< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/05/06

بسم الله الرحمن الرحیم

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ»

موضوع: (فقه الطهارة)

مسألة 4: یعتبر فی المادة الدوام فلو اجتمع الماء من المطر أو غیره تحت الأرض و یترشح إذا حضرت لایلحقه حکم الجاری.

ذکرنا فی المسألة السابقة اعتبار اتصال الماء الجاری بالمادة فلو انقطع الاتصال لم یصدق علیه الماء الجاری بوصفه الماء الجاری و إن صدق علیه کونه جاریاً و من هنا ذکر المحقّق الهمدانی قدس‌سره "أنّه لا یطلق الماء الجاری علی الماء المنصب من الإبریق و نحوه بل و کذا الجاری من ذوبان الثلج القلیل فإنّه ینصرف عنه الإطلاق جزماً، بل یصحّ سلب الاسم عنه عرفاً و إطلاق الجاری علیه بالفعل غیر صدق الماء الجاری علیه علی الإطلاق. هذا مع تصریح غیر واحد من الأساطین -علی ما حکی عنهم- بعدم الخلاف فی کون السائل من غیر نبع راکد." انتهی.

و من هنا إعتبر الماتن رحمه‌الله‌تعالی فی المادة الدوام فی المسألة الرابعة و الظاهر من قوله "اعتبار الدوام فی المادة" اعتبار ما یکون الدوام من طبع المادة لا بالجعل و من هنا تفرع علی قوله عدم إلحاق حکم الجاری إذا کان الجریان عن مادة جعلیة کما إذا حصل ذلک بحفر أی برفع المانع.

و قد أفاد شیخنا الحلی رحمه‌الله‌تعالی فی ذیل کلام الماتن رحمه‌الله‌تعالی "أنّه غیر خفی أنّ العبارة مجملة لم‌یتضح المراد منها فإن کان المراد من دوام النبع أو الرشح فی قبال ما لو حجب الطین المادة فلا إشکال فی کونه من الراکد غیر المتصل بالمادة، و إن کان المراد منه وجود المادة مع الاتصال الماء بها ولکن حصل النبع أو الرشح منها إلی أن وصل ما خرج إلی مستواه علی وجه لم تبق للمادة قوة تدفعها أزید من ذلک مع بقاء الاتصال علی وجه لو أخذ منه لنبع أو رشح و أوصل الماء إلی حده فهو غیر خارج عن الجاری و لا عن ذی المادة کما تقدم فی الجاری المساوی للأرض من دون سیلان علی وجهها" إنتهی.

و أظنّ أنّ کلام شیخنا الحلی رحمه‌الله‌تعالی الثانی تفسیر للمادة المعتبر فی الماء الجاری فی کلام الماتن رحمه‌الله‌تعالی و یصدق علیه (أنّه ذو مادة) و تنطبق علیه صحیحة إبن بزیع فی قوله (لأنّ له مادة).

لکن أطال الفقهاء فی المقام فی تفسیر ما أفاده الشهید الأول رحمه‌الله‌تعالی فی الدروس "أنّ الجاری لا یشترط فیه الکرّیّة علی الأصح نعم یشترط فیه دوام النبع".

1. ففسّره الشهید الثانی رحمه‌الله‌تعالی فی روض الجنان علی دوام الاستمرار فی النبع و إن ما ینبع فی بعض الفصول دون بعض لا یحکم علیه بالإعتصام و ردّ هذا التفسیر -کما فی الحدائق- أولاً بأنّ دوام النبع علی خلاف إطلاق صحیح ابن بزیع لعدم تقیید المادة فیه بدوام النبع مضافاً إلی أنّه مما لا شاهد له من الأخبار و لا یساعده الاعتبار و ثانیاً بأنّه إن ارید بقوله دوام الاستمرار إلی الأبد فهو قلیل الوجود فی العالم ولذا جعله المحقّق الثانی رحمه‌الله‌تعالی قول من لا تحصیل له. و إن أرید إلی وقت مخصوص فیقع الکلام فی یقین ذلک الوقت.

2. أن یراد إستمرار النبع حین ملاقاة النجس علی وجه الإطلاق فإنّه متی لم‌یکن کذلک جری علیه حکم المحقون لا الجاری. و ذکر فی الجواهر: "أنّ هذا المعنی و إن کان فی نفسه صحیحاً علی بعض الأحوال إلّا أنّه یبعد إرادة الشهید رحمه‌الله‌تعالی له علی أنّ ذلک لیس فیه زیادة حینئذ علی أصل معنی الجاری و کونه مما له مادة لکن الأمر سهل إذ لعلّه حینئذ احترز به عمایتوهم من أنّ الجاری هو الماء النابع و إن انقطع النبع فأراد الشهید رحمه‌الله‌تعالی التنبیه علی أنّه لا ینجس بالملاقاة و نحوها بشرط أن یکون دائم

النبع أی نابعاً حین الملاقاة" إنتهی ما فی الجواهر.

3. ما نسب إحتماله إلی بعضهم من إرادة الاحتراز عما ینبع آناً و ینقطع آناً تصوّر مادته و ضعفها و إن مثله ینفعل إذا لاقی نجساً لعدم إحراز اتصاله بالمادة حال الملاقاة و یرده أنّه لیس شرطاً جدیداً فی الماء الجاری و قد عرفت أنّه من الحالة الرابعة فی أحوال الشک فی الاتصال.

4. ما حکاه صاحب الحدائق رحمه‌الله‌تعالی عن بعض المحدثین من أنّه یراد به نبع المادة دائماً أو بعد أخذ مقدار منه.ثم ذکر فی توضیح ذلک أنّ المراد علی أنحاء ثلاثة:

الأول: ما یکون نابعاً علی الاستمرار بالفعل. الثانی: مایکون مستمراً علی وجه الاقتضاء بمعنی أن یکون نابعاً إلی أن یبلغ الماء حداً معیناً و هو تساوی الماء الخارج المجتمع فی البئر للماء الموجود فی مادتها و فی عروق الأرض و حینئذ یقف و لا تنبع إلّا أن یؤخذ من الماء مقدار فینزل سطح الماء فنبع ثانیاً بدل ما خرج و هکذا فللمادة إستعداد و إقتضاء النبع دائماً و هذا هو الغالب فی المراد الثالث ما تکون نابعة إلّا أنّه إذا أخذ منها ماؤها ینقطع نبعها و تقف و لا تنبع ثانیاً إلّا بعلاج کحفر جدید و عندئذ تنبع بمقدار ما أخذ کما یتفق ذلک فی بعض الأماکن و بعد هذه الأقسام قال: أنّ النبع فی القسمین الأولین دائمی فعلاً أو بحسب الإقتضاء و أما فی الثالث فلا دوام للنبع فیه بوجه بل و لایصدق علی مثله المادة أصلاً لأنّ المادة من المدد و الإمداد و المفروض أنّها لاتمد الماء بعد أخذه فلا یستمد منها فی شیء و الماء الحاصل غیر مستند إلی المادة و من هنا ذکر أنّ شمول الأخبار الجاری لهذا القسم غیر واضح و علیه فاعتبار دوام النبع عبارة أخری عن اعتبار اتصال الماء بالمادة فإنّ المادة إذا لم تمد الماء فلامحالة یکون الماء منقطعاً و غیر متصل بالمادة.

5. أن یراد بدوام النبع عدم الاکتفاء بالاقتضاء کما إذا منع من النبع مانع کحصر أطرافها علی ما هو الغالب فی الآبار إذ المادة إنّما تنبع إلی أن یساوی المقدار الخارج منها المجتمع فی البئر للماء الموجود فی المادة و فی عروق الأرض و ینقطع النبع بعد ذلک فیحکم علیه بالإنفعال.

لکن هذا الإحتمال مردود لأنّ الحکم فی الأدلة لم یترتب علی اعتبار الجریان الفعلی بل علی عنوان ما له المادة کما فی صحیح ابن بزیع و من الظاهر أنّ مثل هذه الآبار یصدق علیها أنّ لها مادة و لا شاهد علی اعتبار فعلیة النبع عن المادة دائماً.

6. أن یراد بالدوام ما فهمه الأستاد رحمه‌الله‌تعالی من کلام صاحب العروة رحمه‌الله‌تعالی و هو أن یکون المادة طبیعیة موجبة للجریان بطبعها فی مقابل المراد الجعلیة کما إذا جعلنا مقدار من الماء علی مکان منخفض الأطراف أو فاض البحر أو النهر و اجتمع الماء من فیضانهما فی الغدران و أوجب النبع بصورة النزیز فی الأمکنة المنخفضة الأخری فإنّها إیضاً مواد فعلیة لکن تنقطع بعد مدة کیوم أو أسبوع و هذا بخلاف المواد الطبیعیة فی الآبار و الأنهار التی تنصرف إلیها لفظة المادة فی صحیحة ابن بزیع و إرادة هذا الاحتمال من دوام النبع لیس ببعید کبعض الاحتمالات المتقدمة.

مسألة 5: لو انقطع الاتصال بالمادة کما لو اجتمع الطین فمنع من النبع کان حکمه حکم الراکد فإن أزیل الطین لحقه حکم الجاری و إن لم یخرج من المادة شیء فاللازم مجرد الاتصال.

حکم هذا یعرف مما تقدم من اعتبار الاتصال بالمادة فی صدق الماء الجاری و ثبوت أحکامه.

مسألة 6: الراکد المتصل بالجاری کالجاری[1] فالحوض المتصل بالنهر بساقیة یلحقه حکمه و کذا أطراف النهر و إن کان ماؤها واقفاً.

لا ریب فی اعتصام هذا الراکد بعد فرض الاتصال بالجاری و یصدق علیه أنّ له المادة لکن الأستاد رحمه‌الله‌تعالی ذکر أنّ الأحکام الخاصة المترتبة علی عنوان الجاری لکفایة الغسل به مرة فی المتنجس بالبول فهی لا تترتب علیه و ذلک لعدم صدق الجاری علی الراکد و هو ظاهر إلّا أن تقول بکفایة المرة فی الکرّ و هو أمر آخر. أقول: فیه تأمل یدفعه الإرتکاز العرفی.

مسألة 7: العیون التی تنبع فی الشتاء مثلاً و تنقطع فی الصیف یلحقها الحکم فی زمان نبعها.

قد تقدم أنّ جماعة فهموا من الکلام الشهید رحمه‌الله‌تعالی فی الدروس من اعتبار الدوام فی النبع فی اعتصام الجاری الاحتراز عن العیون التی تنبع فی بعض الفصول دون بعض لکن عن المحقّق الثانی رحمه‌الله‌تعالی إنکاره و أنّه لا شاهد له من الأخبار و لایساعد علیه الإعتبار و أنّه تخصیص لعموم الدلیل بمجرد التشهّی و جعل من فهم ذلک من عبارته فمن لا تحصیل له و أنّه منزه عن أن‌یذهب إلی مثله فإنّه تقیید لاطلاق النص بمجرد الاستسحان و هو من أفحش الأغلاط.


[1] - أقول: أی فی الإعتصام و عدم إنفعاله بالملاقاة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo