< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی أشرفي شاهرودي

44/08/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- المطهرات- الماء- تنجس الفلز المذاب و تطهیره.

مسألة 31: الذهب المذاب و نحوه من الفلزّات إذا صبّ‌ في الماء النجس أو كان متنجّساً فاُذيب ينجس ظاهره و باطنه و لا يقبل التطهير إلّا ظاهره، فإذا اذيب ثانياً بعد تطهير ظاهره تنجّس ظاهره ثانياً نعم، لو احتمل عدم وصول النجاسة إلى جميع أجزائه و أنّ‌ ما ظهر منه بعد الذوبان الأجزاء الطاهرة يحكم بطهارته و على أيّ‌ حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله و إن كان مثل القدر من الصفر.[1]

قد عرفت مما مضی في مسألة 31 ان المفروض في هذه المسألة فرعان؛ أحدهما: ما إذا تنجس الفلز المذاب قبل إذابته و قد اذیب بعد تنجسه. الثاني: ما إذا طرأت عليه النجاسة حال ذوبانه كما إذا القي عليه ماء نجس أو القي الفلز المذاب علی الماء المتنجس.

و قد عرفت الحکم في الفرع الأول و أن الماتن حکم بنجاسة ظاهره –لأجل ملاقاته مع النجس- و کذا باطنه لأن إذابة الفلز إنما هي غلیانه و فورانه و الغلیان هو القلب فَبِه تتبدل الأجزاء الداخلیة، خارجیة و بالعکس. فالأجزاء الباطنیة أیضاً تلاقي النجس فتنجس. فإذا القی في الماء الطاهر أو القی علیه الماء الطاهر، یطهر ظاهر الفلز المنجمد، و أما باطنه فتبقی علی نجاسته لعدم وصول الماء المطهر الیه. فکلام الماتن ظاهر، کمال الظهور في تنجس ظاهر الفلز المذاب بملاقاته للنجس و باطنه أیضاً لأجل القلب و الغلیان فیلاقي الباطن أیضاً للنجس فینجس أیضاً.

و الظاهر من کلام السید الاستاد في تقریرات شیخنا الغروي ان الجزء المشاهد من الفلز قد یشك في کونه من الأجزاء الظاهریة للفلز حتی یتنجس بملاقاته للنجس قبل الغلیان أو أنه من الأجزاء الباطنیة التي ظهرت بالقلب و الغلیان کي لا یتجنس و يكون الملاقي له أیضاً طاهراً، لقاعدة الطهارة أو الاستصحاب عدم ملاقاة الملاقي للشيء المتنجس له. و أما نفس ذلك الجزء فلا يمكن الحكم بطهارته، لأنه طرف العلم الإجمالي بالتنجس، حيث إن ما أصابه النجس قبل إذابة الفلز إما أن يكون هو ذلك الجزء الخارجي أو الجزء النازل إلى الجوف بالغليان، و العلم الإجمالي منجز للتکلیف و مانع عن جريان الأُصول النافیة في کل من أطرافه لتساقطها للمعارضة.[2] [3]

و قد أوضح سیدنا الخلخالي[4] الوجه في حکم الماتن بنجاسة الذهب المذاب و باطنه، بتقریر من السید الاستاد في الاستدلال علی نجاسة الظاهر و الباطن بوجهين؛ الأول إن الذوبان في الفلزات يوجب الحكم بنجاسة الذائب بمجرد ملاقاة جزء منها مع النجس كما هو الحال في الماء المضاف و الحليب و الدّهن المایع، و نحوها، فإن الذوبان في الفلزات كالميعان في تلك المایعات یوجب الحكم بنجاسة الجميع بواسطة ملاقاة البعض. و لکنه مردود بأن قياس ذوبان الفلزات بمیعان أمثال الدهن و الحلیب مع الفارق، حیث أن النصوص الدالة علی نجاسة مثل الدهن و الحلیب و الماء المضاف لا إطلاق فيها يشمل مطلق الموادّ المذابة حتى مثل الفلزّات و الزئبق مما لا ينفذ النجس الملاقي إلى باطنها، لاختلاف نوع الذوبان کما سیأتي في الجواب عن الاستدلال الثاني و هو دعوى سراية النجاسة الى جميع أجزاء الفلزات المذابة داخلها و خارجها لنفوذ الماء النجس في جمیع الفلزات المذابة، كنفوذه في المایع المضاف کالحلیب و الدهن المضاف لکن یرده کون القیاس مع الفارق فإن الفلز المذاب إذا صب في الماء أو ألقى عليه الماء تنجمد فوراً، فكيف ينفذ فيه الماء النجس، مع العلم باتحاد زمان الملاقاة و الانجماد. مضافاً إلی أنه لو سلم بقاء ذوبان الفلزات حتی بعد وصول الماء إليها لا يكون معذلك موجبا لنفوذ شيء إلى داخلها كما هو الحال في المایعات المضافة و ذلك لشدّة تماسك أجزائها، و عدم وجود رطوبة مائية فيها كي توجب انتقال النجاسة من الظاهر إلى الباطن و یشهد لذلك ما نشاهده في الزئبق، فإنه مع ميعانه لا يتأثر اليد أو الإناء بوضعه فيها، و هذا مما يدلّنا على عدم السراية في الفلزات فعلاً و انفعالاً. و عليه لا دليل على الالتزام بنجاسة باطن الفلزات المذابة بمجرد ملاقاة ظاهرها للنجس -ماء كان أو غيره- بل المتيقن نجاسة السطح الظاهر. و مما ذكرنا يظهر حكم ما إذا كان الفلز متنجساً قبل الإذابة، فإنه لا تسرى النجاسة إلى باطنه و لا يتنجس جميع الفلز ظاهره و باطنه كما زعمه الماتن بل یختلط السطح الطاهر و السطح النجس بالقلب و الغلیان فيحصل العلم الإجمالي بنجاسة الباطن أو الظاهر.

و من هنا ظهر الحال فيما إذا كان ظاهر الفلز متنجساً قبل الذوبان ثم أذيب الفلز، فإن الماتن حکم بنجاسة الظاهر و الباطن، و قد عرفت مما ذکرنا إنه لا وجه للحکم بنجاسة الباطن من حیث میعان الفلز و ذوبانه. و بطلان قیاس ذوبان الفلز بمیعان المياه المضافة او الحلیب او الادهان المایعة و أشباهها، لا موجب لنجاسة الأجزاء الباطنیة في الفلزات، بل هي باقیة علی طهارتها إلا أنه بالذوبان تنقلب السطوح، فينقلب السطح الخارج إلی الداخل و بالعكس، فيحصل العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما؛ إما السطح الظاهر أو السطح الباطن بالقلب و الغلیان، و مقتضى هذا العلم الإجمالي لزوم الاحتیاط عن کل من السطحین، تحصیلاً للموافقة القطعیة الناشئة عن تعارض الأصل النافي في کل من السطح الظاهر و السطح الباطن. لکن الملاقي للسطح الظاهر فقط محکوم بالطهارة لاصالة الطهارة أو لاستصحاب عدم ملاقاته للنجس أو المتنجس و إن نحکم بلزوم الاجتناب عن الطرف الملاقی، کما فصلناه في الأمس لمکان تعارض اصالة الطهارة في الملاقی مع اصالة الطهارة في الجزء الآخر من الفلز. و تفصیل البحث في ذلك موکول إلی علم الاصول. و قد ذکرنا في الدرس الماضي توهم معارضة الطهارة في الملاقي مع اصالة الطهارة في الطرف الآخر. و أجبنا عنه إن الأصل في الملاقي متأخر رتبة عن الأصل في الطرف الآخر المعارض باصالة الطهارة في الملاقی، فلا یعارضه الأصل في الطرف الآخر.

نعم لو فرضنا خروج الطرف الباطن عن مخل الابتلاء بل خارج عن قدرة استعماله فيما يشترط فيه الطهارة، أمکن الحکم بطهارة السطح الظاهر لجریان قاعدة اصالة الطهارة کما ذكره شيخنا الأنصاري في صحیحة علي بن جعفر «سَأَلْتُهُ‌ عَنْ‌ رَجُلٍ‌ رَعَفَ‌ فَامْتَخَطَ فَصَارَ بَعْضُ‌ ذَلِكَ‌ الدَّمِ‌ قَطْراً صِغَاراً فَأَصَابَ‌ إِنَاءَه. هَلْ‌ يَصْلُحُ‌ لَهُ‌ الْوُضُوءُ‌ مِنْهُ‌؟ فَقَالَ:‌ إِنْ‌ لَمْ‌ يَكُنْ‌ شَيْئاً يَسْتَبِينُ‌ فِي الْمَاءِ‌ فَلاَ بَأْسَ‌ وَ إِنْ‌ كَانَ‌ شَيْئاً بَيِّناً فَلاَ تَتَوَضَّأْ مِنْهُ‌.»[5] بدعوی أن الطرف الآخر خارج عن محل الابتلاء فلا بأس بجریان اصالة الطهارة في الماء.

ثم إنه ذکر الماتن: «و على أيّ‌ حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله و إن كان مثل القدر من الصفر.»

توضیح ذلك: أنه لو فرضنا حصول العلم بنجاسة جميع أجزاء الفلز الظاهرية و الباطنيّة و لو بإذابته مرات كثيرة و إلقائه كل مرة على الماء المتنجس أو في الإناء النجس لا يمكن إلا طهارة سطحه الظاهر، لعدم نفوذ الماء الطاهر الى جوفه جزماً، و علیه لو كان مثل القدر من الصفر و نحوه أمكن تطهير ظاهره فقط. إلا أنه إذا استعمل کثیراً بحیث يشك في ظهور باطنه بكثرة الاستعمال و الدلك و ان السطح الموجود هل هو السطح المغسول أم السطح الباطن الذي ظهر بکثرة الاستعمال و کان باقياً على النجاسة، فيحصل العلم الإجمالي بأنه من الفرد الطاهر أو النجس، فهل يحكم بطهارته لقاعدتها أو يستصحب نجاسته؟ يبتنى ذلك على ما ذكروه في الاستصحاب من أنه إذا علم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأفراد و بقاء بعضها الآخر على حالته السابقة و شك في فرد من أنه من أی قسم من الفردین، هل يجرى الاستصحاب فیه أم لا؟

تنظیم البحث لنجاسة الفلزات المذابة و کیفیة تطهیرها

ذکر الماتن قدس سره: «الذهب المذاب و نحوه من الفلزّات إذا صبّ‌ في الماء النجس أو كان متنجّساً فاُذيب ينجس ظاهره و باطنه و لا يقبل التطهير إلّا ظاهره» نقول: اولاً ان الحکم بنجاسة الباطن إذا صب الماء النجس علی المذاب لا وجه له الا دعوی أحد الأمرین؛ إما قیاس ذوبان الفلز بمیعان الماء المضاف في سرایة النجاسة أو دعوی سرایة النجاسة إلی جمیع الفلز المذاب الداخلیة و الخارجیة بمجرد الذوبان فأن الماء النجس ینفذ داخل الفلزات الذائبة کما ینفذ في غیرها من المایعات. و کلا الأمران باطلان؛ لأن الأدلة الواردة في الماء المضاف و أشباهه لا تعم الفلزات الذائبة، و لا إطلاق لها کي یشمل مثل الفلزات المذابة، کما أن الماء إذا صب علی الفلز ینجمد فوراً و لا یمکن نفوذه إلی الباطن، بل یحصل تماسك أجزاء الفلز و لا موجب لنفوذه إلی الأجزاء الباطنیة. و علیه لا دلیل علی الالتزام بنجاسة باطن الفلزات المذابة لمجرد ملاقاة النجاسة لظاهرها. و بهذا ظهر الحال فیما إذا کان الفلز متنجساً ثم أذیب، فإنه لا وجه لنجاسة الباطن بالإذابة. نعم الغلیان و القلب الحاصل بالإذابة یوجب انتقال السطح الملاقي للنجس إلی الباطن فنعلم إجمالاً بنجاسة الظاهر أو الباطن و هذا العلم الإجمالي منجز للتکلیف بالاحتیاط، لکن الملافي للظاهر یمکن إجراء اصالة الطهارة فیه

نعم لو فرضنا خروج الباطن عن محل الابتلاء یمکن القول بجواز استعمال الظاهر علی ما ذکره الشیخ الأنصاري في صحیحة علي بن جعفر المتقدمة.

و بهذا ظهر الحال في الفرع الثاني و هو ما إذا کان ظاهر الفلز متنجساً قبل الذوبان فأذیب، ذکر الماتن: إنه یوجب نجاسة الباطن أیضاً. و لا وجه له سوی دعوی السرایة، و قد عرفت بطلانها. نعم القلب و الغلیان تقلبه، فیرجع البحث إلی الفرع الأول.

المصادر

    1. العروة الوثقی (عدة من الفقهاء، جامعة المدرسين)، طب‌اطب‌ای‌ي ی‌زدي، الس‌ی‌د م‌ح‌م‌د ک‌اظم‌ بن عبد العظیم، المتوفي: ۱۳۳۷ ه.ق. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ۱۴۲۱ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.

    2. تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، حر عاملي ال‌م‌ش‌غ‌ري، محمد بن حسن، المتوفي: ۱۱۰۴ ه.ق. مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث بقم المقدسة، ۱۴۱۶ ه.ق. عدد الأجزاء: 30.

    3. فقه الشیعة (کتاب الطهارة)، الخوئي، السيد أبوالقاسم، المتوفي: ۱۴۱۳ ه.ق. المحرر: الموسوي الخلخالي، السيد محمد مهدي، المتوفي: 1398ه.ش. مؤسسة الآفاق بقم المقدسة، ۱۴۱۸ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.

    4. التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، السيد أبوالقاسم، المتوفي: ۱۴۱۳ ه.ق. المحرر: الغروي التبريزي، الميرزا علي، المتوفي: 1419 ه.ق. عدد الأجزاء: 10.


[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج1، ص150، أبواب الماء المطلق، باب8، ح1، ط آل البيت. مُحَمَّدُ بْنُ‌ يَعْقُوبَ‌ عَنْ‌ مُحَمَّدِ بْنِ‌ يَحْيَى عَنِ‌ اَلْعَمْرَكِيِّ‌ عَنْ‌ عَلِيِّ‌ بْنِ‌ جَعْفَرٍ عَنْ‌ أَخِيهِ‌ مُوسَى بْنِ‌ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ‌ قَالَ‌: سَأَلْتُهُ‌ عَنْ‌ رَجُلٍ‌ رَعَفَ‌ فَامْتَخَطَ فَصَارَ بَعْضُ‌ ذَلِكَ‌ الدَّمِ‌ قَطْراً صِغَاراً فَأَصَابَ‌ إِنَاءَه. هَلْ‌ يَصْلُحُ‌ لَهُ‌ الْوُضُوءُ‌ مِنْهُ‌؟ فَقَالَ:‌ إِنْ‌ لَمْ‌ يَكُنْ‌ شَيْئاً يَسْتَبِينُ‌ فِي الْمَاءِ‌ فَلاَ بَأْسَ‌ وَ إِنْ‌ كَانَ‌ شَيْئاً بَيِّناً فَلاَ تَتَوَضَّأْ مِنْهُ‌. قَالَ‌: وَ سَأَلْتُهُ‌ عَنْ‌ رَجُلٍ‌ رَعَفَ‌ وَ هُوَ يَتَوَضَّأُ فَتَقْطُرُ قَطْرَةٌ‌ فِي إِنَائِهِ.‌ هَلْ‌ يَصْلُحُ‌ الْوُضُوءُ‌ مِنْهُ‌؟ قَالَ:‌ لاَ. وَ رَوَاهُ‌ عَلِيُّ‌ بْنُ‌ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ‌. أَقُولُ‌: الَّذِي يُفْهَمُ‌ مِنْ‌ أَوَّلِ‌ الْحَدِيثِ‌ إِصَابَةُ‌ الدَّمِ‌ الْإِنَاءَ‌ وَ الشَّكُّ‌ فِي إِصَابَةِ‌ الْمَاءِ‌ كَمَا يَظْهَرُ مِنَ‌ السُّؤَالِ‌ وَ الْجَوَابِ‌ فَلاَ إِشْكَالَ‌ فِيهِ‌.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo