< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی أشرفي شاهرودي

44/10/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- المطهرات- الأرض- عدم شرطية النداوة في القدم أو الخف- كيفية زوال العين- اشتراط طهارة الأرض.

و لا فرق في الأرض بين التراب و الرمل و الحجر الأصلي، بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر، بل بالآجر و الجصّ‌ و النورة، نعم يشكل كفاية المطليّ‌ بالقير، أو المفروش باللوح من الخشب ممّا لا يصدق عليه اسم الأرض، و لا إشكال في عدم كفاية المشي على الفرش و الحصير و البواري و على الزرع و النباتات إلّا أن يكون النبات قليلاً بحيث لا يمنع عن صدق المشي على الأرض، و لا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة، و لا زوال العين بالمسح أو بالمشي، و إن كان أحوط.

و يشترط طهارة الأرض و جفافها. نعم الرطوبة غير المسرية غير مضرة و يلحق بباطن القدم و النعل حواشيهما بالمقدار المتعارف ممّا يلتزق بهما من الطين و التراب حال المشي، و في إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما إذا كان يمشي بهما لاعوجاج في رجله وجه قويّ‌ و إن كان لا يخلو عن إشكال، كما أنّ‌ إلحاق الركبتين و اليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما أيضاً مشكل و كذا نعل الدابّة و كعب عصا الأعرج، و خشبة الأقطع. و لا فرق في النعل بين أقسامها من المصنوع من الجلود و القطن و الخشب و نحوها ممّا هو متعارف. و في الجورب إشكال إلّا إذا تعارف لبسه بدلاً عن النعل.[1]

قال الماتن: "و على الزرع و النباتات إلّا أن يكون النبات قليلاً بحيث لا يمنع عن صدق المشي على الأرض"

حيث كان الخلط بالنبات و الزرع و الحشاشة و نظائرها كان متعارفاً في البلدان بحيث كان التخصيص بالخالص عن جمع ذلك تخصيصاً بالفرد النادر.

قال الماتن: "و لا يعتبر أن تكون في القدم أو النعل رطوبة"

وجه ذلك إطلاق الروايات.

قال الماتن: "و لا زوال العين بالمسح أو بالمشي، و إن كان أحوط."

وجه الاحتياط: أن في الصحيحة زرارة، المفروض فيها وطئ العذرة. قال عليه السلام: "لَكِنَّهُ‌ يَمْسَحُهَا حَتَّى يَذْهَبَ‌ أَثَرُهَا"[2] لكن المفروض فيها وجود العين، فذكر الإمام عليه السلام لزوم رفع أثر العذرة، و لكن في حسنة الحلبي "إِنَّ‌ طَرِيقِي إِلَى اَلْمَسْجِدِ فِي زُقَاقٍ‌ يُبَالُ‌ فِيهِ‌ فَرُبَّمَا مَرَرْتُ‌ فِيهِ‌ وَ لَيْسَ‌ عَلَيَّ‌ حِذَاءٌ‌ فَيَلْصَقُ‌ بِرِجْلِي مِنْ‌ نَدَاوَتِهِ‌. فَقَالَ:‌ أَ لَيْسَ‌ تَمْشِي بَعْدَ ذَلِكَ‌ فِي أَرْضٍ‌ يَابِسَةٍ‌؟ قُلْتُ‌: بَلَى. قَالَ‌: فَلاَ بَأْسَ‌، إِنَّ‌ الْأَرْضَ‌ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً."[3] فإن إطلاق المشي في الأرض اليابس دل على كفايته بشرط زوال النجاسة، و لو بسبب آخر إذا مشي على طريق يابس فإنه و إن دل على لزوم المسح لإزالة النجاسة بحيث يكون هو المزيل لها فلا، لأن التحديد بزوالها بالمسح، لأن المفروض في موردها وجود العين المعتبر زوالها جزماً فلا تدل على عدم الاكتفاء بالمسح إذا كانت النجاسة مزالة بشيء آخر قبل ذلك.

و يشترط طهارة الأرض كما عن الإسكافي و الشهيد و الكركي. و استدل له؛

    1. بالأصل بعد قصور الإطلاقات المقتضية للمطهرية عن شمول صورة نجاسة الأرض، فإن مقتضى الاستصحاب النجاسة حينئذ.

    2. بالاستقراء لموارد التطهير بالماء حدثاً و خبثاً، و بالأرض حدثاً، بل و خبثاً، كحجر الاستنجاء، فإن طهارة المطهر شرط في جميع تلك الموارد الموجب ذلك لقوة الظن بذلك هنا.

    3. و بإشعار ما في صحيح الأحول[4] ، من جهة ذكر القيد المذكور في سؤاله.

    4. و بالنبوي: «جُعِلَتْ‌ لِيَ‌ الْأَرْضُ‌ مَسْجِداً وَ طَهُوراً»[5]

    5. و بقاعدة اعتبار سبق الطهارة في المطهِّر، المتفق عليها الفقهاء ظاهراً، كما عن الوحيد.

و ناقش السيد الحكيم في الأول: إن استصحاب النجاسة إنما يقتضي النجاسة بناءً‌ على عدم جريان استصحاب المطهرية (فإن الثاني حاكم على الأول) و لو فرض معارضته باستصحاب النجاسة كان المرجع، قاعدة الطهارة الثابتة قبل طروء النجاسة على الأرض، و إلا فمقتضاه العدم. و ناقش فيه شيخنا الحلي بإطلاق الروايات المتقدمة سيّما التعليل بأن الأرض يطهر بعضها بعضاً. و بمثله ناقش السيد الحكيم ثم قال: إن دعوى قصور الروايات ممنوعة، و مثلها دعوى الانصراف إلى خصوص الطاهر، بتوسط القاعدة الارتكازية من أن الفاقد لا يعطي، إذ لا ارتكاز للعرف في التطهير بالأرض، و إذا كان تعبدياً محضاً، لا مجال لإعمال مرتكزاتهم فيه.

و أما الظن الحاصل من الاستقراء فليس بحجة، كالإشعار في الصحيح.

و أما النبوي صلي الله عليه و آله فلو سلم مبنى الاستدلال به، فإنما يدل على طهارة الأرض و مطهريتها، و لا يدل على اعتبار الاولى في الثانية بوجه. و الاتفاق على القاعدة ممنوع. كيف‌ و نسب الخلاف في المقام إلى جماعة، منهم الشهيد الثاني، بل نسبه هو إلى إطلاق النص و الفتوى إلا إن يقال: إن الرجوع إلى العرف في قاعدة: «الفاقد لا يعطي» ليس من باب الرجوع إليهم في كيفية التطهير لأجل الإطلاق، بل من جهة أن القاعدة المذكورة توجب دلالة الكلام على اعتبار الطهارة في المطهّر، كما توجب دلالته على اعتبار نجاسة المنجّس، و لذلك استدل الفقهاء على نجاسة جملة من الأعيان النجسة بما دل على نجاسة ملاقيها، و الفرق بينه و بين ما نحن فيه غير ظاهر، و كذا جميع الموارد التي تضمن الدليل فيها فاعلية شيء لشيء، فإنه يدل بالالتزام العقلي أو العرفي على كونه واجداً لذلك الفعل. فلاحظ. و اللّٰه سبحانه أعلم.[6] انتهى كلام السيد الحكيم في المستمسك.

أقول: لا بأس بتوضيح ما أفاده سيدنا الحكيم في عباراته المتقدمة عند المناقشة في ما استدل لاعتبار طهارة الأرض. فأقول: ناقش في الاستدلال باستصحاب نجاسة القدم أو الخف الموضوعين على الأرض المتنجسة، بعد فرض قصور إطلاقات أدلة مطهرية الأرض عن شمول صورة نجاسة الأرض -إذ لو فرضنا ثبوت الإطلاق لها لم تصل النوبة إلى استصحاب النجاسة فإنها حاكمة و مقدمة على الاستصحاب- بأنه محكوم باستصحاب مطهرية الأرض بمعنى أن الأرض قبل وصول النجاسة إليه كانت مطهرة و نشك في زوال مطهريتها بعروض النجاسة عليها فنجري استصحاب مطهريتها حيث أن الأدلة دلت على أن الأرض مطهرة كالماء و الثاني حاكم على الأول. و ناقش ثانياً بأنه لو فرضنا معارضته استصحاب المطهرية للأرض مع استصحاب نجاسة القدم و الخف فالمرجع أصالة الطهارة في الخف و النعل إذ يتساقطان الأصلان الأولان فتصل النوبة إلى الأصل الثاني.

و أورد ثانياً على استصحاب بإطلاقات أدلة مطهرية الأرض كما في صحيح زرارة حيث قال: "لَكِنَّهُ‌ يَمْسَحُهَا حَتَّى يَذْهَبَ‌ أَثَرُهَا" من دون تقييد الأرض الممسوح بالطهارة. و كذلك حسنة محمد الحلبي الواردة في نجاسة القدم في المرور على الزقاق الملوث بالبول فقال عليه السلام: "أَ لَيْسَ‌ تَمْشِي بَعْدَ ذَلِكَ‌ فِي أَرْضٍ‌ يَابِسَةٍ‌؟ قُلْتُ‌: بَلَى. قَالَ‌: فَلاَ بَأْسَ‌" و جعل شيخنا الحلي التعليل بإِنَّ‌ الْأَرْضَ‌ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً مؤيداً للإطلاق.

و بالجملة دعوى قصور المطلقات بالنسبة إلى شرطية الطهارة في الأرض، ممنوعة، كما عرفت في الحديثين و التعليل.

المصادر

    1. العروة الوثقی (عدة من الفقهاء، جامعة المدرسين)، الطب‌اطب‌ای‌ي الی‌زدي، الس‌ی‌د م‌ح‌م‌د ک‌اظم‌ بن عبد العظیم، المتوفي: ۱۳۳۷ ه.ق. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ۱۴۲۱ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.

    2. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، حر العاملي ال‌م‌ش‌غ‌ري، محمد بن الحسن، المتوفي: ۱۱۰۴ ه.ق. مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث بقم المقدسة، ۱۴۱۶ ه.ق. عدد الأجزاء: 30.

    3. مستمسك العروة الوثقی، الطباطبايي الحکیم السید محسن، المتوفي: ۱۳۹۰ ه.ق. دار التفسير بقم المقدسة، ۱۳۷۴ ه.ش. عدد الأجزاء: 14.


[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص457، أبواب النجاسات و الأوانی و الجلود، باب32، ح7، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ الْحَسَن بِالْإِسْنَادِ عَنِ‌ اَلْحُسَيْنِ‌ بْنِ‌ سَعِيدٍ وَ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ حَدِيدٍ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‌ بْنِ‌ أَبِي نَجْرَانَ‌ عَنْ‌ حَمَّادِ بْنِ‌ عِيسَى عَنْ‌ حَرِيزِ بْنِ‌ عَبْدِ اللَّهِ‌ عَنْ‌ زُرَارَةَ‌ بْنِ‌ أَعْيَنَ‌ قَالَ‌: قُلْتُ‌ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِما‌ السَّلاَمُ‌: رَجُلٌ‌ وَطِئَ‌ عَلَى عَذِرَةٍ‌ فَسَاخَتْ‌ رِجْلُهُ‌ فِيهَا، أَ يَنْقُضُ‌ ذَلِكَ‌ وُضُوءَهُ‌؟ وَ هَلْ‌ يَجِبُ‌ عَلَيْهِ‌ غَسْلُهَا؟ فَقَالَ:‌ لاَ يَغْسِلُهَا إِلاَّ أَنْ‌ يَقْذَرَهَا وَ لَكِنَّهُ‌ يَمْسَحُهَا حَتَّى يَذْهَبَ‌ أَثَرُهَا وَ يُصَلِّي.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص457، أبواب النجاسات و الأوانی و الجلود، باب32، ح9، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ إِدْرِيسَ‌ فِي آخِرِ اَلسَّرَائِرِ نَقْلاً مِنْ‌ نَوَادِرِ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ أَبِي نَصْرٍ عَنِ‌ اَلْمُفَضَّلِ‌ بْنِ‌ عُمَرَ عَنْ‌ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ‌ عَنْ‌ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ قَالَ‌: قُلْتُ‌ لَهُ‌: إِنَّ‌ طَرِيقِي إِلَى اَلْمَسْجِدِ فِي زُقَاقٍ‌ يُبَالُ‌ فِيهِ‌ فَرُبَّمَا مَرَرْتُ‌ فِيهِ‌ وَ لَيْسَ‌ عَلَيَّ‌ حِذَاءٌ‌ فَيَلْصَقُ‌ بِرِجْلِي مِنْ‌ نَدَاوَتِهِ‌. فَقَالَ:‌ أَ لَيْسَ‌ تَمْشِي بَعْدَ ذَلِكَ‌ فِي أَرْضٍ‌ يَابِسَةٍ‌؟ قُلْتُ‌: بَلَى. قَالَ‌: فَلاَ بَأْسَ‌، إِنَّ‌ الْأَرْضَ‌ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً. قُلْتُ:‌ فَأَطَأُ عَلَى الرَّوْثِ‌ الرَّطْبِ.‌ قَالَ:‌ لاَ بَأْسَ‌، أَنَا وَ اللَّهِ‌ رُبَّمَا وَطِئْتُ‌ عَلَيْهِ‌ ثُمَّ‌ أُصَلِّي وَ لاَ أَغْسِلُهُ‌. وَ رَوَاهُ‌ اَلْكُلَيْنِيُّ‌ كَمَا مَرَّ.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص457، أبواب النجاسات و الأوانی و الجلود، باب32، ح1، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ يَعْقُوبَ‌ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ يَحْيَى عَنْ‌ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنِ‌ اِبْنِ‌ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ‌ جَمِيلِ‌ بْنِ‌ صَالِحٍ‌ عَنِ‌ اَلْأَحْوَلِ‌ عَنْ‌ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ قَالَ‌: فِي الرَّجُلِ‌ يَطَأُ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ الَّذِي لَيْسَ‌ بِنَظِيفٍ‌ ثُمَّ‌ يَطَأُ بَعْدَهُ‌ مَكَاناً نَظِيفاً. فَقَالَ‌: لاَ بَأْسَ‌ إِذَا كَانَ‌ خَمْسَةَ‌ عَشَرَ ذِرَاعاً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ‌.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص350، أبواب التيمم، باب7، ح2، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ الْحُسَيْنِ‌ قَالَ‌: قَالَ‌ النَّبِيُّ‌ صَلَّى اللَّهُ‌ عَلَيْهِ‌ وَ آلِهِ‌: أُعْطِيتُ‌ خَمْساً لَمْ‌ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلِي جُعِلَتْ‌ لِيَ‌ الْأَرْضُ‌ مَسْجِداً وَ طَهُوراً. اَلْحَدِيثَ‌.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo