< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

39/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: حقن المرأة بالسائل المنوی لرجل آخر غیر الزوج

تقدم الإشکال فی الإستدلال بقوله تعالی: یحفظن فروجهنّ فی الأخذ بإطلاق الأمر بحفظ الفرج الغیر المختص بالنظر أو المجامعة أو غیر ذلک، بأنّ الصحیحة لأبی بصیر خصّت الآیة بالنظر و یعضده ورود الآیة فی مورد النظر مع سبق الأمر بغضّ البصر.

و أورد أولاً: بأنّ الحدیث مصدره النسخة الموجودة بأیدی المتأخرین المعروفة بتفسیر علی بن إبراهیم القمی و من الصعب الإعتماد علی ما ورد فی هذه النسخة (و ذکر الوجه فی ذلک السید السیستانی(محمدرضا)فی ملحقات کتابه فی وسائل الأنجاب الصناعیة ص 543).

أقول: عمدة ما هناک یشیر إلی وجود روایات آخر من غیر علی بن إبراهیم فی هذا التفسیر مع عدم إمکان التمیز فی جمیع الموارد فراجع ما کتبه السید محمدرضا بهذا الصدد.

و الذی یسهّل الخطب ورود روایات آخر من أهل السنة و الشیعة بإختصاص هذه الآیة بالحفظ من النظر.

و أورد ثانیاً: بأنّ المراد من الحفظ هو الحفظ من الغیر لا من النفس فربّما تباشر المرأة بإدخال منی الأجنبی فی رحمه بابرة طبیّة دون لمس الغیر أو نظره.

و أجیب بأنّ المراد من حفظ الفرج کنایة عن عدم إستخدامه فیما یشینه و یظهر ذلک بمقایسة حفظه مع حفظ الدین و البصر مضافاً إلی أنّ إدخال منی الرجل الأجنبی یعد من توابع الغیر و شؤونه بخلاف ما لو باشرت الطبیبة حقن منی الزوج فی مهبل زوجته أو عملت الزوجة ذلک بنفسها.

و أورد ثالثاً: بأنّ معنی الحفظ، حفظ الفرج عما لا یحلّ شرعاً کما فسّره بعض المفسّرین و منهم الرازی و الکلام فی إثبات عدم الحلیة.

و فیه أنّ الظاهر من الآیة صون الفرج عما لا یلیق به و تُعَدُّ شیناً فی نظر العرف و العقلاء.

و أورد رابعاً: بأنّ الحفظ کنایة عن العفة کما نصّ علیه الراغب و أبرز مهام الفرج هو کونه آلة لممارسة غریزة الجنس التی هی إحدی الغرائز الأساسیة فی الإنسان فالمتبادر من حفظ الفرج صونه عن الممارسات الجنسیة و إما غیرها من الممارسات المشینة سواء تعلقت بالإستیلاء أم بغیره ککشفه بمرء الناظر الأجنبی فهی خارجة عما هو المنساق من التعبیر بحفظ الفرج.

و القول بإقتضاء الإطلاق ذلک مدفوع بأنّ کلمة حفظ الفرج کنایة عما تقدم و لا یصحّ فی الکنایة أخذ بإطلاق المکنی به فی تحدید المکنی عنه لأنّ مبنی الأخذ بالإطلاق هو إصالة التطابق بین المراد الإستعمالی مع المراد الجدی، لکن عدم التطابق بینهما فی الإستعمالات الکنائیة معلوم و من هنا نوقش فی الإستدلال بآیاتِ حفظ الفرج علی وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم بأنّها غیر ظاهرة فی ذلک بحدّ ذاتها و علیه فالقدر المتیقّن من وجوب حفظ الفرج فی هذه الآیة هو لزوم صونه عما یشینه من الممارسة الجنسیة دون غیرها و لا أقلّ من

الشک.

أقول: هذا بالنظر إلی ما هو المتعارف سیّما الأزمنة السابقة لکن القرآن یجری مجری اللیل و النهار لکلّ عصر و مصر فإطلاق وجوب الحفظ یقتضی الحفظ عن ما یشینه فی کلّ عصر و دور و کور و علیه لا فرق فی نظر العرف فی کون الحمل من الأجنبی شیناًسواء علم زوج الحامل بذلک أولم یعلم به بل سواء رضی بذلک أم لا کما هو الحال فی حفظ الدین إذاخرج رجل إلی محل یؤدی إلی نقصان دینه.

الآیة الثانیة: و المتصدّقین و المتصدّقات و الصائمین و الصائمات و الحافظین فروجهم و الحافظات..أعدّ الله لهم مغفرة و أجراً عظیما[1] .

و أورد علی الإستدلال بأنّ الوعد علی الفعل (کما فی الآیة) لا یزید علی الرجحان و المحبوبیة سیّما أنّه مذکور فی عداد بعض المستحبات کذکر الله تعالی مع أنّ مقتضی صحیح أبی بصیر المتقدّم فی قوله() المرأ یحفظ الفرج فی الآیات الحفظ من الزناء غیر الآیة الأولی عدم شمول هذه الآیة الثانیة للحفظ من غیر الزناء کالمقام و هو دخول المنی فی فرج إمرأة غیر حلیلة.

و الجواب أنّه لا ریب فی کون المراد من صحیح أبی بصیر فی غیر الآیة الأولی: کلّ ممارسة غیر لائقة إذ لا یحتمل أن یکون اللواط و نکاح البهیة و المساحقة و نحوها خارجة عن مفاد الآیات الواردة فی حفظ الفرج.

الآیة الثالثة: و الذین هم لفروجهم حافظون إلّا علی أزواجهم أو ما ملکت أیمانهم فإنّهم غیر ملومین فمن إبتغی وراء ذلک فأولئک هم العادون[2] .

و أورد علی الإستدلال بها مضافاً إلی ما سبق فی الآیتین أنّ هذه الآیة وردت فی وصف المؤمنین فی سورة المؤمنون و فی وصف المصلین فی سورة المعارج و کلّ اللفظین جمع مذکر سالم فلا تشمل الأناث مضافاً إلی أنّ الإستثناء فی الآیتین قرینة علی إختصاص المستنی منه بالرجال.

و الجواب واضح فإنّ مثل هذه الآیات المبیّنة للأحکام المشترکة بین الذکر و الأنثی و قیام الدلیل علی لزوم حفظ المرأة فرجها عن مملوکها لا یقدح فی إطلاق الآیة الکریمة بالنسبة إلی النساء.

الآیة الرابعة: و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن[3] .

لحّد الآن تمسکنا لحرمة هذا النوع من الحقن بآیات حفظ الفرج و الآن نذکر التمسک بآیة النهی عن الفاحشة قال الله تعالی و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن[4] .

وجه الإستدلال: أنّ الفاحشة – کما نصّ علیه إبن فارس فی مقائیس اللغة – تدلّ علی قبح فی الشنی و شناعة و ذکر إبن سیدة فی المحکم: هی کلّ قبیح من قول أو فعل و لا إختصاص بالزناء و نحوه من القبائح و من هنا ورد فی الرویات العموم: أنّه لیس من الطعام و الشراب و إنّما جعل الله ذلک حجاباً مما سواه من الفواحش من الفعل أو القول[5] .

و أما قول الصادق() فی معتبرة إسحاق بن عمار: الفواحش الزنی و السرقة[6] فهو إنّما ورد فی تفسیر قوله تعالی الذین یجتنبون کبائر الإثم و الفواحش اللّمم فی مقام عند الکبائر من الفواحش مضافاً إلی عدم دلالته علی الحصر بل هی فی مقام ضرب بعض الأمثلة لکبائر فی مقابل اللّمم و بالجملة لا ینبغی الإشکال فی شمول الفواحش لجمیع القبائح و الشنایع و لا ریب شفاعة إدخال منی الغیر فی فرج مرأة و إستیلادها منه فی نظر العرف و لذا تری أنّه لا یرضی ذوالشرف بذلک.

و أورد بأنّ الفاحشة کما نصّ علیه الراغب: کلّ ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال و کون الحمل من منی الغیر عظیم القبح عند العرف غیر واضح سیّما مع عقم الزوج و موافقته بعملیة النکاح.

مضافاً إلی عدم تسلیم القبح فیما حصل بحسب العادة و التقلید عن الآباء فی مجتمع بشری مع عدم منع الفطرة السلیمة عنه و کم من قبیح عند عرف دون عرف آخر أو زمان دون زمان و لذا تری إستقباح بعض المباحات عند العرف کمن یزوّج بنته أو أخته الباکرتین من رجل متعة مع الإذن فی الدخول و عدة عاداً عندهم مع إباحة ذلک شرعاً.

نعم. لو ثبت إستقباح عمل عند المتشرعة سیّما هم متشرعة متصلاً بعصر المعصومین() لوجب الإلتزام بحرمته.

أقول: و لا یبعد کون المقام من صغریات هذه الکبری.


[1] . سورة الأحزاب – آیة 35.
[2] . سورة المؤمنون – آیات 5 و 6 و 7.
[3] .سورة الأنعام – آیة 151.
[4] . سورة الأنعام – آیة 151.
[5] . وسائل الشیعة – جلد 7 – صفحة 119 – حدیث 13.
[6] . وسائل الشیعة – جلد 11 – صفحة 255 – حدیث 11.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo