ بن عبد العظیم، المتوفى: ۱۳۳۷ ه.ق. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة - قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ۱۴۲۱ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.

    2. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، الحر العاملي المشغري محمد بن الحسن، المتوفى: ۱۱۰۴ ه.ق. مؤسسة آل البیت عليهم السلام لإحیاء التراث - قم المقدسة، ۱۴۱۶ ه.ق. عدد الأجزاء: 30.

    3. فقه الشیعة (کتاب الطهارة)، الخوئي السيد أبوالقاسم، المتوفى: ۱۴۱۳ ه.ق. المحرر: الموسوي الخلخالي السيد محمد مهدي، المتوفى: 1398ه.ش. مؤسسة الآفاق - قم المقدسة، ۱۴۱۸ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.


[1] العروة الوثقى، ج1، ص257.
[2] فقه الشيعة‌، ج5، ص296.
[3] مُحَمَّدُ بْنُ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ الْحُسَيْنِ‌ بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ عَمَّارِ بْنِ‌ مُوسَى السَّابَاطِيِّ‌: أَنَّهُ‌ سَأَلَ‌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ عَنْ‌ رَجُلٍ‌ يَجِدُ فِي إِنَائِهِ‌ فَأْرَةً‌ وَ قَدْ تَوَضَّأَ مِنْ‌ ذَلِكَ‌ الْإِنَاءِ‌ مِرَاراً أَوِ اغْتَسَلَ‌ مِنْهُ‌ أَوْ غَسَلَ‌ ثِيَابَهُ‌ وَ قَدْ كَانَتِ‌ الْفَأْرَةُ‌ مُتَسَلِّخَةً‌ فَقَالَ:‌ إِنْ‌ كَانَ‌ رَآهَا فِي الْإِنَاءِ‌ قَبْلَ‌ أَنْ‌ يَغْتَسِلَ‌ أَوْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْسِلَ‌ ثِيَابَهُ‌ ثُمَّ‌ فَعَلَ‌ ذَلِكَ‌ بَعْدَ مَا رَآهَا فِي الْإِنَاءِ‌ فَعَلَيْهِ‌ أَنْ‌ يَغْسِلَ‌ ثِيَابَهُ‌ وَ يَغْسِلَ‌ كُلَّ‌ مَا أَصَابَهُ‌ ذَلِكَ‌ الْمَاءُ‌ وَ يُعِيدَ الْوُضُوءَ‌ وَ الصَّلاَةَ‌. وَ إِنْ‌ كَانَ‌ إِنَّمَا رَآهَا بَعْدَ مَا فَرَغَ‌ مِنْ‌ ذَلِكَ‌ وَ فَعَلَهُ‌ فَلاَ يَمَسَّ‌ مِنْ‌ ذَلِكَ‌ الْمَاءِ‌ شَيْئاً وَ لَيْسَ‌ عَلَيْهِ‌ شَيْ‌ءٌ‌ لِأَنَّهُ‌ لاَ يَعْلَمُ‌ مَتَى سَقَطَتْ‌ فِيهِ‌. ثُمَّ‌ قَالَ‌: لَعَلَّهُ‌ أَنْ‌ يَكُونَ‌ إِنَّمَا سَقَطَتْ‌ فِيهِ‌ تِلْكَ‌ السَّاعَةَ‌ الَّتِي رَآهَا. وَ رَوَاهُ‌ اَلشَّيْخُ‌ بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ عَمَّارِ بْنِ‌ مُوسَى، مِثْلَهُ‌ وَ رَوَاهُ‌ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ‌ عَنْ‌ إِسْحَاقَ‌ بْنِ‌ عَمَّارٍ، مِثْلَهُ‌. وسائل‌الشیعة – ط آل البيت، الباب4 من أبواب الماء المطلق، ح1، ج1، ص142.
[4] مُحَمَّدُ بْنُ‌ الْحَسَنِ‌ بِإِسْنَادِهِ‌ عَنِ‌ اَلْحَسَنِ‌ بْنِ‌ مَحْبُوبٍ‌ قَالَ‌: سَأَلْتُ‌ أَبَا الْحَسَنِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ عَنِ‌ الْجِصِّ‌ يُوقَدُ عَلَيْهِ‌ بِالْعَذِرَةِ‌ وَ عِظَامِ‌ الْمَوْتَى ثُمَّ‌ يُجَصَّصُ‌ بِهِ‌ الْمَسْجِدُ أَ يُسْجَدُ عَلَيْهِ‌ فَكَتَبَ‌ إِلَيْهِ‌ بِخَطِّهِ‌ أَنَّ‌ الْمَاءَ‌ وَ النَّارَ قَدْ طَهَّرَاهُ‌. وَ رَوَاهُ‌ اَلصَّدُوقُ‌ بِإِسْنَادِهِ‌ عَنِ‌ اَلْحَسَنِ‌ بْنِ‌ مَحْبُوبٍ‌. أَقُولُ‌: تَطْهِيرُ النَّارِ لِلنَّجَاسَةِ‌ بِإِحَالَتِهَا رَمَاداً أَوْ دُخَاناً وَ تَطْهِيرُ الْمَاءِ‌ أَعْنِي مَا يُجْبَلُ‌ بِهِ‌ الْجِصُّ‌ يُرَادُ بِهِ‌ حُصُولُ‌ النَّظَافَةِ‌ وَ زَوَالُ‌ النَّفْرَةِ‌ وَ قَدْ تَقَدَّمَ‌ حُكْمُ‌ الْخُبْزِ الَّذِي يُعْجَنُ‌ عَجِينُهُ‌ بِالْمَاءِ‌ النَّجِسِ‌ فِي الْأَسْآرِ. وسائل‌الشیعة – ط آل البيت، الباب81 من أبواب النجاسات و الأواني و الجلود، ح1، ج3، ص527.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo