< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی أشرفي شاهرودي

44/08/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: فقه الطهارة- المطهرات- الماء- الشك فی نفوذ الماء في المتنجس- تطهیر الدهن المتنجس.

مسألة 18: إذا شكّ‌ في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون و نحوه بنى على عدمه، كما أنّه إذا شكّ‌ بعد العلم بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه بنى على عدمه فيحكم ببقاء الطهارة في الأوّل، و بقاء النجاسة في الثاني.

مسألة 19: قد يقال بطهارة الدهن المتنجّس إذا جعل في الكرّ الحارّ، بحيث اختلط معه، ثمّ‌ أُخذ من فوقه بعد برودته، لكنّه مشكل، لعدم حصول العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، و إن كان غير بعيد إذا غلى الماء مقداراً من الزمان.[1]

عود إلی بدء: قد تبین من تضاعیف الأبحاث الماضیة دعوی سیدنا الاستاد إن بواطن الاجسام التی النجاسة فیها کالأخشاب و الفواکه و الأرز إذا صبّ الماء القلیل الطاهر علی ظواهرها بمقدار یصل إلی جوفها، فهو کافٍ في حصول طهارة البواطن، مدعیاً انّ غسل کل شیء انما هو بحسبه، فربّ شیء یکتفی في غسله بصبّ الماء علیه و انفصال الغسالة عنه کما في البدن و نحوه، و ربّ شیء لا یکفي فيه صبّ الماء علیه بل یعتبر عصره. ففی بواطن هذه الاجسام یکتفی بصب الماء علی ظواهرها إلی أن یصل الماء الطاهر إلی جوفها و هو حینئذ غسلها و یستکشف بذلك انه غسل للباطن بملاحظة حصول إزالة القذارات المذکورة لدی العرف. فانك تری أن العرف یکتفی في تطهیر ما وقع في البالوعة و تقذّر جوفها لذلك، بصبّ الماء علی ظاهره حتی یصل الماء الطاهر في أعماقه. فإذا کان هذا طریق الإزالة لدی العرف فلا مناص من الحکم بکفاینه في حصول الطهارة لدی الشرع، لأن ما أمر به في الروایات من الغسل انما هو الغسل الذی یعدّ غسلاً لدی العرف فمقتضی إطلاق أو عموم ما دلّ علی طهارة المتنجس بغسله طهارة البواطن أیضاً بما ذکر.

کما أنك عرفت خطأ التمسك لإثبات طهارة أمثال هذه الأشیاء بحدیث لا ضرر أو أدلة لا حرج فانهما یرفعان الحکم الشرعي الذي نشأ من الضرر، لا انهما یثبتان حکماً ابتدائیاً في موضوع لا حکم له لدفع الضرر عن المکلف. فالحدیث لا یقتضی جعل مطهّر لما في الشرع. نعم لو أرجعنا حدیث لا ضرر إلی حکم نجاسة تلك الاجسام لنجاسة بواطنها، صحّ أن یقال: انها حکم ضرري قابل للارتفاع بالحدیث، لکنه خلاف ما نطقت به الأخبار علی نجاسة جملة من الأمور الموجبة للضرر، کما دلّ علی لزوم إهراق الإنائین الذین وقع في أحدهما غیر المعین نجس، أو ما ورد من نجاسة الدهن إذا وقع فیه النجس و انه یطرح أو یستصبح به. و علیه فالأحسن في الحکم بطهارة البواطن ما قدمناه من الإحالة علی غسل الأشیاء من القذارات عند العرف.

و ظهر أیضاً ان المدار فی طهارة اجزاء المتنجسة في البواطن لیس مجرد اتصال الماء الطاهر حتی الماء الکثیر ببعض تلك الرطوبات، و ذلك لأنه و إن یکفي اتصال الماء الکثیر لبعض أطراف الماء النجس، لکن نفوذ الماء الکثیر بداخل الجسم الذي تنجس باطنه برطوبات النجس کالبول و غیره غیر کافٍ في طهارة ذلك الجسم ببواطنه، و ذلك لأن الموجود في أعماق الاجسام المتنجسة لا یطلق علیه الماء لیکتفی فی تطهیره بمجرد اتصاله بالماء الکثیر، و انما هو رطوبات متنجسة. و المستفاد من صحیحة ابن بزیع و غیرها انما هو کفایة الاتصال بالماء العاصم فی تطهیر المیاه المتنجسة، و أما غیر المیاه المتنجسة فلا یمکن الحکم بطهارة الرطوبات المتنجسة باتصالها بالماء الکثیر لبعض اطرافها کما ان الاتصال کذلك بالنجس لا بوجب نجاسة الجمیع بل نجاسة خصوص نقطة الملاقاة. و کذلك الحال فی طهارة الاجسام المتنجسة بالرطوبات النجسة فلا یکفي اتصال الماء العاصم ببعض تلك الرطوبات للخکم بطهارة کلها بل لا بد فی تطهیر أمثال هذا الاجسام التي نفذت النجاسة في أعماقها من إبقائها في الماء العاصم بمقدار یصل إلی جمیع أجزائها الداخلیة حتی تغلب علی الرطوبات الداخلیة المتنجسة کي تحصل غلبة الطاهر علی الرطوبات النجسة.

مسألة 19: قد يقال بطهارة الدهن المتنجّس إذا جعل في الكرّ الحارّ، بحيث اختلط معه، ثمّ‌ أُخذ من فوقه بعد برودته، لكنّه مشكل، لعدم حصول العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، و إن كان غير بعيد إذا غلى الماء مقداراً من الزمان.

نقل سیدنا الحکیم[2] عن محکي التذکرة: « فلو طرح الدهن في ماء كثير، و حرّكه حتى تخلّل الماء أجزاء الدهن بأسرها طهر، و للشافعية قولان»[3] . و نقل عن الجواهر: «لكنه بعيد بل ممتنع»[4] ، و عن المستند: «قيل باستحالة مداخلة الماء لجميع أجزائه»[5] . ثم قال: إن الوجه في استحالته ابتناؤه على القول بوجود الجزء الذي لا يتجزأ، و قد بُرهن على امتناعه في محله، و لو بني على إمكانه فلا تبعد دعوى استحالته عادةً‌، لاختلافه مع الماء ثقلاً، المؤدي إلى انفصال أحدهما عن الآخر طبعاً، لا أقل من أن ذلك مانع عن حصول العلم بمداخلة الماء جميع أجزائه. مع أنه لو سلم حصول العلم بذلك، فلا دليل على حصول الطهارة به، و إطلاق مطهرية الماء إنما يصح التمسك به بعد إحراز قابلية المحل، و هو غير حاصل. و لذا كان بناء الأصحاب على عدم طهارة المائعات غير الماء إلا بالاستهلاك، كما سبق. و إلى ذلك تشير الأخبار الآمرة بإلقاء السمن و الزيت الجامدين إذا ماتت فيهما فأرة. انتهی.

و ذکر الاستاد: إنه إذا انتشر أجزاء الدهن بحیث عدّ من الأعراض الطارئة على الماء، و إن كان باقياً في الحقيقة على جوهريته السابقة على الانتشار -إذ الجوهر يمتنع أن يتبدل عرضاً- لکنه مع الانتشار و تبدله بأجزاء صغار عد بالنظر العرفي عرضاً على الماء، نظير الدسومة السارية من اللحم إلى اليد أو الإناء. فإنّها لدقتها و صغرها معدودة من عوارض اليد أو الإناء، و إن كانت في الحقيقة جوهراً و قابلاً للانقسام، بناءً على استحالة الجزء الذي لا يتجزأ. و في هذه الصورة لا مانع من الحكم بطهارة الدهن إذا أُخذت أجزاؤه المنتشرة على الماء لكونها مأخوذة من الماء الطاهر على الفرض، إلّا أن هذه الصورة خارجة عن محل الكلام، لأنّ‌ البحث إنما هو في طهارة الدهن المتنجّس مع بقائه على دهنيّته و جوهريّته لا فيما إذا انعدم موضوعه بصيرورته من عوارض الماء.

المصادر

    1. العروة الوثقی (عدة من الفقهاء، جامعة المدرسين)، طب‌اطب‌ای‌ي ی‌زدي، الس‌ی‌د م‌ح‌م‌د ک‌اظم‌ بن عبد العظیم، المتوفي: ۱۳۳۷ ه.ق. جماعة المدرسين في الحوزة العلمیة بقم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ۱۴۲۱ ه.ق. عدد الأجزاء: 6.

    2. مستمسك العروة الوثقی، ح‌ک‌ی‌م، السید محسن، المتوفي: ۱۳۹۰ ه.ق. دار التفسير بقم المقدسة، ۱۳۷۴ ه.ش. عدد الأجزاء: 14.

    3. تذکرة الفقهاء (ط الحدیثة: الطهارة إلی الجعالة)، العلامة الحلي، ج‌م‌ال ‌ال‌دی‌ن‌ اب‌وم‌ن‌ص‌ور حسن بن یوسف، المتوفي: ۷۲۶ ه.ق. مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث بقم المقدسة، ۱۴۱۴ ه.ق. عدد الأجزاء: ۲۲.

    4. مستند الشیعة في أحکام الشریعة، النراقي، احمد بن محمد مهدي، المتوفي: ۱۲۴۵ ه.ق. مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث بقم المقدسة، ۱۴۱۵ ه.ق. عدد الأجزاء: ۲۰.

    5. جواهر الکلام (ط. القدیمة)، صاحب جواهر، الشیخ محمدحسن بن باقر النجفي، المتوفي: ۱۲۶۶ ه.ق. دار إحياء التراث العربي، بیروت، عدد الأجزاء: ۴۳.


[4] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج6، ص147.لكن في المنتهى و عن التذكرة و النهاية انه يطهر الدهن النجس بصبه في كر ماء و مازجت أجزاء الماء أجزاءه، و استظهر على ذلك بالتطويل بحيث يعلم وصول الماء إلى جميع أجزائه، و هو جيد على فرض تحققه، لكنه بعيد بل ممتنع، ضرورة عدم حصول العلم بذلك مع بقاء الدهن على مسماه بحيث يمكن الانتفاع به للأكل و نحوه بعد ذلك.
[5] مستند الشّيعة، النراقي، المولى احمد، ج1، ص263. و أمّا الدهن: فلأنّ‌ العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه غير ممكن، لشدة اتّصال أجزائه بعضها ببعض. بل يعلم خلافه، لأنّ‌ الدهن يبقى في الماء مودعا فيه غير مختلط به، و إنّما يصيب سطحه الظاهر. بل قيل باستحالة مداخلة الماء لجميع أجزائه، و إنه مع الاختلاط لا يحصل له إلاّ ملاقاة سطوح الأجزاء المنقطعة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo