< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/01/28

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: فقه الطهارة

ذکر العلامة() فی المنتهی[1] : فی إزالة النجاسة بالمضاف قولان أقواهما المنع و به قال مالک و الشافعی و محمد بن الحسن و زفر خلافاً لأبی حنیفة و عن أحمد روایتان.

لنا وجوه: الأول ما ورد من وجوب الغسل بالماء عند الملاقاة و الماء یفهم منه عند الإطلاق بالمطلق و المقدمة الأولی نقلیة رواها الجمهور عن النبی(صلی‌الله علیه و آله) فی صحیحی المسلم و البخاری من حدیث أسماء فی سؤال عن دم الحیض؟ قال النبی(صلی‌الله علیه و آله) حتیه ثم أقرصیه ثم أغسلیه بالماء.

أقول: ذکر فی المنجد: (حتّ حتّاً الشجر: أسقط ورقه و قشره، حتّ الشیء عن الثوب: حکّه و إزاله عن الشیء: ردّه) و ذکر فی قرص: (قرص – قرصاً) لحمد: أخذه و لوی علیه بأصبعه فألمه – الثوب بالماء: غسله بأطراف الأصابع) و علیه فمعنی الحدیث: الأمر بالإزالة الحیض عن الثوب بأخذه بأطراف الأصابع و غسله بالماء و بهذا یتمّ الدلیل علی وجوب الإزالة النجاسة و غسل الثوب الذی أصابته النجاسة بالماء.

ثم تمسّک العلامة() لقوله بالمنع بما رواه فی الحسن عن حسین بن أبی العلاء عن الصبی یبول علی الثوب؟ قال یصب علیه الماء قلیلاً ثم یعصره و بما رواه الحلبی سألته عن بول الصبی؟ قال: تصب علیه الماء و بما رواه الحلبی فی الحسن رجل أجنب فی ثوبه و لیس معه ثوب غیره؟ قال: یصلّی فیه و إذا وجد الماء غسله.

و ذکر فی وجه الإستدلال: أنّهم() أمر بالغسل بالماء جواباً للسؤال و جعلوه طریقاً فی تحصیل الطهارة فلو حصلت بغیره لکان الیقین تضییقاً و هو منفی لما فیه من الحرج و عبثاً لخلوه عن الفائدة.

ثم أورد العلامة() علی هذا الإستدلال بوجوه: الأول: أنّ هذه قضیة فی عین و قضایا الأعیان لا عموم لها لتناولها صورة واحدة.

و حاصله: أنّ هذه الروایات وردت فی البول و الدم فلا عموم لها.

و أجاب العلامة() عنه بأنّ قضایا الأعیان حجة إتفاقاً فلا یسمع من أبی حنیفة و السید المرتضی() هذا المنع و هل أکثر أحکام الشرعیة إلّا مستنتدة إلی حکمه؟

أقول: حاصل هذا الجواب یرجع إلی ما أفاده السید الأستاد() من أنّ المتفاهم عند العرف عند السؤال عن بعض مصادیق الکلّی و

هو ثبوت الحکم للکلّی لا لخصوص مورد السؤال.

الوجه الثانی من الإشکال: أنّا نمنع دلالة التخصیص علی التعیین فإنّه قد یأتی لغیره کالتنبیه کما فی صورة التأفیف و کالتعدیة فی غیر

محل التنصیص للجامع المستنبط و ککون المذکور أغلب کما فی الربییبة فلِمَ لا یجوز ذلک هاهنا؟

و حاصل الإشکال أنّ ذکر الماء فی الغسل لا یدلّ علی إختصاص الحکم به لإحتمال الغلبة.

و ردّه العلامة() بقوله: أنّ الحکیم لا یخصّ شیئاً بالذکر مع إنتفاء المقتضی للتخصیص من التعیین بسؤال أو قرینة حال إلّا لإختصاصه بالحکم مع أنّه ذکر جنس الغسل فلو أراد التعمیم لإقتصر علیه.

و حاصله: أنّ ذکر خصوص الغسل بالماء فی المقام إزالة النجاسة کاشف عن إختصاص الحکم بذلک.

الوجه الثالث من الإشکال: أنّ الأمر بالحتّ و القرص فی ما رواه الجمهور من حدیث أسماء شاهدان علی عدم وجوب الغسل بالماء إذ هذان الأمران لیسا بواجبین و لا طریقین إلی حصول الطهارة فهما محمولان علی الإستحباب فها کذلک الأمر بالغسل فی آخر الحدیث.

و أجاب العلامة() عنه بقوله: أنّ الأمر قد ثبت أنّه للوجوب علی إنّا لم یتمسک بالأمر فی إثبات الإیجاب لیحمل علی الإستحباب و إنّما وقع التمسک بکونه نصّ علی الماء بالذکر فی جهة البیان فیختصّ بالتطهیر. و أما الحتّ و القرص فهما واجبان إذا لم یکن الإزالة إلّا بهما، علی أنّ خروج الدلیل عن الدلالة فی صورة المعیّن لا یقتضی الخروج العام.

و حاصل الإشکال: إنّ الحتّ و القرص لإزالة النجاسة لیسا بواجبین فهذا قرینة علی عدم وجوب الغسل بالماء إیضاً.

و حاصل جواب العلامة() أولاً أنّ مقتضی ظهور الأمر هو الوجوب و لعلّه لازم عند عدم إمکان الإزالة إلّا بهما و ثانیاً أنّ الروایة ناصة فی الغسل بالماء عند بیان کیفیة التطهیر فلا یمکن رفع الید عن النص بإحتمال عدم کون الأمر فی الحتّ و القرص للوجوب.

و الوجه الرابع من الإشکال: أنّ الأمر بالحتّ و القرص و الغسل أمر بإزالة العین المرئیة و مع زوالها بالحکّ مثلاً لم یبق ما یتوجه إلیه الخطاب کمن نذر ذبح شاة فماتت.

و أجاب العلامة() بقوله: أنّا لم نستدلّ علی الإیجاب لیدعی الخصمه إنتفاء الخطاب و إنّما تمسکنا به لإثبات تعیین الماء علی ما سبق، سلّمنا الإیجاب لکن الضمیر فی قوله: (ثم أغسلیه) عائد إلی الثوب بدلیل قوله(صلی‌الله علیه و آله) (ثم صلّی علیه) لا إلی الحیض.

أقول: حاصل الإشکال: أنّه مع الحتّ[2] و القرص[3] لم یبق فی البین نجاسة حتی یجب إزالتها عن الثوب أو البدن کما أنّه إذا نذر أحد ذبح کبش فی وقت معیّن ممّات الکبش مثل ذلک حیث أنّه لا موجب بالنذر الذبح.

و أجاب العلامة() وجه إلیه عنه أولاً بأنّ إستدلالنا بقوله (إغسلیه بالماء) فإنّه(صلی‌الله علیه و آله) عیّن زوال النجاسة بغسل الثوب بالماء لا یغسل دم الحیض.

الوجه الثانی من تمسک العلامة() لوجوب الغسل بالماء قوله: لا یجوز إزالة النجاسة الحکمیة و هو الحدث بالمضاف، فلا یجوز إزالة الحقیقیة به، بل أولی لأنّ الحکمی تقدیر الحقیقی و هو دونها.

أقول: لم أفهم أولویة زوال الحدث بالنسبة إلی زوال الخبث.

الوجه الثالث من تمسک العلامة: أنّه بملاقاة النجاسة یتنجس فلا یطهر المحل. لا یقال ینتقض بالماء. لأنّا نقول: یقتض الدلیل نجاستها، خالفناه فی الماء للإجماع، فلا یتعدی إلی غیره، لما فیه من کثرة مخالفة الدلیل. إنتهی.

أقول: إستدلّ العلامة() لوجوب إزالة الخبث بالماء بأنّه لا شکّ فی أنّ محل النجاسة نجس و ما هو الموجب لطهارته مع الشکّ فی زوال نجاسة المحل فلابدّ لتحصیل العلم بالطهارة و هو لا یحصل بدون الغسل بالماء.

ثم حاصل الإشکال: أنّ المستشکل یرد علی العلامة() بأنّ النجاسة إذا لم تطهر بإزالتها ولو بالمضاف فینقض بنفس الماء الملاقی مع النجس فأجاب بأنّ الإجماع قام علی حصول طهارة المحل بالماء دون المضاف.

الوجه الرابع من تمسک العلامة(): إنّ الشارع منع من الصلاة فی الثوب النجس أو إستصحاب النجس فی الصلاة فعتد الشک فی زوال المنع بالمضاف، یجری إستصحاب بقاء المنع.

أقول: هذا الوجه طاهر علی القول بجریان الإستصحاب فی الشبهة الحکمیة.

الوجه الخامس من أدلة العلامة(): أنّ الطهارة تراد لأجل الصلاة فلا تحصل بغیر الماء کطهارة الحدث و یؤیّده من حیث الشبه و المعنی. أما الشبه فإعتبار إحدی الطهارتین بالأخری نظراً إلی الإشتراک فی الإسم و المقصود أنّه مشعر بإتحاد الوسیلتین فی الحکم إلّا أن یبدی الخصم فارقاً، و أما المعنی فهو أنّ المحل إذا نجس إستدعی محیلاً و الإحاطة من خصائص الماء دون غیره من المایعات و دلیل الإختصاص طهارة الحدث.

أقول: توضیح کلامه أنّ الطهارة لفظ مشترک بین الطهارة من الحدث و الخبث و هی مطلوبة و مرادة فی الصلاة و هی تقتضی المشارکة فی کیفیة تحصیلها إذ الإشتراک فی الإسم مشعر بإتحاد وسیلتی کلّ من طهارة الحدث و الخبث فعلی القائل بالفرق فی الوسیلة إبداء الفرق. و کذا الطهارتان مشترکتان فی المعنی فإذا تنجّس المحل إستدعی ما حوّله و إزاله إلی الطهارة و الإحالة[4] من خصائص الماء دون غیره من المایعات و الشاهد علی خصائصها بالماء تحول المحدث إلی الطهارة بالغسل و الوضوء بالماء دون المایعات.

ثم أورد العلامة() علی نفسه بعدة إیرادات:

الأولی: ما حاصله منع الإشتراک فی لفظ الطهارة حیث أنّ إزالة النجاسة الخبثیة، هی مجرّد إزالة النجاسة عن المحل الطاهر فی الأصل، بینها أنّ الطهارة الحدثیة إیجاد نور و روح فی النفس بعد ما لم یکن کذلک.

الثانیة: لو سلّمنا الإشتراک فلا نسلم عن مطالبة الدلیل و مجرد الإشتراک فی الإسم لا یکفی فی إثبات وحدة الوسیلة[5] فإنّه ما من شیئین إلّا و یشترکان من جهة و یختلفان من أخری، لکن الجمع فی جمیع الجهات لا یمکن إلّا إذا إتفق فی المعنی المحصّل للحکم و لم یثبته الخصم لوضوح عدم الشرکة فی المعنی بین الطهارة الحدثیة و الطهارة الخبثیة.

الثالثة: من الإیرادات ثبوت الفرق بین الطهارتین لأنّ أحدهما نریله لعین مرئیة هی الطهارة الخبثیة دون الأخری و هی الطهارة الحدثیة إذ لا یتبیّن فیها زوال أمر مرئی، و علیه فلا محذور فی روال العین فی الأولی بالخل و بغیره بخلاف الثانیة المشروطة بالنیة و المولاة و الترتیب و هذا الفرق بین الطهارتین مجوز لإشتراط الثانیة بالماء دون الأولی مضافاً إلی کون طهارة الخبث أکثر توسعة فی مقام التحصیل حیث أنّها تحصل بفعل الصبی و المجنون بخلاف الطهارة الحدثیة المنوطة بالنیة و قصد القربة. و یزید فی الفرق بین الطهارتین أنّ الخمر المنقلب إلی الخل یطهر و یطهر الدرن مع أنّه لم یستعمل الماء و کذا یزید فی الفرق أنّ الطهارة الحدثیة تحصل بالتیمّم دون الخبثیة.

و أجاب العلامة() عن الأولی بجوابین: الأول إنّا نعلم قطعاً من عرف اللغة إطلاق الطهارة علی إزالة النجاسة. الثانی تصریح الشارع بإسم الطهارة لإزالة الخبث فی قوله() طهور إناء أحدکم إذا ولغ الکلب أن یغسله سبعاً و تمر ذلک من الأحادیث المنقولة.

و أجاب عن الثانیة و هی مطالبة الدلیل بقوله (ما بیّنا من الجامع).

و أجاب عن الثالثة إما بالنسبة إلی الخل بالمنع عن إزالة الخبث بالخل لعدم کونه بمعنی الماء لا یصدق علیه بمجرد سیلانه و شدة رطوبته. و إما بالنسبة إلی إشتراط النیة و الترتیب فی الطهارة الحدثیة بأنّ أباحنیفة لا یقول به. (أقول: تأمّل). و إما بالنسبة إلی حصول الطهارة الخبثیة بفعل الصبی و المجنون، بأنّ المقصود فی الطهارة الخبثیة إستعمال الماء لإزالتها و وجد ذلک ولو بفعل الصبی و المجنون.

و أجاب عن النقض بالخمر المنقلب خلّاً الموجب لطهارة الدرن و الظرف بأنّ الحاجة قاسة إلی الدخول[6] و هی مفتقرة إلی الظروف فلو حکمنا بنجاستها کان ذلک حکماً بنجاسة الخل و هی مخالفة للفرض.

و أجاب عن النقض بالتیمّم بأنّه لا یرفع الحدث و لا یسمّی طهارة حقیقیة عند بعضهم مضافاً إلی أنّ أباحنیفة یری کون التیمّم بدلاً و لا یری القیاس فی الإبدال.

ثم أخذ العلامة() فی ذکر إحتجاج القائل بالکفایة زوال عین النجاسة فی حصول الطهارة فإستدلّ أولاً بما ورد من الأمر بمجرد الغسل کروایة الجمهور عن الأسماء و ما رواه الأصحاب عن الصادق() إذا أصاب الثوب بالمنی فلیغسل و لیس فی ذلک تقیید بالماء و إستدلّ ثانیاً بروایة حکم بن حکیم الصیرفی (المتقدم ذکره) و بروایة غیاث بن إبراهیم و إستدلّ ثالثاً بأنّ النجاسة تابعة للعین بالدوران و قذرات فیزول معلولها.

و أجاب عن الأول أنّه لا ینافی التقیید بالماء فیحمل علیه، لما قلناه من الأدلة و لأنّ إطلاق الغسل ینصرف إلی تحصیله بالماء کما فی إطلاق (أسقنی).

و أجاب عن الثانی أنّ المراد من روایة حکم بن الحکیم بأنّه لا بأس بالصلاة معذلک قبل الغسل للضرورة و لیس فیه دلالة علی الطهارة و تحمل الروایة حینئذ علی ما إذا زالت الرطوبة بالعرق ثم یمسّ جسده أو وجهه أو ثوبه و عن روایة غیاث بأنّه تبری فلا تعویل علی روایته علی أنّه یمکن حملها علی الدم الذی لیس بنجس کدم ما لا نفس له سائله أو تحمل علی الإستعانة بالبصاق لا أنّه مطهّر.

و أجاب عن الثالث بالمنع من المقدمتین أی المنع عن کون النجاسة تابعة للعین و بمنع زوال المعلول بزوالها یعنی المنع عن العلیة.

هذا تمام کلامنا فی شرح ما أفاده العلامة() فی المقام أی عدم زوال النجاسة الخبثیة و حصول طهارتها بالماء المضاف أو زوال عین النجاسة. و لله درّه و علی الله تعالی أحرّه.

و هنا أدلة لفیض الکاشانی() فی متابعته للسید المرتضی() و الشیخ المفید() أشرفا إلیها فی الدروس السابقة و إنّما إکتفینا بشرح ما أفاده العلامة() فی المنتهی لما فیه من جامعیة لأدلة الطرفین. و السلام.


[1] . المسألة 5.
[2] . أی حکّ النجاسة.
[3] . أی إزالة النجاسة.
[4] . أی إزالة حال النجاسة.
[5] . أعنی الماء.
[6] . أی تحصیل الخل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo