< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحیم

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ»

موضوع: (فقه الطهارة)

حاصل إشکال عدم جریان استصحاب العدم الأزلی لإثبات عدم المادة للقلیل المغسول به المتنجس حین الاغتسال: أنّ العدم الأزلی علی تقدیر القول لصحة جریانه مغایر للعدم اللاحق للماء القلیل الذی هو موضوع للانفعال لکون العدم الأزلی (أی عدم المادة للماء القلیل) قبل وجود الماء عدماً لعدم الموضوع بینما ان العدم اللاحق (أی عدم إتصال الماء القلیل الجاری بالمادة) عدماً لفقد المقتضی أو لوجود المانع و لیس عدم الموضوع (أعنی عدم وجود الماء) دخیلاً فیه إذ المفروض وجوده.

و الجواب: أنّ هذا الاختلاف لا یوجب اختلاف العدمین ذاتاً حتی یمنع من الاستصحاب و إنّما یستوجب ذلک اختلافهما منشأ و علة و إلّا فلا میز فی الأعدام، و الاختلاف فی المنشأ لا یوجب التعدد عرفاً و شبّه الحکیم رحمه ‌الله‌تعالی هذا الاختلاف باختلاف ترک الأکل و الشرب بعد الغروب للصائم مع کون منشأ الترک قبل الغروب هو الأمر الشرعی المنتفی بعد الغروب و ترکهما بعد الغروب ناش عن داع آخر و مع ذلک یصح استصحاب ترک الأکل و الشرب بعد الغروب.

إن قلت: عدم العرض (أی الاتصاف بالاتصال بالمادة) لما کان نقیضاً لوجود العرض و هو الاتصاف بالاتصال بالمادة، لابدّ من وحدة الرتبة بین النقیضین، و من المعلوم أنّ وجود العرض العارض علی الماء القلیل متأخر رتبة عن وجود المعروض، فکذلک نقیضه و هو عدم العرض متأخر عن وجود المعروض و هو الماء القلیل، و العدم الأزلی لیس کذلک لأنّه سابق علی المعروض و هو أصل‌الماء القلیل لأنّ المفروض استصحاب عدم الاتصال بالمادة قبل وجود الماء القلیل.

قلت: التأخر الرتبی لا یضرّ باستصحاب عدم الاتصال بالمادة الناشی من عدم وجود الموضوع. فإنّه یقال: الماء القلیل المفروض، لم یکن موجوداً کما أنّه لم یکن متصفاً بالاتصال بالمادة و بعد ما تبدل الأول بنقیضه. فیقال: أنّ الماء القلیل قد وجد فإذا شک فی وجود الثانی أعنی الاتصال بالمادة أی تبدل عدمه بالنقیض فلا مانع من إستصحابه.

إن قلت: إنّ التقابل بین عدم العرض و وجوده المأخوذین فی موضوع الحکم الشرعی مثل القرشیة و اللاقرشیة تقابل العدم و الملکة لا تقابل السلب و الإیجاب (تقابل النقیضین) فعدم الإتصاف بالاتصال بالمادة عند عدم وجود الماء یقابل وجود الاتصاف عند وجود الماء یکون أحدهما عین الآخر کی تکون القضیة المتیقنة عین القضیة المشکوکة کی یصح الاستصحاب.

قلت: هذه التدقیقات العقلیة فی الاختلاف لا تضرّ بوحدة الموضوع فی القضیتین عرفاً و حیث قد عرفت أنّه لا میز فی عدم الاتصاف بالاتصال بالمادة بین قبل وجود القلیل و بعد وجوده فلا محذور فی الاستصحاب حینئذ.

و بعبارة أخری: إذا کان موضوع الحکم مرکباً من وجود العرض و محله فلا محالة یکون مرجع ذلک إلی اتصاف المحل بوصف العرض لأنّه قد ثبت فی محله أنّ وجود العرض عین وجود موضوعه و لا معنی للاتصاف إلّا ثبوت الشیء لشیء آخر فمعنی الماء الذی له مادة هو إتصاف الماء بالاتصال بالمادة کاتصاف الرجل بالقرشیة.

و أما إذا کان موضوع الحکم مرکباً من المحل و عدم العرض فمرجعه إلی وجود المحل مقیداً بعدم العرض فمرجع قولنا (أکرم کلّ عالم) و قولنا (لا تکرم العالم الفاسق) إلی کون موضوع وجوب الإکرام هو العالم الذی لم یکن فاسقاً لا العالم الذی اتصف بعدم الفسق فإنّ اعتبار الثانی تقیید العالم بصفة عدم الفسق أمر اعتباری یحتاج إلی مؤونة زائدة و نصب قرینة تدل علیه. بینما أنّ التخصیص إخراج بعض أفراد العام و بقاء ما سواه تحت وجوب الإکرام فی المثال الماضی فقط دون کون الباقی متصفاً بعدم کونه فاسقاً فإنّ هذا التقیید أمر زائد علی أصل إخراج البعض بالتخصیص فحال التخصیص حال ما إذا قال المولی (أکرم هولاء الرجال) ثم أخرج زیداً و عمرواً من بینهم فإنّ مرجع ذلک إلی إختصاص وجوب الإکرام للأفراد الباقیة فقط لا إلی إکرام الباقی المتصفین بعد کونهم زیداً و عمرواً فإنّ هذا التقیید و الاتصاف أمر زائد علی أصل التخصیص أعنی إخراج البعض و علیه ففی ما نحن فیه ثبت إنفعال کلّ ماء قلیل بملاقاة النجس ثم خرج قسم خاص من هذا العموم و هو القلیل المتصل بالمادة و بقی الباقی و هو القلیل الذی لیس له مادة و علیه إذا شککنا فی قلیل أنّه متصل بالمادة أم لا نستصحب عدم الإتصال الثابت قبل وجود الماء.

فنقول: لم یکن لهذا الماء القلیل قبل وجوده اتصال بالمادة و الآن بعد وجود الماء نشک فی اتصافه بالاتصال بالمادة –مع فرض سبق عدم الإتصال سابقاً– فنستصحب عدم تحقّق هذا العرض المشکوک تحقّقه کما هو الحال فی کلّ حادث مسبوق بالعدم و لا حاجة إلی إثبات اتصاف هذا الماء القلیل الموجود بعدم الاتصال بالمادة حتی یقال إنّه لیس له حالة سابقة و بالجملة العدم لیس شیئاً و لا وجود له حتی یتصف المحل به أو له مرتبة خاصة ینافی مرتبة أخری و بهذا نکتفی فی المقام.

و أما الکلام فی الصورة الرابعة و هی فرض توارد الحالتین علی الماء مع عدم العلم بسبق إحدیهما علی الأخری.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo