< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: (فقه الطهارة)

کان کلامنا فی الأمس فی أدلة صاحب المفاتیح() فی إنکارة نجس الملاقی للنجس إذ زال النجس عن الملاقاة بأیّ وسیلة سیّما فی الأجسام الصقیلة إلّا فی اللباس و البدن و ینبغی أن یضاف إلیهما الأوانی لقیام الدلیل علی لزوم غسل الآنیة التی یشرب فیها الخمر أو یأکل فیها الکفار أطعمة نجسه کاللحم النجس و لعلّ ذکر البدن و اللباس من باب المثال و إن إدعی بسیدنا الأستاد() أنّ ظاهر کلامه الإختصاص بهما لکن الروایات الواردة فی باب 14[1] من أبواب النجاسات ظاهرة فی النجاسة أوانیهم سیّما التی یشربون فیها الخمر[2] و کذلک أحادیث باب 72[3] حیث صرحت الروایات بلزوم غسل أوانیهم سیّما الآتیة التی یشربون فیها الخمر و کذلک أحادیث باب 5 من أبواب الماء المضاف[4] فی میتة الفارة الواقعة فی السمن قال: إن کان ذائباً فلا تأکله و إستصبح به و الزیت مثل ذلک و عن علی() سئل عن قدر طبخت و إذا فی القدرة فارة؟ قال: یهراق مرقها و یغسل اللحم و یؤکل[5] .

و کذا تدلّ علی تنجسها موثقة عمار فی فارة متسلخة؟ فعلیه أن یغسل ثیابه و یغسل کلّ ما أصابه ذلک الماء و یعید الوضوء و الصلاة[6] فإنّ کلمة «کلّ» شامل للأوانی و غیرها مما أصاب ما فی الإناء الذی فیه الفارة المتسلخة.

و بالجملة ذکرنا إستدلاله بأنّ المستفاد من الروایات وجوب الإجتناب عن نفس أعیان النجاسات و مع زوالها بأیة صورة وقع الزوال فلا موچب للتجنب عن ملاقیه سیّما فی الأجسام الصقیلة و بأنّ زوال النجاسة قم الحره الرة و السباع کاف فی الحکم بطهارة ما لاقاه فها بعد زوال عین النجاسة عنه.

و قد عرفت الجواب عن الإستدلال الأول فی الأمس و إنّ الأمر بالغسل محمول علی الغسل بالماء المطلق کما قیّد للغسل بالماء فی عدة من الروایات بعد ظهور إرادة إطلاق الغسل فی کونه بالماء الذی لا ریب فی ظهور الماء بالماء المطلق.

و أما الجواب بقلّة الغسل بغیر الماء ولذا تنصرف الإطلاقات إلی الغسل بالماء المطلق فیرد علیه أنّ قلّة الأفراد لا تمتع عن صدق إسم

المطلق علی الأفراد النادرة و القلیلة إذ لیس الغسل من المفاهیم المشکّکة حتی یدعی کون الصدق علی بعض الأفراد أجل و إنصراف الإطلاق إلیه فإنّ الغسل کما یصدق علی الغسل بالماء کذلک یصدق علی الغسل لغیر کماء الورد ماءً علی إضافة إذ الغسل لیس إلّا بمعنی إضالة القذارة و النجاسة و هی صادقة علی الفعل بالمضاف.

أقول: أضاف الأستاد() إلی ما ذکرنا قوله: (أنّ العرف یستفید من الأوامر الواردة فی موارد خاصة بغسل ملاقی النجاسات بعد إزالة عنها، عدم إختصاص ذلک بمورد دون مورد فإنّ العرف إذا لاحظ الأمر بغسل الثوب و البدن و الفرش و الأوانی و غیرها بعد إزالة العین عنها، فهموا عنه عمومیة الحکم و جریانه فی کلّ شیء لاقاه نجس). هذا مضافاً إلی ما عرفته من الروایات الظاهرة فی لزوم غسل ما لاقاه النجس.

و أما عدم تنجس باطن الإنسان و ظاهر الحیوان کالهرة و السباع و کفایة زوال العین فیهما بلا حاجة إلی غسله فهو إن کان حقاً إما لأجل عدم تنجسها (الباطن و ظواهر الهرة و السباع) رأساً أو تنجسهما مع طهارتهما بمجرد زوال العین عنه، إلّا أنّ الحکم بعدم وجوب الغسل شرعاً لا یثبت بهذین الموردین و قیاس غیرهما علیهما لا إعتبار به.

ثم أنّه یظهر بما ذکرنا ضعف ما عن مفید() و السید المرتضی() من أنّ الملاقاة مع النجس و إن کانت موجبة للسرایة و لوجوب غسل ما لاقاها، إلّا أنّ الغسل بإطلاقه یکفی فی تطهیر المتنجسات بلا حاجة إلی غسلها بالماء عملاً بإطلاقات الأمر بالغسل فی المتنجسات من غیر تقیید بالماء.

و قد عرفت الجواب عنه فی الأمس مما أفاده صاحب الجواهر() من حمل المطلقات علی المقید بالغسل بالماء المنصرف إلی الماء المطلق و نزید فی هذا الدرس جملة من تلک الموارد:

(منها) ما ورد فی الإستنجاء بالأحجار حیث حکم بکفایة الأحجار فی التطهیر من الغائط و منع من کفایته فی البول، بل أمر بغسل ذلک الموضع بالماء کروایة یزید بن معاویة عن أبی جعفر() یجزی من الغائط المسح بالأحجار و لا یجزی من البول إلّا الماء[7] .

و (منها) ما أجاب به عن کیفیة غسل الکوز و الإناء حیث أمر() بغسله ثلالث مرات کما فی روایة عمار الساباطی سأل عن الکوز و الإناء یکون قذراً کیف یغسل و کم مرّة یغسل؟ قال یغسل ثلاث مرات، یصبّ فی الماء فیحرک فیه ثم یفرق منه ....[8] .

و (منها) أمره() بغسل الثوب بالماء فی المرکن مرّتین و فی الجاری مرّة واحد کصحیحة محمد بن مسلم عن الثوب یصیبه البول قال

أغسله فی المرکن مرّتین فإن غسلته فی ماء جار فمرّة واحدة[9] .

و (منها) ما ورد فی سؤر الکلب من الأمر بتعفیر الإناء ثم غسله بالماء کما فی صحیحة الفضل بن العباس لا یتوضّأ بفضله و أصب

ذلک الماء و أغسله بالتراب أول مرّة ثم بالماء[10] .

و (منها) أمره() بغسل الأوانی المتنجّسة بالماء کما فی روایة عمار الساباطی المتقدمة فی صفحة 1 من هذا الیوم.

و (منها) أمره() بصب الماء إذا أصاب البدن البول کما فی روایة حسین بن أبی العلاء عن البول یصیب الجسد؟ قال: صبّ علیه الماء إنّما هو الماء[11] .

و (منها) غیر ذلک من الروایات التی جمعها صاحب الوسائل() فی الأبواب المناسبة و إذا ثبت وجوب الغسل بالماء فی هذه الموارد المنصوصة المقر و علیک فیثبت فی جمیع النجاسات لعدم القول بالفصل حتی من السید المرتضی() و غیره.

و قد إستدلّ السید المرتضی() بالإجماع علی کفایة الغسل بالمضاف فی تطهیر المتنجسات إستناداً إلی أنّ الأصل فی کلّ ما لم یدلّ دلیل علی حرمته أو نجاسته هو الحلیة و الطهارة بدعوی أنّه لم یرد دلیل علی المنع من تطهیر المتنجس بالماء المضاف.

و فیه ما عرفت من التصریح بالغسل بالماء فی عدة من الروایات و ظهور سایر المطلقات فی ذلک فراجع و معه لإتصل النوبة إلی الرجوع إلی إصالة الطهارة أو الحلیة أو إصالة البرائة عن إعتبار الغسل بالماء فی الصلاة بناءً علی جریانها فی الأقلّ و الأکثر الإرتباطیین.

و إما ما تقدم فی الأمس من الفرض من وجوب الغسل المتنجسات هی إزالة النجاسات عن المحل و الإزالة کما تتحقّق بالغسل بالماء تتحقّق بإزالة عین النجاسة بغیر الغسل بالماء المطلق من المسّ بمثل الکاغذ أو مایع مضاف، ففیه أنّه أستحسان محض مع أنّه یدفعه الأمر بالغسل بالماء صریحاً فی عدة من الروایات المتقدمة سیّما ما أمر عنها بتعدّد الغسل فإن زوال عین النجاسة یحصل بأول تغسیل فلا حاجة إلی التعدد.

و أما التمسک بقوله تعالی فثیابک فطهّر حیث لم تقیّد التطهیر بخصوص الماء المطلق فیکفی فی إطاعة الأمر تطهیر الثیاب بکلّ من الماء المطلق أو سایر المایعات.

فیرد علیه أنّه ورد فی تفسیر الآیة ثیابک فقصّر حیث أنّ طول الثیاب مستلزم لِوِساخَتِها لتلوثها بالقذرات و الکثافات فی الطرق و

الندوات سیّما فی عصر نزول القرآن بین الأعراب حیث أنّ مقام النبوة یقتضی نظافة النبی فی بدنه و لباسه لئلا یتنفّر الناس برؤیته کیف و قد عدّها من الإیمان فی قوله(صلی‌الله علیه و آله) النظافة من الإیمان (کما ورد فی نهج الفصاحة) فلیس المراد تطهیر الثیاب بعد تنجیسها بإرادة التطهیر الشرعی مع کون الآیة من الآیات القصار فی سورة المدثّر النازلة فی أوائل البعثة التی لم یکن کثیر من الأحکام وقتئذ ثابتة علی المکلّفین فمعنی الآیة: فقصّر ثیابک لئلا یطول و تبلوث بما علی الأرض حتی من النجاسات لا أنّ الآیة أمر النبی(صلی‌الله علیه و آله) بتطهیر ثیابه من النجاسات حتی یقال بأنّ المراد التطهیر الشرعی بأیّ وجه إتفق و یشهد له ما ورد بهذا المضمون فی روایات تفسیر علی بن إبراهیم القمی من أنّ تطهیر الثیاب تشمیرها أی تقصیرها و إنّ ثیاب النبی(صلی‌الله علیه و آله) کانت طاهرة و إنّما أمره بالتسنیم[12] مع أنّه علی تقدیر تسلیم إرادة ذلک فالآیة بصدد إثبات لزوم أصل التطهیر و إما أنّه بأیّ سبب یحصل التطهیر فالآیة ساکتة عنه.

آخر ما یمکن أن یستدلّ به علی مطهریة الماء المضاف بعد ما تقدم من المناقشة فی إستفادة ذلک من قوله تعالی فثیابک فطهّر هی الروایات وقدناها سیدنا الأستاد() إلی أربع:

1 . مرسلة المفید() حیث قال بعد حکمه بجواز الغسل بالمضاف: (أنّ ذلک مروی عن الأئمة() لکن المحقّق() طالبه بالحدیث إذ لا أثر له فی شیء من کتب الروایات و لعلّ المفید() أراد بالمرسلة بعض الروایات الآتیة).

2. مرسلة الکلینی() حیث قال: (روی أنّه لا یحصل بالریق شیء إلّا الدم) و الظاهر أنّه أشار بقوله هذا إلی روایة غیاث الآتیة و الأستاد() ذکر إمهاهی.

3. روایة غیاث بن إبراهیم عن أبی عبدالله() عن أبیه عن علی() لا بأس أن یغسل الدم بالبضاق[13] لکن فی الحدائق[14] عن المحقّق() فی المعتبر تضعیف الروایة بغیاث بن إبراهیم لأنّه تبری و إنّ الطائفة لا یعملوا بما تفرد غیاث بروایته.

لکن سیدنا الأستاد() ذکر أنّ النجاشی وثق الرجل و کونه تبری المذهب لا ینافی وثاقته کما أنّ موسی بن الحسن الواقع فی الحدیث هو موسی بن الحسن بن عامر الثقة لأنّه المعروف المشهور الذی روی عنه سعد فی عدة من المواضع.

أقول: قد یرمی غیاث بالکذب فی کلمات جملة من الرجالیین أو بالغلو و قد یقال بأنّه إسم مشترک بین رجلین أحدهما ثقة و الأخری مرمی بالکذب و الغلو و قد حض بعض الأفاضل مقالة بأحوال غیاث بن إبراهیم واضر فی مجموع کلامه علی أنّه تبری (و هم جماعة فضّلوا علیاً علی سایر الصحابة مع أنّهم مدحوا أبابکر و عمراً لأنّ أمیرالمؤمنین() بایعها بطوع و رغبة بعد مضی من الزمن و هم طائفة من الزیدیة).

و أقول إیضاً: إنّ صاحب الوسائل() روی فی نفس الباب[15] و هو الباب الرابع من أبواب الماء المضاف و المستعمل، الحدیث الأول بسند صحیح عن الشیخ عن محمد بن علی بن محبوب عن العباس (و الظاهر أنّه عباس بن المعروف الثقة) عن عبدالله بن المغیرة عن غیاث عن أبی عبدالله() قال: و لا یغسل بالبزاق شیء غیر الدم و الظاهر وحدة الروایتین بدلیل وحدة الراوی عن غیاث و المروی عنه ولذا العمل المستدلون، ذکر الروایة الثانیة و إحتمال کون غیاث من هذه الروایة غیر غیاث بن إبراهیم الراوی فی الروایة السابقة بعید.

4. صحیحة حکم بن حکیم بن أخی خلاد الصیرفی أنّه سأل أباعبدالله() فقال له: أبول فلا أصیب الماء و قد أصاب یدی شیء من البول فأمسحه بالحائط و بالتراب ثم تعرق یدی فأمسح وجهی أو بعض جسدی أو یصیب ثوبی؟ فقال: لا بأس[16] .

هذه الصحیحة کأنّها ناظرة إلی فتوی العامة فی قولهم بأنّ الحائط کالأحجار فی الإستنجاء و حتی من البول فسأل الراوی عن المسح یده بالحائط أو بالتراب کما هو الحال عند العامة مع إلتفاته إلی مذهب الشیعة فی عدم التطهّر بغیر الماء فی البول ولذا سأل عن المسح بالحائط ثم عرق الید، و مسحها بالوجه أو البدن أو الثیاب فأجاب() بعدم البأس علی خلاف الفتوی بعدم مطهریة ما سوی الماء و الشمس للبول و علیه یمکن الحمل علی التقیة، أو عدم التنجس الملاقی للنجس أو کون زوال النجاسة مطهر مطلق مع أنّ الکاشانی() أفتی بوجوب التطهیر بالماء عند الملاقاة النجس للبدن و یمکن الحمل علی عدم تنجیس ملاقی النجس لجسم آخر کما أفتی به بعضهم و بالجملة هذه الروایة لا تساعد مع ما أفتی به المفید() و السید() من زوال النجاسة بالماء المضاف.

و أما روایة غیاث فمع قطع النظر عن مخالفتها للشهرة بین الإمامیة بل الإجماع علی عدم مطهریة ما سوی الماء المطلق (غیر ما جففته الشمس من الأجسام المعتیة) و مع قطع النظر عن ردّها سنداً، لابدّ من الإقتصار علی مورده و هو خصوص الدم عند إزالته بالبضاق فلا یمکن التعدی إلی غیره.

فالمتحصّل مما تقدم: أنّ زوال عین النجاسة لا یوجب طهارة ملاقیها و کذا لا یکون الماء المضاف مطهراً من الحدث و لا من الخبث سیّما بالنظر إلی ما تقدم من ظهور الآیة الشریفة أنزلنا من السماء ماءً طهوراً و قوله ینزل علیکم ماءً لیطهرکم به بضمیمة ما رواه فی الوسائل فی باب 1 من أبواب الماء المطلق من الإمتنان علی أمة محمد(صلی‌الله علیه و آله) بجعله الماء لهم طهوراً فی قبال ما حکم علی بنی إسرائیل فی قرضهم ما أصابه البول من أبدانهم بالمقاریض و قال و قد وسع الله علیکم بأوسع ما بین السماء و الأرض و جعل لکم الماءً طهوراً فأنظروا کیف تکونون فإقتصر فی مقام الإمتنان برفع الحدث و الخبث بخصوص الماء دون غیره.


[1] . الوسائل الشیعة – باب نجاسة الکافر.
[2] . الوسائل الشیعة – باب14 من أبواب نجاسة الکافر – أحادیث 1 و 3 و 5 و 6 و 9 و 10 و 12 و.
[3] . الوسائل الشیعة – باب أوانی المشرکین طاهرة ما لم یعلم نجاستها.
[4] . الوسائل الشیعة – باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة و إن کان کثیراً و کذا المایعات.
[5] . الوسائل الشیعة – باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة و إن کان کثیراً و کذا المایعات – أحادیث 1 و 3.
[6] . الوسائل الشیعة – باب4 من أبواب الماء المطلق – حدیث 1.
[7] . وسائل الشیعة – باب9 من أبواب أحکام الخلوة – حدیث 6.
[8] . وسائل الشیعة – باب53 من أبواب النجاسات – حدیث 1.
[9] . وسائل الشیعة – باب2 من أبواب النجاسات – حدیث 1.
[10] . وسائل الشیعة – باب12 من أبواب النجاسات – حدیث 2.
[11] . وسائل الشیعة – باب1 من أبواب النجاسات – حدیث 2.
[12] . راجع التنقیح – جلد 2 – صفحة 31.
[13] . وسائل الشیعة – باب4 من أبواب الماء المضاف – حدیث 2.
[14] . جزء 1 – صفحة 406.
[15] . أی باب حکم الریق.
[16] . وسائل الشیعة – باب6 من أبواب النجاسات – حدیث 1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo