< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی أشرفي شاهرودي

44/10/11

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- المطهرات- الأرض- عدم اختصاص التطهير بالقدم- معنى تعليل ذيل بعض روايات الباب.

الثاني من المطهّرات: الأرض

و هي تطهّر باطن القدم و النعل بالمشي عليها، أو المسح بها بشرط زوال عين النجاسة إن كانت، و الأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة دون ما حصل من الخارج و يكفي مسمّى المشي أو المسح، و إن كان الأحوط المشي خمسة عشر خطوة و في كفاية مجرّد المماسّة من دون مسح أو مشي إشكال و كذا في مسح التراب عليها.[1]

ثم إن السيد الأستاد تمسك بعدم الاختصاص بالقدم و شمول الأدلة للخف و مثله مما يلبس الرجل به بوجوه؛

الأول: رواية حفص بن أبي عيسى "قُلْتُ‌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌: إِنِّي وَطِئْتُ‌ عَذِرَةً‌ بِخُفِّي وَ مَسَحْتُهُ‌ حَتَّى لَمْ‌ أَرَ فِيهِ‌ شَيْئاً. مَا تَقُولُ‌ فِي الصَّلاَةِ‌ فِيهِ‌؟ قَالَ:‌ لاَ بَأْسَ‌."[2]

حيث تضمنت الرواية الوطء بالخف و من الظاهر كون السؤال و الجواب ناظرين إلى جهة النجاسة و ارتفاعها بالمسح على الأرض و لو من أجل مرجوحية الصلاة في النجس و إن لم تتم الصلاة فيه، إذ لو كان ناظراً إلى جهة ما لا تتم الصلاة فيه فلا فرق فيه بين وجود عين النجاسة و عدمها فلا حاجة إلى إزالتها بالمسح. و بالجملة يدل الحديث على ارتفاع المنقصة الحاصلة من جهة النجاسة بالمسح و زوال النجاسة. فيدل على حصول طهارة الخف بذلك أي بالمسح على الأرض و التراب.

لكن الأستاد ناقش في السند لجهالة حفص بن أبي عيسى.

الثاني: صحيحة الأحول عَنْ‌ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ "قَالَ‌: فِي الرَّجُلِ‌ يَطَأُ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ الَّذِي لَيْسَ‌ بِنَظِيفٍ‌ ثُمَّ‌ يَطَأُ بَعْدَهُ‌ مَكَاناً نَظِيفاً. فَقَالَ‌: لاَ بَأْسَ‌ إِذَا كَانَ‌ خَمْسَةَ‌ عَشَرَ ذِرَاعاً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ‌."[3] فإن الوطء على الأرض مطلق شامل لفرض ليس الخف و النعال و عدم لبسها.

و القول بإعراض المشهور عن ذيل الصحيحة، إذ العبرة بزوال العين سواء كان بأقل من ذلك أو أكثر، لا يسقطها عن الحجية، إما لإمكان الحمل على الندب أو الحمل على الغالب في زوال العين كما يؤيده قوله عليه السلام "أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ" و إن أبيت فلا محيص إلا عن العمل به تعبداً، و إعراض المشهور ليس بكاسر عند الأستاد تبعاً للشهيد الثاني.

الثالث: عموم التعليل الوارد في عدة من الروايات لقوله عليه السلام "إِنَّ‌ الْأَرْضَ‌ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً." فإن الظاهر أن المراد بالبعض الثاني هو النجاسة الموجود في الأرض المتنجسة الواصلة إلى قدم السائل أو خفّه و نعاله، و تسمية النجاسة الحاصلة فيه من باب التبعية حيث تنتقل النجاسة إلى المار -رجله أو خفه- بسبب الملاقاة مع الأرض من باب تسمية المسبب باسم السبب مجازاً، فالمعنى أن بعض الأرض يطهر النجاسة الحاصلة بالبعض الآخر منها، فالمعنى أن أسفل القدم أو الخف أو النعل إذا تنجس بملاقاة بعض الأرض المتنجسة، يطهره البعض الطاهر بالمشي عليه، فالمطهَّر بالفتح في الحقيقة ما يتنجس بالأرض المتنجسة، و إنما عبر عنه بالأرض مجازاً، فالمراد تطهير النجاسة الحاصلة للقدم أو الخف و النعل إما بإزالتها بنفسها بحيث لا يبقى لها أثر، أو إزالة أثرها أعني النجاسة الحاصلة من ملاقاة الأرض، و مقتضى إطلاق التعليل المذكور عموم الحكم لكل ما يتعارف المشي به و إن كان لا يعم غيره مما تنجس بالأرض كالثوب و نحوه.

و هنا تفاسير أخر؛

    1. منها أن يكون المراد أن بعض الأرض يطهر البعض الآخر منها كالمماس و الملصق لأسفل القدم و النعل فيكون المطهِّر بالكسر و المطهَّر بالفتح كلاهما في الأرض إلا أن المراد من البعض الثاني هو الملصق بالرجل بسبب المشي عليه، فيدل على طهارة الأرض ذاتاً و على طهارة الرجل أو الخف بالتبع.

و فيه أن الظاهر من الحديث و التعليل إثبات طهارة القدم أو الخف بسبب المشي عليه إصالةً لا تبعاً لطهارة أثر الأرض الملصق بالقدم أو الخف بعلاقة المجاورة و المناسبة المقتضية للمشاركة في الحكم، مع أنه قد يتنجس القدم بالمشي على الأرض المتنجسة من دون لصوق شيء من تراب الأرض به كما في الأرض الحجرية و نحوها.

    2. و قد يحتمل أن يكون المراد من التطهير فيه انتقال القذارة من الموضع النجس إلى موضع آخر مرة بعد مرة حتى لا يبقى منها شيء أي تزول القذارة بالمشي على الأرض لأنه تنتقل القذارة من الموضع المتنجس من الأرض إلى الموضع الآخر بوضع القدم و رفعها حتى لا يبقى على الأرض شيء من النجاسة و هو المنقول عن الوافي. و عليه لا مجال للتمسك بالحديث لمطهرية الأرض لمطلق ما ينتقل به.

و فيه إن هذا أمر عرفي لا دخل له بالشارع بما هو مبين للحكم الشرعي الذي يسأل عنه السائل مع عدم فائدة مترتبة عليه.

    3. و قد يحتمل أن يكون المراد بالبعض الأول هو البعض الطاهر من الأرض يطهر بعض المتنجسات الذي من جملتها السؤال عن الرجل و قد نسب هذا إلى المحقق البهبهاني و عليه لا أطلاق في الحديث بالنسبة إلى غير الرجل و القدم لإبهام المطهَّر بالفتح، فالمعنى أن الأرض يطهر بعض الأشياء و منها الرجل الذي يكون مورد السؤال لأنه نكرة في سياق الجملة الإثباتية فلا يفيد العموم.

و لكنه أيضاً بعيد عن سياق السؤال و الجواب.

نعم لا يستقيم التعليل المذكور في حديث محمد بن مسلم "كُنْتُ‌ مَعَ‌ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ‌ إِذْ مَرَّ عَلَى عَذِرَةٍ‌ يَابِسَةٍ‌ فَوَطِئَ‌ عَلَيْهَا فَأَصَابَتْ‌ ثَوْبَهُ‌. فَقُلْتُ‌: جُعِلْتُ‌ فِدَاكَ‌ قَدْ وَطِئْتَ‌ عَلَى عَذِرَةٍ‌ فَأَصَابَتْ‌ ثَوْبَكَ‌. فَقَالَ:‌ أَ لَيْسَ‌ هِيَ‌ يَابِسَةً‌؟ فَقُلْتُ:‌ بَلَى. فَقَالَ:‌ لاَ بَأْسَ‌ إِنَّ‌ الْأَرْضَ‌ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً."[4] إذ لا مناسبة بين طهارة الثوب الملاقي العذرة اليابسة مع كون الأرض يطهر بعضها بعضاً فيكون التعليل مجملاً لكن إجماله لا ينافي ظهور ساير الروايات فيما ذكرناه.

المصادر

    1. العروة الوثقی (عدة من الفقهاء، جامعة المدرسين)، طب‌اطب‌ای‌ي ی‌زدي، الس‌ی‌د م‌ح‌م‌د ک‌اظم‌ بن عبد العظیم، المتوفي: ۱۳۳۷ ه.ق. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ۱۴۲۱ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.

    2. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، حر عاملي ال‌م‌ش‌غ‌ري، محمد بن حسن، المتوفي: ۱۱۰۴ ه.ق. مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث بقم المقدسة، ۱۴۱۶ ه.ق. عدد الأجزاء: 30.


[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص458، أبواب النجاسات و الأوانی و الجلود، باب32، ح6، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ الْحَسَنِ‌ عَنِ‌ اَلْمُفِيدِ عَنْ‌ أَبِي الْقَاسِمِ‌ جَعْفَرِ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنْ‌ أَبِيهِ‌ عَنْ‌ سَعْدِ بْنِ‌ عَبْدِ اللَّهِ‌ عَنْ‌ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنِ‌ اَلْحُسَيْنِ‌ بْنِ‌ سَعِيدٍ عَنْ‌ فَضَالَةَ‌ بْنِ‌ أَيُّوبَ‌ وَ صَفْوَانَ‌ بْنِ‌ يَحْيَى جَمِيعاً عَنْ‌ عَبْدِ اللَّهِ‌ بْنِ‌ بُكَيْرٍ عَنْ‌ حَفْصِ‌ بْنِ‌ أَبِي عِيسَى قَالَ‌: قُلْتُ‌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌: إِنِّي وَطِئْتُ‌ عَذِرَةً‌ بِخُفِّي وَ مَسَحْتُهُ‌ حَتَّى لَمْ‌ أَرَ فِيهِ‌ شَيْئاً. مَا تَقُولُ‌ فِي الصَّلاَةِ‌ فِيهِ‌؟ قَالَ:‌ لاَ بَأْسَ‌.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص457، أبواب النجاسات و الأوانی و الجلود، باب32، ح1، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ يَعْقُوبَ‌ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ يَحْيَى عَنْ‌ أَحْمَدَ بْنِ‌ مُحَمَّدٍ عَنِ‌ اِبْنِ‌ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ‌ جَمِيلِ‌ بْنِ‌ صَالِحٍ‌ عَنِ‌ اَلْأَحْوَلِ‌ عَنْ‌ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ‌ عَلَيْهِ‌ السَّلاَمُ‌ قَالَ‌: فِي الرَّجُلِ‌ يَطَأُ عَلَى الْمَوْضِعِ‌ الَّذِي لَيْسَ‌ بِنَظِيفٍ‌ ثُمَّ‌ يَطَأُ بَعْدَهُ‌ مَكَاناً نَظِيفاً. فَقَالَ‌: لاَ بَأْسَ‌ إِذَا كَانَ‌ خَمْسَةَ‌ عَشَرَ ذِرَاعاً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ‌.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج3، ص457، أبواب النجاسات و الأوانی و الجلود، باب32، ح2، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ يَعْقُوب عَنْ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ إِبْرَاهِيمَ‌ عَنْ‌ أَبِيهِ‌ عَنْ‌ حَمَّادٍ عَنْ‌ حَرِيزٍ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ مُسْلِمٍ‌ قَالَ‌: كُنْتُ‌ مَعَ‌ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ‌ إِذْ مَرَّ عَلَى عَذِرَةٍ‌ يَابِسَةٍ‌ فَوَطِئَ‌ عَلَيْهَا فَأَصَابَتْ‌ ثَوْبَهُ‌ فَقُلْتُ‌ جُعِلْتُ‌ فِدَاكَ‌ قَدْ وَطِئْتَ‌ عَلَى عَذِرَةٍ‌ فَأَصَابَتْ‌ ثَوْبَكَ‌ فَقَالَ‌ أَ لَيْسَ‌ هِيَ‌ يَابِسَةً‌ فَقُلْتُ‌ بَلَى فَقَالَ‌ لاَ بَأْسَ‌ إِنَّ‌ الْأَرْضَ‌ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo